فصل: ما امتاز به المتقدمون على المتأخرين
هذا فيما انفردوا به عنا أما المدارك التي شاركناهم فيها من دلالات الألفاظ والاقيسة فلا ريب أنهم كانوا أبر قلوبا و أعمق علما و أقل تكلفا و أقرب إلى أن يوفقوا فيها لما لم نوفق له نحن لما خصهم الله تعالى به من توقد الأذهان وفصاحة اللسان وسعة العلم وسهولة الأخذ وحسن الإدراك وسرعته وقلة المعارض أوعدمه وحسن القصد و تقوى الرب تعالى فالعربية طبيعتهم و سليقتهم و المعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم و عقولهم و لا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد و أحوال الرواة وعلل الحديث و الجرح و التعديل و لا إلى النظر في قواعد الأصول و أوضاع الأصوليين بل قد غنوا عن ذلك كله فليس في حقهم إلا أمران أحدهما قال الله تعالى كذا وقال رسوله كذا والثاني معناه كذا و كذا وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين و أحظى الأمة بهما فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما.
وأما المتأخرون فقواهم متفرقة وهممهم متشعبة فالعربية و توابعها قد خذت من قوى أذهانهم شعبة والأصول و قواعدها قد أخذت منها شعبة وعلم الإسناد و أحوال الرواة قد أخذ منها شعبة وفكرهم في كلام مصنفيهم و شيوخهم على اختلافهم و ما أرادوا به قد أخذ منها شعبة إلى غير ذلك من الأمور فإذا و صلوا إلى النصوص النبوية إن كان لهم همم تسافر إليها وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير في غيرها و أوهن قواهم مواصلة السير في سواها فأدركوا من النصوص و معانيها بحسب القوة و هذا أمر يحسن به الناظر في مسألة إذا استعمل قوى ذهنه في غيرها ثم صار إليها وافاها بذهن كال وقوة ضعيفة و هذا شأن من استفرغ قواه في الأعمال غير المشروعة تضعف قوته عند العمل المشروع كمن استفرغ قوته في السماع الشيطاني فإذا جاءه قيام الليل قام إلى ورده بقوة كالة وعزيمة باردة و كذلك من صرف قوى حبه و إرادته إلى الصور أو المال أو الجاه فإذا طالب قلبه بمحبة الله فإن انجذب معه انجذب بقوة ضعيفة قد استفرغها في محبة غيره فمن استفرغ قوى فكره في كلام الناس فإذا جاء إلى كلام الله و رسوله جاء بفكرة كالة فأعطى بحسب ذلك.
والمقصود أن الصحابة أغناهم الله تعالى عن ذلك كله فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط هذا إلى ما خصوا به من قوى الأذهان وصفائها و صحتها و قوة إدراكها و كماله و كثرة المعاون و قلة الصارف و قرب العهد بنور النبوة والتلقي من تلك المشكاة النبوية فإذا كان هذا حالنا و حالهم فيما تميزوا به علينا و ما شاركناهم فيه فكيف نكون نحن أو شيوخنا أوشيوخهم أو من قلدناه أسعد بالصواب منهم في مسألة من المسائل ومن حدث نفسه بهذا فليعزلها من الدين و العلم و الله المستعان.
إعلام الموقعين للشيخ الإسلام ابن القيم
وأما المتأخرون فقواهم متفرقة وهممهم متشعبة فالعربية و توابعها قد خذت من قوى أذهانهم شعبة والأصول و قواعدها قد أخذت منها شعبة وعلم الإسناد و أحوال الرواة قد أخذ منها شعبة وفكرهم في كلام مصنفيهم و شيوخهم على اختلافهم و ما أرادوا به قد أخذ منها شعبة إلى غير ذلك من الأمور فإذا و صلوا إلى النصوص النبوية إن كان لهم همم تسافر إليها وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير في غيرها و أوهن قواهم مواصلة السير في سواها فأدركوا من النصوص و معانيها بحسب القوة و هذا أمر يحسن به الناظر في مسألة إذا استعمل قوى ذهنه في غيرها ثم صار إليها وافاها بذهن كال وقوة ضعيفة و هذا شأن من استفرغ قواه في الأعمال غير المشروعة تضعف قوته عند العمل المشروع كمن استفرغ قوته في السماع الشيطاني فإذا جاءه قيام الليل قام إلى ورده بقوة كالة وعزيمة باردة و كذلك من صرف قوى حبه و إرادته إلى الصور أو المال أو الجاه فإذا طالب قلبه بمحبة الله فإن انجذب معه انجذب بقوة ضعيفة قد استفرغها في محبة غيره فمن استفرغ قوى فكره في كلام الناس فإذا جاء إلى كلام الله و رسوله جاء بفكرة كالة فأعطى بحسب ذلك.
والمقصود أن الصحابة أغناهم الله تعالى عن ذلك كله فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط هذا إلى ما خصوا به من قوى الأذهان وصفائها و صحتها و قوة إدراكها و كماله و كثرة المعاون و قلة الصارف و قرب العهد بنور النبوة والتلقي من تلك المشكاة النبوية فإذا كان هذا حالنا و حالهم فيما تميزوا به علينا و ما شاركناهم فيه فكيف نكون نحن أو شيوخنا أوشيوخهم أو من قلدناه أسعد بالصواب منهم في مسألة من المسائل ومن حدث نفسه بهذا فليعزلها من الدين و العلم و الله المستعان.
إعلام الموقعين للشيخ الإسلام ابن القيم
تعليق