(فصل) : فإن كان أحدهما يسير بين يدي الآخر فأدركه الثاني
فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللاحق ؛ لأنه
الصادم والآخر مصدوم فهو بمنزلة الواقف .
(مسألة) : قال : (وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا فعلى السائر
قيمة دابة الواقف) نص أحمد على هذا ؛ لأن السائر هو الصادم
المتلف فكان الضمان عليه ، وإن مات هو أو دابته فهو هدر ؛ لأنه
أتلف نفسه ودابته ، وإن انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه
فهما كالسائرين ؛ لأن التلف حصل من فعلهما ، وإن كان الواقف
متعديا بوقوفه مثل أن يقف في طريق ضيق فالضمان عليه دون
السائر ؛ لأن التلف حصل بتعديه فكان الضمان عليه ، كما لو
وضع حجرا في الطريق أو جلس في طريق ضيق فعثر به إنسان .
(مسألة) : قال : (وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا فعلى عاقلة كل
واحد منهما دية الآخر) روي هذا عن علي رضي الله عنه والخلاف
فيها في الضمان ، كما الخلاف فيما إذا اصطدم الفارسان إلا أنه لا
تقاص هاهنا في الضمان ؛ لأنه على غير من له الحق لكون
الضمان على عاقلة كل واحدمنهما . إن اتفق أن يكون الضمان
على من له الحق مثل أن تكون العاقلة هي الوارثة أو يكون
الضمان على المتصادمين تقاصا ، ولا يجب القصاص سواء كان
تصادمهما عمدا أو خطأ ؛ لأن الصدمة لا تقتل غالبا فالقتل الحاصل
بها مع العمد عمد الخطأ ، ولا فرق بين البصيرين والأعميين
والبصير والأعمى ، فإن كانتا امرأتين حاملتين فهما كالرجلين فإن
أسقطت كل واحدة منهما جنينا فعلى كل واحدة نصف ضمان
جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها ؛ لأنهما اشتركتا في قتله ،
وعلى كل واحدة منهما عتق ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها
واثنتان لمشاركتهما في الجنين ، وإن أسقطت إحداهما دون
الأخرى اشتركتا في ضمانه وعلى كل واحدة عتق رقبتين .
وإن أسقطتا معا ولم تمت المرأتان ففي مال كل واحدة ضمان
نصف الجنينين بغرة إذا سقطا ميتين وعتق رقبتين ، وإن اصطدم
راكب وماش فهو كما لو كانا ماشيين ، وإن اصطدم راكبان فماتا
فهو كما لو كانا ماشيين .
(فصل) وإن اصطدم عبدان فماتا هدرت قيمتهما ؛ لأن قيمة كل
واحد منهما تعلقت برقبة الآخر فسقطت بتلف ، وإن مات أحدهما
تعلقت قيمته برقبة الحي ، فإن هلك قبل استيفاء القيمة سقطت
لفوات محلها ، وإن تصادم حر وعبد فماتا تعلقت دية الحر برقبة
العبد ، ثم انتقلت إلى قيمة العبد ووجبت قيمة العبد في تركة الحر ،
فيتقاصان ، فإن كانت دية الحر أكثر من قيمة العبد سقطت الزيادة
؛ لأنها لا متعلق لها ، وإن كانت قيمة العبد أكثر أخذ الفضل من
تركة الجاني وفي مال الحر عتق رقبة ولا شيء كلى العبد ؛ لأن
تكفيره بالصوم فيفوت بفواته ، وإن مات العبد وحدهفقيمته في
ذمة الحر ؛ لأن العاقلة لا تحمل العبد وإن مات الحر وحده تعلق
ديته برقبة العبد وعليه صيام شهرين متتابعين ، وإن مات العبد
قبل استيفاء الدية سقطت ، وإن قتله أجنبي فعليه قيمته ويتحول ما
كان متعلقا برقبته إلى قيمته ، لأنها بدله وقائمة مقامه وتستوفى
ممن وجبت عليه .
(مسألة) : قال : (وإذا وقعت السفينة المنحدرة على الصاعدة
فغرقتا فعلى المنحدرة قيمة السفينة الصاعدة أو أرش ما نقصت إن
أخرجت إلا أن يكون قيم المنحدرة غلبته الريح فلم يقدر على
ضبطها) .
وجملته : أن السفينتين إذا اصطدمتا لم تخلو من حالين :
أحدهما : أن تكونا متساويتين كاللتين في بحر أو ماء واقف ، أو
كانت إحداهما منحدرة والأخرى صاعدة فنبدأ بما إذا كانت إحداهما
منحدرة والأخرى صاعدة ؛ لأنها مسألة الكتاب ، ولا يخلوان من
حالين :
أحدهما : أن يكون القيم بها مفرطا بأن يكون قادرا على ضبطها أو
ردها عن الأخرى فلم يفعل أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى فلم
يفعل أو لم يكمل آلتها من الحبال والرجال وغيرهما ، فعلى
المنحدر ضمان الصاعدة ؛ لأنها تنحط عليها من علو ، فيكون ذلك
سببا لغرقها فتنزل المنحدرة بمنزلة السائر والصاعدة بمنزلة
الواقف ، وإن غرقتا جميعا فلا شيء على المصعد وعلى المنحدر
قيمة المصعد أو أرش ما نقصت إن لم تتلف كلها إلا أن يكون
التفريط من المصعد بأن يمكنه العدول بسفينته والمنحدر غير قادر
ولا مفرط ، فيكون الضمان على المصعد ؛ لأنه المفرط وإن لم يكن
من واحد منهما تفريط لكن هاجت ريح أو كان الماء شديد الجرية
فلم يمكنه ضبطها فلا ضمان عليه ؛ لأنه لا يدخل في وسعه
ضبطها ، ولا يكلف اللهنفسا إلا سعها .
الحال الثاني : أن يكونا متساويتين فإن كان القيمان مفرطين ضمن
كل واحد منهما سفينة الآخر بما فيها من نفس ومال كما قلنا في
الفارسين يصطدمان ، وإن لم يكونا مفرطين فلا ضمان عليهما ،
وللشافعي في حال عدم التفريط قولان : أحدهما : عليهما الضمان ؛
لأنهما في أيديهما فلزمهما الضمان كما لو اصطدم الفارسان لغلبة
الفرسين لهما .
ولنا أن الملاحين لا يسيران السفينتين بفعلهما ولا يمكنهما
ضبطهما في الغالب ولا الاحتراز من ذلك فأشبه ما لو نزلت
صاعقة أحرقت السفينة ويخالفان الفرسين فإنه ممكن ضبطهما
والاحتراز من طردهما وان كان أحدهما مفرطا وحده فعليه الضمان
وحده ، فإن اختلفا في تفريط القيم فالقول قوله مع يمينه ؛ لأن
الأصل عدم التفريط وهو أمين فهو كالمودع وعند الشافعي أنهما
إن كانا مفرطين فعلى كل واحد من القيمين ضمان نصف سفينته
ونصف سفينة صاحبه كقوله في اصطدام الفارسين على ما مضى .
(فصل) : فإن كان القيمان مالكين للسفينتين بما فيهما تقاصا
وأخذ ذو الفضل فضله وإن كانا أجيرين ضمنا ولا تقاص هاهنا ؛
لأن من يجب به غير من يجب عليه ، وإن كان في السفينتين
أحرار فهلكوا وكانا قد تعمدا المصادمة وذلك مما يقتل غالبا
فعليهما القصاص ، وإن كانوا عبيدا فلا ضمان على القيمين إذا
كانا حرين وإن لم يتعمدا المصادمة أو كان ذلك مما لا يقتل غالبا
وجبت دية الأحرار على عاقلة القيمين وقيمة العبيد في أموالهما
وإن كان القيمان عبدين تعلق الضمان برقبتيهما فإن تلفا جميعا
سقط الضمان ، وأما مع عدم التفريط فلا ضمان على أحد ، وإن
كان في السفينتين ودائع ومضاربات لم تضمن ؛ لأن الأمين لا
يضمن ما لم يوجد منه تفريط أو عدوان وإن كانت السفينتان
بأجرة فهما أمانة أيضا لا ضمان فيهما وإن كان فيهما مال يحملانه
بأجرة إلى بلد آخر فلا ضمان ؛ لأن الهلاك بأمر غير مستطاع .
(فصل) وإن كانت إحدى السفينتين قائمة والأخرى سائرة فلا
ضمان على الواقفة ، وعلى السائرة ضمان الواقفة إن كان مفرطا ،
ولا ضمان عليه إن لم يفرط على ما قدمنا . اهـ .
وذكر أبو الفرج في [شرحه الكبير للمقنع] ، نحو ما تقدم .
وفي [الفروع] ، لابن مفلح [الفروع] (6 / 6- .
رحمه الله :
وإن اصطدم راجلان أو راكبان أو ماش وراكب - قال في
[ الروضة] : بصيران أو ضريران أو أحدهما- فماتا أو دابتاهما
ضمن كل واحد متلف الآخر ، وقيل : نصفه ، وقدم في [الرعاية] :
وإن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط لم يضمن وجزم به في
[الترغيب] ، وإن اصطدما عمدا ويقتل غالبا فهدر ، وإلا شبه عمد
، وما تلف للسائر منهما لا يضمنه واقف وقاعد ، في المنصوص ،
وقيل : بلى مع ضيق الطرق ، وفي ضمان سائر ما أتلف لواقف
وقاعد في طريق ضيق وجهان : وإن اصطدم قنان ماشيان فهدر ،
لا حر وقن فقيمة قن .
وقيل : نصفها في تركة حر ، ودية حر ويتوجه الوجه أو نصفها
في تلك القيمة ، اصطدمت سفينتان فغرقتا ضمن كل واحد متلف
الآخر وفي [المغني] : إن فرطا ، وقاله في [المنتخب] ، وأنه ظاهر
كلامه ولا يضمن المصعد منهما ، بل المنحدر إن لم يغلبه ريح
نص عليه .
وفي [الواضح] وجه لا يضمن منحدر .
وفي [الترغيب] السفينة كدابة والملاح كراكب ويصدق ملاح في إن
تلف مال بغلبة ريح ، ولو تعمدا الصدم فشريكان في إتلاف كل
منهما ومن فيهما ، فإن قتل غالبا فالقود إلا شبه عمد ولا يسقط
فعل المصادم في حق نفسه مع عمد ولو خرقها عمدا أو شبه عمد
أو خطأ عمل على ذلك ، وهل يضمن من ألقى عدلا مملوءا بسفينة
ما فيها أو نصفه أو بحصته ؟ يحتمل أوجها وإن أركب صبيين غير
وليهما فاصطدما ضمن .
وفي [الترغيب] : تضمن عاقلته ديتهما وإن ركباها فكبالغين
مخطئين وكذا إن أركبهما ولي لمصلحة ، قال ابن عقيل : ويثبتان
بأنفسهما .
وفي [الترغيب] : إن صلحا للمركوب وأركبهما ما يصلح لركوب
مثلهما ، وإلا ضمن ويضمن كبير صدم الصغير ، وإن مات الكبير
ضمنه من أركب الصغير ، نقل حرب : إن حمل رجل صبيا على
دابة فسقط ضمنه إلا أن يأمره أهله بحمله . اهـ .
وفي [الإنصاف على المقنع] [الإنصاف على المقنع] (10 / 35
) . :
قوله : ( وإن اصطدم نفسان ) قال في [الروضة] : بصيران أو
ضريران أو أحدهما ، قلت : وكذا قال المصنف والشارح : (فماتا
فعلى عاقلة كل واحد (منهما دية الآخر) هذا المذهب جزم به
الخرقي و[المحرر] و[المفتي] ، و[الشرح] والزركشي و[النظم] و
[الوجيز] و[المنور] و[منتخب الأدمي] ، وغيرهم وقدمه في
[الرعايتين] و[الحاوي الصغير] ، و[ الفروع] وقيل : يجب على
عاقلة كل منهما نصف الدية وهو تخريج لبعضهم .
(تنبيه) ظاهر كلام المصنف أنه سواء كان تصادمهما عمدا أو
خطأ وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب ، وقيل : إذا
كان عمدا يضمنان دون عاقلتهما ، وقال في [الرعاية] ، : وهو
أظهر (قوله : وإن كانا راكبين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما
قيمة دابة الآخر) ، وهذا المذهب جزم به في [المغني] ، و[الشرح
الكبير] ، و[المحرر] ، وغيرهم وقدمه في [الفروع] ، وغيره ،
وقيل : على كل واحد منهما نصف قيمة دابة الآخر ، وقدم في
[الرعايتين] ، إن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط لم يضمن ، وجزم
به في [الترغيب] ، و[الوجيز] و[الحاوي الصغير] .
قوله : (وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا فعلى السائر ضمان
الواقف ودابته إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا فلا
ضمان عليه . وعليه ضمان ما تلف به) ذكر المصنف هنا
مسألتين :
إحداهما : ما يتلف السائر إذا كان الآخر واقفا أو قاعدا فقطع
بضمان الواقف ودابته على السائر إلا أن يكون في طريق ضيق
قاعدا أو واقفا فلا ضمان عليه وهو أحد الوجهين وهو المذهب
منهما ، ونص عليه وجزم به في [المغني] ، و[الشرح] ، و
[الوجيز] ، وهو ظاهر ما جزم به في [الرعاية] ، و[الحاوي]
وقيل : يضمنه السائر سواء كان الواقف في طريق ضيق أو واسع
وقدمه في [المحرر] ، و[النظم] ، والزركشي ، وهو ظاهر كلام
الخرقيوأطلقهما في [الفروع] .
المسألة الثانية : ما يتلفه الواقف أو القاعد للسائر في الطريق
الضيق فجزم المصنف هنا أنه يضمنه وجزم به في [الشرح] ، و
[شرح ابن منجا] واختاره المصنف ، والصحيح من المذهب : أنه
لا يضمن ، نص عليه وقدمه في [المحرر] و[النظم] ، و
[الرعايتين] ، و[الحاوي الصغير] ، و[الفروع] ، وأما ما يتلف
للسائر إذا كان الطريق واسعا فلا ضمان على الواقف والقاعد على
الصحيح من المذهب ، وقطع به كثير منهم وقدمه في [المحرر] و
[النظم] ، و[الرعايتين] و[الحاوي] و[الفروع] وغيرهم ، وقيل :
يضمنه ، ذكره الزركشي وغيره .
تنبيهان : أحدهما : قوله : (فعلى السائر ودابته ضمان الواقف
يكون على عاقلة السائر ، وضمان دابة الواقف يكون على نفس
السائر صرح به الأصحاب فظاهر كلام المصنف غير مراد .
الثاني : قوله : (إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا) قال
ابن منجا : لا بد أن يلحظ أن الطريق الضيق غير مملوك للواقف أو
القاعد ؛ لأنه إذا كان مملوكا لم يكن متعديا بوقوفه فيه ، بل السائر
هو المتعدي بسلوكه ملك غيره بغير إذنه . انتهى .
قال أبو محمد ابن حزم [المحلى] لابن حزم ، ص (502- 504)
طبع منير . رحمه الله [المحلى] لابن حزم ، (12 / 283- 286)
مكتبة الجمهورية العربية 1391 هـ . :
وأما المصطدمان راجلين أو على دابتين أو السفينتين يصطدمان
فرويعن الشعبي في السفينتين يصطدمان لا ضمان في شيء من
ذلك .
وقال الشافعي : لا يجوز فيه إلا أحد قولين : إما أنه يضمن مدير
السفينة نصف ما أصابت سفينته لغيره أو أنه لا يضمن البتة إلا أن
يكون قادرا على صرفها بنفسه أو بمن يطيعه فلا يفعل فيضمن ،
والقول قوله مع يمينه أنه ما قدر على صرفها ، وضمان الأموال
إذا ضمن في ذمته ، وضمان النفوس على عاقلته .
قال أبو محمد : وقال بعض أصحابنا : إذا اصطدمت
السفينتان بغير قصد من ركابهما لكن بغلبة أو غفلة فلا ضمان في
ذلك أصلا ، فإن حملا سفينتهما على التصادم فهلكتا ضمن كل
واحد نصف قيمة السفينة الأخرى ؛ لأنها هلكت من فعلها ومن فعل
ركابها ، وأما الفارسان يصطدمان فإن أبا حنيفة ومالكا والأوزاعي
والحسن بن حيي قالوا : إن ماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية
الآخر كاملة ، وقال عثمان البستي وزفر والشافعي : على كل واحد
منهما نصف في دية صاحبه .
وقال بعض أصحابنا : بمثل قول الشافعي في ذلك ،
وكذلك أوجبوا إن هلكت الدابتان أو إحداهما فنصف قيمتها أيضا ،
وكذلك لو رموا بالمنجنيق فعاد الحجر على أحدهم فمات فإن الدية
على عواقلهم وتسقط منها حصة المقتول ؛ لأنه مات من فعله
وفعل غيره ، قالوا : فلو صدم أحدهما الآخر فقط فمات المصدوم
فديته على عاقلة الصادم إن كان خطأ ، وفي مال القاتل إن قتلت
في العمد .
قال أبو محمد : والقول في ذلك وبالله تعالى التوفيق أن
السفينتين إذا اصطدمتا بغلبة ريح أو غفلة فلا شيء في ذلك ؛ لأنه
لم يكن من الركبان في ذلك عمل أصلا ولم يكسبوا على أنفسهم
شيئا وأموالهم وأموال عواقلهم محرمة إلا بنص أو إجماع ، فإن
كانوا تصادموا وحملوا وكل أهل سفينة غير عارفة بمكان الأخرى
لكن في ظلمة لم يروا شيئا فهذه جناية ، والأموال مضمونة ؛
لأنهم تولوا إفسادها وقال تعالى : سورة الشورى الآية 40 وَجَزَاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وأما الأنفس فعلى عواقلهم كلهم ؛ لأنه قتل خطأ
وإن كانوا تعمدوا فالأموال مضمونة كما ذكرنا وعلى من سلم منهم
القود أو الدية كاملة والقول في الفارسين أو الرجلين يصطدمان
كذلك وكذلك أيضا الرماة بالمنجنيق تقسم الدية عليه وعليهم
وتؤدي عاقلته وعاقلتهم ديته سواء ، برهان ذلك : أنه في الخطأ
قاتل نفسه مع من قتلها وقد ذكرنا قبل أن في قاتل نفسه الدية
بنص قول الله تعالى في قاتل الخطأ فعم تعالى كل مقتول ولم يخص
خطأ ، سورة مريم الآية 64 وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا
قال أبو محمد : ثم نرجع إلى مسألتنا فنقول : أما قولهم
في المصطدمين أن الميت مات منهما من فعل نفسه ومن فعل غيره
فهو خطأ ، والفعل إنما هو مباشرته الفاعل وما يفعله فيه وهو لم
يباشره بصدمة غيره في نفسه شيئا ولا يختلفون فيمن دفع ظالما
إلى ظالم آخر ليقاتله فقتل أحدهما الآخر أن على القاتل منهما القود
أو الدية ، كلها إن فات القود ببعض العوارض وهو قد تسبب في
موت نفسه بابتداء القتال كما تسبب في موت نفسه بالصدم ولا
فرق وهذا تناقض منهم .
قال أبو محمد : وكذلك القول في المتصارعين ولا فرق ،
وما أباح الله تعالى في اللعب شيئا حظره في الجد ، وأما من سقط
من علو على إنسان فماتا جميعا أو مات الواقع أو الموقوع عليه
فإن الواقع هو المباشر لإتلاف الموقوع عليه بلا شك وبالمشاهدة ؛
لأن الوقعة قتلت الموقوع عليه ولم يعمل الموقوع عليه شيئا فدية
الموقوع عليه إن هلك على عاقلة الواقع إن لم يتعمد الوقوع عليه
؛ لأنه قاتل خطأ ، فإن تعمد فالقود واقع عليه إن سلم أو الدية ،
وكذلك الدية في ماله إن مات الموقوع عليه قبله فإن ماتا معا أو
مات الواقع قبل فلا شيء في ذلك ، لما ذكرنا من أن الدية إنما
تجب بموت المقتول المجني عليه لا قبل ذلك ، فإذا مات في حياة
قاتله فقد وجبت الدية أو القود في مال القاتل وإذا مات مع قاتله أو
بعد قاتله فلم يجب له بعد شيء لا قود ولا دية في حياة القاتل فإذا
مات فالقاتل غير موجود والمال قد صار للورثة وهذا لا حق له
عندهم وليس هكذا قتل الخطأ ؛ لأن الدية لا تجب في مال الجاني
وإنما تجب على عاقلته ، فسواء مات القاتل قبل المقتول أو معه أو
بعده لا يسقط بذلك وجوب الدية : إما على العاقلة إن علمت ، وإما
في كل مال المسلمين ، كما جاء في سهم الغارمين ، وبالله تعالى
التوفيق .
لا شيء لوارث الواقع إن مات في جميع هذه الوجوه لا دية ولا
غيرها ؛ لأنه لم يجن أحد عليه شيئا وسواء وقع على سكين بيد
الموقوع عليه أو على رمح أو غير ذلك لا شيء في ذلك أصلا ؛
لأنه إن عمد فهو قاتل نفسه عمدا ولا شيء في ذلك بلا خلاف ،
وإن كان لم يعمد فلم يباشر في نفسه جناية وإنما هو قتيل حجر أو
حديدة أو نحو ذلك وما كان هكذا فلا شيء في ذلك كله .
وبالله تعالى التوفيق .
مما تقدم تتبين أحكام حوادث آلات النقل والمواصلات في نظر
فقهاء الإسلام السابقين بالنسبة لما كان مستعملا منها في زمنهم
كالسفن والدواب وأحكام حوادث المصارعة والتجاذب وما إليهما
مع اختلاف وجهة نظرهم في بعض المسائل ولا يزال الكثير من
هذه الآلات والوسائل وأحداثها قائما ، وجد إلى جانبها وسائل
أخرى للنقل والمواصلات كالسيارات والطيارات والدبابات
والدراجات ولا غنى للناس عن استعمالها ، بل صارت من
ضرورات الحياة ، ولذا كثر استعمال الناس لها في تحقيق
مصالحهم وقضاء حاجاتهم ونشأ عن ذلك كثير من الحوادث فوجب
على علماء هذا العصر أن يتبينوا حكمها على ضوء الأصول
الشرعية وما سبق من النظائر التي حكم فيها أئمة الفقه الإسلامي
باجتهادهم وذلك بتخريج حوادث الوسائل الجديدة على نظائرها من
حوادث الوسائل القديمة ، ليعرف الحكم فيها بتحقيق المناط
وتطبيق القواعد الشرعية عليها ، كما فعل المجتهدون السابقون
في بناء الأحكام على أصولها واستنباطها منه وتخريجها على
نظائرها ، وعلى هذا يمكن أن يقال :
أولا : إن تصادمت سيارتان وكان ذلك من السائقين عمدا فإن ماتا
فلا قصاص لفوات المحل وتجب دية كل منهما ودية من هلك معه
من النفوس وما تلف معه من السيارة والمتاع في مال صاحبه بناء
على عدم اعتبار اعتدائه وفعله في نفسه ومن هلك معه واعتبار
ذلك بالنسبة لصاحبه ومن هلك أو تلف معه ، أو يجب نصف دية
كل منهما ونصف دية من هلك معه ونصف قيمة ما تلف معه في
مال صاحبه ، بناء على اعتبار اعتدائه وفعله في حق نفسه وحق
صاحبه ، وإن مات أحدهما دون الآخر اقتص منه لمن مات
بالصدمة ، لأنها مما يغلب على الظن القتل به ، وإن كان التصادم
منهما خطأ وجبت الدية أو نصفها لكل منهما ولمن مات معه على
عاقلة صاحبه ، وتجب قيمة ما تلف من سيارة كل منهما أو متاعه
أو نصفها في مال صاحبه بناء على ما تقدم من الاعتبارين ، وإن
كان أحدهما عامدا والآخر مخطئا فلكل حكمه على ما تقدم ، ومن
كان منهما مغلوبا على أمره فلا ضمان عليه إلا إذا كان ذلك بسبب
تفريط منه سابق .
ثانيا : إذا صدمت سيارة سائرة سيارة واقفة في ملك صاحبها
أو خارج طريق السيارات أو على جانب طريق واسع ضمن سائق
السائرة ما تلف في الواقفة من نفس ومال بصدمته ، لأنه المتعدي
، فإن انحرفت الواقفة فصادف ذلك الصدمة فالضمان بينهما على
ما تقدم في تصادم سيارتين ، وإن كانت واقفة في طريق ضيق
غير مملوك لصاحبها فالضمان على صاحب الواقفة ، لتعديه
بوقوفه ، ويحتمل أن يكون الضمان بينهما لتفريط كل منهما
وتعديه .
وإن صدمت سيارة نازلة من عقبة مثلا سيارة صاعدة فالضمان
على سائق المنحدرة إلا إذا كان مغلوبا على أمره فلا ضمان عليه
أو كان سائق الصاعدة يمكنه العدول عن طريق النازلة فلم يفعل
فالضمان بينهما ، وإن أدركت سيارة سيارة أمامها فصدمتها ضمن
سائق اللاحقة ما تلف من النفوس والأموال في سيارته والسيارة
المصدومة ؛ لأنه متعد بصدمه لما أمامه والأمامية بمنزلة الواقفة
بطريق واسع إلا إذا حصل من سائق الأمامية فعل يعتبر سببا أيضا
في الحادث ، كأن يوقف سيارته فجأة أو يرجع بها إلى الخلف أو
ينحرف بها إلى ممر اللاحقة ليعترض طريقها فالضمان بينهما على
ما تقدم من الخلاف في حكم تصادم سيارتين .
ثالثا : وإذا وقف سائق سيارة بسيارته أمام إشارة المرور مثلا
ينتظر فتح الطريق فصدمت سيارة مؤخر سيارته صدمة دفعتها إلى الأمام فصدمت بعض المشاة مثلا فمات أو أصيب بكسور - ضمن من صدمت سيارته مؤخر السيارة الأخرى كل ما تلف من نفس ومال ؛ لأنه متعد بصدمه ، والسيارة الأمامية بمنزلة الآلة بالنسبة للخلفية فلا ضمان على سائقها ؛ لعدم تعديه .