إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " (102) آل عمران ، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا " (1) النساء ،" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" (71) الأحزاب
أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
سؤال : أريد أن أسأل هؤلاء الذين أخرجوا عظام المسلمين البالية وجعلت خارج المسجد ، وهذا العذر يا شيخ هل يسوغ لنا أن نصلى داخل المسجد دون أن نرى في ذلك حرج
الشيخ : يعنى القبور نبشت وأخرجت عظامها إلى خارج المسجد أليس كذلك؟؟
السائل : نعم
الشيخ : طبعا لم يبقى هناك محظور، هو فى الأصل المشكلة أن الناحية الشرعية كما تعلمون جميعا تقوم على الظاهر ، فلو فرض أن أرضا للمسجد هى أصلها قبور لكنها مدروسة ليس لها ظهور فالصلاة في هذه الأرض أو في هذا المسجد ليس فيها أي مشكلة ، والعكس بالعكس تماماً إذا فرض أن هناك قبر أو أكثر من قبر في أرض مسجد والحقيقة أنه ليس هناك إلا هذا القبر الظاهر أما الأسفل لا شيئ فهنا لا يجوز لأن العبرة بالظاهر ، فإذا كان درست القبور من المسجد وبخاصة إذا نبشت إذا كان هناك عظام كما تقول ثم دفنت في مكان آخر فالمحظور زال بلا شك لأن العبرة دائما بالظاهر.
ويعجبنى بهذه المناسبة ما يروى عن المعرِّى حينما قال في شعره :
صاح هذي قبورنا تملأ الرُّح ... ب فأين القبورُ من عهدِ عادِ
خفِّف الوطءَ ما أظنُّ أديم ال ... أرض إلاَّ من هذه الأجسادِ
وهذا أمر طبيعى فالأرض ..... تحتها أموات فالعبرة إذن بالشيئ الظاهر، ومسجد الرسول كما تعلمون كان عبارة عن قبور المشركين فنبشت وأزيل النخيل وبنى المسجد .
سائل (ما معناه): الحمد لله رب العالمين ، عندنا بنية أنشأت كمسجد كما تحدثت عن المقابر، هذا المسجد تم تشييده على أرض مقبرة، رفعت المقابر وبني المسجد عليه، هل تصح الصلاة فيه؟
الشيخ : سبق الجواب ، ما كنت معنا؟؟
السائل : اردت التفصيل لأن بعض العلماء قال لا يجوز الصلاة فيه
الشيخ : لا قد أجبنا على هذا السؤال بعينه ، ولعلك ستذكره إن شاء الله حينما أتينا ببيت المعرى
صاح هذي قبورنا تملأ الرُّح ... ب فأين القبورُ من عهدِ عادِ
خفِّف الوطءَ ما أظنُّ أديم ال ... أرض إلاَّ من هذه الأجسادِ
ما سمعت هذا السؤال؟ فهذه كانت المناسبة جواب سؤال أخونا وهو أن هناك مسجد كانت في ساحته مقابر فنبشت ودفنت خارج المسجد ، هل تصح الصلاة في هذه المسجد؟ الجواب نعم ، لأننا قلنا أن الشارع الحكيم أولاً ينظر بالظاهر وضربنا مثلا أنه لو كان هناك قبر ظاهر لكن في الداخل لا شيئ إطلاقا كما يروى عن بعض الدجالين لعلك سمعت قصتهم حينما بنو قبرا وبنوعليه قبة وأشاعوا بين الناس أنه رأى في المنام أنه هنا مدفون أحد الأولياء والصالحين ، فأشاعوا هذه الأخبار والناس كما تعلمون أتباع كل ناعق فصارت تأتيه الزوار والهدايا والنذور إلى آخره ، فكانوا اثنين وذات يوم اختلفوا بعضهم مع بعض ووصل بهم الإختلاف إلى أن أحدهم قال لصاحبه بمعنى القصة أنه بتحلف بأنه فيه شيخ قاله لا شيخ ولا فريخ وأننا استفدنا هذا من أجل جلب المال ، القصد أن هذا لقبر ظاهر لا يجوز قصده ولو كنا نعلم أنه ليس هناك دفين تحته إطلاقا ، من أجل هذا من تاريخ حياتى منذ نعومة شبابى أننى تركت الصلاة في المسجد الأكبر في سوريا وفى دمشق في المسجد الأموى لماذا ؟ ، لأن فيه قبر زعموا أنه قبر يحي عليه السلام ، مش يحيى كله ولكن رأسه فقط وهناك أبهة وقبة وذهب مطلى وإلى آخره والناس يقصدونه للتبرك والدعاء إلى آخره ، فأنا تركت الصلاة في هذا المسجد عشرات السنين ، وأنا أول الناس إيمانا أنه ليس هناك قبر ولكن هناك مظهر قبر والإسلام يبنى أحكامه كلها على الظاهر والله يتولى السرائر، لذلك إن وجد هناك مسجد فيه صورة قبر فالصلاة لا تصح فيه ولا تجزئ ، وإن وجد مسجد ليس فيه قبر ظاهر لكن المفروض أن الأرض كلها قبور مش مهم لأن ليس هناك قبر ظاهر يقصد ويعبد ويدعى من دون الله عز وجل كما قال ربنا عز وجل منبها ومحذرا :" وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا " (1 الجن ، فوجود صورة قبر وهو ليس في الحقيقة قبر ، هذا وحده يكفى لدعوته من دون الله عز وجل وعدم وجود صورة قبر ولو كانت الأرض كلها مرزايا (أي: مليئة) برميم الموتى وبدمائهم إلى آخره ، فذلك لا يضر ولكن إن كانت هناك أرض كان عليها قبور ظاهرة ثم أريد بناء مسجد عليها لسبب أو لآخر فنبشت وظهر فيها عظام وأخرجت الرفات منها ثم سويت فالصلاة فيها صحيحة ، هذا ما كنت ذكرته خلاصته جوابا لسؤال الأخ أبى بلال الذى هو وكأنك ما سمعته ووجهته مرة أخرى ، أما أن الصلاة في المسجد الذى فيه صورة لا تصح فهذا يحتاج إلى دليل شرعى حتى نخضع عقولنا وعقيدتنا له ، وهذا لا وجود له ، ولكن لا شك ولا ريب أنه لا يجوز إدخال الصور إلى المساجد التى يعبد الله عز وجل فيها ولكن كل ما في الأمر أننا لا نستطيع أن نقول أن الصلاة في هذا المسجد لا تصح كالصلاة في المسجد الذى فيه قبر أو قبور ، لأن هناك فيه نصوص كثيرة ، مثل" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد" ونحو ذلك من الأحاديث .
أما أن يقال أن المكان أو المسجد إذا كان فيه صورة فالصلاة فيه لا تصح ، فهذا لا دليل عليه ، ولذلك على أهل المسجد أن يتعاون بعضهم مع بعض وألا يسمحوا بتعليق أى صورة في مسجد بل حتى في دار إذا كان السكان فيها جماعة منهم من يدين الله بالإسلام الحق فينبغى أن يعمل بكل وسيلة ألا يعلق في تلك الدار صورة فضلا عن بيت من بيوت الله عز وجل .
إذن الصور لا تجوز أن تعلق في بيوت الناس فضلا عن بيوت الله عز وجل ولكن كون الصلاة في هذا البيت أو في غيره لا تصح فهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل، واضح.
ثم أزيد في البيان وأقول إذا كان عندك مسجد شرقى ومسجد غربى أحدهما فيه صور والآخر ليس فيه صور ، فعليك بهذا الذى ليس فيه صور ابتعادا عن المسجد الذى فيه صور أما إذا كنت لست بين مسجدين لك أن تختار اقلهما مخالفة للشرع ، فحينئذٍ لا عليك من إثم ومن كراهة فيما إذا صليت في ذلك المسجد فلا عليك شئ ، لكن إن كان لك كلمة وكان بإمكانك أن توجه نصيحة إلى أؤلئك الشباب الذين تورطوا في تعليق هذه الصور فيجب عليك أن تفعل إئتمارا بالأمر بالمعروف وانتهاءا عن المنكر
سائل : بعض المشايخ يفرقون بين إذا ما كان المصلى يستقبل القبر أم إذا كان القبر خلف المصلى ففى الحالة الأولى لا يجيزون الصلاة وفى الحالة الثانية يجيزونها ، فما هو رأيكم ، وبارك الله فيكم
الشيخ : الله يهديهم ، نحن قد تكلمنا على هذه المسألة بشيئ من التفصيل في كتابنا المطبوع قديما في عديد من الطبعات المسمى بتحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ، قلنا إن المسألة تختلف بين الصلاة في مسجد فيه قبر وبين الصلاة في أرض ليست مسجداً ليس فيه قبر، ففى الحالة الأولى أى المسجد الذى فيه قبر لا فرق بين الصلاة الى القبر أو إلى يمينه أو إلى يساره أو من أمامه ، قريبا منه أو بعيداً عنه لا فرق في ذلك ، لأن هذا المصلى في أى صورة من هذه الصور المذكورة آنفا صلى فقد صلَّى في مسجد بُنى على قبر ، والرسول عليه السلام في الأحاديث المتواترة في لعن الذين سبقونا من اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد وفى الحديث الخاص بهذه الأمة والذى جاء في بعض رواياته في صحيح مسلم كما تقول السيدة عائشة يحذر مما فعلوا ، " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر عليه السلام مما صنعوا ، وتقول السيدة عائشة في رواية مختلف عليها في الصحيحين: ولولا ذلك لأبرز قبره عليه السلام ولكنه لم يفعل لأنه خشي أن يتخذ مسجدا، كذلك أخيرا يأتى قوله عليه السلام :" إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد " هذا ليس خاصاً بالأمم السابقة وإنما بالأمة اللاحقة آخر الأمم وهى أمة الرسول عليه السلام .
إذن لا فرق من حيث أن الصلاة لا تصح في المسجد المبنى على القبر في أى جهة صلى المصلي في هذا المسجد ، نعم هناك فرق بين من يصلى بعيدا وبين من يقصد الصلاة الى القبر كما يفعل بعض الضالين هناك في المسجد النبوى ، لا يعجبهم أن يصلوا في المسجد النبوي وفيه القبر إلا أن يصلوا في السدة التى إذا صلوا فيها استقبلوا القبر هذا أشر من ذاك لكن كلهم يشملهم أن الصلاة باطلة .
وهنا لابد من التنبيه مما كنا نبهنا عليه في ذلك الكتاب في صورة خاصة وربما في غيره أن مسجد النبي صلَّى الله عليه وسلم لا يشمله هذا الحكم لأن له صبغة وصفة شرعية وأن الصلاة فيه بألف صلاة ممن ساواه من غيره في المساجد إلا المسجد الحرام هذه الألف صلاة من الفضيلة لا يمكن نسخها من عندنا بسبب ما طرأ عليه من إدخال ما خشيه الرسول عليه السلام حينما بين وسن للناس أن يدفن في حجرته، هذا في الحكم في الصلاة على المسجد المبنى على القبر .
أما قبر في أرض عراء فهذا الحكم لا ينسحب من هناك إلى هذه الأرض ، وإنما من صلَّى هنا إلى القبر فهذا هو المحظور وهذا هو المنهى عنه في قوله عليه الصلاة والسلام : "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" هذا حكم خاص في قبر في أرض في العراء ، أما القبر في المسجد فكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا المكان الذى بنى وفيه قبر صار مقبرة ولو بقبر واحد ، وبعض الحنابلة - كما يذكر هو - اشترط أن تكون القبور في ذلك المكان ثلاثة حتى يصبح ذلك المكان مقبرة وقال ابن تيمية: هذا العدد لا أصل له لا لغة ولا شرعاً ، مجرد أن يدفن رجل أو شخص أو ميت واحد في هذه الأرض صارت الأرض مقبرة، فإذا كان المسجد فيه قبر واحد لا تجوز الصلاة فيه ، وأيضا الأرض العراء ليست مسجداً وفيها قبر لا تجوز الصلاة إلى القبر مواجهةً أما إذا صلَّى بعيداً يمينا يساراً أو أماما فلا محظور في ذلك ، بهذا ينتهى الجواب عن سؤال أخونا الكريم .
سؤال : بعض العلماء يقولون إذا أدخل القبر على المسجد فينبش القبر ويبقى المسجد ويقولون إذا بنى المسجد على القبر فيهدم المسجد ، فهل هذا التفريق صحيح وهل له أصل في السنة ؟
الشيخ : نعم صحيح ، ولكن هذا ليس له علاقة بحكم الصلاة فيه ، حكم الصلاة إذا طرأ المسجد على القبر أو طرا القبر على المسجد فالحكم كما سمعتم أما هل يزال القبر أو المسجد فلابد من القضاء على الباغِ فإذا كان هناك أرض دفن فيها ميت فجاء أحد الغواة وبنى عليه مسجد ، فيزال هذا المسجد لأنه هو الباغي وعلى العكس من ذلك إذا كان هناك مسجد بُنى على تقوى من الله ورضوان من الله عز وجل ، وجاء أحد الغواة وأوصى أنه إن مات دفن فيه وفعلا دفن فيه ، فيقذف بجثته إلى خارج المسجد ، لأنه هو الباغى على المسجد ، فهذا كلام صحيح بلا شك .
سؤال : يا شيخ بالنسبة للمشي بين القبور بالحذاء أو بغير الحذاء وهل هذا خاص بقبور المسلمين أو كانت قبور مشركين والجلوس عليها كذلك وهل نفرق بين قبر المسلم والمشرك والمشي بينها بحذاء أو بغير حذاء؟؟
الشيخ : لا شك أن هذا الحكم يختلف عن قبور المسلمين وقبور المشركين ، ذلك بأن المشركين في قيد حياتهم لا حرمة لهم ، فمن باب أولى أنه من بعد وفاتهم فهم لا حرمة لهم ، أما المسلم فهو كما قال عليه الصلاة والسلام : "كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيا" فمن هذا الباب يعطينا هذا الحديث ما فهمناه أيضا من حديثنا الأخير: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " هذا الحديث يلتقى مع حديث " كسر عظم المؤمن حيا ككسره ميتا" كيف يلتقيان؟؟ أى يعطى حرمة ومقاماً واحتراماً للمؤمن حتى بعد موته فلا يجوز كسر عظمه ميتا كما كان لا يجوز كسره حيا ، هذا معناه أن الشارع الحكيم يأمرنا بإحترام أموات المسلمين ، من هذه النقطة يلتقى الحديث الأول – لا تجلسوا على القبور احتراما لها ، ولا تصلُّوا إليها تعظيما لها ، لأن الصلاة لا تجوز إلا بإستقبال بيت الله الحرام ، إذن هذا الحديث الأول " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " جمع بين خصلتين تحققان العدل مع أموات المسلمين ، لا يهانون لا يداسون ولا يعظمون تعظيما مخلا بالتوحيد ، كذلك قوله عليه السلام: "كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيا" ، فإذا كان الأمر كذلك ترتب منه أدب آخر يلتقى مع قوله لا تجلسوا على القبور أى لا تدوسوا القبور بنعالكم ، فإن كان ولابد وهذا واقعيا ، فلابد من السير بين القبور وعلى الأقل لدفن الميت فحينئذ يأتى قوله عليه السلام الثابت في السنن والمسند: " يا صاحب السبتيتين اخلع نعليك" إذن الأمر بخلع النعليك في هذا الحديث من باب لا تجلسوا على القبور أى احتراما وتأدباً مع هؤلاء المسلمين أما الكفار فلا حرمة ولا ذمة لهم خاصة بعد وفاتهم وبعد أن آلوا إلى حفرة من حفر النار . لعلى أجبتك؟
السائل : أقصد المشى بين القبور ولا يدعس على المقابر؟
الشيخ : هو بين القبور بارك الله فيك لأن الحديث جاء في ماذا؟؟؟ هل كان يدوس على القبور ؟؟ ، هو يمشى في القبور ، يمشى مشيا عاديا بين القبور فناداه عليه السلام وقال له: "يا صاحب السبتيتين اخلع نعليك" ، الدعس على المقابر شئ والسير بين المقابر شئ آخر من حيث الواقع لكنهما شيئا واحدا من حيث الحكم الشرعى فكما أنه لا يجوز القعود على القبر مباشرة كذلك لا يجوز أن تمشى بين المقابر إلا لما قلنا آنفاً أنك بحاجة أن تدفن ميتاً مثلا في مكان ما ، حينئذٍ لابد أن تخلع نعليك ، هناك صورة أخرى أتصورها ممكن اليوم تنظيمها أمام القبر ما كانوا يفكرون في مثل هذا الأمر اطلاقا وهو جعل ممر بين أقسام المقبرة هذه يمشى الناس فيها ولكن في النهاية لابد من الدخول بين القبور ، إلا أن هذا التنظيم يخفف المخالفة فهذا ما فيه مانع ، الآن مثلا في المقبرة التى تسمى بالمقبرة الإسلامية في سحاب وأنا لا أحب أن تسمى بالمقبرة الإسلامية مثل ما يقولون مثلا الجامعة الإسلامية أو جامعة الملك فلان الإسلامية ، ياجماعة لماذا هذا الوصفات التى تسمى بصفة كاشفة ، يعنى هل جامعة الملك فلان غير اسلامية؟؟ وهذا كله من شأنه إرضاء توجيهات تأتى من الغرب .
سائل : يا شيخ نحن عمليا كنا دخلنا وإياكم البقيع في دفن (فلان) الله يرحمه فكنت لما دخل الممرات الواسعة تلبس الحذاء ولما دخلت الممرات الداخلية خلعت الحذاء .
الشيخ : وهو كذلك
سائل : أحيانا يا شيخ تكون الشمس حارة جدا فيمشى بعضهم بحذاءه أما في المغرب والعشاء يخلعون حذائهم.
الشيه : بارك الله فيك ، فأنا دائما أذكر أخواننا طلاب العلم ، دائما المسائل تعالج بدون تطريق إحتمالات ، واضح جدا ، هل يجوز أكل الميتة؟؟ الجواب لا ، يقول ، طيب ممكن يموت إذا لم يأكل ، نقول له طيب ، وهكذا المسائل العارضة لا يجب أن ينظر إليها النظرة العادية الشمولية ، فإذا قلت يجوز أو لا يجوز؟؟؟ الجواب نقول لا يجوز فتقول ولكن الأرض رمضاء شديدة الحرارة وخاصة بالنسبة لأمثالنا المنعمين الذين أسفل أقدامهم كخفاف الفصال كما قال رسول الله في "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" ماذا يفعل (الحيوان) لأن خفه ناعم ما صار كخف أمهم وأبيهم به نعل أو ما به نعل ما بيشعر بالحرارة إطلاقاً فهو بيكون أولاً (حيوان) يبدو له أن ينتقل من مربضه وإذا به يقفز لأنه يشعر بالرمضاء من أسفله فيعود الى مربضه القصد أن الإنسان إذا عارض هذه الصورة ، فحين إذن الضرورات تبيح المحظورات .
سائل (ما معناه): لماذا (تقول مقبرة إسلامية وغير إسلامية)؟
الشيخ : لماذا تمييز يا أخى نحن في أرض إسلامية ونحن بلدنا كله إسلامى ، فوضع هذه الصفات تشعر الإنسان بأنه هناك من يبارينا ومن يعادينا وهم غير الإسلاميين .
السائل: شعرت شيخنا لما ذكرت بأن هذه مقبرة إسلامية لتنظيم المداخل التى بها والممرات بحيث أنه هناك مجال لخلع النعل .
الشيخ : هذا صريح كلامى ولكنى أنا عرجت على كلمة إسلامية فقط
السائل : التمييز بكلمة إسلامية وغير إسلامية الحقيقة نحن يلزمنا لأن الآن المقابر عاملينها في سفح كبير في الجبل لها مدخل المقابر الجديدة ثم في الداخل ، عند اليسار المقابر المسيحية ثم بعدها ب100 متر المقابر الإسلامية .
الشيخ : وهذا هو ولكم نص في هذا ، الرسول مر بمقابر المسلمين فقال :"لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا ومر بمقابر المشركين فقال عنهم لقد فاتهم خير كثير ، أو كما قال عليه السلام، ولكنى أعتقد أنه كما أن المسلم والمشرك لا تترائى نارهما أحياءا كذلك لا ينبغى أن نترائى نارهما إن كان لهما نار أمواتا - يعنى ينبغى أن يكونوا بعيدين بعضهم عن بعضهم البعض.
سؤال: بخصوص كسر عظم الميت تقولون أن فيه إيذاء ، هل معنى ذلك يا شيخنا أن جسم الميت يتألم ؟؟
الشيخ : لا إنما هو إيذاء معنوى
سائل : يا شيخ بارك الله فيك، بما أننا نتكلم في الجنائز ، فإذا كنت قريبا من جنازة أو كنت صليت في المسجد وجاءت جنازة ، فأحببت أن تتبع هذه الجنازة وتأخذ الأجر إن شاء الله ، هل لك حق شرعى أن تسال هل هذا الميت مات على الإسلام أو مات على الشرك أو أنه مات على غير ملة الإسلام أو إنك تتبعه وتأخذ بالظاهر؟
الشيخ : لا، تأخذ بالظاهر فقط ، لكن للجواب على السؤال تتمة، هذا الجواب هو الأصل ، ولكن قد يعرض لكثير من الأصول والقواعد ما يأخذ بها خطا آخر من باب التقييد أو التخصيص، فأنا أصور لك صورة الآن ، زيد من الناس رأى جنازة خرجت من المسجد أو دخلت إلى المسجد ، فهو يريد أن يصلى عليها أو أن يشيعها ، هو عنده شيئ من المعرفة عن هذا الميت سابقا والمعرفة التى يعرفها عنه قد تحول بينه وبين الصلاة عليه ، هنا في مثل هذه الصورة قد يكون له الحق أن يسأل من يظن أنه من العارفين بهذا الميت ، هل مثلا حسن حاله؟؟ هل تاب؟ هل آب؟ هل رجع؟ إلى آخره ، مثل هذه الصورة وقد يكون لها صور أخرى ممكن أن يقال يسأل ، أما القاعدة أنه لا يسأل ، لأن الأحكام تمشى على الظاهر كما ذكرنا أكثر من مرة .
سائل : لفتة حول أغثنا بالماء ، نريد لفتة حول الإستغاثة
الشيخ : ".....فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ..... " (16) القصص، فالإستغاثة التى نحن ندعو الناس إلى تحريمها وعدم الوقوع في أمثالها: إنما هى :
أولا : إستغاثة الحي بالميت ، أو استغاثة الحي بالحي فيما لا يقدر عليه إلا الله الحي ، واضح؟ جزاك الله خيراً.
تمت ولله الحمد
أما بعد فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
سؤال : أريد أن أسأل هؤلاء الذين أخرجوا عظام المسلمين البالية وجعلت خارج المسجد ، وهذا العذر يا شيخ هل يسوغ لنا أن نصلى داخل المسجد دون أن نرى في ذلك حرج
الشيخ : يعنى القبور نبشت وأخرجت عظامها إلى خارج المسجد أليس كذلك؟؟
السائل : نعم
الشيخ : طبعا لم يبقى هناك محظور، هو فى الأصل المشكلة أن الناحية الشرعية كما تعلمون جميعا تقوم على الظاهر ، فلو فرض أن أرضا للمسجد هى أصلها قبور لكنها مدروسة ليس لها ظهور فالصلاة في هذه الأرض أو في هذا المسجد ليس فيها أي مشكلة ، والعكس بالعكس تماماً إذا فرض أن هناك قبر أو أكثر من قبر في أرض مسجد والحقيقة أنه ليس هناك إلا هذا القبر الظاهر أما الأسفل لا شيئ فهنا لا يجوز لأن العبرة بالظاهر ، فإذا كان درست القبور من المسجد وبخاصة إذا نبشت إذا كان هناك عظام كما تقول ثم دفنت في مكان آخر فالمحظور زال بلا شك لأن العبرة دائما بالظاهر.
ويعجبنى بهذه المناسبة ما يروى عن المعرِّى حينما قال في شعره :
صاح هذي قبورنا تملأ الرُّح ... ب فأين القبورُ من عهدِ عادِ
خفِّف الوطءَ ما أظنُّ أديم ال ... أرض إلاَّ من هذه الأجسادِ
وهذا أمر طبيعى فالأرض ..... تحتها أموات فالعبرة إذن بالشيئ الظاهر، ومسجد الرسول كما تعلمون كان عبارة عن قبور المشركين فنبشت وأزيل النخيل وبنى المسجد .
سائل (ما معناه): الحمد لله رب العالمين ، عندنا بنية أنشأت كمسجد كما تحدثت عن المقابر، هذا المسجد تم تشييده على أرض مقبرة، رفعت المقابر وبني المسجد عليه، هل تصح الصلاة فيه؟
الشيخ : سبق الجواب ، ما كنت معنا؟؟
السائل : اردت التفصيل لأن بعض العلماء قال لا يجوز الصلاة فيه
الشيخ : لا قد أجبنا على هذا السؤال بعينه ، ولعلك ستذكره إن شاء الله حينما أتينا ببيت المعرى
صاح هذي قبورنا تملأ الرُّح ... ب فأين القبورُ من عهدِ عادِ
خفِّف الوطءَ ما أظنُّ أديم ال ... أرض إلاَّ من هذه الأجسادِ
ما سمعت هذا السؤال؟ فهذه كانت المناسبة جواب سؤال أخونا وهو أن هناك مسجد كانت في ساحته مقابر فنبشت ودفنت خارج المسجد ، هل تصح الصلاة في هذه المسجد؟ الجواب نعم ، لأننا قلنا أن الشارع الحكيم أولاً ينظر بالظاهر وضربنا مثلا أنه لو كان هناك قبر ظاهر لكن في الداخل لا شيئ إطلاقا كما يروى عن بعض الدجالين لعلك سمعت قصتهم حينما بنو قبرا وبنوعليه قبة وأشاعوا بين الناس أنه رأى في المنام أنه هنا مدفون أحد الأولياء والصالحين ، فأشاعوا هذه الأخبار والناس كما تعلمون أتباع كل ناعق فصارت تأتيه الزوار والهدايا والنذور إلى آخره ، فكانوا اثنين وذات يوم اختلفوا بعضهم مع بعض ووصل بهم الإختلاف إلى أن أحدهم قال لصاحبه بمعنى القصة أنه بتحلف بأنه فيه شيخ قاله لا شيخ ولا فريخ وأننا استفدنا هذا من أجل جلب المال ، القصد أن هذا لقبر ظاهر لا يجوز قصده ولو كنا نعلم أنه ليس هناك دفين تحته إطلاقا ، من أجل هذا من تاريخ حياتى منذ نعومة شبابى أننى تركت الصلاة في المسجد الأكبر في سوريا وفى دمشق في المسجد الأموى لماذا ؟ ، لأن فيه قبر زعموا أنه قبر يحي عليه السلام ، مش يحيى كله ولكن رأسه فقط وهناك أبهة وقبة وذهب مطلى وإلى آخره والناس يقصدونه للتبرك والدعاء إلى آخره ، فأنا تركت الصلاة في هذا المسجد عشرات السنين ، وأنا أول الناس إيمانا أنه ليس هناك قبر ولكن هناك مظهر قبر والإسلام يبنى أحكامه كلها على الظاهر والله يتولى السرائر، لذلك إن وجد هناك مسجد فيه صورة قبر فالصلاة لا تصح فيه ولا تجزئ ، وإن وجد مسجد ليس فيه قبر ظاهر لكن المفروض أن الأرض كلها قبور مش مهم لأن ليس هناك قبر ظاهر يقصد ويعبد ويدعى من دون الله عز وجل كما قال ربنا عز وجل منبها ومحذرا :" وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا " (1 الجن ، فوجود صورة قبر وهو ليس في الحقيقة قبر ، هذا وحده يكفى لدعوته من دون الله عز وجل وعدم وجود صورة قبر ولو كانت الأرض كلها مرزايا (أي: مليئة) برميم الموتى وبدمائهم إلى آخره ، فذلك لا يضر ولكن إن كانت هناك أرض كان عليها قبور ظاهرة ثم أريد بناء مسجد عليها لسبب أو لآخر فنبشت وظهر فيها عظام وأخرجت الرفات منها ثم سويت فالصلاة فيها صحيحة ، هذا ما كنت ذكرته خلاصته جوابا لسؤال الأخ أبى بلال الذى هو وكأنك ما سمعته ووجهته مرة أخرى ، أما أن الصلاة في المسجد الذى فيه صورة لا تصح فهذا يحتاج إلى دليل شرعى حتى نخضع عقولنا وعقيدتنا له ، وهذا لا وجود له ، ولكن لا شك ولا ريب أنه لا يجوز إدخال الصور إلى المساجد التى يعبد الله عز وجل فيها ولكن كل ما في الأمر أننا لا نستطيع أن نقول أن الصلاة في هذا المسجد لا تصح كالصلاة في المسجد الذى فيه قبر أو قبور ، لأن هناك فيه نصوص كثيرة ، مثل" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد" ونحو ذلك من الأحاديث .
أما أن يقال أن المكان أو المسجد إذا كان فيه صورة فالصلاة فيه لا تصح ، فهذا لا دليل عليه ، ولذلك على أهل المسجد أن يتعاون بعضهم مع بعض وألا يسمحوا بتعليق أى صورة في مسجد بل حتى في دار إذا كان السكان فيها جماعة منهم من يدين الله بالإسلام الحق فينبغى أن يعمل بكل وسيلة ألا يعلق في تلك الدار صورة فضلا عن بيت من بيوت الله عز وجل .
إذن الصور لا تجوز أن تعلق في بيوت الناس فضلا عن بيوت الله عز وجل ولكن كون الصلاة في هذا البيت أو في غيره لا تصح فهذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل، واضح.
ثم أزيد في البيان وأقول إذا كان عندك مسجد شرقى ومسجد غربى أحدهما فيه صور والآخر ليس فيه صور ، فعليك بهذا الذى ليس فيه صور ابتعادا عن المسجد الذى فيه صور أما إذا كنت لست بين مسجدين لك أن تختار اقلهما مخالفة للشرع ، فحينئذٍ لا عليك من إثم ومن كراهة فيما إذا صليت في ذلك المسجد فلا عليك شئ ، لكن إن كان لك كلمة وكان بإمكانك أن توجه نصيحة إلى أؤلئك الشباب الذين تورطوا في تعليق هذه الصور فيجب عليك أن تفعل إئتمارا بالأمر بالمعروف وانتهاءا عن المنكر
سائل : بعض المشايخ يفرقون بين إذا ما كان المصلى يستقبل القبر أم إذا كان القبر خلف المصلى ففى الحالة الأولى لا يجيزون الصلاة وفى الحالة الثانية يجيزونها ، فما هو رأيكم ، وبارك الله فيكم
الشيخ : الله يهديهم ، نحن قد تكلمنا على هذه المسألة بشيئ من التفصيل في كتابنا المطبوع قديما في عديد من الطبعات المسمى بتحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ، قلنا إن المسألة تختلف بين الصلاة في مسجد فيه قبر وبين الصلاة في أرض ليست مسجداً ليس فيه قبر، ففى الحالة الأولى أى المسجد الذى فيه قبر لا فرق بين الصلاة الى القبر أو إلى يمينه أو إلى يساره أو من أمامه ، قريبا منه أو بعيداً عنه لا فرق في ذلك ، لأن هذا المصلى في أى صورة من هذه الصور المذكورة آنفا صلى فقد صلَّى في مسجد بُنى على قبر ، والرسول عليه السلام في الأحاديث المتواترة في لعن الذين سبقونا من اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد وفى الحديث الخاص بهذه الأمة والذى جاء في بعض رواياته في صحيح مسلم كما تقول السيدة عائشة يحذر مما فعلوا ، " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر عليه السلام مما صنعوا ، وتقول السيدة عائشة في رواية مختلف عليها في الصحيحين: ولولا ذلك لأبرز قبره عليه السلام ولكنه لم يفعل لأنه خشي أن يتخذ مسجدا، كذلك أخيرا يأتى قوله عليه السلام :" إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد " هذا ليس خاصاً بالأمم السابقة وإنما بالأمة اللاحقة آخر الأمم وهى أمة الرسول عليه السلام .
إذن لا فرق من حيث أن الصلاة لا تصح في المسجد المبنى على القبر في أى جهة صلى المصلي في هذا المسجد ، نعم هناك فرق بين من يصلى بعيدا وبين من يقصد الصلاة الى القبر كما يفعل بعض الضالين هناك في المسجد النبوى ، لا يعجبهم أن يصلوا في المسجد النبوي وفيه القبر إلا أن يصلوا في السدة التى إذا صلوا فيها استقبلوا القبر هذا أشر من ذاك لكن كلهم يشملهم أن الصلاة باطلة .
وهنا لابد من التنبيه مما كنا نبهنا عليه في ذلك الكتاب في صورة خاصة وربما في غيره أن مسجد النبي صلَّى الله عليه وسلم لا يشمله هذا الحكم لأن له صبغة وصفة شرعية وأن الصلاة فيه بألف صلاة ممن ساواه من غيره في المساجد إلا المسجد الحرام هذه الألف صلاة من الفضيلة لا يمكن نسخها من عندنا بسبب ما طرأ عليه من إدخال ما خشيه الرسول عليه السلام حينما بين وسن للناس أن يدفن في حجرته، هذا في الحكم في الصلاة على المسجد المبنى على القبر .
أما قبر في أرض عراء فهذا الحكم لا ينسحب من هناك إلى هذه الأرض ، وإنما من صلَّى هنا إلى القبر فهذا هو المحظور وهذا هو المنهى عنه في قوله عليه الصلاة والسلام : "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" هذا حكم خاص في قبر في أرض في العراء ، أما القبر في المسجد فكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: هذا المكان الذى بنى وفيه قبر صار مقبرة ولو بقبر واحد ، وبعض الحنابلة - كما يذكر هو - اشترط أن تكون القبور في ذلك المكان ثلاثة حتى يصبح ذلك المكان مقبرة وقال ابن تيمية: هذا العدد لا أصل له لا لغة ولا شرعاً ، مجرد أن يدفن رجل أو شخص أو ميت واحد في هذه الأرض صارت الأرض مقبرة، فإذا كان المسجد فيه قبر واحد لا تجوز الصلاة فيه ، وأيضا الأرض العراء ليست مسجداً وفيها قبر لا تجوز الصلاة إلى القبر مواجهةً أما إذا صلَّى بعيداً يمينا يساراً أو أماما فلا محظور في ذلك ، بهذا ينتهى الجواب عن سؤال أخونا الكريم .
سؤال : بعض العلماء يقولون إذا أدخل القبر على المسجد فينبش القبر ويبقى المسجد ويقولون إذا بنى المسجد على القبر فيهدم المسجد ، فهل هذا التفريق صحيح وهل له أصل في السنة ؟
الشيخ : نعم صحيح ، ولكن هذا ليس له علاقة بحكم الصلاة فيه ، حكم الصلاة إذا طرأ المسجد على القبر أو طرا القبر على المسجد فالحكم كما سمعتم أما هل يزال القبر أو المسجد فلابد من القضاء على الباغِ فإذا كان هناك أرض دفن فيها ميت فجاء أحد الغواة وبنى عليه مسجد ، فيزال هذا المسجد لأنه هو الباغي وعلى العكس من ذلك إذا كان هناك مسجد بُنى على تقوى من الله ورضوان من الله عز وجل ، وجاء أحد الغواة وأوصى أنه إن مات دفن فيه وفعلا دفن فيه ، فيقذف بجثته إلى خارج المسجد ، لأنه هو الباغى على المسجد ، فهذا كلام صحيح بلا شك .
سؤال : يا شيخ بالنسبة للمشي بين القبور بالحذاء أو بغير الحذاء وهل هذا خاص بقبور المسلمين أو كانت قبور مشركين والجلوس عليها كذلك وهل نفرق بين قبر المسلم والمشرك والمشي بينها بحذاء أو بغير حذاء؟؟
الشيخ : لا شك أن هذا الحكم يختلف عن قبور المسلمين وقبور المشركين ، ذلك بأن المشركين في قيد حياتهم لا حرمة لهم ، فمن باب أولى أنه من بعد وفاتهم فهم لا حرمة لهم ، أما المسلم فهو كما قال عليه الصلاة والسلام : "كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيا" فمن هذا الباب يعطينا هذا الحديث ما فهمناه أيضا من حديثنا الأخير: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " هذا الحديث يلتقى مع حديث " كسر عظم المؤمن حيا ككسره ميتا" كيف يلتقيان؟؟ أى يعطى حرمة ومقاماً واحتراماً للمؤمن حتى بعد موته فلا يجوز كسر عظمه ميتا كما كان لا يجوز كسره حيا ، هذا معناه أن الشارع الحكيم يأمرنا بإحترام أموات المسلمين ، من هذه النقطة يلتقى الحديث الأول – لا تجلسوا على القبور احتراما لها ، ولا تصلُّوا إليها تعظيما لها ، لأن الصلاة لا تجوز إلا بإستقبال بيت الله الحرام ، إذن هذا الحديث الأول " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " جمع بين خصلتين تحققان العدل مع أموات المسلمين ، لا يهانون لا يداسون ولا يعظمون تعظيما مخلا بالتوحيد ، كذلك قوله عليه السلام: "كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيا" ، فإذا كان الأمر كذلك ترتب منه أدب آخر يلتقى مع قوله لا تجلسوا على القبور أى لا تدوسوا القبور بنعالكم ، فإن كان ولابد وهذا واقعيا ، فلابد من السير بين القبور وعلى الأقل لدفن الميت فحينئذ يأتى قوله عليه السلام الثابت في السنن والمسند: " يا صاحب السبتيتين اخلع نعليك" إذن الأمر بخلع النعليك في هذا الحديث من باب لا تجلسوا على القبور أى احتراما وتأدباً مع هؤلاء المسلمين أما الكفار فلا حرمة ولا ذمة لهم خاصة بعد وفاتهم وبعد أن آلوا إلى حفرة من حفر النار . لعلى أجبتك؟
السائل : أقصد المشى بين القبور ولا يدعس على المقابر؟
الشيخ : هو بين القبور بارك الله فيك لأن الحديث جاء في ماذا؟؟؟ هل كان يدوس على القبور ؟؟ ، هو يمشى في القبور ، يمشى مشيا عاديا بين القبور فناداه عليه السلام وقال له: "يا صاحب السبتيتين اخلع نعليك" ، الدعس على المقابر شئ والسير بين المقابر شئ آخر من حيث الواقع لكنهما شيئا واحدا من حيث الحكم الشرعى فكما أنه لا يجوز القعود على القبر مباشرة كذلك لا يجوز أن تمشى بين المقابر إلا لما قلنا آنفاً أنك بحاجة أن تدفن ميتاً مثلا في مكان ما ، حينئذٍ لابد أن تخلع نعليك ، هناك صورة أخرى أتصورها ممكن اليوم تنظيمها أمام القبر ما كانوا يفكرون في مثل هذا الأمر اطلاقا وهو جعل ممر بين أقسام المقبرة هذه يمشى الناس فيها ولكن في النهاية لابد من الدخول بين القبور ، إلا أن هذا التنظيم يخفف المخالفة فهذا ما فيه مانع ، الآن مثلا في المقبرة التى تسمى بالمقبرة الإسلامية في سحاب وأنا لا أحب أن تسمى بالمقبرة الإسلامية مثل ما يقولون مثلا الجامعة الإسلامية أو جامعة الملك فلان الإسلامية ، ياجماعة لماذا هذا الوصفات التى تسمى بصفة كاشفة ، يعنى هل جامعة الملك فلان غير اسلامية؟؟ وهذا كله من شأنه إرضاء توجيهات تأتى من الغرب .
سائل : يا شيخ نحن عمليا كنا دخلنا وإياكم البقيع في دفن (فلان) الله يرحمه فكنت لما دخل الممرات الواسعة تلبس الحذاء ولما دخلت الممرات الداخلية خلعت الحذاء .
الشيخ : وهو كذلك
سائل : أحيانا يا شيخ تكون الشمس حارة جدا فيمشى بعضهم بحذاءه أما في المغرب والعشاء يخلعون حذائهم.
الشيه : بارك الله فيك ، فأنا دائما أذكر أخواننا طلاب العلم ، دائما المسائل تعالج بدون تطريق إحتمالات ، واضح جدا ، هل يجوز أكل الميتة؟؟ الجواب لا ، يقول ، طيب ممكن يموت إذا لم يأكل ، نقول له طيب ، وهكذا المسائل العارضة لا يجب أن ينظر إليها النظرة العادية الشمولية ، فإذا قلت يجوز أو لا يجوز؟؟؟ الجواب نقول لا يجوز فتقول ولكن الأرض رمضاء شديدة الحرارة وخاصة بالنسبة لأمثالنا المنعمين الذين أسفل أقدامهم كخفاف الفصال كما قال رسول الله في "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" ماذا يفعل (الحيوان) لأن خفه ناعم ما صار كخف أمهم وأبيهم به نعل أو ما به نعل ما بيشعر بالحرارة إطلاقاً فهو بيكون أولاً (حيوان) يبدو له أن ينتقل من مربضه وإذا به يقفز لأنه يشعر بالرمضاء من أسفله فيعود الى مربضه القصد أن الإنسان إذا عارض هذه الصورة ، فحين إذن الضرورات تبيح المحظورات .
سائل (ما معناه): لماذا (تقول مقبرة إسلامية وغير إسلامية)؟
الشيخ : لماذا تمييز يا أخى نحن في أرض إسلامية ونحن بلدنا كله إسلامى ، فوضع هذه الصفات تشعر الإنسان بأنه هناك من يبارينا ومن يعادينا وهم غير الإسلاميين .
السائل: شعرت شيخنا لما ذكرت بأن هذه مقبرة إسلامية لتنظيم المداخل التى بها والممرات بحيث أنه هناك مجال لخلع النعل .
الشيخ : هذا صريح كلامى ولكنى أنا عرجت على كلمة إسلامية فقط
السائل : التمييز بكلمة إسلامية وغير إسلامية الحقيقة نحن يلزمنا لأن الآن المقابر عاملينها في سفح كبير في الجبل لها مدخل المقابر الجديدة ثم في الداخل ، عند اليسار المقابر المسيحية ثم بعدها ب100 متر المقابر الإسلامية .
الشيخ : وهذا هو ولكم نص في هذا ، الرسول مر بمقابر المسلمين فقال :"لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا ومر بمقابر المشركين فقال عنهم لقد فاتهم خير كثير ، أو كما قال عليه السلام، ولكنى أعتقد أنه كما أن المسلم والمشرك لا تترائى نارهما أحياءا كذلك لا ينبغى أن نترائى نارهما إن كان لهما نار أمواتا - يعنى ينبغى أن يكونوا بعيدين بعضهم عن بعضهم البعض.
سؤال: بخصوص كسر عظم الميت تقولون أن فيه إيذاء ، هل معنى ذلك يا شيخنا أن جسم الميت يتألم ؟؟
الشيخ : لا إنما هو إيذاء معنوى
سائل : يا شيخ بارك الله فيك، بما أننا نتكلم في الجنائز ، فإذا كنت قريبا من جنازة أو كنت صليت في المسجد وجاءت جنازة ، فأحببت أن تتبع هذه الجنازة وتأخذ الأجر إن شاء الله ، هل لك حق شرعى أن تسال هل هذا الميت مات على الإسلام أو مات على الشرك أو أنه مات على غير ملة الإسلام أو إنك تتبعه وتأخذ بالظاهر؟
الشيخ : لا، تأخذ بالظاهر فقط ، لكن للجواب على السؤال تتمة، هذا الجواب هو الأصل ، ولكن قد يعرض لكثير من الأصول والقواعد ما يأخذ بها خطا آخر من باب التقييد أو التخصيص، فأنا أصور لك صورة الآن ، زيد من الناس رأى جنازة خرجت من المسجد أو دخلت إلى المسجد ، فهو يريد أن يصلى عليها أو أن يشيعها ، هو عنده شيئ من المعرفة عن هذا الميت سابقا والمعرفة التى يعرفها عنه قد تحول بينه وبين الصلاة عليه ، هنا في مثل هذه الصورة قد يكون له الحق أن يسأل من يظن أنه من العارفين بهذا الميت ، هل مثلا حسن حاله؟؟ هل تاب؟ هل آب؟ هل رجع؟ إلى آخره ، مثل هذه الصورة وقد يكون لها صور أخرى ممكن أن يقال يسأل ، أما القاعدة أنه لا يسأل ، لأن الأحكام تمشى على الظاهر كما ذكرنا أكثر من مرة .
سائل : لفتة حول أغثنا بالماء ، نريد لفتة حول الإستغاثة
الشيخ : ".....فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ..... " (16) القصص، فالإستغاثة التى نحن ندعو الناس إلى تحريمها وعدم الوقوع في أمثالها: إنما هى :
أولا : إستغاثة الحي بالميت ، أو استغاثة الحي بالحي فيما لا يقدر عليه إلا الله الحي ، واضح؟ جزاك الله خيراً.
تمت ولله الحمد