هل الأصل في الدعوة الرفق أم الشدة مع الأدلة ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد :
فإن الأصل في الدعوة الرفق
والأدلة على هذا من القرآن :
1-قال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159
2- {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125
ذكر شيخنا ابن باز : أن الحكمة هي : وضع الشيء في موضعه فاللين في موضعه وهو الأصل والشدة في موضعها .قلت : وانظر قول الله تعالى : بالتي هي أحسن .
3- {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46
4- {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }طه44
5- {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الفتح29
وأما الأدلة من السنة :
فقد قال صلى الله عليه وسلم :
6- ((إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق)) . رواه أحمد عن عائشة وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 303 في صحيح الجامع.
7- (( إن الله رفيق يحب الرفق و يرضاه و يعين عليه ما لا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فنزلوها منازلها فإن أجدبت الأرض فانجوا عليها فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار و إياكم و التعريس بالطريق فإنه طريق الدواب و مأوى الحيات )). رواه الطبراني عن معدان وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 1770 في صحيح الجامع.
8-(( إن الله تعالى رفيق يحب الرفق و يعطي عليه ما لا يعطي على العنف )) رواه أبو داود عن عبد الله بن مغفل . قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 1771 في صحيح الجامع.
9- (( إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله)) رواه البخاري عن عائشة .
10-(( عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه و لا ينزع من شيء إلا شانه )). رواه مسلم عن عائشة
وعند أبي دواد رواية أخرى عنها مرفوعا : (( يا عائشة ! عليك بتقوى الله و الرفق فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه و لا نزع من شيء قط إلا شانه ))قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 7927 في صحيح الجامع.
وبنحوه عن أنس عند عبد ابن حميد وهو صحيح .
11-(( ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم ))رواه الطبراني عن ابن عمر وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 5541 في صحيح الجامع.
12- (( من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير و من حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير))
رواه الترمذي عن أبي الدرداء وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 6055 في صحيح الجامع.
13-(( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ))رواه مسلم عن جرير . وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 6606 في صحيح الجامع.
14- (( يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله )) متفق عليه عن عائشة .
وعند مسلم رواية أخرى عنها قال صلى الله عليه وسلم : ((يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق و يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف و ما لا يعطي على ما سواه )) . رواه مسلم عن عائشة.
15- (( عليك بالرفق و إياك و العنف و الفحش ))رواه البخاري في الأدب المفرد عن عائشة وقال الألباني
:(صحيح) انظر حديث رقم: 4042 في صحيح الجامع.وفي رواية في الصحيح مهلا ياعائشة ... الحديث
16- (( إن الله لم يبعثني معنتا و لا متعنتا و لكن بعثني معلما ميسرا )) رواه مسلم عن عائشة
17-عَنْ عَمْرٍو . سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَهُ وَمُعَاذاً إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُمَا: «بَشِّرَا وَيَسِّرَا. وعَلِّمَا وَلاَ تُنَفِّرَا » وَأُرَاهُ قَالَ: «وَتَطَاوَعَا» قَالَ فَلَمَّا وَلَّى رَجَعَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنَّ لَهُمْ شَرَاباً مِنَ الْعَسَلِ يُطْبَخُ حَتَّى يَعْقِدَ. وَالْمِزْرُ يُصْنَعُ مِنَ الشَّعِيرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَا أَسْكَرَ عَنِ الصَّلاَةِ فَهُوَ حَرَامٌ»رواه مسلم وفي وراية : ((ولاتختلفا ))
18-عن سعيد ـ يعني ابن عبد الرحمن الجمحي ـ عن موسى بن عقبة عن الأودي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس»رواه أحمد والترمذي وفيه الجمحي صدوق له أوهام وتابعه هشام بن عروة عن موسى به عند ابن حبان وسنده صحيح وله مايشهد له والحمد لله رب العالمين .
وبوب له ابن حبان فقال : ذِكْرُ البيانِ بأنَّ المرءَ إذا كان هيناً لَيِّناً قَريباً سَهْلا قد يُرجى له النجاةُ مِن النَّارِ بها .
19- ((إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق )) رواه أحمد عن أنس . وقال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 2246 في صحيح الجامع.
20-(( إن الدين يسر و لا يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا و قاربوا و أبشروا و استعينوا بالغدوة و الروحة و شيء من الدلجة ))رواه البخاري عن أبي هريرة
21- (( الدين يسر و لن يغالب الدين أحد إلا غلبه )) رواه البيهقي عن أبي هريرة . وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 3420 في صحيح الجامع.
* وأما الشدة فعارضة وتكون في موضعها كأن يكون التنبيه على أمر عقدي أو أمر يتعلق بالحدود ونحوها والله أعلم :
أما الأدلة على هذا
1-فمن القرآن :
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }التوبة73
وفي : التحريم9
2-من السنة :
1-من طريق : الزُّهريِّ عن سِنَانِ بنِ أبي سِنَانٍ عن أبي وَاقِدٍ الَّليْثِيِّ ،: «أَنَّ رَسُولَ الله لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بَشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَها ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فقالوا : يا رسولَ الله اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فقال النبيُّ: سُبْحَانَ الله، هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» .قال أبو عِيسَى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.وأبو وَاقِدٍ الليْثيُّ اسمُه الحارثُ بنُ عَوْفٍ.وفي البابِ عن أبي سَعِيدٍ وأبي هُرَيْرَةَ.
2-وعند أبي دواد :من طريق زُهَيْرٌ عن عُبَيْدِالله بنِ عُمَرَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ عن عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ : "أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أدْرَكَهُ وَهُوَ في رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأبِيهِ فقالَ: إنّ الله يَنْهَاكُم أنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم، فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بالله أوْ لِيَسْكُتْ".وسنده صحيح
3-وفي صحيح مسلم : من طريق سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَميمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، أَنَّ رَجُلاً خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشِدَ. وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ. قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ». قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فَقَدْ غَوِيَ.
4-وعند مسلم من طريق :ِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَـنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ. فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا، وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ، فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ، وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذلِكَ يطَلُّ، فَقَالَ رَسُولُ الله «إِنَّمَا هذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ » مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ.
5-وفي المسند من طريق : الحسن عن عتي عن أبي بن كعب قال: رأيت رجلاً تعزى عند أبي بعزاء الجاهلية ، افتخر بأبيه فأعضه بأبيه، ولم يكنه ثم قال لهم: أما إني قد أرى الذي في أنفسكم، إني لا أستطيع إلا ذلك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا».وفي رواية:"عَنْ عُتَيٍّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً تَعَزَّى عِنْدَ أُبَيٍّ، بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ، افْتَخَرَ بِأَبِيهِ، فَأَعَضَّهُ بِأَبِيهِ، وَلَمْ يَكْنِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَمَا إِنِّي قَدْ أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ، إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ إِلاَّ ذَلِكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُّوهُ وَلاَ تَكْنُوا". (*) وفي رواية: "عَنْ عُتَيٍّ، أَنَّ رَجُلاً تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أُبَيٌّ: كُنَّا نُؤْمَرُ، إِذَا الرَّجُلُ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ، وَلاَ تَكْنُوا .وقال الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 567 في صحيح الجامع.
6-وفي الصحيحين من طريق :ِ ابْنِ عْيَيْنَةَ وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَهُو ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ . سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ ، يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ . فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ. فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ» فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلاَنَ لَهُ الْقَوْلَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ. ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ «يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ».واللفظ لمسلم
وثبت عن الصحابة أيضا ومنه :
1-مارواه البخاري من طريق :الزهريِّ قال عُروةُ سألتُ عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها فقلتُ لها: أرأيتِ قولَ اللّهِ تعالى {إنَّ الصَّفا والمَروةَ مِن شَعائرِ اللّهِ، فمن حجَّ البيتَ أو اعتمرَ فلا جُناحَ عليهِ أن يَطَّوَّفَ بهما} (البقرة: 15 فواللّهِ ما على أحدٍ جُنَاح أن لايَطوفَ بالصَّفا والمروةِ. قالت: بئسَ ما قُلْتَ ياابنَ أُختي ، إنَّ هذه لو كانت كما أوَّلتَها عليهِ كانت لاجُناحَ عليهِ أن لايَتطوَّفَ بهما
2-وروى أيضا من طريق : ابن عَونٍ عن موسى بنِ أنسٍ قال: وذَكَر يومَ اليمامةِ قال: «أتى أنسُ بنُ مالكٍ ثابتَ بنَ قيسٍ وقد حَسَرَ عن فَخِذَيهِ وهو يَتحنُطُ فقال: يا عمِّ ما يَحبِسُكَ أن لا تَجيءَ؟ قال: الآنَ يا ابن أخي، وجَعلَ يَتَحنَّطُ، يعني من الحَنوط، ثمَّ جاء فجلس، فذكرَ في الحديث انكِشافاً منَ الناسِ فقال: هكذا عن وَجوهِنا حتى نُضارِبَ القَومَ، ما هكذا كنّا نفعلُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم، بِئسَ ما عوَّدْتم أقرانَكم» رواه حمّادٌ، عن ثابتٍ، عن أنس.
3-وفي صحيح مسلم من طريق : عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، قَالَ: دَعَانَا عَرُوسٌ بِالْمَدِينَةِ. فَقَرَّبَ إِلَيْنَا ثَلاَثَةَ عَشْرَ ضَبًّا. فَآكِلٌ وَتَارِكٌ. فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنَ الْغَدِ. فَأَخْبَرْتُهُ. فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ. حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ «لاَ آكُلُهُ، وَلاَ أَنْهَى عَنْهُ، وَلاَ أُحَرِّمُهُ». فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِئْسَ مَا قُلْتُمْ. مَا بُعِثَ نَبِيُّ اللّهِ إِلاَّ مُحِلاًّ وَمُحَرِّماً. إِنَّ رَسُولَ اللّهِ، بَيْنمَا هُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، وَعِنْدَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى. إِذْ قُرِّبَ إِلَيْهِمْ خِوَانٌ عَلَيْهِ لَحْمٌ. فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَأْكُلَ قَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ: إنَّهُ لَحْمُ ضَبَ. فَكَفَّ يَدَهُ. وَقَالَ: «هذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلْهُ قَطُّ». وَقَالَ لَهُمْ: «كُلُوا» فَأَكَلَ مِنْهُ الْفَضْلُ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْمَرْأَةُ. وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: لاَ آكُلُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَيْءٌ يَأْكُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ .
4-وفي الصحيح من حديث كعب الطويل وفيه قال كعب : وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللّهِ حَتَّى بَلَغَ تَبُوك فَقَالَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: «مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟» قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ. فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ. وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلاَّ خَيْراً. فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ . فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذلِكَ رَأَى رَجُلاً مُبَيِّضاً يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ»، فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الأَنْصَارِيُّ. وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ.
قال ابن أبي الدنيا : (فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون هكذا في حق نفسه، ولا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه، وكما قال عمر بن عبد العزيز: من عبدالله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وكما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: ((العلم إمام العمل والعمل تابعه)). وهذا ظاهر فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً و اتباعاً للهوى كما تقدم، وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية و أهل الإسلام، فلابد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما. ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي، ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي بالصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود.
ولابد في ذلك من الرفق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه)). وقال: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي عليه مالا يعطي على العنف)). ولابد أيضاً أن يكون حليماً صبوراً على الأذى: فإنه لابد أن يحصل أذى، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح: كما قال لقمان لابنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: من الآية17].
ولهذا أمر الله الرسل – وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – بالصبر كقوله لخاتم الرسل، بل ذلك مقرون بتبليغ الرسالة، فإنه أول ما أرسل أنزلت عليه سورة: ((يا أيها المدثر)) بعد أن أنزلت عليه سورة: ((اقرأ)). التي به نُبئ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [اية]1]قُمْ فَأَنذِرْ [اية]2]وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [اية]3]وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [اية]4]وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [اية]5]وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ [اية]6]وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [اية]7]} [المدثر:1-7]فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة، وختمها بالأمر بالصبر، ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فعلم أنه يجب بعد ذلك الصبر وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: من الآية48]وقال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:10]. [اية] فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: من الآية35]. [اية] فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوت} [القلم: من الآية48} [وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ} [النحل: من الآية127} [وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:115].كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال ابن حزم : (إياك وموافقة الجليس السيء، ومساعدة أهل زمانك فيما يضرك في أخراك أو في دنياك وإن قل، فإنك لا تستفيد بذلك إلا الندامة حيث لا ينفعك الندم، ولن يحمدك من ساعدته، بل يشمت بك. وأقل ما في ذلك وهو المضمون أنه لا يبالي بسوء عاقبتك وفساد مغبتك.
وإياك ومخالفة الجليس، ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا في أخراك. وإن قل، فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة، وربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلاً.
إن لم يكن بد من إغضاب الناس، أو إغضاب الله عز وجل ولم يكن لك مندوحة عن منافرة الخلق أو منافرة الحق، فاغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك ولا تنافر الحق.
الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب، فمن وعظ بالجفاء والاكفهرار فقد أخطأ، وتعدى طريقته صلى الله عليه وسلم وصار في أكثر الأمر مغرياً للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجاً وحرداً ومغايظة للواعظ الجافي فيكون في وعظه مسيئاً لا محسناً، ومن وعظ ببشر وتبسم ولين وكأنه مشير برأي، ومخبر عن غير الموعوظ بما يستفتح من الموعوظ، فذلك أبلغ وأنجع في الموعظة. فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم وفي الخلاء، فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه الموعوظ، فهذا أدب الله في أمره بالقول واللين. وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه بالموعظة لكن كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، وقد أثنى عليه الصلاة والسلام على الرفق ، وأمر بالتيسير، ونهى عن التنفير. وكان يتخول بالموعظة خوف الملل، وقال تعالى: " ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك " .
وأما الغلطة والشدة، فإنما تجب في حد من حدود الله تعالى، فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحد خاصة. ومما ينجع في الوعظ أيضاً، الثناء بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله، فهذا داعية إلى عمل الخير. وما أعلم لحب المدح فضلاً هذا وحده، وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء. ولهذا يجب أن تؤرخ الفضائل والرذائل، لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره، ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه، ويتعظ بما سلف) الأخلاق والسير .
وقال ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة : (قالوا: وقد ذم رسول اللـه صلى الله عليه وسلم الخوارج لشدة تنطعهم في الدين، وتشددهم في العبادة، بقولـه: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم». ومدح الرفق وأهلـه، وأخبر عن محبة اللـه لـه، وأنه يعطي عليه ما لا يعطي على العنف، وقال: «لن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلاّ غلبه». وقال: «إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق. فالدين كلـه الاقتصاد في السبيل والسنة، واللـه تعالى يحب ما داوم عليه العبد من الأعمال دون المتجاوزة في الطول.)
وقال تميم بن أبيّ بن مقبل:
*خليليّ لا تستعجلا وانظرا غدا ** عسى أن يكون الرّفق في الأمر أرشدا* " التمثيل والمحاضرة"
وقال ابن باز رحمه الله : في الحديث الصحيح : ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) خرجه الإمام مسلم في صحيحه . فبين صلى الله عليه وسلم مراتب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر الثلاث : - المرتبة الأولى : الإنكار باليد مع القدرة ، وذلك بإراقة أواني الخمر ، وكسر آلات اللهو ، ومنع من أراد الشر بالناس وظلمهم من تنفيذ مراده إن استطاع ذلك كالسلطان ونحوه من أهل القدرة ، وكإلزام الناس بالصلاة ، وبحكم الله الواجب اتباعه ممن يقدر على ذلك ، إلى غير هذا مما أوجب الله . وهكذا المؤمن مع أهله وولده ، يلزمهم بأمر الله ويمنعهم مما حرم الله باليد إذا لم ينفع فيهم الكلام .
وهكذا من له ولاية من أمر أو محتسب ، أو شيخ قبيلة أو غيرهم ممن له ولاية من جهة ولي الأمر ، أو من جهة جماعته ، حيث ولوه عليهم ، عند فقد الولاية العامة يقوم بهذا الواجب حسب طاقته ، فإن عجز انتقل إلى : المرتبة الثانية : وهي اللسان ، يأمرهم باللسان وينهاهم كأن يقول : يا قوم اتقوا الله ، يا إخواني اتقوا الله ، صلوا وأدوا الزكاة ، اتركوا هذا المنكر ، افعلوا كذا ، دعوا ما حرم الله ، بروا والديكم ، صلوا أرحامكم ، إلى غير هذا ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر باللسان ، ويعظهم ويذكرهم ، ويتحرى الأشياء التي يفعلونها ، حتى ينبههم عليها ، ويعاملهم بالأسلوب الحسن ، مع الرفق ، يقول عليه الصلاة والسلام : ((إن الله يحب الرفق في الأمر كله)) ويقول صلى الله عليه وسلم : ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)) وجاء جماعة من اليهود ، فدخلوا عليه صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك يا محمد ، يعنون الموت ، وليس مرادهم السلام . . فسمعتهم عائشة رضي الله عنها ، فقالت : ( عليكم السام واللعنة ) . وفي لفظ آخر : ( ولعنكم الله ، وغضب عليكم ) ، فقال صلى الله عليه وسلم : ((مهلا يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) قالت (ألم تسمع ما قالوا) ؟ قال ((ألم تسمعي ما قلت لهم؟ قلت لهم وعليكم فإنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا)) هذا وهم يهود رفق بهم صلى الله عليه وسلم ، لعلهم يهتدون ، ولعلهم ينقادون للحق ، ولعلهم يستجيبون لداعي الإيمان . فهكذا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الموفق ، يتحرى الرفق والعبارات المناسبة ، والألفاظ الطيبة عندما يمر على من قصر في ذلك ، في المجلس أو في الطريق أو في أي مكان يدعوهم بالرفق والكلام الطيب ، حتى ولو جادلوه في شيء خفي عليهم ، أو كابروا فيه يجادلهم بالتي هي أحسن ، كما قال سبحانه : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[12] وقال سبحانه : {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[13] من هم أهل الكتاب؟ . هم اليهود والنصارى ، وهم كفار ، ومع ذلك يقول الله عنهم : {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[14] والمعنى أن من ظلم منهم وتعدى وأساء الكلام فإنه ينتقل معه إلى علاج آخر غير الجدال بالتي هي أحسن ، كما قال تعالى : {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[15] الآية وقال سبحانه : {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[16] الآية . لكن ما دام المقام مقام تعليم ودعوة وإيضاح للحق ، فإنه يكون بالتي هي أحسن لأن هذا أقرب إلى الخير ، قال سفيان الثوري رحمه الله : ينبغي للآمر والناهي أن يكون رفيقا فيما يأمر به ، رفيقا فيما ينهى عنه ، عدلا فيما يأمر به ، عدلا فيما ينهي عنه ، عالما بما يأمر به ، عالما بما ينهى عنه .
وهذا معنى كلام السلف رحمهم الله ، تحري الرفق مع العلم والحلم والبصيرة ، لا يأمر ولا ينهى إلا عن علم ، لا عن جهل . ويكون مع ذلك رفيقا عاملا بما يدعوه إليه تاركا ما ينهى عنه ، حتى يقتدى به .)
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والله الموفق
الجواب :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم وبعد :
فإن الأصل في الدعوة الرفق
والأدلة على هذا من القرآن :
1-قال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159
2- {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125
ذكر شيخنا ابن باز : أن الحكمة هي : وضع الشيء في موضعه فاللين في موضعه وهو الأصل والشدة في موضعها .قلت : وانظر قول الله تعالى : بالتي هي أحسن .
3- {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46
4- {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }طه44
5- {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الفتح29
وأما الأدلة من السنة :
فقد قال صلى الله عليه وسلم :
6- ((إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق)) . رواه أحمد عن عائشة وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 303 في صحيح الجامع.
7- (( إن الله رفيق يحب الرفق و يرضاه و يعين عليه ما لا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فنزلوها منازلها فإن أجدبت الأرض فانجوا عليها فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار و إياكم و التعريس بالطريق فإنه طريق الدواب و مأوى الحيات )). رواه الطبراني عن معدان وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 1770 في صحيح الجامع.
8-(( إن الله تعالى رفيق يحب الرفق و يعطي عليه ما لا يعطي على العنف )) رواه أبو داود عن عبد الله بن مغفل . قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 1771 في صحيح الجامع.
9- (( إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله)) رواه البخاري عن عائشة .
10-(( عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه و لا ينزع من شيء إلا شانه )). رواه مسلم عن عائشة
وعند أبي دواد رواية أخرى عنها مرفوعا : (( يا عائشة ! عليك بتقوى الله و الرفق فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه و لا نزع من شيء قط إلا شانه ))قال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 7927 في صحيح الجامع.
وبنحوه عن أنس عند عبد ابن حميد وهو صحيح .
11-(( ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم ))رواه الطبراني عن ابن عمر وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 5541 في صحيح الجامع.
12- (( من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير و من حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير))
رواه الترمذي عن أبي الدرداء وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 6055 في صحيح الجامع.
13-(( من يحرم الرفق يحرم الخير كله ))رواه مسلم عن جرير . وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 6606 في صحيح الجامع.
14- (( يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله )) متفق عليه عن عائشة .
وعند مسلم رواية أخرى عنها قال صلى الله عليه وسلم : ((يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق و يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف و ما لا يعطي على ما سواه )) . رواه مسلم عن عائشة.
15- (( عليك بالرفق و إياك و العنف و الفحش ))رواه البخاري في الأدب المفرد عن عائشة وقال الألباني
:(صحيح) انظر حديث رقم: 4042 في صحيح الجامع.وفي رواية في الصحيح مهلا ياعائشة ... الحديث
16- (( إن الله لم يبعثني معنتا و لا متعنتا و لكن بعثني معلما ميسرا )) رواه مسلم عن عائشة
17-عَنْ عَمْرٍو . سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَهُ وَمُعَاذاً إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُمَا: «بَشِّرَا وَيَسِّرَا. وعَلِّمَا وَلاَ تُنَفِّرَا » وَأُرَاهُ قَالَ: «وَتَطَاوَعَا» قَالَ فَلَمَّا وَلَّى رَجَعَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِنَّ لَهُمْ شَرَاباً مِنَ الْعَسَلِ يُطْبَخُ حَتَّى يَعْقِدَ. وَالْمِزْرُ يُصْنَعُ مِنَ الشَّعِيرِ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَا أَسْكَرَ عَنِ الصَّلاَةِ فَهُوَ حَرَامٌ»رواه مسلم وفي وراية : ((ولاتختلفا ))
18-عن سعيد ـ يعني ابن عبد الرحمن الجمحي ـ عن موسى بن عقبة عن الأودي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «حرم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس»رواه أحمد والترمذي وفيه الجمحي صدوق له أوهام وتابعه هشام بن عروة عن موسى به عند ابن حبان وسنده صحيح وله مايشهد له والحمد لله رب العالمين .
وبوب له ابن حبان فقال : ذِكْرُ البيانِ بأنَّ المرءَ إذا كان هيناً لَيِّناً قَريباً سَهْلا قد يُرجى له النجاةُ مِن النَّارِ بها .
19- ((إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق )) رواه أحمد عن أنس . وقال الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: 2246 في صحيح الجامع.
20-(( إن الدين يسر و لا يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا و قاربوا و أبشروا و استعينوا بالغدوة و الروحة و شيء من الدلجة ))رواه البخاري عن أبي هريرة
21- (( الدين يسر و لن يغالب الدين أحد إلا غلبه )) رواه البيهقي عن أبي هريرة . وقال الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 3420 في صحيح الجامع.
* وأما الشدة فعارضة وتكون في موضعها كأن يكون التنبيه على أمر عقدي أو أمر يتعلق بالحدود ونحوها والله أعلم :
أما الأدلة على هذا
1-فمن القرآن :
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }التوبة73
وفي : التحريم9
2-من السنة :
1-من طريق : الزُّهريِّ عن سِنَانِ بنِ أبي سِنَانٍ عن أبي وَاقِدٍ الَّليْثِيِّ ،: «أَنَّ رَسُولَ الله لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بَشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَها ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فقالوا : يا رسولَ الله اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فقال النبيُّ: سُبْحَانَ الله، هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» .قال أبو عِيسَى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.وأبو وَاقِدٍ الليْثيُّ اسمُه الحارثُ بنُ عَوْفٍ.وفي البابِ عن أبي سَعِيدٍ وأبي هُرَيْرَةَ.
2-وعند أبي دواد :من طريق زُهَيْرٌ عن عُبَيْدِالله بنِ عُمَرَ عن نَافِعٍ عن ابنِ عُمَرَ عن عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ : "أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أدْرَكَهُ وَهُوَ في رَكْبٍ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأبِيهِ فقالَ: إنّ الله يَنْهَاكُم أنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم، فَمَنْ كَانَ حَالِفاً فَلْيَحْلِفْ بالله أوْ لِيَسْكُتْ".وسنده صحيح
3-وفي صحيح مسلم : من طريق سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَميمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، أَنَّ رَجُلاً خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشِدَ. وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ. قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ». قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: فَقَدْ غَوِيَ.
4-وعند مسلم من طريق :ِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَـنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ: اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ. فَرَمَتْ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا، وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ: عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ، وَقَضَى بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَنْ مَعَهُمْ، فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ الْهُذَلِيُّ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ، وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلَّ؟ فَمِثْلُ ذلِكَ يطَلُّ، فَقَالَ رَسُولُ الله «إِنَّمَا هذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهَّانِ » مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ.
5-وفي المسند من طريق : الحسن عن عتي عن أبي بن كعب قال: رأيت رجلاً تعزى عند أبي بعزاء الجاهلية ، افتخر بأبيه فأعضه بأبيه، ولم يكنه ثم قال لهم: أما إني قد أرى الذي في أنفسكم، إني لا أستطيع إلا ذلك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا».وفي رواية:"عَنْ عُتَيٍّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً تَعَزَّى عِنْدَ أُبَيٍّ، بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ، افْتَخَرَ بِأَبِيهِ، فَأَعَضَّهُ بِأَبِيهِ، وَلَمْ يَكْنِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَمَا إِنِّي قَدْ أَرَى الَّذِي فِي أَنْفُسِكُمْ، إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ إِلاَّ ذَلِكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُّوهُ وَلاَ تَكْنُوا". (*) وفي رواية: "عَنْ عُتَيٍّ، أَنَّ رَجُلاً تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أُبَيٌّ: كُنَّا نُؤْمَرُ، إِذَا الرَّجُلُ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ، وَلاَ تَكْنُوا .وقال الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 567 في صحيح الجامع.
6-وفي الصحيحين من طريق :ِ ابْنِ عْيَيْنَةَ وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَهُو ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ . سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ ، يَقُولُ: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَجُلاً اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ . فَقَالَ: «ائْذَنُوا لَهُ. فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ» فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَلاَنَ لَهُ الْقَوْلَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ. ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ؟ قَالَ «يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ».واللفظ لمسلم
وثبت عن الصحابة أيضا ومنه :
1-مارواه البخاري من طريق :الزهريِّ قال عُروةُ سألتُ عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها فقلتُ لها: أرأيتِ قولَ اللّهِ تعالى {إنَّ الصَّفا والمَروةَ مِن شَعائرِ اللّهِ، فمن حجَّ البيتَ أو اعتمرَ فلا جُناحَ عليهِ أن يَطَّوَّفَ بهما} (البقرة: 15 فواللّهِ ما على أحدٍ جُنَاح أن لايَطوفَ بالصَّفا والمروةِ. قالت: بئسَ ما قُلْتَ ياابنَ أُختي ، إنَّ هذه لو كانت كما أوَّلتَها عليهِ كانت لاجُناحَ عليهِ أن لايَتطوَّفَ بهما
2-وروى أيضا من طريق : ابن عَونٍ عن موسى بنِ أنسٍ قال: وذَكَر يومَ اليمامةِ قال: «أتى أنسُ بنُ مالكٍ ثابتَ بنَ قيسٍ وقد حَسَرَ عن فَخِذَيهِ وهو يَتحنُطُ فقال: يا عمِّ ما يَحبِسُكَ أن لا تَجيءَ؟ قال: الآنَ يا ابن أخي، وجَعلَ يَتَحنَّطُ، يعني من الحَنوط، ثمَّ جاء فجلس، فذكرَ في الحديث انكِشافاً منَ الناسِ فقال: هكذا عن وَجوهِنا حتى نُضارِبَ القَومَ، ما هكذا كنّا نفعلُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم، بِئسَ ما عوَّدْتم أقرانَكم» رواه حمّادٌ، عن ثابتٍ، عن أنس.
3-وفي صحيح مسلم من طريق : عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ، قَالَ: دَعَانَا عَرُوسٌ بِالْمَدِينَةِ. فَقَرَّبَ إِلَيْنَا ثَلاَثَةَ عَشْرَ ضَبًّا. فَآكِلٌ وَتَارِكٌ. فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مِنَ الْغَدِ. فَأَخْبَرْتُهُ. فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ. حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ «لاَ آكُلُهُ، وَلاَ أَنْهَى عَنْهُ، وَلاَ أُحَرِّمُهُ». فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِئْسَ مَا قُلْتُمْ. مَا بُعِثَ نَبِيُّ اللّهِ إِلاَّ مُحِلاًّ وَمُحَرِّماً. إِنَّ رَسُولَ اللّهِ، بَيْنمَا هُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ، وَعِنْدَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى. إِذْ قُرِّبَ إِلَيْهِمْ خِوَانٌ عَلَيْهِ لَحْمٌ. فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَأْكُلَ قَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ: إنَّهُ لَحْمُ ضَبَ. فَكَفَّ يَدَهُ. وَقَالَ: «هذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلْهُ قَطُّ». وَقَالَ لَهُمْ: «كُلُوا» فَأَكَلَ مِنْهُ الْفَضْلُ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْمَرْأَةُ. وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: لاَ آكُلُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَيْءٌ يَأْكُلُ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ .
4-وفي الصحيح من حديث كعب الطويل وفيه قال كعب : وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللّهِ حَتَّى بَلَغَ تَبُوك فَقَالَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: «مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟» قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: يَا رَسُولَ اللّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ. فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ. وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلاَّ خَيْراً. فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ . فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذلِكَ رَأَى رَجُلاً مُبَيِّضاً يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ»، فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الأَنْصَارِيُّ. وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ.
قال ابن أبي الدنيا : (فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون هكذا في حق نفسه، ولا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه، وكما قال عمر بن عبد العزيز: من عبدالله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وكما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: ((العلم إمام العمل والعمل تابعه)). وهذا ظاهر فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً و اتباعاً للهوى كما تقدم، وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية و أهل الإسلام، فلابد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما. ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي، ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي بالصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود.
ولابد في ذلك من الرفق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه)). وقال: ((إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي عليه مالا يعطي على العنف)). ولابد أيضاً أن يكون حليماً صبوراً على الأذى: فإنه لابد أن يحصل أذى، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح: كما قال لقمان لابنه: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: من الآية17].
ولهذا أمر الله الرسل – وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – بالصبر كقوله لخاتم الرسل، بل ذلك مقرون بتبليغ الرسالة، فإنه أول ما أرسل أنزلت عليه سورة: ((يا أيها المدثر)) بعد أن أنزلت عليه سورة: ((اقرأ)). التي به نُبئ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [اية]1]قُمْ فَأَنذِرْ [اية]2]وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [اية]3]وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [اية]4]وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [اية]5]وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ [اية]6]وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ [اية]7]} [المدثر:1-7]فافتتح آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة، وختمها بالأمر بالصبر، ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فعلم أنه يجب بعد ذلك الصبر وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: من الآية48]وقال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:10]. [اية] فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: من الآية35]. [اية] فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوت} [القلم: من الآية48} [وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ} [النحل: من الآية127} [وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:115].كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال ابن حزم : (إياك وموافقة الجليس السيء، ومساعدة أهل زمانك فيما يضرك في أخراك أو في دنياك وإن قل، فإنك لا تستفيد بذلك إلا الندامة حيث لا ينفعك الندم، ولن يحمدك من ساعدته، بل يشمت بك. وأقل ما في ذلك وهو المضمون أنه لا يبالي بسوء عاقبتك وفساد مغبتك.
وإياك ومخالفة الجليس، ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا في أخراك. وإن قل، فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة، وربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلاً.
إن لم يكن بد من إغضاب الناس، أو إغضاب الله عز وجل ولم يكن لك مندوحة عن منافرة الخلق أو منافرة الحق، فاغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك ولا تنافر الحق.
الاتساء بالنبي صلى الله عليه وسلم في وعظ أهل الجهل والمعاصي والرذائل واجب، فمن وعظ بالجفاء والاكفهرار فقد أخطأ، وتعدى طريقته صلى الله عليه وسلم وصار في أكثر الأمر مغرياً للموعوظ بالتمادي على أمره لجاجاً وحرداً ومغايظة للواعظ الجافي فيكون في وعظه مسيئاً لا محسناً، ومن وعظ ببشر وتبسم ولين وكأنه مشير برأي، ومخبر عن غير الموعوظ بما يستفتح من الموعوظ، فذلك أبلغ وأنجع في الموعظة. فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم وفي الخلاء، فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحي منه الموعوظ، فهذا أدب الله في أمره بالقول واللين. وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجه بالموعظة لكن كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، وقد أثنى عليه الصلاة والسلام على الرفق ، وأمر بالتيسير، ونهى عن التنفير. وكان يتخول بالموعظة خوف الملل، وقال تعالى: " ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك " .
وأما الغلطة والشدة، فإنما تجب في حد من حدود الله تعالى، فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحد خاصة. ومما ينجع في الوعظ أيضاً، الثناء بحضرة المسيء على من فعل خلاف فعله، فهذا داعية إلى عمل الخير. وما أعلم لحب المدح فضلاً هذا وحده، وهو أن يقتدي به من يسمع الثناء. ولهذا يجب أن تؤرخ الفضائل والرذائل، لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره، ويرغب في الحسن المنقول عمن تقدمه، ويتعظ بما سلف) الأخلاق والسير .
وقال ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة : (قالوا: وقد ذم رسول اللـه صلى الله عليه وسلم الخوارج لشدة تنطعهم في الدين، وتشددهم في العبادة، بقولـه: «يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم». ومدح الرفق وأهلـه، وأخبر عن محبة اللـه لـه، وأنه يعطي عليه ما لا يعطي على العنف، وقال: «لن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلاّ غلبه». وقال: «إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق. فالدين كلـه الاقتصاد في السبيل والسنة، واللـه تعالى يحب ما داوم عليه العبد من الأعمال دون المتجاوزة في الطول.)
وقال تميم بن أبيّ بن مقبل:
*خليليّ لا تستعجلا وانظرا غدا ** عسى أن يكون الرّفق في الأمر أرشدا* " التمثيل والمحاضرة"
وقال ابن باز رحمه الله : في الحديث الصحيح : ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) خرجه الإمام مسلم في صحيحه . فبين صلى الله عليه وسلم مراتب الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر الثلاث : - المرتبة الأولى : الإنكار باليد مع القدرة ، وذلك بإراقة أواني الخمر ، وكسر آلات اللهو ، ومنع من أراد الشر بالناس وظلمهم من تنفيذ مراده إن استطاع ذلك كالسلطان ونحوه من أهل القدرة ، وكإلزام الناس بالصلاة ، وبحكم الله الواجب اتباعه ممن يقدر على ذلك ، إلى غير هذا مما أوجب الله . وهكذا المؤمن مع أهله وولده ، يلزمهم بأمر الله ويمنعهم مما حرم الله باليد إذا لم ينفع فيهم الكلام .
وهكذا من له ولاية من أمر أو محتسب ، أو شيخ قبيلة أو غيرهم ممن له ولاية من جهة ولي الأمر ، أو من جهة جماعته ، حيث ولوه عليهم ، عند فقد الولاية العامة يقوم بهذا الواجب حسب طاقته ، فإن عجز انتقل إلى : المرتبة الثانية : وهي اللسان ، يأمرهم باللسان وينهاهم كأن يقول : يا قوم اتقوا الله ، يا إخواني اتقوا الله ، صلوا وأدوا الزكاة ، اتركوا هذا المنكر ، افعلوا كذا ، دعوا ما حرم الله ، بروا والديكم ، صلوا أرحامكم ، إلى غير هذا ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر باللسان ، ويعظهم ويذكرهم ، ويتحرى الأشياء التي يفعلونها ، حتى ينبههم عليها ، ويعاملهم بالأسلوب الحسن ، مع الرفق ، يقول عليه الصلاة والسلام : ((إن الله يحب الرفق في الأمر كله)) ويقول صلى الله عليه وسلم : ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه)) وجاء جماعة من اليهود ، فدخلوا عليه صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك يا محمد ، يعنون الموت ، وليس مرادهم السلام . . فسمعتهم عائشة رضي الله عنها ، فقالت : ( عليكم السام واللعنة ) . وفي لفظ آخر : ( ولعنكم الله ، وغضب عليكم ) ، فقال صلى الله عليه وسلم : ((مهلا يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)) قالت (ألم تسمع ما قالوا) ؟ قال ((ألم تسمعي ما قلت لهم؟ قلت لهم وعليكم فإنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا)) هذا وهم يهود رفق بهم صلى الله عليه وسلم ، لعلهم يهتدون ، ولعلهم ينقادون للحق ، ولعلهم يستجيبون لداعي الإيمان . فهكذا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الموفق ، يتحرى الرفق والعبارات المناسبة ، والألفاظ الطيبة عندما يمر على من قصر في ذلك ، في المجلس أو في الطريق أو في أي مكان يدعوهم بالرفق والكلام الطيب ، حتى ولو جادلوه في شيء خفي عليهم ، أو كابروا فيه يجادلهم بالتي هي أحسن ، كما قال سبحانه : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[12] وقال سبحانه : {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[13] من هم أهل الكتاب؟ . هم اليهود والنصارى ، وهم كفار ، ومع ذلك يقول الله عنهم : {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[14] والمعنى أن من ظلم منهم وتعدى وأساء الكلام فإنه ينتقل معه إلى علاج آخر غير الجدال بالتي هي أحسن ، كما قال تعالى : {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[15] الآية وقال سبحانه : {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[16] الآية . لكن ما دام المقام مقام تعليم ودعوة وإيضاح للحق ، فإنه يكون بالتي هي أحسن لأن هذا أقرب إلى الخير ، قال سفيان الثوري رحمه الله : ينبغي للآمر والناهي أن يكون رفيقا فيما يأمر به ، رفيقا فيما ينهى عنه ، عدلا فيما يأمر به ، عدلا فيما ينهي عنه ، عالما بما يأمر به ، عالما بما ينهى عنه .
وهذا معنى كلام السلف رحمهم الله ، تحري الرفق مع العلم والحلم والبصيرة ، لا يأمر ولا ينهى إلا عن علم ، لا عن جهل . ويكون مع ذلك رفيقا عاملا بما يدعوه إليه تاركا ما ينهى عنه ، حتى يقتدى به .)
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
والله الموفق
تعليق