--------------------------------------------------------------------------------
كتب سعادة الأستاذ عبد العزيز الربيع كلمة للنشرة التي يصدرها معهد النور بالمدينة المنورة، وجعل عنوانها (من النماذج الفريدة) وقد استهلها بقوله:
"كانت صورته غفر الله له أول صورة مثلت أمام مخيلتي وأنا أهيئ نفسي لكتابة هذه الكلمة القصيرة للمجلة التي يصدرها معهد النور بالمدينة المنورة، وكان اسمه أسبق الأسماء التي خطرت في ذهني منذ اللحظات الأولى..
أعتقد أنكم عرفتموه.. فقد انتقل إلى رحمة ربه ونحن نخوض حرب رمضان المبارك ويرى ببصيرته لا ببصره إنه الدكتور طه حسين رحمه الله.. لقد شخص بذهني وأنا أعد هذه الكلمة لأنه بالرغم من أخطائه الفكرية كان أحد النماذج الرائعة لعبقرية أمتنا فقد استطاع بطموحه وكفاحه وجهده المتواصل أن يحقق الهدف الذي يتطلع إليه والغاية التي عمل على تحقيقها"
ثم وصف طه حسين بأنه أنموذج من الألوف الذين تغلبوا بقوة إيمانهم وصدق عزيمتهم وحسن يقينهم بالله على الظروف والعقبات.. وأنه أحد الأفذاذ الذين صنعوا المعجزات لأمتنا وبلادنا..الخ.
ولما كان سعادة الكاتب في منصب من مناصب التوجيه والتأثير الفكري في بلادنا رأيت أن أبين حقيقة طه حسين ذلك النموذج الفريد حقاً ولكن في غير ما وصف سعادة الكاتب بل في الانحراف بالأمة عن السبيل السوي والصراط المستقيم والسير بها في متاهات الضلال.
فأولا أسأل سعادة الكاتب ما علاقة طه حسين بحرب رمضان أو غيرها من الحروب؟ هل كان زعيماً سياسياً أو قائداً عسكريا أو محرضاً في شعره أو نثره على محاربة الأعداء وتحرير الأراضي؟
والسؤال الثاني نقول فيه: كيف علمت أن طه حسين انتقل إلى رحمة الله ولم ينقل إلى ما يستحقه؟ أليس هذا أمر غيبي علمه عند الله وحده؟ وهذا لو كان من تعنيه مسلماً ومن خيار الصالحين فكيف وهو طه حسين؟
ثم أعود فأقول: ما كان طه حسين إلا عميلاً من عملاء الغرب ووكيلاً من وكلاء الاستعمار الفكري والغزو الثقافي الموجه ضد عقيدتنا وشريعتنا ولغتنا وأمتنا وتراث أسلافنا، ومعول هدم تخرج في إحدى جامعات فرنسا وتتلمذ على شرار المستشرقين الحاقدين علينا وعلى نبينا وديننا من اليهود والنصارى وعب من معين أفكارهم المنتن القذر ثم جاء يفخر بما تلقاه هناك من شبهات التضليل وأساليب المكر والتدجيل، يتبنى أفكارهم وينتحل مؤلفاتهم ويردد ترهاتهم ويدعو إلى منهجهم وسلوك سبيلهم، جاء ليجعل من نفسه ابنا باراً وتلميذاً وفياً لأساتذته وأصدقائه من المستشرقين الذين وقفوا حياتهم لتضليل أبناء المسلمين ومحاولة طمس معالم الحق أمام البشرية ليصدوا عن سبيل الله، فكم يكتف طه حسين هذا العميل الملقب بـ(عميد الأدب العربي) بإنكار رسالة محمد عليه السلام، وإنكار نزول القرآن من عند الله هدى للناس كما صرح بذلك في كتابه (في الشعر الجاهلي) وكذا في دروسه التي كان يلقيها على طلاب جامعة القاهرة وإذ كان مدرساً فيها للأدب فكان يقول لهم: قارنوا بين أسلوب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ كان في مكة وبين أسلوبه بعد أن هاجر إلى المدينة وتأثر بثقافة أهل الكتاب، ويمثل لهم بسور القرآن مكية ومدنية.. أقول لم يكتف (طه حسين) بذلك بل أنكر وجود إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وكذب التوراة والإنجيل، فقد قال في كتابه (في الشعر الجاهلي) : للقرآن أن يحدثنا عن وجود إبراهيم وإسماعيل وللتوراة أن تحدثنا وللإنجيل أن يحدثنا، ولكن ليس علينا أن نصدق.. وتكذيبه للتوراة والإنجيل ليس مقصوداً لذاته وإنما هدفه تكذيب القرآن فقط، والتقرير بأنه عبارة عن أساطير ملفقة كثير منها كان العرب يعرفونه قبل قرآن محمد - عليه السلام - ومن هذه الأساطير التي كان العرب يتناقلونها - على حد زعمه الخاسر - كون الكعبة بيت الله وكون إبراهيم وإسماعيل قاما ببنائها بأمر الله - تبارك وتعالى – فـ (طه حسين) يقرر أن هذه أسطورة خرافية وأن إبراهيم وولده لم يوجدا فضلا عن أن يكونا نبيين فضلا عن أن يقوما ببناء الكعبة بوحي وأمر من الله - هكذا - ولما كان يعلم أن التوراة والإنجيل ذكرا ذلك قبل القرآن اضطر إلى تكذيبهما حتى لا يحتج عليه بهما.
أقول: إن (طه حسين) لم يكتف بهذا كله بل أضاف إلى ذلك عداءه المكشوف للغة العربية التي هو عميد أدبها!! بتنصيب من أساتذته المستشرقين ووحي من سادته الغربيين - فقد نادى بأعلى صوته بوجوب استبعاد اللغة العربية ودفنها في مقابر التاريخ، أو نقلها إلى متاحف الآثار البائدة، وقد دعا أبناء العربية إلى التنكر لها واستبدالها باللغة اليونانية أو اللاتينية، وزعم أنها لغة بدوية لا تناسب عصر العلم والاختراع والصحيح أن ذنبها كونها لغة الإسلام الذي ظل هو إلى أن مات يحاربه ويثير حوله الشكوك والشبهات، ومن أراد الوقوف على صحة ما ذكرت عن (عميد الأدب العربي) - دعوى - وعميل الفكر الغربي حقيقة وواقعا - فليقرأ كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) وفي هذا الكتاب يقرر أن مصر ليست دولة عربية ولا إسلامية بل ولا حتى شرقية، ويطالبها بأن تنفض يدها من العرب والمسلمين وكل ما يمت إليهم بصلة وأن تيمم وجهها نحو الغرب تستقي آدابه وتقلده في أفكاره وسلوكه وأخلاقه وثقافاته، وأن تأخذ من أوربا كل ما فيها وما لديها من غير تفريق بين الخير والشر وبين النافع والضار والحسن والقبيح، ويعلل لذلك بأننا محتاجون إلى ما عند الغرب من علم ومدنية وما سبقونا إليه من صناعة واختراع وأنه لا يمكننا أن نستفيد مما عندهم من نافع إلا إذا أخذنا معه الضار، ولا يمكننا تقليدهم في ميدان العلم والاكتشاف إلا إذا قلدناهم في كل شيء من الأخلاق وفي السلوك والتفكير والتصور وغير ذلك ولما ظن أن قبول هذه الاقتراح صعب وأن رواج هذه الفكرة بعيد خلط معها فكرة أخرى وهي الدعوة إلى الفرعونية القديمة والرجوع إليها والاعتزاز بتاريخها وقال: إننا معشر المصريين أصحاب حضارة وماض مجيد قبل مجيء العرب إلى بلادنا وبعد مجيئهم وإن عروبتهم وإسلامهم لم يؤثرا علينا بشيء فما زلنا كما كنا متمسكين بفرعونيتنا معتزين بأمجادنا وتاريخنا منذ سبعة آلاف سنة وإذا أردت أيها القارئ الكريم أن تقف على ما ذكرته لك عن (عميد الأدب العربي) وتتحقق من صحته بل وتعرف عنه أكثر مما ذكرت لك بأضعاف مضاعفة فاقرأ كتابيه (مستقبل الثقافة في مصر) و (الشعر الجاهلي) وإن لم يتيسر لك الوقوف على هذين الكتابين فيكفيك أن تقرأ الكتب التالية: (المعركة بين القديم والجديد تحت راية القرآن) للرافعي، والاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد محمد حسين، والفكر الإسلامي المعاصر (دراسة وتقويم) لغازي التوبة، (والفكر الإسلامي المعاصر وصلته بالاستعمار) للدكتور محمد البهي، وكتاب (حصوننا مهددة من داخلها) للدكتور محمد حسين أيضاً.
فإذا كان هذا بعضاً من حقيقة (طه حسين) وأنموذجاً من عمالته لأعدائنا ودورانه في فلكهم ونسجه على منوالهم، وتلك صور من مخازيه ومواقفه ضد ديننا ولغتنا وأمجاد أمتنا وتراث أسلافنا الكرام، الذين نعتز بذكرهم ونفخر بالانتساب إليهم وذكر مآثرهم، فهل يسوغ لأدبائنا ومثقفينا ومن يعدون من رجال الفكر في أمتنا يرفعوه فوق النجوم، وأن يصفوه بالبطولة والعبقرية والنبوغ ، وأن يشهدوا له بقوة الإيمان والثقة بالله وما إلى ذلك من عبارات الإطراء وأساليب الغلو التي ينبغي أن يترفع العاقل عن إطلاقها بجانب الرجال المخلصين والزعماء المصلحين فكيف العملاء والأذناب!.
إن الأستاذ الربيع أطلق على ممدوحه (طه حسين) نعوتاً قل أن تصدق في شخص مهما كان، بل قد يستحيل تحققها إلا في الخيال أو في نبي من أنبياء الله ومن سلك سبيلهم من أئمة الهدى فكيف بزنديق مارق ودجال منافق، وملحد زائغ وعميل مبالغ، فقد كان الواجب أن يغنى منه موقف المسلم الغيور والمجاهد المخلص لربه الناصح لأمته، موقف الرجل الشجاع الذي لا يجامل الناس على حساب عقيدته أو على حساب أمته وأفكار شبابها الذين ينتظرون منه توجيها سليما، وإنارة للطريق أمامهم، وكشفا لشبهات المشبهين وزيف المزيفين وتعرية للمغرضين المنافقين المندسين في الصفوف والجالسين على كراسي التربية والتوجيه لينفذوا مخططات الأعداء وليضلوا عن سبيل الحق ويصرفوا الناشئة عن طريق الهدى، فهذا هو الواجب وهذا هو المعقول وهو المنتظر ولكن الواقع مع شديد الأسف - جاء على العكس فإننا لا نعلم أحداً من أدبائنا ومفكرينا وقف من مثل (طه حسين) الموقف الذي يتناسب مع موقفه هو من ديننا ولغتنا وتاريخنا سوى (مصطفى صادق الرافعي) رحمه الله وإن كان بعضهم قام ببعض الواجب مثل الدكتور (محمد محمد حسين) في كتابيه (الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، وحصوننا مهددة من داخلها) فإنه بذل جهداً لا بأس به لكشف حقيقة هذه الدمية المسماة (طه حسين) والملقبة ب- (عميد الأدب العربي) بل إنه استطاع بما قام به من هذا الكشف أن يثبت لمن قرأ كتابيه أن الخداع وأساليب المكر لا تنطلي على كل الناس ، بل إن فيهم من يسبر الأمور ويعرف المقاصد ويستجلي الحقائق.
أما الأستاذ غازي التوبة فقد قام أيضاً ببعض الواجب وركز على ما يسمى بإسلاميات (طه حسين) والتي يزعم عشاقه ومريدوه أنها برهان على توبته من زندقته التي ذكرنا شيئاً من مظاهرها وأنه تحول إلى كاتب إسلامي يعنى بالسيرة النبوية وغيرها من موضوعات التاريخ الإسلامي، يقولون هذا إما غافلين أو متغافلين عن حقيقة هذه الإسلاميات، فقام الأستاذ غازي بدراسة لها وكشف لما تنطوي عليه من خبث وتمويه ولف ودوران مقنع.
أما الأستاذ محمد البهي فقد تعرض في كتابه (الفكر الإسلامي المعاصر وصلته بالاستعمار) تعرض فيه لـ (طه حسين) وكشف كثيراً من مخازيه من خلال كتبه وبين هدفه وهدف أساتذته المستشرقين من وراء إنكارهم للشعر العربي الجاهلي وقرر أن كتاب (في الشعر الجاهلي) كان في الأصل لأحد مشاهير المستشرقين وهو هاملتون جب في كتابه المذهب المحمدي وأن أساتذة (طه حسين) رغبوا إليه أن يترجمه للعربية ويتبناه ففعل وحقق رغبتهم فلما قامت الضجة في مصر حول هذا الكتاب وعانى بسببه ما عانى - رغم مساندة أذناب الغرب وعملائه له - اضطر أن يغير أن يغير فيه بعض التغيير أو أن يستر منه ما كان مكشوفاً، وأن يموه ما كان صريحاً، ويسميه (في الأدب الجاهلي) بدل (في الشعر الجاهلي) وأعتقد أن الذي يحمل أكثر المنسوبين إلى الأدب والزعامة الفكرية على أن يعتبروا (طه حسين) إماماً وبطلاً ومجاهداً ومثالاً رائعاً للعبقرية العربية النادرة وأن القدر جاء به على هذه الأمة أحوج ما كانت إلى العباقرة المصلحين كما صرح بهذا (حمد الجاسر) وكما صرح بمثله أو قريب منه (عبد العزيز الربيع) أقول: إنني أعتقد أن لذلك أسباباً منها إعجابهم بالمكانة التي احتلها (طه) في عالم الأدب على أيدي مستخدميه - بكسر الدال - من الغربيين الذين خلعوا عليه أثواباً فضفاضة من التعظيم والتبجيل ورأوه أهلا للزعامة الفكرية فنصبوه عميداً للأدب العربي، ورشحوه لجائزة (نوبل) للآداب عدة مرات ثم أعطوه إياها ساعة هلاكه [1].
ومنها أنهم يعتقدون أن الاعتراف بمكانة (طه حسين) الأدبية - المزعومة ووصفه بالبطولة والعبقرية دليل على المقدرة الأدبية والتنور الفكري والذوق الثقافي الرفيع.
يقول الشيخ (محمد متولي شعراوي) في محاضرة ألقاها في الكويت في رمضان عام 94 نشرتها مجلة (المجتمع) في عددها 226 - وقد ذكر أثناء هذه المحاضرة كيف أن الناس يخدعون وتضلل أفكارهم وتسحر عيونهم وآذانهم ثم قال: ولأضرب مثلاً بقطاع مصر فإنا نجد العشرينات وفي الثلاثينات طائفة من القوم الذين شهد لهم الناس بالتفوق والنبوغ، وأصبحت لهم مدارس تسيطر على صياغة عقول الشباب وأفكار الناشئين، ولهم معجبوهم ومريدوهم، ثم مثل بـ (طه حسين) (ومنصور فهمي) (وإسماعيل مظهر) (وقاسم أمين) ثم استطرد إلى أن قال: هؤلاء القوم فتنوا بزعامتهم وغروا بالثناء عليهم، وخدعهم المعجبون بهم، ثم جاءت الصحافة التي يسيطر عليها الاستعمار فنفخت في تلك الدُّمى نفخاً جعل منهم قادة وجعل منهم صواغ فكر وصناع نفوس إهـ أما الشيخ علي الطنطاوي فقد حضر محاضرة لطه حسين ألقاها في جامعة دمشق، إذ دعته هذه الجامعة ليلقي مثل هذه المحاضرة وليخرج طلابها من ظلمات الجهل إلى نور العلم -!!
وبعد انتهاء سعادة الدكتور من محاضرته تقدم مدير الجامعة ليعلق عليها وليجزل المديح بل يقدمه جزافاً لفخامة عميد الأدب العربي!! وكيف لا يفعل وقد تواضع فخامته فقبل الدعوة وتحمل متاعب السفر ليروي غلة هؤلاء الطلاب العطاش إلى العلم والمعرفة من ينابيع علومه التي لا تنضب وإن كانت قيحاً وصديداً وبعد انتهاء مدير الجامعة الدمشقية من تقديم عبارات الإطراء التي لا يدفع لها ثمناً ولا يخشى سؤالاً عن مدى صحتها قام الشيخ الطنطاوي معقباً على التعليق فقال:
"الواقع أن ما قاله طه حسين في هذه المحاضرة يعرف طلاب الصف الخامس والصف السادس الابتدائيين وأن 95 في المائة من الحاضرين يعلمون ذلك ولكنهم لا يصدقون عقولهم، بل إن بعضهم ليضع يده على فيه حذراً أن تبدر منه بادرة تكشف للحاضرين عن رأيه في محاضرة عميد الأدب العربي ثم قال: هذا بالنسبة للمحاضرة أما بالنسبة للمحاضر (طه حسين) فإنه حين وضع عمامة الأزهر عن رأسه وولى وجهه شطر فرنسا خلع معها دينه وعقله، وبقي إلى اليوم بلا عقل ولا دين".إهـ من مجلة البلاغ الكويتية وأظن عشاق أفكار طه حسين ومريديه لا ينكرون مكانة الشيخ الطنطاوي الأدبية إلا أنه مسلم لا ينفخ الغرب في صورته ولا يحيطه بهالات التمجيد والتقديس كما يصنع بعملائه وأذنابه ومأجوريه، لذلك لا نسمع ذكراً لكبار الأدباء الإسلاميين عندما يتحدث متحدث عن الأدباء العرب المعاصرين في إذاعة أو كتاب أو صحيفة ولا ذنب لهم ولا عيب فيهم سوى أنهم يؤمنون بالإسلام قولاً وعملا ويصرحون بأنه وحده سبيل النجاة وطريق السعادة، وربما حاولوا تنبيه المسلمين إلى ما يحيط بهم من أخطار وما يدبر ضدهم من مكائد
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
والآن نتوجه بهذه الأسئلة إلى سعادة الأستاذ عبد العزيز الربيع لعله يتكرم مشكوراً بالجواب عليها فتقول:
ذكرت سعادتك أن (طه حسين) يمثل أنموذجاً رائعاً لعبقرية أمتنا وأنه استطاع بطموحه وكفاحه وجهده المتواصل أن يحقق الهدف الذي يتطلع إليه والغاية التي عمل على تحقيقها ووصفته بأنه قوي الإيمان قوي الثقة بالله، كما أشرت إلى أن له أخطاء فكرية إلا أن تعبيرك يوحي بأن هذه الأخطاء لا تستحق الذكر بجانب صوابه ونتاجه الفكري الرفيع وتراثه الفائق.
فنقول في سؤالنا: ما حقيقة هذه العبقرية التي نسبتها لأمتنا وجعلت ممدوحك أنموذجاً رائعاً لها؟ أهي الكفر والزندقة؟ وإلى أي شيء كان طموحه؟ إلى غير تضليل شباب المسلمين؟ وفي أي سبيل كان كفاحه؟ أفي غير سبيل الاستعمار الفكري والغزو الثقافي لبلادنا وشباب أمتنا؟ وما هو الهدف الذي قلت إنه حققه؟ أهو تنفيذ أغراض المستشرقين وتحقيق أهداف أعدائنا من الغربيين؟ أم هو محاولاته تضليل المسلمين عن سبيل الله؟ وبذله قصارى جهده لإقناع العرب بالتخلي عن لغة الإسلام واستبدالها باليونانية أو اللاتينية أو اللهجات العامية؟ وما هي الغاية التي قلت إنه عمل على تحقيقها؟ هل تعني محاولته إقناع المصريين بأنهم أبناء الفراعنة فليسوا بعرب ولا مسلمين وأن بلادهم فرعونية أوربية؟ هل تستطيع أن تثبت لطه حسين هدفا أو غاية أو كفاحاً أو عبقرية في غير هذه الأمور؟
وسؤالنا الأخير هو: هل يجوز تسمية الإلحاد والزندقة وتكذيب الله وجحد رسله وإنكار كتبه أخطاء فكرية؟ إن كان هذا يجوز في نظر سعادتكم فهل تظن أن أحداً من ذوي الفكر الرشيد يوافقك؟ وفرع لهذا السؤال نقول: هل تذكرت وأنت تسطر هذه الكلمات وتدبج تلك العبارات في مدح وإطراء (طه حسين) أنك موقوف أمام الله ومسئول عن كل ما قلت؟ وإذا كانت كلمتك لمجلة معهد النور - وطلابه كما قلت - يربطهم (بطه حسين) رابطة فقدان البصر أما كان الأجدر بك والأليق ببلدك ومنصبك أن تمثل برجل مسلم فاضل صالح الباطن والظاهر ممن وصفهم الله تعالى بقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}.
وأمامك سماحة مفتي البلاد السعودية الشيخ محمد إبراهيم - رحمه الله - فهناك العلم والتقوى والحلم والورع والذكاء ورزانة العقل وسداد الرأي وقوة الشخصية، مع فقدان البصر وقوة البصيرة، ثم عندك شخصية ممتازة أخرى وأنموذج من نوادر الرجال وأفذاذهم لا يزال حياً - نبتهل إلى المولى جل شأنه أن يطيل في حياته على خير لأن المسلمين في أمس الحاجة إلى مثله - أعني به رجلاً ليس مسكنه ومقر عمله منك ببعيد مع فقدان البصر وتوافر نور البصيرة أيضاً.
فلماذا اخترت واحداً عاش عمراً طويلاً ولا هدف له ولا غاية سوى تدمير أمتنا وإفساد عقول شبابها وتعبيدهم لأفكار الغرب وإغرائهم بتعشق مبادئه الضالة فلقد عمل (طه) جاهدا ومستخدما كل الوسائل التي تمكن من استخدامها على زعزعة عقائد أبناء المسلمين وتشكيكهم في إسلامهم وتزهيدهم بماضي وأمجاد وتراث أسلافهم وما علمنا لطه حسين - مستندين إلى أثاره ومؤلفاته إلا الزندقة والكفر الصريح والتفاني في خدمة أعداء الله ورسوله ودينه وتكذيب رسل الله وإنكار كتبه وكان طه حسين كلما سئل عن آرائه المنحرفة وهل رجع عنها يقول في كبرياء: (أنا لا أرجع عن قول قلته وإنما الناس هم الذين لم يفهموا عني) إ هـ .
وأخيراً نوجه نصيحتنا إلى جميع إخواننا المسلمين ونخص بها الأدباء من كتاب وشعراء ومن بينهم الأستاذ الربيع بأن يصرفوا جهودهم ويولوا عنايتهم وينفقوا قدراتهم في سبيل نصرة الحق وخدمة العقيدة وأن يقفوا بالمرصاد بحزم وشجاعة ضد كل مجترئ على الإسلام ومحاول النيل من جناب المصطفى عليه السلام أو زرع الشكوك وإلقاء الشبهات أمام أبناء المسلمين، وأن يزنوا الناس بميزان الله ويقفوا منهم حسب مواقفهم من الإسلام حتى يعلم جند الشيطان أن للإسلام حماة وأبناءً بررة يذودون عن حياضه ويصارعون أعداءه ويزيفون ترهاتهم ويكشفون أباطيلهم، كما نحثهم على أن يميزوا بين العدو والصديق وبين الحقائق الثابتة والدعاوى الكاذبة، وبين المقاصد النبيلة والأغراض المشبوهة الرذيلة وأن لا تخدعهم الألقاب ولا يستعبدهم حب الظهور فيحملهم على أن يرضوا الناس بسخط الله
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
إلا نعيم الآخر {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} وليعلموا أن من شر الأقوال عند الله وأشدها خطراً على الإنسان مدح الفجرة والثناء على المنافقين المحادين لله، ومن العجائب التي لا يجد المرء لها تفسيراً مهما تنازل عن رأيه الخاص أن مريدي (طه حسين) وعشاق أفكاره إذا أخذ أحدهم يصفه خيل إليك أنه يعني بطلاً مشهوراً ومصلحاً كبيراً معترفاً بفضله وعظمته ممن نفع الله به الأمة وكتب على يديهم نصرا للحق وإنصافاً للمظلومين أو طردا للغزاة المستعمرين أو هزيمة لجيوش المعتدين يخيل إليك أنه يعني مثل الإمام محمد بن سعود أو ابنه عبد العزيز أو فيصل بن تركي أو عبد العزيز بن عبد الرحمن أو كأنه يعني واحداً من أئمة الهدى ورجال الملة ودعاة التوحيد أمثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وإذا هو يعني زنديقاً اسمه (طه حسين) ولقبه عميد الأدب العربي لقباً للبطولة حصل عليه من الاستعمار واليهودية العالمية - وما أكثر الألقاب التي يصدرها الغرب من أجل مصلحته فتنطلي علينا فنصفق لأصحابها ما بين غافل ومتغافل وما بين جاهل مخدوع ومتجاهل متخادع.
***********
لفضيلة الشيخ عبد العزيز الربيعان
المصدر :
مجلة الجامعة الاسلامية – المدينة النبوية – العدد 29
________________________________________
[1] وقد ذكر الأستاذ مالك بن نبي في (إنتاج المستشرقين) أن كتاب طه حسين (في الشعر الجاهلي) جاء على غرار بحث للمستشرق اليهودي مارجليوت ص 9.
]
كتب سعادة الأستاذ عبد العزيز الربيع كلمة للنشرة التي يصدرها معهد النور بالمدينة المنورة، وجعل عنوانها (من النماذج الفريدة) وقد استهلها بقوله:
"كانت صورته غفر الله له أول صورة مثلت أمام مخيلتي وأنا أهيئ نفسي لكتابة هذه الكلمة القصيرة للمجلة التي يصدرها معهد النور بالمدينة المنورة، وكان اسمه أسبق الأسماء التي خطرت في ذهني منذ اللحظات الأولى..
أعتقد أنكم عرفتموه.. فقد انتقل إلى رحمة ربه ونحن نخوض حرب رمضان المبارك ويرى ببصيرته لا ببصره إنه الدكتور طه حسين رحمه الله.. لقد شخص بذهني وأنا أعد هذه الكلمة لأنه بالرغم من أخطائه الفكرية كان أحد النماذج الرائعة لعبقرية أمتنا فقد استطاع بطموحه وكفاحه وجهده المتواصل أن يحقق الهدف الذي يتطلع إليه والغاية التي عمل على تحقيقها"
ثم وصف طه حسين بأنه أنموذج من الألوف الذين تغلبوا بقوة إيمانهم وصدق عزيمتهم وحسن يقينهم بالله على الظروف والعقبات.. وأنه أحد الأفذاذ الذين صنعوا المعجزات لأمتنا وبلادنا..الخ.
ولما كان سعادة الكاتب في منصب من مناصب التوجيه والتأثير الفكري في بلادنا رأيت أن أبين حقيقة طه حسين ذلك النموذج الفريد حقاً ولكن في غير ما وصف سعادة الكاتب بل في الانحراف بالأمة عن السبيل السوي والصراط المستقيم والسير بها في متاهات الضلال.
فأولا أسأل سعادة الكاتب ما علاقة طه حسين بحرب رمضان أو غيرها من الحروب؟ هل كان زعيماً سياسياً أو قائداً عسكريا أو محرضاً في شعره أو نثره على محاربة الأعداء وتحرير الأراضي؟
والسؤال الثاني نقول فيه: كيف علمت أن طه حسين انتقل إلى رحمة الله ولم ينقل إلى ما يستحقه؟ أليس هذا أمر غيبي علمه عند الله وحده؟ وهذا لو كان من تعنيه مسلماً ومن خيار الصالحين فكيف وهو طه حسين؟
ثم أعود فأقول: ما كان طه حسين إلا عميلاً من عملاء الغرب ووكيلاً من وكلاء الاستعمار الفكري والغزو الثقافي الموجه ضد عقيدتنا وشريعتنا ولغتنا وأمتنا وتراث أسلافنا، ومعول هدم تخرج في إحدى جامعات فرنسا وتتلمذ على شرار المستشرقين الحاقدين علينا وعلى نبينا وديننا من اليهود والنصارى وعب من معين أفكارهم المنتن القذر ثم جاء يفخر بما تلقاه هناك من شبهات التضليل وأساليب المكر والتدجيل، يتبنى أفكارهم وينتحل مؤلفاتهم ويردد ترهاتهم ويدعو إلى منهجهم وسلوك سبيلهم، جاء ليجعل من نفسه ابنا باراً وتلميذاً وفياً لأساتذته وأصدقائه من المستشرقين الذين وقفوا حياتهم لتضليل أبناء المسلمين ومحاولة طمس معالم الحق أمام البشرية ليصدوا عن سبيل الله، فكم يكتف طه حسين هذا العميل الملقب بـ(عميد الأدب العربي) بإنكار رسالة محمد عليه السلام، وإنكار نزول القرآن من عند الله هدى للناس كما صرح بذلك في كتابه (في الشعر الجاهلي) وكذا في دروسه التي كان يلقيها على طلاب جامعة القاهرة وإذ كان مدرساً فيها للأدب فكان يقول لهم: قارنوا بين أسلوب محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ كان في مكة وبين أسلوبه بعد أن هاجر إلى المدينة وتأثر بثقافة أهل الكتاب، ويمثل لهم بسور القرآن مكية ومدنية.. أقول لم يكتف (طه حسين) بذلك بل أنكر وجود إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - وكذب التوراة والإنجيل، فقد قال في كتابه (في الشعر الجاهلي) : للقرآن أن يحدثنا عن وجود إبراهيم وإسماعيل وللتوراة أن تحدثنا وللإنجيل أن يحدثنا، ولكن ليس علينا أن نصدق.. وتكذيبه للتوراة والإنجيل ليس مقصوداً لذاته وإنما هدفه تكذيب القرآن فقط، والتقرير بأنه عبارة عن أساطير ملفقة كثير منها كان العرب يعرفونه قبل قرآن محمد - عليه السلام - ومن هذه الأساطير التي كان العرب يتناقلونها - على حد زعمه الخاسر - كون الكعبة بيت الله وكون إبراهيم وإسماعيل قاما ببنائها بأمر الله - تبارك وتعالى – فـ (طه حسين) يقرر أن هذه أسطورة خرافية وأن إبراهيم وولده لم يوجدا فضلا عن أن يكونا نبيين فضلا عن أن يقوما ببناء الكعبة بوحي وأمر من الله - هكذا - ولما كان يعلم أن التوراة والإنجيل ذكرا ذلك قبل القرآن اضطر إلى تكذيبهما حتى لا يحتج عليه بهما.
أقول: إن (طه حسين) لم يكتف بهذا كله بل أضاف إلى ذلك عداءه المكشوف للغة العربية التي هو عميد أدبها!! بتنصيب من أساتذته المستشرقين ووحي من سادته الغربيين - فقد نادى بأعلى صوته بوجوب استبعاد اللغة العربية ودفنها في مقابر التاريخ، أو نقلها إلى متاحف الآثار البائدة، وقد دعا أبناء العربية إلى التنكر لها واستبدالها باللغة اليونانية أو اللاتينية، وزعم أنها لغة بدوية لا تناسب عصر العلم والاختراع والصحيح أن ذنبها كونها لغة الإسلام الذي ظل هو إلى أن مات يحاربه ويثير حوله الشكوك والشبهات، ومن أراد الوقوف على صحة ما ذكرت عن (عميد الأدب العربي) - دعوى - وعميل الفكر الغربي حقيقة وواقعا - فليقرأ كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) وفي هذا الكتاب يقرر أن مصر ليست دولة عربية ولا إسلامية بل ولا حتى شرقية، ويطالبها بأن تنفض يدها من العرب والمسلمين وكل ما يمت إليهم بصلة وأن تيمم وجهها نحو الغرب تستقي آدابه وتقلده في أفكاره وسلوكه وأخلاقه وثقافاته، وأن تأخذ من أوربا كل ما فيها وما لديها من غير تفريق بين الخير والشر وبين النافع والضار والحسن والقبيح، ويعلل لذلك بأننا محتاجون إلى ما عند الغرب من علم ومدنية وما سبقونا إليه من صناعة واختراع وأنه لا يمكننا أن نستفيد مما عندهم من نافع إلا إذا أخذنا معه الضار، ولا يمكننا تقليدهم في ميدان العلم والاكتشاف إلا إذا قلدناهم في كل شيء من الأخلاق وفي السلوك والتفكير والتصور وغير ذلك ولما ظن أن قبول هذه الاقتراح صعب وأن رواج هذه الفكرة بعيد خلط معها فكرة أخرى وهي الدعوة إلى الفرعونية القديمة والرجوع إليها والاعتزاز بتاريخها وقال: إننا معشر المصريين أصحاب حضارة وماض مجيد قبل مجيء العرب إلى بلادنا وبعد مجيئهم وإن عروبتهم وإسلامهم لم يؤثرا علينا بشيء فما زلنا كما كنا متمسكين بفرعونيتنا معتزين بأمجادنا وتاريخنا منذ سبعة آلاف سنة وإذا أردت أيها القارئ الكريم أن تقف على ما ذكرته لك عن (عميد الأدب العربي) وتتحقق من صحته بل وتعرف عنه أكثر مما ذكرت لك بأضعاف مضاعفة فاقرأ كتابيه (مستقبل الثقافة في مصر) و (الشعر الجاهلي) وإن لم يتيسر لك الوقوف على هذين الكتابين فيكفيك أن تقرأ الكتب التالية: (المعركة بين القديم والجديد تحت راية القرآن) للرافعي، والاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر للدكتور محمد محمد حسين، والفكر الإسلامي المعاصر (دراسة وتقويم) لغازي التوبة، (والفكر الإسلامي المعاصر وصلته بالاستعمار) للدكتور محمد البهي، وكتاب (حصوننا مهددة من داخلها) للدكتور محمد حسين أيضاً.
فإذا كان هذا بعضاً من حقيقة (طه حسين) وأنموذجاً من عمالته لأعدائنا ودورانه في فلكهم ونسجه على منوالهم، وتلك صور من مخازيه ومواقفه ضد ديننا ولغتنا وأمجاد أمتنا وتراث أسلافنا الكرام، الذين نعتز بذكرهم ونفخر بالانتساب إليهم وذكر مآثرهم، فهل يسوغ لأدبائنا ومثقفينا ومن يعدون من رجال الفكر في أمتنا يرفعوه فوق النجوم، وأن يصفوه بالبطولة والعبقرية والنبوغ ، وأن يشهدوا له بقوة الإيمان والثقة بالله وما إلى ذلك من عبارات الإطراء وأساليب الغلو التي ينبغي أن يترفع العاقل عن إطلاقها بجانب الرجال المخلصين والزعماء المصلحين فكيف العملاء والأذناب!.
إن الأستاذ الربيع أطلق على ممدوحه (طه حسين) نعوتاً قل أن تصدق في شخص مهما كان، بل قد يستحيل تحققها إلا في الخيال أو في نبي من أنبياء الله ومن سلك سبيلهم من أئمة الهدى فكيف بزنديق مارق ودجال منافق، وملحد زائغ وعميل مبالغ، فقد كان الواجب أن يغنى منه موقف المسلم الغيور والمجاهد المخلص لربه الناصح لأمته، موقف الرجل الشجاع الذي لا يجامل الناس على حساب عقيدته أو على حساب أمته وأفكار شبابها الذين ينتظرون منه توجيها سليما، وإنارة للطريق أمامهم، وكشفا لشبهات المشبهين وزيف المزيفين وتعرية للمغرضين المنافقين المندسين في الصفوف والجالسين على كراسي التربية والتوجيه لينفذوا مخططات الأعداء وليضلوا عن سبيل الحق ويصرفوا الناشئة عن طريق الهدى، فهذا هو الواجب وهذا هو المعقول وهو المنتظر ولكن الواقع مع شديد الأسف - جاء على العكس فإننا لا نعلم أحداً من أدبائنا ومفكرينا وقف من مثل (طه حسين) الموقف الذي يتناسب مع موقفه هو من ديننا ولغتنا وتاريخنا سوى (مصطفى صادق الرافعي) رحمه الله وإن كان بعضهم قام ببعض الواجب مثل الدكتور (محمد محمد حسين) في كتابيه (الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، وحصوننا مهددة من داخلها) فإنه بذل جهداً لا بأس به لكشف حقيقة هذه الدمية المسماة (طه حسين) والملقبة ب- (عميد الأدب العربي) بل إنه استطاع بما قام به من هذا الكشف أن يثبت لمن قرأ كتابيه أن الخداع وأساليب المكر لا تنطلي على كل الناس ، بل إن فيهم من يسبر الأمور ويعرف المقاصد ويستجلي الحقائق.
أما الأستاذ غازي التوبة فقد قام أيضاً ببعض الواجب وركز على ما يسمى بإسلاميات (طه حسين) والتي يزعم عشاقه ومريدوه أنها برهان على توبته من زندقته التي ذكرنا شيئاً من مظاهرها وأنه تحول إلى كاتب إسلامي يعنى بالسيرة النبوية وغيرها من موضوعات التاريخ الإسلامي، يقولون هذا إما غافلين أو متغافلين عن حقيقة هذه الإسلاميات، فقام الأستاذ غازي بدراسة لها وكشف لما تنطوي عليه من خبث وتمويه ولف ودوران مقنع.
أما الأستاذ محمد البهي فقد تعرض في كتابه (الفكر الإسلامي المعاصر وصلته بالاستعمار) تعرض فيه لـ (طه حسين) وكشف كثيراً من مخازيه من خلال كتبه وبين هدفه وهدف أساتذته المستشرقين من وراء إنكارهم للشعر العربي الجاهلي وقرر أن كتاب (في الشعر الجاهلي) كان في الأصل لأحد مشاهير المستشرقين وهو هاملتون جب في كتابه المذهب المحمدي وأن أساتذة (طه حسين) رغبوا إليه أن يترجمه للعربية ويتبناه ففعل وحقق رغبتهم فلما قامت الضجة في مصر حول هذا الكتاب وعانى بسببه ما عانى - رغم مساندة أذناب الغرب وعملائه له - اضطر أن يغير أن يغير فيه بعض التغيير أو أن يستر منه ما كان مكشوفاً، وأن يموه ما كان صريحاً، ويسميه (في الأدب الجاهلي) بدل (في الشعر الجاهلي) وأعتقد أن الذي يحمل أكثر المنسوبين إلى الأدب والزعامة الفكرية على أن يعتبروا (طه حسين) إماماً وبطلاً ومجاهداً ومثالاً رائعاً للعبقرية العربية النادرة وأن القدر جاء به على هذه الأمة أحوج ما كانت إلى العباقرة المصلحين كما صرح بهذا (حمد الجاسر) وكما صرح بمثله أو قريب منه (عبد العزيز الربيع) أقول: إنني أعتقد أن لذلك أسباباً منها إعجابهم بالمكانة التي احتلها (طه) في عالم الأدب على أيدي مستخدميه - بكسر الدال - من الغربيين الذين خلعوا عليه أثواباً فضفاضة من التعظيم والتبجيل ورأوه أهلا للزعامة الفكرية فنصبوه عميداً للأدب العربي، ورشحوه لجائزة (نوبل) للآداب عدة مرات ثم أعطوه إياها ساعة هلاكه [1].
ومنها أنهم يعتقدون أن الاعتراف بمكانة (طه حسين) الأدبية - المزعومة ووصفه بالبطولة والعبقرية دليل على المقدرة الأدبية والتنور الفكري والذوق الثقافي الرفيع.
يقول الشيخ (محمد متولي شعراوي) في محاضرة ألقاها في الكويت في رمضان عام 94 نشرتها مجلة (المجتمع) في عددها 226 - وقد ذكر أثناء هذه المحاضرة كيف أن الناس يخدعون وتضلل أفكارهم وتسحر عيونهم وآذانهم ثم قال: ولأضرب مثلاً بقطاع مصر فإنا نجد العشرينات وفي الثلاثينات طائفة من القوم الذين شهد لهم الناس بالتفوق والنبوغ، وأصبحت لهم مدارس تسيطر على صياغة عقول الشباب وأفكار الناشئين، ولهم معجبوهم ومريدوهم، ثم مثل بـ (طه حسين) (ومنصور فهمي) (وإسماعيل مظهر) (وقاسم أمين) ثم استطرد إلى أن قال: هؤلاء القوم فتنوا بزعامتهم وغروا بالثناء عليهم، وخدعهم المعجبون بهم، ثم جاءت الصحافة التي يسيطر عليها الاستعمار فنفخت في تلك الدُّمى نفخاً جعل منهم قادة وجعل منهم صواغ فكر وصناع نفوس إهـ أما الشيخ علي الطنطاوي فقد حضر محاضرة لطه حسين ألقاها في جامعة دمشق، إذ دعته هذه الجامعة ليلقي مثل هذه المحاضرة وليخرج طلابها من ظلمات الجهل إلى نور العلم -!!
وبعد انتهاء سعادة الدكتور من محاضرته تقدم مدير الجامعة ليعلق عليها وليجزل المديح بل يقدمه جزافاً لفخامة عميد الأدب العربي!! وكيف لا يفعل وقد تواضع فخامته فقبل الدعوة وتحمل متاعب السفر ليروي غلة هؤلاء الطلاب العطاش إلى العلم والمعرفة من ينابيع علومه التي لا تنضب وإن كانت قيحاً وصديداً وبعد انتهاء مدير الجامعة الدمشقية من تقديم عبارات الإطراء التي لا يدفع لها ثمناً ولا يخشى سؤالاً عن مدى صحتها قام الشيخ الطنطاوي معقباً على التعليق فقال:
"الواقع أن ما قاله طه حسين في هذه المحاضرة يعرف طلاب الصف الخامس والصف السادس الابتدائيين وأن 95 في المائة من الحاضرين يعلمون ذلك ولكنهم لا يصدقون عقولهم، بل إن بعضهم ليضع يده على فيه حذراً أن تبدر منه بادرة تكشف للحاضرين عن رأيه في محاضرة عميد الأدب العربي ثم قال: هذا بالنسبة للمحاضرة أما بالنسبة للمحاضر (طه حسين) فإنه حين وضع عمامة الأزهر عن رأسه وولى وجهه شطر فرنسا خلع معها دينه وعقله، وبقي إلى اليوم بلا عقل ولا دين".إهـ من مجلة البلاغ الكويتية وأظن عشاق أفكار طه حسين ومريديه لا ينكرون مكانة الشيخ الطنطاوي الأدبية إلا أنه مسلم لا ينفخ الغرب في صورته ولا يحيطه بهالات التمجيد والتقديس كما يصنع بعملائه وأذنابه ومأجوريه، لذلك لا نسمع ذكراً لكبار الأدباء الإسلاميين عندما يتحدث متحدث عن الأدباء العرب المعاصرين في إذاعة أو كتاب أو صحيفة ولا ذنب لهم ولا عيب فيهم سوى أنهم يؤمنون بالإسلام قولاً وعملا ويصرحون بأنه وحده سبيل النجاة وطريق السعادة، وربما حاولوا تنبيه المسلمين إلى ما يحيط بهم من أخطار وما يدبر ضدهم من مكائد
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
والآن نتوجه بهذه الأسئلة إلى سعادة الأستاذ عبد العزيز الربيع لعله يتكرم مشكوراً بالجواب عليها فتقول:
ذكرت سعادتك أن (طه حسين) يمثل أنموذجاً رائعاً لعبقرية أمتنا وأنه استطاع بطموحه وكفاحه وجهده المتواصل أن يحقق الهدف الذي يتطلع إليه والغاية التي عمل على تحقيقها ووصفته بأنه قوي الإيمان قوي الثقة بالله، كما أشرت إلى أن له أخطاء فكرية إلا أن تعبيرك يوحي بأن هذه الأخطاء لا تستحق الذكر بجانب صوابه ونتاجه الفكري الرفيع وتراثه الفائق.
فنقول في سؤالنا: ما حقيقة هذه العبقرية التي نسبتها لأمتنا وجعلت ممدوحك أنموذجاً رائعاً لها؟ أهي الكفر والزندقة؟ وإلى أي شيء كان طموحه؟ إلى غير تضليل شباب المسلمين؟ وفي أي سبيل كان كفاحه؟ أفي غير سبيل الاستعمار الفكري والغزو الثقافي لبلادنا وشباب أمتنا؟ وما هو الهدف الذي قلت إنه حققه؟ أهو تنفيذ أغراض المستشرقين وتحقيق أهداف أعدائنا من الغربيين؟ أم هو محاولاته تضليل المسلمين عن سبيل الله؟ وبذله قصارى جهده لإقناع العرب بالتخلي عن لغة الإسلام واستبدالها باليونانية أو اللاتينية أو اللهجات العامية؟ وما هي الغاية التي قلت إنه عمل على تحقيقها؟ هل تعني محاولته إقناع المصريين بأنهم أبناء الفراعنة فليسوا بعرب ولا مسلمين وأن بلادهم فرعونية أوربية؟ هل تستطيع أن تثبت لطه حسين هدفا أو غاية أو كفاحاً أو عبقرية في غير هذه الأمور؟
وسؤالنا الأخير هو: هل يجوز تسمية الإلحاد والزندقة وتكذيب الله وجحد رسله وإنكار كتبه أخطاء فكرية؟ إن كان هذا يجوز في نظر سعادتكم فهل تظن أن أحداً من ذوي الفكر الرشيد يوافقك؟ وفرع لهذا السؤال نقول: هل تذكرت وأنت تسطر هذه الكلمات وتدبج تلك العبارات في مدح وإطراء (طه حسين) أنك موقوف أمام الله ومسئول عن كل ما قلت؟ وإذا كانت كلمتك لمجلة معهد النور - وطلابه كما قلت - يربطهم (بطه حسين) رابطة فقدان البصر أما كان الأجدر بك والأليق ببلدك ومنصبك أن تمثل برجل مسلم فاضل صالح الباطن والظاهر ممن وصفهم الله تعالى بقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}.
وأمامك سماحة مفتي البلاد السعودية الشيخ محمد إبراهيم - رحمه الله - فهناك العلم والتقوى والحلم والورع والذكاء ورزانة العقل وسداد الرأي وقوة الشخصية، مع فقدان البصر وقوة البصيرة، ثم عندك شخصية ممتازة أخرى وأنموذج من نوادر الرجال وأفذاذهم لا يزال حياً - نبتهل إلى المولى جل شأنه أن يطيل في حياته على خير لأن المسلمين في أمس الحاجة إلى مثله - أعني به رجلاً ليس مسكنه ومقر عمله منك ببعيد مع فقدان البصر وتوافر نور البصيرة أيضاً.
فلماذا اخترت واحداً عاش عمراً طويلاً ولا هدف له ولا غاية سوى تدمير أمتنا وإفساد عقول شبابها وتعبيدهم لأفكار الغرب وإغرائهم بتعشق مبادئه الضالة فلقد عمل (طه) جاهدا ومستخدما كل الوسائل التي تمكن من استخدامها على زعزعة عقائد أبناء المسلمين وتشكيكهم في إسلامهم وتزهيدهم بماضي وأمجاد وتراث أسلافهم وما علمنا لطه حسين - مستندين إلى أثاره ومؤلفاته إلا الزندقة والكفر الصريح والتفاني في خدمة أعداء الله ورسوله ودينه وتكذيب رسل الله وإنكار كتبه وكان طه حسين كلما سئل عن آرائه المنحرفة وهل رجع عنها يقول في كبرياء: (أنا لا أرجع عن قول قلته وإنما الناس هم الذين لم يفهموا عني) إ هـ .
وأخيراً نوجه نصيحتنا إلى جميع إخواننا المسلمين ونخص بها الأدباء من كتاب وشعراء ومن بينهم الأستاذ الربيع بأن يصرفوا جهودهم ويولوا عنايتهم وينفقوا قدراتهم في سبيل نصرة الحق وخدمة العقيدة وأن يقفوا بالمرصاد بحزم وشجاعة ضد كل مجترئ على الإسلام ومحاول النيل من جناب المصطفى عليه السلام أو زرع الشكوك وإلقاء الشبهات أمام أبناء المسلمين، وأن يزنوا الناس بميزان الله ويقفوا منهم حسب مواقفهم من الإسلام حتى يعلم جند الشيطان أن للإسلام حماة وأبناءً بررة يذودون عن حياضه ويصارعون أعداءه ويزيفون ترهاتهم ويكشفون أباطيلهم، كما نحثهم على أن يميزوا بين العدو والصديق وبين الحقائق الثابتة والدعاوى الكاذبة، وبين المقاصد النبيلة والأغراض المشبوهة الرذيلة وأن لا تخدعهم الألقاب ولا يستعبدهم حب الظهور فيحملهم على أن يرضوا الناس بسخط الله
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
إلا نعيم الآخر {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} وليعلموا أن من شر الأقوال عند الله وأشدها خطراً على الإنسان مدح الفجرة والثناء على المنافقين المحادين لله، ومن العجائب التي لا يجد المرء لها تفسيراً مهما تنازل عن رأيه الخاص أن مريدي (طه حسين) وعشاق أفكاره إذا أخذ أحدهم يصفه خيل إليك أنه يعني بطلاً مشهوراً ومصلحاً كبيراً معترفاً بفضله وعظمته ممن نفع الله به الأمة وكتب على يديهم نصرا للحق وإنصافاً للمظلومين أو طردا للغزاة المستعمرين أو هزيمة لجيوش المعتدين يخيل إليك أنه يعني مثل الإمام محمد بن سعود أو ابنه عبد العزيز أو فيصل بن تركي أو عبد العزيز بن عبد الرحمن أو كأنه يعني واحداً من أئمة الهدى ورجال الملة ودعاة التوحيد أمثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وإذا هو يعني زنديقاً اسمه (طه حسين) ولقبه عميد الأدب العربي لقباً للبطولة حصل عليه من الاستعمار واليهودية العالمية - وما أكثر الألقاب التي يصدرها الغرب من أجل مصلحته فتنطلي علينا فنصفق لأصحابها ما بين غافل ومتغافل وما بين جاهل مخدوع ومتجاهل متخادع.
***********
لفضيلة الشيخ عبد العزيز الربيعان
المصدر :
مجلة الجامعة الاسلامية – المدينة النبوية – العدد 29
________________________________________
[1] وقد ذكر الأستاذ مالك بن نبي في (إنتاج المستشرقين) أن كتاب طه حسين (في الشعر الجاهلي) جاء على غرار بحث للمستشرق اليهودي مارجليوت ص 9.
]
تعليق