بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
فهذه نصحية عظيمة من العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى في الحث على العناية بالصلاة. الصلاة التي لها منزلة عظيم ودرجة رفيعة،فهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. فحري بنا أن نهتم بها أيما اهتمام، كيف لا وهي عمود الإسلام، كيف لا وهي أول ما يحسب عليه العبد يوم القيامة وهي وهي.... فحري بنا أن نهتم بهذه الصلاة وبإقامتها على الوجه المشروع من أداء أركانها وشروطها وواجباتها وسننها وكل ما يتعلق بها على الوجه المشروع حتى ننال الأجر من الله تعالى ... وحتى لا أطيل عليكم أترككم مع نصيحة العلامة الشيخ ابن باز عليه رحمة الله. قال رحمه الله:
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من تبلغه هذه النصيحة من إخواننا المسلمين أئمة المساجد والمأمومين وسواهم. سلك الله بنا وبهم صراطه المستقيم، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد[1]:
فغير خافٍ على الجميع شأن الصلاة في الإسلام، إذ هي عموده، بها يستقيم دين المسلم، وتصلح أعماله، ويعتدل سلوكه في شؤون دينه ودنياه، متى أُقيمت على الوجه المشروع عقيدة وعبادة، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما لها من خاصية، قال الله عنها في محكم التنزيل: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}[2]، وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}[3]، وكما أن هذا شأنها، فهي أيضاً مطهرة لأدران الذنوب ماحية للخطايا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا))[4] متفق عليه.
فحريٌ بالمسلم تجاه فريضة هذا شأنها ألا يفرط فيها، كيف وهي الصلة بينه وبين ربه تعالى، كما أنها جديرة بالتفقه في أحكامها، وغير ذلكم مما شرع الله فيها، حتى يؤديها المؤمن بغاية الخشوع والإحسان والطمأنينة ظاهراً وباطناً. فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوؤها وخشوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤتَ كبيرة وذلك الدهر كله))[5] رواه مسلم.
فعليكم معشر المسلمين بتقوى الله في أموركم عامة، وفي صلاتكم خاصة، أن تقيموها محافظين عليها وحافظين لها عما يبطلها أو ينقص كمالها، من تأخير لها عن أوقاتها الفاضلة من غير عذرٍ شرعي، أو التثاقل عن أدائها جماعة في المساجد، أو الإتيان فيها بما يذهب الخشوع ويلهي القلوب عن استحضار عظمة من تقفون بين يديه تعالى، وتدبر لكلامه وذكره ومناجاته جل شأنه، من نحو تشاغل في أمور خارجة عنها، أو حركات غير مشروعة فيها، كالذي يحدث من البعض عبثاً، ومن تعديل لباسه من غترة وعقال، ونظر إلى الساعة، أو تسريح شعر لحية بعد الإحرام بها. كل هذا مما ينافي الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها وسبب قبولها. وتحذيراً من مثل هذا جاء الحديث: ((إن الرجل ليقوم في الصلاة ولا يكتب له منها إلا نصفها، إلى أن قال: إلا عشرها))[6] رواه أبو داود بإسناد جيد.
فعلى الجميع عامة، وعلى الأئمة خاصة أن يكونوا على جانب كبير من الفقه في أحكام الصلاة، وأن يكونوا قدوة حسنة في إقامة هذه الشعيرة العظيمة؛ لأنه يقتدي بهم المأمومون، ويتعلم منهم الجاهل والصغير، وربما ظن البعض من العامة أن ما يفعله الإمام ولو كان خلاف السنة أنه سنة، ولا سيما بعض المسلمين الوافدين من بعض البلدان الخارجية، ممن لا يعرف أحكام الصلاة على الوجه المشروع، كما أن مما تساهل فيه بعض الأئمة وبعض المأمومين العناية بتسوية الصفوف واستقامتها، والتراص فيها، وهو أمر يخشى منه؛ للوعيد الوارد، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم))[7] رواه مسلم.
وفي المتفق عليه: ((لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم))[8] وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة))[9] متفق عليه. فكانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحث على تسوية الصفوف، والحث على المحافظة على أداء الصلوات في المساجد جماعة، كما درج عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان سلفاً وخلفاً، وفي ذلك الأجر العظيم من الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح))[10] متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة))[11] رواه مسلم.
وإذا علم هذا، فمما يجب الحذر منه ظاهرة التثاقل من البعض عن صلاة العشاء وصلاة الفجر في المساجد جماعة، وهي عادة خطيرة؛ لأنها من صفات المنافقين لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً))[12] فلا عذر ولا رخصة دونما عذر شرعي لمن سمع النداء فلم يجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر))[13]، واستأذنه رجل أعمى ليس له قائد يلازمه هل له رخصة أن يصلي في بيته، قال صلى الله عليه وسلم: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب))[14].
وفي رواية أخرى قال: ((لا أجد لك رخصة))[15]، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف))[16] رواه مسلم.
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها دليلٌ على وجوب حضور الجماعة حيث ينادى بالصلاة، وفي امتثالها طاعة الله ورسوله وسعادة الدارين والبعد عن مشابهة أهل النفاق، وصفاتهم. فأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يرزقنا الاستقامة على دينه، والمحافظة على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، وأدائهن والخشوع الكامل رغبة فيما عند الله، وحذراً من عذابه، إنه ولي هذا والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس العام لإدارات البحوث
العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
المصدر: http://www.binbaz.org.sa/index.php?p...article&id=766
---------------------الحواشي---------------------------
[1] نشر في رسالة إلى أئمة المساجد وخطباء الجوامع، جمع وتحقيق الشيخ عبد الله الجار الله عام 1418هـ.
[2] سورة العنكبوت، الآية 45.
[3] سورة المؤمنون، الآيتان 1، 2.
[4] أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة برقم 528، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا برقم 667.
[5] أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه برقم 228.
[6] أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في نقصان الصلاة برقم 796.
[7] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم 432.
[8] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها برقم 717، ومسلم في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم 436.
[9] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة برقم 723، ومسلم في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم 433 واللفظ له.
[10] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح برقم 662، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا برقم 666.
[11] أخرجه مسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا برقم 666.
[12] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل العشاء في جماعة برقم 657، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف برقم 651.
[13] أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب برقم 217.
[14] أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم 653.
[15] أخرجه أحمد في مسند المكيين حديث عمرو بن أم مكتوم رضي الله عنه برقم 15064.
[16] أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى برقم 654.
[1] نشر في رسالة إلى أئمة المساجد وخطباء الجوامع، جمع وتحقيق الشيخ عبد الله الجار الله عام 1418هـ.
[2] سورة العنكبوت، الآية 45.
[3] سورة المؤمنون، الآيتان 1، 2.
[4] أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة برقم 528، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا برقم 667.
[5] أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء والصلاة عقبه برقم 228.
[6] أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في نقصان الصلاة برقم 796.
[7] أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم 432.
[8] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها برقم 717، ومسلم في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم 436.
[9] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إقامة الصف من تمام الصلاة برقم 723، ومسلم في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول برقم 433 واللفظ له.
[10] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح برقم 662، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا برقم 666.
[11] أخرجه مسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا برقم 666.
[12] أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل العشاء في جماعة برقم 657، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف برقم 651.
[13] أخرجه الترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب برقم 217.
[14] أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء برقم 653.
[15] أخرجه أحمد في مسند المكيين حديث عمرو بن أم مكتوم رضي الله عنه برقم 15064.
[16] أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى برقم 654.
تعليق