الاستقامة هي الحنيفية السمحة
(فهي قائمة على التوحيد الخالص، ومحض المتابعة للوحيين:الكتاب والسنة الصحيحة، والتزام فهم السلف)مجلة الاصالة عدد21 ص5.
فالاستقامة على منهاج الوحي هو دعوة ألرسل-عليهم السلام-هذه الدعوة (السائر عليها ومعها وبها يتنزل في منازلها، ويسعى لتكميل مراتبها حتى يكون عبدا لله تعالى، يخلص عمله له، ويصون عبادته من قوادحها وشوائبها، ويستقيم على الأمر فعلا، وعلى النهي تركا؛ فيحكم محكمها، ويلتزم بأحكامها، ويتدبر حكمتها، لا يلتفت عنها يمنه ولا يسرة، يتذكر دائما قول الله تعالى(فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا) )المصدر السابق.
فالاستقامة هي عنوان كمال الأيمان وحسن التوحيد، فهذا أبو بكر-رضي الله عنه-سئل عن الاستقامة فقال:(إن لاتشرك بالله شيئا)، فعلق عليه ابن القيم-رحمه الله-في المدارج بقوله:(يريد الاستقامة على محض التوحيد)، وعلق الفقي-رحمه الله-على كلام ابن القيم فقال:(ومن استقام على محض التوحيد الصادق الذي يدين به الصديق واستقام له توحيده على العلم الصادق بأسماء الله وصفاته وأثارها في الأنفس والأفاق:استقام في كل شانه على الصراط المستقيم فاستقام له كل عمل وكل حال).ج2\108.
ف(الاستقامة:إن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب)، كما قال عمر الفاروق-رضي الله عنه-.
وقال عثمان ذي النورين-رضي الله عنه-في قوله تعالى(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا)(استقاموا:اخلصوا العمل لله).(استقاموا:أدوا الفرائض)هذا قول علي المرتضى وبن عباس-رضي الله عنهم-
وقال الحسن-رحمه الله-(استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته).
وقال مجاهد-رحمه الله-(استقاموا على شهادة إن لا اله إلا الله حتى لحقوا بالله).
وقال شيخ الإسلام-رحمه الله-(استقاموا على محبته وعبوديته فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة).
وهذا ما يريده الله تعالى من عبيده لينالوا الكرامة عن طريق الاستقامة، ف(أعظم الكرامة لزوم الاستقامة)كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-.
فما أحوج المسلمين اليوم إلى تفعيل شطري هذه الآية الكريمة(قل أمنت بالله ثم استقم)عملا يثمر استقامتا في الأقوال والأفعال والأحوال والنيات.
وحتى لا يفهم البعض إن الخطاب في هذه الآية متعلق بالنبي-صلى الله عليه وسلم-دون أمته ولان الرسول-صلى الله عليه وسلم-عندما سأله احد أصحابه وهو أبو بكر رضي الله عنه فقال:يا رسول الله قد شبت قال:(شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت).
فها هو الإمام القرطبي-رحمه الله- أوضح فحوى الخطاب في هذه الآية فقال:(استقم أنت وهم، يريد أصحابه الذين تابوا من الشرك ومن بعدهم من التابعين والذين بعدهم من أمته)9\127 من التفسير.
والرسول-صلى الله عليه وسلم-وضح ذلك بان هذه الآية عامة وان كان الخطاب موجها إلى شخصه الكريم وذلك عندما قال له سفيان الثقفي-رضي الله عنه-يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا اسأل عنه أحدا بعدك، قال:(قل أمنت بالله ثم استقم).
وقد استطرد الإمام النووي-رحمه الله-في توضيح هذا الحديث فقال:(استقم كما أمرت ونهيت والاستقامة ملازمة الطريق بفعل الواجبات وترك المنهيات والذي يستفاد من الحديث هو الأمر بتجديد الأيمان والتذكر بالقلب والذكر باللسان واستحضار كل معاني الأيمان الشرعي ثم بالدوام على عمل الطاعات والانتهاء عن جميع المخالفات إذ لا تتأتى الاستقامة مع الاعوجاج لأنها ضده)شرح الأربعين النووية.
وبعد ذلك فليس من شرط الاستقامة عدم الذنب وإنما عدم الإصرار على الذنب قال تعالى(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون).
فالاستقامة الكاملة والاستمرار والثبات عليها أمر غير مستطاع، لان العبد محل تقصير وخطا لذا قال تعالى:(فاستقيموا إليه واستغفروه)فصلت\6\، فبالتوبة والاستغفار يجبر المقصر ما وقع منه في حق وجنب استقامته، قال النبي-صلى الله عليه وسلم-(كل ابن ادم خطاء وخير الخطائين التوابون)، ومصداق ذلك كله قول النبي-صلى الله عليه وسلم-حين قال:(استقيموا ولن تحصوا، واعلموا إن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)أخرجه احمد وابن ماجه.
قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }فصلت30
أخوكم:أبو عبد الله الحديدي
تعليق