مقتطف من الفؤائد التي استخلصها شيخنا محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله- من دراسته لرسالة رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار تأليف محمد بن اسماعيل الأمير الصنعاني.
... لقد خرجت من دراستي لهذه الرسالة النافعة للأمير الصنعاني رحمه الله تعالى بالعبر الآتية :
الأولى : أنني ازددت إيمانا ويقينا بالقول المأثور عن جمع من الأئمة : ( ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم ) . فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية زلت به القدم فقال قولا لم يسبق إليه ولا قام الدليل عليه ومن هنا قالوا : ( زلة العالم زلة العالم ) فلو أننا كنا مبتلين بتقليده كما ابتلي كل مقلد بتقليد إمامه لزللنا بزلته ولذلك قالوا : ( الحق لا يعرف بالرجل اعرف الحق تعرف الرجال )
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
الثانية : بطلان الخرافة التي يطلقها اليوم كثير من الكتاب الإسلاميين المعاصرين وفيهم بعض من يجلون شيخ الإسلام ابن تيمية : أن الخلاف في الفروع وليس في الأصول
وقد يسارع بعض الجاحدين لعلم شيخ الإسلام وفضله الحاقدين عليه لرده على أهل الأهواء والمبتدعة المبغضين له لإخلاصه في الدعوة لاتباع الكتاب والسنة فيقول : إنما الخلاف في الأصول من ابن تيمية وأمثاله المخالفين للجمهور والمثال أمامك
فأقول : كذبت والله فإن الخلاف المذموم إنما يكون من المصرين عليه بعدما تبين لهم الحق كما في قوله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا }
والشيخ رحمه الله لم يعرف يوما بالإصرار على الخطأ مهما كان نوعه بدليل رجوعه عن كثير من آرائه التي كان عليها بعدما تبين له الحق وقد ذكرنا فيما سبق نماذج منها وأما خلافه في هذه المسألة فهي زلة منه بلا شك يغفرها الله له إن شاء الله تعالى كفاه جهاده في سبيل الله إلى آخر رمق من حياته حتى توفي في سجن دمشق مظلوما بعيدا عن أهله وتلامذته وكتبه ولغير ذلك من الأسباب التي سبق التحدث عنها ، والخلاف المذموم حقا : إنما هو من أولئك المقلدين الذين يصرون على التدين بالتقليد والإعراض عن الاهتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة والإخلاص له في اتباعه وحده دون سواه الذي هو من لوازم الشهادة له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا بطاعته استقلالا لا يشاركه في ذلك أحد من البشر في غير ما آية من آيات الله تبارك وتعالى فأي خلاف شر من هذا الذي عليه المقلد هذا الذي يظل { يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشرها بعذاب أليم }
فالخلاف حقيقة واقعة - مع الأسف - أصولا وفروعا فلا يجوز تجاهلها أو الرضا بها وإنما يجب على أهل العلم أن يحاولوا في كل قطر ومصر تقليله قدر الاستطاعة ولا سبيل إلى ذلك إلا بشيء واحد وهو تحكيم الكتاب والسنة في كل خلاف كما هو صريح قوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
الثالثة : لقد وجدت في هذه الدراسة مثلا جديدا يضاف إلى الأمثلة العديدة التي كنت ولا أزال أشير إليها في كتابي ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها الشيء في الأمة ) نصحا وتحذيرا لأن من آثارها السيئة أنها تصرف كثيرا من العلماء والفقهاء فضلا عن غيرهم عن تبني الحكم الصحيح فيما هم فيه مختلفون من العقائد والأحكام وقد تكون معارضته لنص أو نصوص في الكتاب والسنة الصحيحة فقد وجدت أن الذي فتح لابن تيمية وابن القيم باب التورط في القول بفناء النار إنما هو بعض الآثار المروية عن بعض الصحابة والأحاديث المرفوعة
تحفظهم من ذلك وقد قيل :
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
ولعله مما لا خفاء به أن من لم ينهج هذا النهج العلمي وأهمله فإنه معرض لأن يؤاخذه ربه لأنه قضى ما لا علم له به وقد قال تعالى في كتابه : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا }
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ( قاضيان في النار ) : ( . . . ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار )
رواه أصحاب السنن وغيره وهو مخرج في ( إرواء الغليل ) برقم ( 2614 )
وهذا بخلاف ما لو تبنى هذا المنهج في بحثه وضم إليه - طبعا - مما لا بد من المعرفة باللغة وأصول الفقه وغيره فهو مأجور ولو أخطأ لقوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا حكم الحاكم ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد )
أخرجه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في ( الإرواء ) برقم ( 2598 )
وأنا حين أذكر بهذا الواجب أعلم - والأسف يملأ قلبي - أنه لا يستطيع القيامة به إذا القليل جدا من العلماء المستقلين لانصراف الجماهير منهم عن دراسة أصول الحديث وتراجم رواته وتاريخهم الأمر الذي لا بد منه لكل من يريد التمكن من تمييز الحديث الصحيح من الضعيف بنفسه مع التوسع في تتبع طرق الحديث وشواهده من مختلف المصادر الحديثية المطبوعة منها والمخطوطة مقرونا بالصبر والأناة وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام كما يفعل بعض الناشئة اليوم ،غير أن هذا لا يعني إعفاءهم من واجب الاستعانة على التمييز بأهل العلم بذلك والمتخصصين فيه كما يستعين الجاهل بالفقه مثلا بالفقهاء - ولا أقول المتفقهة - فيسألهم عن كل ما نزل به أو ما كان بحاجة إلى معرفته إعمالا لقول ربه : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وتجاوبا مع حديث نبيه : ( ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العي السؤال )
رواه أبو داود وغيره وهو مخرج في ( صحيح أبي داود ) ( 364 )
وذلك كله يكون إما بسؤالهم مباشرة وجها لوجه إن تيسر وإما بالرجوع إلى كتبهم وهو متيسر والحمد لله وقد كنت ذكرت طائفة من الكتب الحديثية التي تساعد الباحث على القيام بهذا الواجب في مقدمة ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) فليرجع إليه من شاء
هذا وعلاوة على تخريج أحاديث الرسالة وتمييز صحيحها من ضعيفها فقد قمت بتعليقات أخرى مفيدة إن شاء الله تعالى وترجمت لبعض الأعلام كما خرجت كل الآيات الكريمة الواردة فيها واجتهدت في تصحيح بعض الأخطاء التي وقعت فيها وإملاء الفراغات التي نتجت من تسلط الأرضة على نسختها حتى ذهب منها بعض الألفاظ إما بالرجوع إلى الأصل الذي نقل عنه المصنف وإما بالنظر في السباق والسياق ونبهت على ذلك غالبا بوضع المستدرك بين معكوفتين [ ] راجيا من الله تعالى أن ييسر لنا الوقوف على نسخة أخرى نستعين بها على تدارك ذلك على الوجه الأكمل في طبعة أخرى إن شاء الله تعالى
فاللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها و احفظها من شر الفتن، ما ظهر منها و ما بطن...
... لقد خرجت من دراستي لهذه الرسالة النافعة للأمير الصنعاني رحمه الله تعالى بالعبر الآتية :
الأولى : أنني ازددت إيمانا ويقينا بالقول المأثور عن جمع من الأئمة : ( ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم ) . فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية زلت به القدم فقال قولا لم يسبق إليه ولا قام الدليل عليه ومن هنا قالوا : ( زلة العالم زلة العالم ) فلو أننا كنا مبتلين بتقليده كما ابتلي كل مقلد بتقليد إمامه لزللنا بزلته ولذلك قالوا : ( الحق لا يعرف بالرجل اعرف الحق تعرف الرجال )
فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
الثانية : بطلان الخرافة التي يطلقها اليوم كثير من الكتاب الإسلاميين المعاصرين وفيهم بعض من يجلون شيخ الإسلام ابن تيمية : أن الخلاف في الفروع وليس في الأصول
وقد يسارع بعض الجاحدين لعلم شيخ الإسلام وفضله الحاقدين عليه لرده على أهل الأهواء والمبتدعة المبغضين له لإخلاصه في الدعوة لاتباع الكتاب والسنة فيقول : إنما الخلاف في الأصول من ابن تيمية وأمثاله المخالفين للجمهور والمثال أمامك
فأقول : كذبت والله فإن الخلاف المذموم إنما يكون من المصرين عليه بعدما تبين لهم الحق كما في قوله تعالى : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا }
والشيخ رحمه الله لم يعرف يوما بالإصرار على الخطأ مهما كان نوعه بدليل رجوعه عن كثير من آرائه التي كان عليها بعدما تبين له الحق وقد ذكرنا فيما سبق نماذج منها وأما خلافه في هذه المسألة فهي زلة منه بلا شك يغفرها الله له إن شاء الله تعالى كفاه جهاده في سبيل الله إلى آخر رمق من حياته حتى توفي في سجن دمشق مظلوما بعيدا عن أهله وتلامذته وكتبه ولغير ذلك من الأسباب التي سبق التحدث عنها ، والخلاف المذموم حقا : إنما هو من أولئك المقلدين الذين يصرون على التدين بالتقليد والإعراض عن الاهتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة والإخلاص له في اتباعه وحده دون سواه الذي هو من لوازم الشهادة له بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمرنا بطاعته استقلالا لا يشاركه في ذلك أحد من البشر في غير ما آية من آيات الله تبارك وتعالى فأي خلاف شر من هذا الذي عليه المقلد هذا الذي يظل { يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشرها بعذاب أليم }
فالخلاف حقيقة واقعة - مع الأسف - أصولا وفروعا فلا يجوز تجاهلها أو الرضا بها وإنما يجب على أهل العلم أن يحاولوا في كل قطر ومصر تقليله قدر الاستطاعة ولا سبيل إلى ذلك إلا بشيء واحد وهو تحكيم الكتاب والسنة في كل خلاف كما هو صريح قوله تعالى : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }
الثالثة : لقد وجدت في هذه الدراسة مثلا جديدا يضاف إلى الأمثلة العديدة التي كنت ولا أزال أشير إليها في كتابي ( سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها الشيء في الأمة ) نصحا وتحذيرا لأن من آثارها السيئة أنها تصرف كثيرا من العلماء والفقهاء فضلا عن غيرهم عن تبني الحكم الصحيح فيما هم فيه مختلفون من العقائد والأحكام وقد تكون معارضته لنص أو نصوص في الكتاب والسنة الصحيحة فقد وجدت أن الذي فتح لابن تيمية وابن القيم باب التورط في القول بفناء النار إنما هو بعض الآثار المروية عن بعض الصحابة والأحاديث المرفوعة
تحفظهم من ذلك وقد قيل :
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
ولعله مما لا خفاء به أن من لم ينهج هذا النهج العلمي وأهمله فإنه معرض لأن يؤاخذه ربه لأنه قضى ما لا علم له به وقد قال تعالى في كتابه : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا }
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ( قاضيان في النار ) : ( . . . ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار )
رواه أصحاب السنن وغيره وهو مخرج في ( إرواء الغليل ) برقم ( 2614 )
وهذا بخلاف ما لو تبنى هذا المنهج في بحثه وضم إليه - طبعا - مما لا بد من المعرفة باللغة وأصول الفقه وغيره فهو مأجور ولو أخطأ لقوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا حكم الحاكم ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد )
أخرجه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في ( الإرواء ) برقم ( 2598 )
وأنا حين أذكر بهذا الواجب أعلم - والأسف يملأ قلبي - أنه لا يستطيع القيامة به إذا القليل جدا من العلماء المستقلين لانصراف الجماهير منهم عن دراسة أصول الحديث وتراجم رواته وتاريخهم الأمر الذي لا بد منه لكل من يريد التمكن من تمييز الحديث الصحيح من الضعيف بنفسه مع التوسع في تتبع طرق الحديث وشواهده من مختلف المصادر الحديثية المطبوعة منها والمخطوطة مقرونا بالصبر والأناة وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام كما يفعل بعض الناشئة اليوم ،غير أن هذا لا يعني إعفاءهم من واجب الاستعانة على التمييز بأهل العلم بذلك والمتخصصين فيه كما يستعين الجاهل بالفقه مثلا بالفقهاء - ولا أقول المتفقهة - فيسألهم عن كل ما نزل به أو ما كان بحاجة إلى معرفته إعمالا لقول ربه : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وتجاوبا مع حديث نبيه : ( ألا سألوا حين جهلوا فإنما شفاء العي السؤال )
رواه أبو داود وغيره وهو مخرج في ( صحيح أبي داود ) ( 364 )
وذلك كله يكون إما بسؤالهم مباشرة وجها لوجه إن تيسر وإما بالرجوع إلى كتبهم وهو متيسر والحمد لله وقد كنت ذكرت طائفة من الكتب الحديثية التي تساعد الباحث على القيام بهذا الواجب في مقدمة ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) فليرجع إليه من شاء
هذا وعلاوة على تخريج أحاديث الرسالة وتمييز صحيحها من ضعيفها فقد قمت بتعليقات أخرى مفيدة إن شاء الله تعالى وترجمت لبعض الأعلام كما خرجت كل الآيات الكريمة الواردة فيها واجتهدت في تصحيح بعض الأخطاء التي وقعت فيها وإملاء الفراغات التي نتجت من تسلط الأرضة على نسختها حتى ذهب منها بعض الألفاظ إما بالرجوع إلى الأصل الذي نقل عنه المصنف وإما بالنظر في السباق والسياق ونبهت على ذلك غالبا بوضع المستدرك بين معكوفتين [ ] راجيا من الله تعالى أن ييسر لنا الوقوف على نسخة أخرى نستعين بها على تدارك ذلك على الوجه الأكمل في طبعة أخرى إن شاء الله تعالى
فاللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها و احفظها من شر الفتن، ما ظهر منها و ما بطن...
تعليق