طالب الحق اليوم شبيه بطلابه أيام الفترة (*)
((وإنما جمعت هذا المختصر المبارك -إن شاء الله تعالى- لمن صُنِّفت لهم التصانيف, وعنيت بهدايتهم العلماء, وهم من جمع خمسة أوصاف معظمها: الإخلاص والفهم والإنصاف, ورابعها: وهو أقلها وجوداً في هذه الأعصار الحرص على معرفة الحق من أقوال المختلفين(1), وشدة الداعي إلى ذلك الحامل على الصبر والطلب كثيراً, وبذل الجهد في النظر على الإنصاف, ومفارقة العوائد, وطلب الأوابد, فإن الحق في مثل هذه الأعصار قلَّما يعرفه إلا واحداً بعد واحد, وإذا عظُم المطلوب قلَّ المساعد, فإن البدع قد كثرت, وكثرت الدعاة إليها, والتعويل عليها, وطالب الحق اليوم شبيه بطلابه في أيام الفترة, وهم سلمان الفارسي, وزيد بن عمرو بن نفيل, وأضرابهما -رضي الله عنهما-, فإنهم قدوة الطالب للحق, وفيهم له أعظم أسوة, فإنهم لَمَّا حرصوا على الحق, وبذلوا الجهد في طلبه بلَّغهم الله إليه, وأوقفهم عليه, وفازوا من بين العوالم الجمة, فكم أدرك الحق طالبه في زمن الفترة, وكم عمي عنه المطلوب له في زمن النبوة فاعتبر بذلك, واقتد بأولئك فإن الحق ما زال مصوناً عزيزاً نفيساً كريماً, لا ينال مع الإضراب عن طلبه وعدم التشوف والتشوق إلى سببه, ولا يهجم على المبطلين المعرضين, ولا يفاجيء أشباه الأنعام الغافلين, ولو كان كذلك ما كان على وجه الأرض مبطل ولا جاهل, ولا بطَّال ولا غافل, وقد أخبر الله تعالى أن ذرء جهنم هم الغافلون, فإنا لله وإنا إليه راجعون, ما أعظم المصاب بالغفلة, والمغتر بطول المهلة.
ومن أعجب العجائب: دعوى المقلِّدين للمعارف, ودعوى المتعصِّبين للإنصاف, وأمارة ذلك أنك تجد العوالم الكثيرة في لطائف المعارف المختلف فيها على رأي رجل واحد من القدماء في الأمصار العديدة, والأعصار المديدة, فلو كانوا في ترك التقليد كالأوائل لاشتد اختلافهم في الدقائق, ولم يتفقوا على كثرتهم وطول أزمانهم, وتباعد بلدانهم, واختلاف فطنهم, كما قضت بذلك العوائد العقلية الدائمة, ولو كان الجامع لفرقتهم مع كثرتهم هو الوقوف على الحقائق في تلك الدقائق, لكانوا أكثر من مشايخهم الأقدمين علماً وتحقيقاً, وإنصافاً وتجويداً, لكن المعلوم خلاف ذلك, فإياك أن تسلك هذه المسالك, فإن نشأة الإنسان على ما عليه أهل شارعه وبلده وجيرانه وأترابه صنيع(2) أسقط الناس همة وأدناهم مرتبة, فلم يعجز عن ذلك صبيان النصارى واليهود, ولا ربات القدود والنهود, المستغرقات في تمهيد المهود.
وهذه هذه فأعطها حقها وانظر لنفسك وانج بها, وطالع قصة سلمان الفارسي وأضرابه, وانظر كيف كان صبرهم, واعرف قدر ما أنت طالب, فإنك طالب لأعلى المراتب...
ولا ينبغي أن يستوحش الظافر بالحق من كثرة المخالفين له, كما لا يستوحش الزاهد من كثرة الراغبين, ولا المتقي من كثرة العاصين, ولا الذاكر من كثر الغافلين, بل ينبغي منه أن يستعظم المنة باختصاصه بذلك مع كثرة الجاهلين له, الغافلين عنه, وليوطن نفسه على ذلك, فقد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن هذا الدين بدأ غريباً, وسيعود غريباً كما بدأ, فطوبى للغرباء)). رواه مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة, ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود, وقال: هذا حديث حسن صحيح, ورواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد من حديث أنس, وروى البخاري نحوه بغير لفظه من حديث ابن عمر...
فنسأل الله أن يرحم غربتنا في الحق, ويهدي ضالنا, ولا يردنا من أبواب رجائه ودعائه وطلبه محرومين, إنه مجيب الداعين, وهادي المهتدين, وأرحم الراحمين)) (3).
ومن أعجب العجائب: دعوى المقلِّدين للمعارف, ودعوى المتعصِّبين للإنصاف, وأمارة ذلك أنك تجد العوالم الكثيرة في لطائف المعارف المختلف فيها على رأي رجل واحد من القدماء في الأمصار العديدة, والأعصار المديدة, فلو كانوا في ترك التقليد كالأوائل لاشتد اختلافهم في الدقائق, ولم يتفقوا على كثرتهم وطول أزمانهم, وتباعد بلدانهم, واختلاف فطنهم, كما قضت بذلك العوائد العقلية الدائمة, ولو كان الجامع لفرقتهم مع كثرتهم هو الوقوف على الحقائق في تلك الدقائق, لكانوا أكثر من مشايخهم الأقدمين علماً وتحقيقاً, وإنصافاً وتجويداً, لكن المعلوم خلاف ذلك, فإياك أن تسلك هذه المسالك, فإن نشأة الإنسان على ما عليه أهل شارعه وبلده وجيرانه وأترابه صنيع(2) أسقط الناس همة وأدناهم مرتبة, فلم يعجز عن ذلك صبيان النصارى واليهود, ولا ربات القدود والنهود, المستغرقات في تمهيد المهود.
وهذه هذه فأعطها حقها وانظر لنفسك وانج بها, وطالع قصة سلمان الفارسي وأضرابه, وانظر كيف كان صبرهم, واعرف قدر ما أنت طالب, فإنك طالب لأعلى المراتب...
ولا ينبغي أن يستوحش الظافر بالحق من كثرة المخالفين له, كما لا يستوحش الزاهد من كثرة الراغبين, ولا المتقي من كثرة العاصين, ولا الذاكر من كثر الغافلين, بل ينبغي منه أن يستعظم المنة باختصاصه بذلك مع كثرة الجاهلين له, الغافلين عنه, وليوطن نفسه على ذلك, فقد صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن هذا الدين بدأ غريباً, وسيعود غريباً كما بدأ, فطوبى للغرباء)). رواه مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة, ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود, وقال: هذا حديث حسن صحيح, ورواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد من حديث أنس, وروى البخاري نحوه بغير لفظه من حديث ابن عمر...
فنسأل الله أن يرحم غربتنا في الحق, ويهدي ضالنا, ولا يردنا من أبواب رجائه ودعائه وطلبه محرومين, إنه مجيب الداعين, وهادي المهتدين, وأرحم الراحمين)) (3).
الفقيرُ إلى رَبِّ العالمين
أبو عبد الله هيثم آل فايد
أبو عبد الله هيثم آل فايد
_______________
(*) هذا الباب نقلته من كتاب ((التعصب للشيوخ, عواطف مشوبة بالأهواء, داء وبيل مزق الأمة شيعاً, صفحات من تاريخ المتعصبين الأسود)), لأبي عبد الأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري -حفظه الله تعالى-.
(1) أي: بعد تحريرها.
(2) في العادات والتقاليد المخالفة للأصول.
(3) ما بين علامتي التنصيص: من كتاب ((إيثار الحق على الخلق, في رد الخلافات إلى المذهب الحق)), لأبي عبد الله محمد بن المرتضى اليماني المشهور بـ((ابن الوزير)) (ص 27-30).
(*) هذا الباب نقلته من كتاب ((التعصب للشيوخ, عواطف مشوبة بالأهواء, داء وبيل مزق الأمة شيعاً, صفحات من تاريخ المتعصبين الأسود)), لأبي عبد الأعلى خالد بن محمد بن عثمان المصري -حفظه الله تعالى-.
(1) أي: بعد تحريرها.
(2) في العادات والتقاليد المخالفة للأصول.
(3) ما بين علامتي التنصيص: من كتاب ((إيثار الحق على الخلق, في رد الخلافات إلى المذهب الحق)), لأبي عبد الله محمد بن المرتضى اليماني المشهور بـ((ابن الوزير)) (ص 27-30).