قال البخاري في [صحيحه]
(باب الشروط التي لا تحل في الحدود)
عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما : أنهما قالا:إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله ، فقال الخصم الآخر وهو أفقه منه : نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قل" ، قال : إن ابني كان عسيفا على هذا ، فزنى بامرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه بمائة شاة ووليدة ، فسألت أهل العلم فأخبروني إنما على ابني جلد مائة ، وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، الوليدة والغنم رد ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" قال : فغدا عليها فاعترفت ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت.</SPAN>
قال ابن حجر في [الفتح] :وقد ترجم له في الصلح أي : من [صحيح البخاري] . : إذا اصطلحوا على جور فهو مردود .
ويستفاد من الحديث : أن كل شرط وقع في رفع حد من حدود الله فهو باطل ، وكل صلح وقع فيه فهو مردود . اهـ [صحيح البخاري] مع شرحه [فتح الباري] (5 \ 347) . .
وروى البخاري في [صحيحه] عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد </SPAN>.
قال ابن حجر : وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده ، فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه ، قال النووي : هذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به كذلك ، وقال الطرقي : هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع ؛ لأن الدليل يتركب من مقدمتين ، والمطلوب بالدليل إما إثبات الحكم أو نفيه وهذا الحديث مقدمة كبرى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه ؛ لأن منطوقه مقدمة كلية في كل دليل ناف لحكم ، مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس : هذا ليس من أمر الشرع ، وكل ما كان كذلك فهو مردود ، فهذا العمل مردود ، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث وإنما يقع النزاع في الأولى ، ومفهومه : أن من عمل عملا عليه أمر الشرع فهو صحيح ، مثل : أن يقال في الوضوء بالنية : هذا عليه أمر الشرع ، وكل ما كان عليه أمر الشرع فهو صحيح ؛ فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث والأولى فيها النزاع فلو اتفق أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لاستقل الحديثان بجميع أدلة الشرع ، لكن هذا الثاني لا يوجد ، فإذا حديث الباب نصف أدلة الشرع ، والله أعلم .
وقوله : "رد" معناه مردود من إطلاق المصدر على اسم المفعول مثل : خلق ومخلوق ، ونسخ ومنسوخ ، وكأنه قال : فهو باطل غير معتد به .
واللفظ الثاني وهو قوله : من "عمل" أعم من اللفظ الأول وهو قوله : "من أحدث" ، فيحتج به في إبطال جميع العقود المنهية وعدم وجود ثمراتها المرتبة عليها ، وفيه رد المحدثات ، وأن النهي يقتضي الفساد ؛ لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها ويستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر ؛ لقوله : "ليس عليه أمرنا" ، والمراد به : أمر الدين وفيه أن الصلح الفاسد منتقض والمأخوذ عليه مستحق الرد . اهـ [صحيح البخاري] مع شرحه [فتح الباري] (5 \ 331) . .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء