بسم الله الرحمن الرحيم
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
الحمد الله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبين وخيرالمرشدين الذي لم يترك خيراً إلا دلّ الأمَّةَ عليه ولا شرًا إلا حذّرها منه
ومن هذا الخيرالعظيم الحثُّ والترغيبُ في الصفوف الأولى والتبكير لها والحرص عليها والتحذير من التأخُّر عنها.
فعن عائشةـ رضي الله عنها ـ قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَايَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَرُونَ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ ِفي النَّارِ) . (1)
يعني لايُخْرُجُهمْ من النَّار في الأوَّلين , أو آخرهم عن الداخلين في الجنَّةأولاً بإدخالهم النَّار و حبسهم فيها. (2)
عن أبي سعيد الخدريِّ ـ رضي الله عنه ـ : ( أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخُّراً ,فقال لهم:{تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بِي ,وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ ,لَايَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ ) (3)
ومعنى قوله :( لَايَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ) أي عن الصفوف الأولى( حتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ ) عن رحمته أو عظيم فضله, ورفع المنْزِلَةِ,وعن العلم ونحو ذالك . (4)
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهاَ َوشَرُّهَا آخِرُهَا, وَخَيْرُصُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُها ) . (5)
قال النوويّ ـرحمه الله تعالى ـ : ( أمّا صفوف الرجال فهي على عُمُومِها فَخَيْرُها أوّلُها أبدًا،أمّا صفوف النّساء
فالمراد بالحديث صفوف النساء اللَّواتي يصلِّين مع الرِّجال ) .(6)
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ والصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُو...) . (7)
وفي رواية لمسلم ( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ المُقَدَمِ لَكَانَتِ القُرْعَة )
ومعنى:( لَوْيَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ والصَّفِّ الأَوَّلِ ....) النّداء : هو الأذان والإستهام:الاقتراع
ومعناه أنّهم لوعلموا فضيلة الأذان وقدرها وعظيم جزائه ثم لم يجدوا طريقًا يحصلونه به لضيق
الوقت عن الأذان بعد الأذان،أو لكونه لا يؤذَّن للمسجد إلاَّ واحدًا لاقترعوا في تحصيله ، ولو يعلمون ما في الصَّفِّ الأول من الفضيلة نحو ما سبق وجاءوا إليه دفعة واحدة وضاق عنهم ثم لم يسمح بعضهم لبعض لاقترعوا عليه. وفيه إثبات القرعة في الحقوق التي يُزْدَحَمُ عليها ويُتَنَازَعُ فيها. (
وعن العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه ـ : ( أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كان يَسْتَغْفِرُ للصَّفِّ المتقدم ثلاثًا وللثَانِي مَرَة )
وفي لفظ : ( كان يصلِّي على الصف المقدم ثلاثًا وعلى الثاني واحدة ) . (9)
وعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنَّ الله ومَلَائِكَتَهُ يُصَلُونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ أَوِ الصُّفُوفِ الأُولَى ) .(10)
ومعنى الصلاة من الله تعالى : ثناؤه على العبد عند الملائكة . حكاه البخاري عن أبي العالية ، رواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عنه ، وقال غيره الصلاة من الله عز وجل الرحمة.
وقد يقال لا منافاة بين القولين ، والله أعلم .
أما الصلاة من الملائكة فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار . (11)
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
.................................................. ......................
1ـ [صحيح سنن أبي داود :2/679]
2ـ [ عون المعبود : 2/224]
3ـ [ أخرجه مسلم : 438 ]
4ـ [ صحيح مسلم بشرح النووي : 4/158]
5ـ [أخرجه مسلم : 440 ]
6ـ [ عون المعبود :2/264 ]
7ـ [ أخرجه البخاري :615 ـ ومسلم : 437 ]
8 ـ [ صحيح مسلم بشرح النووي : 4 /158]
9 ـ [صحيح الترغيب والترهيب : 1/329ـ 330 ]
10ـ [صحيح الترغيب والترهيب : 1/331 ]
11 ـ [تفسير ابن كثير / الأحزاب : 43 ]