السـؤال:
يقوم بعضُ الناس فيما نسمعه بذمِّ عصر الفتن وتقبيح أيّامِها السود؛ فهل هذا ينافي التوحيد أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فمن سبّ الوقتَ وقبّحَ الزمنَ وذمّ الدهرَ فقد سبّ الفاعلَ وهو الله تعالى، فالأيامُ والسِّنُون ليست محلاًّ للسبّ والتقبيح؛ لأنّها ليست هي التي أوجدت ما يكرهه السابُّ، وإنّما هو الله تعالى الفاعِلُ والموجِدُ لها، وفي حديث أبي هريرة المتّفق عليه أنّ رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَم يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ»(1- أخرجه البخاري: (13/464) في التوحيد: باب قول الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللهِ﴾، ومسلم: (15/3) في «الألفاظ من الأدب وغيره»: باب النهي عن سبّ الدهر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، وَفي رواية لمسلم: «لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»(2- أخرجه مالك في «الموطأ»: (3/14 في «الكلام»: باب ما يكره من الكلام، والبخاري: (10/564) في «الأدب»: باب لا تسبوا الدهر، ومسلم: (15/3). في «الألفاظ من الأدب وغيره»: باب النهي عن سب الدهر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، والمراد: «فَأَنَا الدَّهْرُ» أي: مُدبِّر الدهر ومصرِّفه بإرادته سبحانه وتعالى، لقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 140]، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
فمن سبَّ الوقتَ وقبّح الأيام والشهور والسنين فقد آذى الله سبحانه وتعالى؛ لأنّه هو سبحانه الذي أوجد ما يكرهه العبدُ ويتألّم به، واللهُ تعالى يتأذّى ببعض أفعال عباده وأقوالهم التي فيها إساءة في حقّه، كما قال صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لَيْسَ أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَ اللهِ تَعَالى، إِنَّهُمْ لَيَدعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَيَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ»(3- أخرجه البخاري: (13/360) في التوحيد: باب قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينِ﴾، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه)، فالأَذِيَّة لله ثابتة؛ لأنّ الله أثبتها لنفسه كما في الحديثين السابقين، وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب: 57]، ولكنّها ليست كأَذِيَّة المخلوق، لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ [الشورى:11]، والأذية وإن كانت ثابتة لله تعالى فإنّه سبحانه لا يتضرّر بذلك؛ لأنّ الله تعالى لا يضرّه شيء، قال سبحانه: ﴿وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا﴾ [آل عمران: 176]. وفي الحديث: «يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي»(4- أخرجه مسلم: (16/132) في «البر والصلة»: باب تحريم الظلم، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه).
والواجب على أهل الإيمان حسن الظنِّ بالله ـ إذا أصابهم ما يكرهون ـ وأن يحمدوا الله على كلّ حال، ويرضوا بقضاء الله وقدره، وأنّ ما أصابهم إنّما بسبب الذنوب والمعاصي، وعليهم أن يرجعوا إلى الله بالتوبة والإنابة ويصبروا على ما حلّ بهم من مصائب ويحتسبوا أجرها عند الله تعالى.
وجديرٌ بالتنبيه أنّه لا يدخل في باب سبّ الوقت أو ذمّ الزمن أو تقبيح الدهر وصف السنين بالشدَّة والأيّام بالنحس إذا ما أضيف الوصف إلى الناس لا إليها، كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ﴾ [يوسف: 48] أي: شداد عليهم، وفي قوله تعالى: ﴿فِي يَوْمٍ نَحْسٍ مُسْتَمِر﴾ [القمر: 19] أي: نحس على الناس، أمّا الأيّام والسنون فليس لها من الأمر في شيء، والأمر كلّه لله.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
منقول من موقع الشيخ فركوس
تعليق