فصل زهد الصوفية في العلم
سبحان من من على الخلق بالعلماء الفقهاء الذين فهموا مقصود الأمر ومراد الشارع فهم حفظة
الشريعة فأحسن الله جزاءهم.
وإن الشيطان ليتجافاهم خوفاً منهم فإنهم يقدرون على أذاه وهو لا يقدر على أذاهم.
ولقد تلاعب بأهل الجهل والقليل الفهم.
وكان من أعجب تلاعبه أن حسن لأقوام ترك العلم ثم لم يقنعوا بهذا حتى قدحوا في المتشاغلين به.
وهذا لو فهموه قدح في الشريعة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بلغوا عني وقد قال له ربه
عز وجل: " بلغ ".
فإذا لم يتشاغل بالعلم فكيف يبلغ الشريعة إلى الخلق.
ولقد نقل مثل هذا عن كبار الزهاد كبشر الحافي فإنه قال لعباس بن عبد العظيم: لا تجالس ثم اعتذر
فقال: إنما الحديث فتنة إلا لمن أراد الله به.
وإذا لم يعمل به فتركه أفضل.
وهذا عجب منه.
من أين له أن طلابه لا يريدون الله به وأنهم لا يعملون به.
أوليس العمل به على ضربين: عمل بما يجب وذلك لا يسع أحداً تركه والثاني نافلة ولا يلزم.
والتشاغل بالحديث أفضل من التنفل بالصوم والصلاة.
وما أظنه أراد إلا طريقه في دوام الجوع والتهجد وذلك شيء لا يلام تاركه.
فإن كان يريد أن لا يوغل في علوم الحديث فهذا خطأ لأن جميع أقسامه محمودة.
أفترى لو ترك الناس طلب الحديث كان بشر يفتي.
فالله الله في الالتفات إلى قول من ليس بفقيه ولا يهولنك تعظيم اسمه فالله يعفو عنه.
-----------------------------
صيد الخاطر لابن الجوزي