نصيحة الشيخ أحمد بن عمر بازمول-حفظه الله- بخصوص فتنة تغطية الوجه في فرنسا
السؤال: "حياكم الله شيخنا الفاضل.
شيخنا نريد منكم فتوى أو نصيحة للمسلمين عامة وللسلفيين بصفة خاصة المقيمين ببلاد الكفر
بخصوص ما يحدث بها الآن من فتن وخاصة بخصوص تغطية الوجه ؟؟
وبارك الله فيكم وجزاكم خير الجزاء.
الجواب :
أقول لإخواني المسلمين المقيمين في بلاد الكفر أسعوا بارك الله فيكم للسكنى في ديار المسلمين، سواء في بلدكم أو بلد آخر فأرض الله واسعة .
وأنصحكم بتعلم أحكام الدين الإسلامي وعدم إهمالها، وأنصحكم بالمحافظة على تعاليم دينكم، وتطبيقها على قدر استطاعتكم .
وأما بالنسبة للحجاب : فحافظوا عليه واصبروا وإياكم والانخداع بأقوال من ينادي بنزعه وسلوا الله أن يفرجها عليكم .
وقد قفت على كلام جميل للعلامة محمد ناصر الدين الألباني سأورده هنا مكتفياً به فهو رحمه الله تعالى من أهل الفتوى والاجتهاد :
فقد أورد رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة (6/2/847رقم2857) الرواية التالية : من طريق يزيد بن عبد الله بن الخير قال : بينا نحن بالمربد إذ أتى علينا أعرابي شعث الرأس ، معه قطعة أديم أو قطعة جراب، فقلنا : كأن هذا ليس من أهل البلد ، فقال : أجل ، هذا كتاب كتبه لي رسول الله عليه وسلم، فقال القوم : هات ، فأخذته فقرأته فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني زهير بن أقيش : إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وفارقتم المشركين وأعطيتم من الغنائم الخمس وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، والصفي- و ربما قال : و صفيه - فأنتم آمنون بأمان الله و أمان رسوله " .
وقال : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
وقوله ( الصفي ) : ما كان صلى الله عليه وسلم يصطفيه و يختاره من عرض المغنم من فرس أو غلام أو سيف ، أو ما أحب من شيء ، وذلك من رأس المغنم قبل أن يخمس ، كان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بهذه الثلاث ( يعني المذكورة في الحديث : الخمس و السهم و الصفي ) عقبة و عوضا عن الصدقة التي حرمت عليه . قاله الخطابي .
قال الألباني: في هذا الحديث بعض الأحكام التي تتعلق بدعوة الكفار إلى الإسلام ، من ذلك : أن لهم الأمان إذا قاموا بما فرض الله عليهم ، و منها : أن يفارقوا المشركين و يهاجروا إلى بلاد المسلمين . و في هذا أحاديث كثيرة ، يلتقي كلها على حض من أسلم على المفارقة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، لا تتراءى نارهما " ، و في بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على بعضهم في البيعة أن يفارق المشرك . و في بعضها قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا ، أو يفارق المشركين إلى المسلمين " . إلى غير ذلك من الأحاديث ، و قد خرجت بعضها في " الإرواء " ( 5 / 29 - 33 ) و فيما تقدم برقم ( 636 ) .
و إن مما يؤسف له أشد الأسف أن الذين يسلمون في العصر الحاضر - مع كثرتهم و الحمد لله – لا يتجاوبون مع هذا الحكم من المفارقة ، و هجرتهم إلى بلاد الإسلام ، إلا القليل منهم ، و أنا أعزو ذلك إلى أمرين اثنين : الأول : تكالبهم على الدنيا ، و تيسر وسائل العيش و الرفاهية في بلادهم بحكم كونهم يعيشون حياة مادية ممتعة ، لا روح فيها ، كما هو معلوم ، فيصعب عليهم عادة أن ينتقلوا إلى بلد إسلامي قد لا تتوفر لهم فيه وسائل الحياة الكريمة في وجهة نظرهم . و الآخر - و هو الأهم - : جهلهم بهذا الحكم ، و هم في ذلك معذورون ، لأنهم لم يسمعوا به من أحد من الدعاة الذين تذاع كلماتهم مترجمة ببعض اللغات الأجنبية ، أو من الذين يذهبون إليهم باسم الدعوة لأن أكثرهم ليسوا فقهاء و بخاصة منهم جماعة التبليغ ، بل إنهم ليزدادون لصوقاً ببلادهم ، حينما يرون كثيرا من المسلمين قد عكسوا الحكم بتركهم لبلادهم إلى بلاد الكفار ! فمن أين لأولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام أن يعرفوا مثل هذا الحكم و المسلمون أنفسهم مخالفون له ؟! ألا فليعلم هؤلاء و هؤلاء أن الهجرة ماضيه كالجهاد ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل " ، و في حديث آخر : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، و لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " و هو مخرج في " الإرواء " (1208 ) . و مما ينبغي أن يعلم أن الهجرة أنواع و لأسباب عدة ، و لبيانها مجال آخر ، و المهم هنا الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام مهما كان الحكام فيها منحرفين عن الإسلام ، أو مقصرين في تطبيق أحكامه ، فهي على كل حال خير بما لا يوصف من بلاد الكفر أخلاقا و تدينا و سلوكا ، و ليس الأمر - بداهة - كما زعم أحد الجهلة الحمقى الهوج من الخطباء : " والله لو خيرت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود و بين أن أعيش في أي عاصمة عربية لاخترت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود "! و زاد على ذلك فقال ما نصه : " ما أرى إلا أن الهجرة واجبة من الجزائر إلى (تل أبيب ) " !! كذا قال فض فوه ، فإن بطلانه لا يخفى على مسلم مهما كان غبيا ! و لتقريب ما ذكرت من الخيرية إلى أذهان القراء المحبين للحق الحريصين على معرفته و اتباعه ، الذين لا يهولهم جعجعة الصائحين ، و صراخ الممثلين ، واضطراب الموتورين من الحاسدين و الحاقدين من الخطباء و الكاتبين : أقول لأولئك المحبين : تذكروا على الأقل حديثين اثنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أحدهما : " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها " . أخرجه البخاري و مسلم و غيرهما . و الآخر : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون " ، و هو حديث صحيح متواتر رواه جماعة من الصحابة ، و تقدم تخريجه عن جمع منهم برقم ( 270 و 1108 و 1955 و 1956 ) ، و "صحيح أبي داود " ( 1245 ) ، وفي بعضها أنهم " أهل المغرب " أي الشام ، وجاء ذلك مفسرا عند البخاري و غيره عن معاذ ، و عند الترمذي و غيره مرفوعا بلفظ : " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، و لا تزال طائفة من أمتي .. " الحديث . و في هذه الأحاديث إشارة قوية إلى أن العبرة في البلاد إنما هي بالسكان و ليس بالحيطان . و قد أفصح عن هذه الحقيقة سلمان الفارسي رضي الله عنه حين كتب أبو الدرداء إليه : أن هلم إلى الأرض المقدسة ، فكتب إليه سلمان : إن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا ، و إنما يقدس الإنسان عمله . ( موطأ مالك 2 / 235 ) . و لذلك فمن الجهل المميت والحماقة المتناهية - إن لم أقل و قلة الدين - أن يختار خطيب أخرق الإقامة تحت الاحتلال اليهودي ، ويوجب على الجزائريين المضطهدين أن يهاجروا إلى ( تل أبيب ) ، دون بلده المسلم ( عمان ) مثلا ، بل ودون مكة والمدينة ، متجاهلا ما نشره اليهود في فلسطين بعامة ، و ( تل أبيب ) و ( حيفا ) و ( يافا ) بخاصة من الفسق و الفجور و الخلاعة حتى سرى ذلك بين كثير من المسلمين و المسلمات بحكم المجاورة و العدوى ، مما لا يخفى على من ساكنهم ثم نجاه الله منهم ، أو يتردد على أهله هناك لزيارتهم في بعض الأحيان . و ليس بخاف على أحد أوتي شيئا من العلم ما في ذاك الاختيار من المخالفة لصريح قوله تعالى
( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا : كنا مستضعفين في الأرض ، قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا . إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله عفوا غفورا ، و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما ( أي تحولا ) كثيرا و سعة ، و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله و كان الله غفورا رحيما ) ( النساء 97 - 100 ) . قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " ( 1 / 542 ) : " نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين ، و هو قادر على الهجرة ، و ليس متمكنا من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه ، مرتكب حراما بالإجماع ، و بنص هذه الآية " . و إن مما لا يشك فيه العالم الفقيه أن الآية بعمومها تدل على أكثر من الهجرة من بلاد الكفر ، وقد صرح بذلك الإمام القرطبي ، فقال في " تفسيره " ( 5 / 346 ) : " و في هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي ، و قال سعيد ابن جبير :
إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها ، و تلا : ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) . وهذا الأثر رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 2 / 174/ 1 ) بسند صحيح عن سعيد . و أشار إليه الحافظ في " الفتح " فقال ( 8 / 263 ) : " و استنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية " . و قد يظن بعض الجهلة من الخطباء و الدكاترة و الأساتذة ، أن قوله صلى الله عليه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح " ناسخ للهجرة مطلقا ، و هو جهل فاضح بالكتاب و السنة و أقوال الأئمة ، و قد سمعت ذلك من بعض مدعي العلم من الأساتذة في مناقشة جرت بيني و بينه بمناسبة الفتنة التي أثارها علي ذلك الخطيب المشار إليه آنفا ، فلما ذكرته بالحديث الصريح في عدم انقطاع التوبة المتقدم بلفظ : " لا تنقطع الهجرة .. إلخ .. لم يحر جوابا ! و بهذه المناسبة أنقل إلى القراء الكرام ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديثين المذكورين ، و أنه لا تعارض بينهما ، فقال في " مجموع الفتاوى " ( 18 / 281 ) : " و كلاهما حق ، فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه ، و هي الهجرة إلى المدينة من مكة و غيرها من أرض العرب ، فإن هذه الهجرة كانت مشروعة لما كانت مكة و غيرها دار كفر و حرب ، و كان الإيمان بالمدينة ، فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة لمن قدر عليها ، فلما فتحت مكة و صارت دار الإسلام و دخلت العرب في الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام ، فقال : " لا هجرة بعد الفتح " ، و كون الأرض دار كفر و دار إيمان ، أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها : بل هي صفة عارضة بحسب سكانها ، فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت ، و كل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت ، و كل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت ، فإن سكنها غير ما ذكرنا و تبدلت بغيرهم فهي دارهم و كذلك المسجد إذا تبدل بخمارة أو صار دار فسق أو دار ظلم أو كنيسة يشرك فيها بالله كان بحسب سكانه ، و كذلك دار الخمر و الفسوق و نحوها إذا جعلت مسجدا يعبد الله فيه جل وعز كان بحسب ذلك ، و كذلك الرجل الصالح يصير فاسقا و الكافر يصير مؤمنا أو المؤمن يصير كافرا أو نحو ذلك ، كل بحسب انتقال الأحوال من حال إلى حال و قد قال تعالى : ( و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة ) الآية نزلت في مكة لما كانت دار كفر و هي ما زالت في نفسها خير أرض الله ، و أحب أرض الله إليه ، و إنما أراد سكانها . فقد روى الترمذي مرفوعا أنه قال لمكة و هو واقف بالحزورة " والله إنك لخير أرض الله ، و أحب أرض الله إلى الله ، و لولا قومي أخرجوني منك لما خرجت " ، و في رواية : خير أرض الله و أحب أرض الله إلي " ، فبين أنها أحب أرض الله إلى الله و رسوله ، و كان مقامه بالمدينة و مقام من معه من المؤمنين أفضل من مقامهم بمكة لأجل أنها دار هجرتهم، و لهذا كان الرباط بالثغور أفضل من مجاورة مكة و المدينة ، كما ثبت في الصحيح: رباط يوم و ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر و قيامه ، و من مات مرابطا مات مجاهدا ، و جرى عليه عمله ، و أجرى رزقه من الجنة ، و أمن الفتان " . وفي السنن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوما فيما سواه من المنازل " و قال أبو هريرة: لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود . ولهذا كان أفضل الأرض في حق كل إنسان أرض يكون فيها أطوع لله و رسوله ، و هذا يختلف باختلاف الأحوال ، و لا تتعين أرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل ، و إنما يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوى و الطاعة و الخشوع و الخضوع و الحضور ، و قد كتب أبو الدرداء إلى سلمان : هلم إلى الأرض المقدسة ! فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا و إنما يقدس العبد عمله . و كان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان و أبي الدرداء . و كان سلمان أفقه من أبي الدرداء في أشياء من جملتها هذا . و قد قال الله تعالى لموسى عليه السلام : ( سأريكم دار الفاسقين ) و هي الدار التي كان بها أولئك العمالقة ، ثم صارت بعد هذا دار المؤمنين ، و هي الدار التي دل عليها القرآن من الأرض المقدسة ، و أرض مصر التي أورثها الله بني إسرائيل ، فأحوال البلاد كأحوال العباد فيكون الرجل تارة مسلما و تارة كافرا ، و تارة مؤمنا و تارة منافقا ، و تارة برا تقيا و تارة فاسقا ، وتارة فاجرا شقيا . و هكذا المساكن بحسب سكانها ، فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان و الطاعة كتوبته و انتقاله من الكفر و المعصية إلى الإيمان و الطاعة ، و هذا أمر باق إلى يوم القيامة ، و الله تعالى قال : ( والذين آمنوا [ من بعد ] و هاجروا و جاهدوا معكم فأولئك منكم ) [ الأنفال : 75] . قالت طائفة من السلف : هذا يدخل فيه من آمن و هاجر و جاهد إلى يوم القيامة، و هكذا قوله تعالى : ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) [ النحل : 110 ] يدخل في معناها كل من فتنه الشيطان عن دينه أو أوقعه في معصية ثم هجر السيئات و جاهد نفسه و غيرها من العدو ، و جاهد المنافقين بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و غير ذلك ، وصبر على ما أصابه من قول أو فعل . و الله سبحانه و تعالى أعلم " فأقول : هذه الحقائق و الدرر الفرائد من علم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، يجهلها جهلا تاما أولئك الخطباء و الكتاب و الدكاترة المنكرون لشرع الله ( و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )، فأمروا الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم و حرموا عليهم الهجرة منها ، و هم يعلمون أن في ذلك فساد دينهم و دنياهم ، و هلاك رجالهم وفضيحة نسائهم ، و انحراف فتيانهم و فتياتهم ، كما تواترت الأخبار بذلك عنهم بسبب تجبر اليهود عليهم ، و كبسهم لدورهم و النساء في فروشهن ، إلى غير ذلك من المآسي و المخازي التي يعرفونها ، ثم يتجاهلونها تجاهل النعامة الحمقاء للصياد ! فيا أسفي عليهم إنهم يجهلون ، و يجهلون أنهم يجهلون ، كيف لا و هم في القرآن يقرؤون : ( و لو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ) ! و ليت شعري ماذا يقولون في الفلسطينيين الذين كانوا خرجوا من بلادهم تارة باسم لاجئين ، و تارة باسم نازحين ، أيقولون فيهم : إنهم كانوا من الآثمين ، بزعم أنهم فرغوا أرضهم لليهود ؟! بلى . و ماذا يقولون في ملايين الأفغانيين الذين هاجروا من بلدهم إلى ( بشاور ) مع أن أرضهم لم تكن محتلة من الروس احتلال اليهود لفلسطين ؟! و أخيرا .. ماذا يقولون في البوسنيين الذين لجأوا في هذه الأيام إلى بعض البلاد الإسلامية و منها الأردن ، هل يحرمون عليهم أيضا خروجهم ، و يقول فيهم أيضا رأس الفتنة : " يأتون إلينا ؟ شو بساووا هون ؟! . إنه يجهل أيضا قوله تعالى : ( و الذين تبوءوا الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ، و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة ) ، أم هم كما قال تعالى في بعضهم : ( يحلونه عاما و يحرمونه عاما ) ؟!
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا و يأتيك بالأنباء من لم تزود
أرجو من الأخوات الحصول لنا على المادة الصوتية من الموقع المصدر .
السؤال: "حياكم الله شيخنا الفاضل.
شيخنا نريد منكم فتوى أو نصيحة للمسلمين عامة وللسلفيين بصفة خاصة المقيمين ببلاد الكفر
بخصوص ما يحدث بها الآن من فتن وخاصة بخصوص تغطية الوجه ؟؟
وبارك الله فيكم وجزاكم خير الجزاء.
الجواب :
أقول لإخواني المسلمين المقيمين في بلاد الكفر أسعوا بارك الله فيكم للسكنى في ديار المسلمين، سواء في بلدكم أو بلد آخر فأرض الله واسعة .
وأنصحكم بتعلم أحكام الدين الإسلامي وعدم إهمالها، وأنصحكم بالمحافظة على تعاليم دينكم، وتطبيقها على قدر استطاعتكم .
وأما بالنسبة للحجاب : فحافظوا عليه واصبروا وإياكم والانخداع بأقوال من ينادي بنزعه وسلوا الله أن يفرجها عليكم .
وقد قفت على كلام جميل للعلامة محمد ناصر الدين الألباني سأورده هنا مكتفياً به فهو رحمه الله تعالى من أهل الفتوى والاجتهاد :
فقد أورد رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة (6/2/847رقم2857) الرواية التالية : من طريق يزيد بن عبد الله بن الخير قال : بينا نحن بالمربد إذ أتى علينا أعرابي شعث الرأس ، معه قطعة أديم أو قطعة جراب، فقلنا : كأن هذا ليس من أهل البلد ، فقال : أجل ، هذا كتاب كتبه لي رسول الله عليه وسلم، فقال القوم : هات ، فأخذته فقرأته فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني زهير بن أقيش : إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وفارقتم المشركين وأعطيتم من الغنائم الخمس وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، والصفي- و ربما قال : و صفيه - فأنتم آمنون بأمان الله و أمان رسوله " .
وقال : إسناده صحيح على شرط الشيخين .
وقوله ( الصفي ) : ما كان صلى الله عليه وسلم يصطفيه و يختاره من عرض المغنم من فرس أو غلام أو سيف ، أو ما أحب من شيء ، وذلك من رأس المغنم قبل أن يخمس ، كان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بهذه الثلاث ( يعني المذكورة في الحديث : الخمس و السهم و الصفي ) عقبة و عوضا عن الصدقة التي حرمت عليه . قاله الخطابي .
قال الألباني: في هذا الحديث بعض الأحكام التي تتعلق بدعوة الكفار إلى الإسلام ، من ذلك : أن لهم الأمان إذا قاموا بما فرض الله عليهم ، و منها : أن يفارقوا المشركين و يهاجروا إلى بلاد المسلمين . و في هذا أحاديث كثيرة ، يلتقي كلها على حض من أسلم على المفارقة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، لا تتراءى نارهما " ، و في بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على بعضهم في البيعة أن يفارق المشرك . و في بعضها قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا ، أو يفارق المشركين إلى المسلمين " . إلى غير ذلك من الأحاديث ، و قد خرجت بعضها في " الإرواء " ( 5 / 29 - 33 ) و فيما تقدم برقم ( 636 ) .
و إن مما يؤسف له أشد الأسف أن الذين يسلمون في العصر الحاضر - مع كثرتهم و الحمد لله – لا يتجاوبون مع هذا الحكم من المفارقة ، و هجرتهم إلى بلاد الإسلام ، إلا القليل منهم ، و أنا أعزو ذلك إلى أمرين اثنين : الأول : تكالبهم على الدنيا ، و تيسر وسائل العيش و الرفاهية في بلادهم بحكم كونهم يعيشون حياة مادية ممتعة ، لا روح فيها ، كما هو معلوم ، فيصعب عليهم عادة أن ينتقلوا إلى بلد إسلامي قد لا تتوفر لهم فيه وسائل الحياة الكريمة في وجهة نظرهم . و الآخر - و هو الأهم - : جهلهم بهذا الحكم ، و هم في ذلك معذورون ، لأنهم لم يسمعوا به من أحد من الدعاة الذين تذاع كلماتهم مترجمة ببعض اللغات الأجنبية ، أو من الذين يذهبون إليهم باسم الدعوة لأن أكثرهم ليسوا فقهاء و بخاصة منهم جماعة التبليغ ، بل إنهم ليزدادون لصوقاً ببلادهم ، حينما يرون كثيرا من المسلمين قد عكسوا الحكم بتركهم لبلادهم إلى بلاد الكفار ! فمن أين لأولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام أن يعرفوا مثل هذا الحكم و المسلمون أنفسهم مخالفون له ؟! ألا فليعلم هؤلاء و هؤلاء أن الهجرة ماضيه كالجهاد ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل " ، و في حديث آخر : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، و لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " و هو مخرج في " الإرواء " (1208 ) . و مما ينبغي أن يعلم أن الهجرة أنواع و لأسباب عدة ، و لبيانها مجال آخر ، و المهم هنا الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام مهما كان الحكام فيها منحرفين عن الإسلام ، أو مقصرين في تطبيق أحكامه ، فهي على كل حال خير بما لا يوصف من بلاد الكفر أخلاقا و تدينا و سلوكا ، و ليس الأمر - بداهة - كما زعم أحد الجهلة الحمقى الهوج من الخطباء : " والله لو خيرت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود و بين أن أعيش في أي عاصمة عربية لاخترت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود "! و زاد على ذلك فقال ما نصه : " ما أرى إلا أن الهجرة واجبة من الجزائر إلى (تل أبيب ) " !! كذا قال فض فوه ، فإن بطلانه لا يخفى على مسلم مهما كان غبيا ! و لتقريب ما ذكرت من الخيرية إلى أذهان القراء المحبين للحق الحريصين على معرفته و اتباعه ، الذين لا يهولهم جعجعة الصائحين ، و صراخ الممثلين ، واضطراب الموتورين من الحاسدين و الحاقدين من الخطباء و الكاتبين : أقول لأولئك المحبين : تذكروا على الأقل حديثين اثنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أحدهما : " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها " . أخرجه البخاري و مسلم و غيرهما . و الآخر : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون " ، و هو حديث صحيح متواتر رواه جماعة من الصحابة ، و تقدم تخريجه عن جمع منهم برقم ( 270 و 1108 و 1955 و 1956 ) ، و "صحيح أبي داود " ( 1245 ) ، وفي بعضها أنهم " أهل المغرب " أي الشام ، وجاء ذلك مفسرا عند البخاري و غيره عن معاذ ، و عند الترمذي و غيره مرفوعا بلفظ : " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم ، و لا تزال طائفة من أمتي .. " الحديث . و في هذه الأحاديث إشارة قوية إلى أن العبرة في البلاد إنما هي بالسكان و ليس بالحيطان . و قد أفصح عن هذه الحقيقة سلمان الفارسي رضي الله عنه حين كتب أبو الدرداء إليه : أن هلم إلى الأرض المقدسة ، فكتب إليه سلمان : إن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا ، و إنما يقدس الإنسان عمله . ( موطأ مالك 2 / 235 ) . و لذلك فمن الجهل المميت والحماقة المتناهية - إن لم أقل و قلة الدين - أن يختار خطيب أخرق الإقامة تحت الاحتلال اليهودي ، ويوجب على الجزائريين المضطهدين أن يهاجروا إلى ( تل أبيب ) ، دون بلده المسلم ( عمان ) مثلا ، بل ودون مكة والمدينة ، متجاهلا ما نشره اليهود في فلسطين بعامة ، و ( تل أبيب ) و ( حيفا ) و ( يافا ) بخاصة من الفسق و الفجور و الخلاعة حتى سرى ذلك بين كثير من المسلمين و المسلمات بحكم المجاورة و العدوى ، مما لا يخفى على من ساكنهم ثم نجاه الله منهم ، أو يتردد على أهله هناك لزيارتهم في بعض الأحيان . و ليس بخاف على أحد أوتي شيئا من العلم ما في ذاك الاختيار من المخالفة لصريح قوله تعالى
( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا : كنا مستضعفين في الأرض ، قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا . إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله عفوا غفورا ، و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما ( أي تحولا ) كثيرا و سعة ، و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله و كان الله غفورا رحيما ) ( النساء 97 - 100 ) . قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " ( 1 / 542 ) : " نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين ، و هو قادر على الهجرة ، و ليس متمكنا من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه ، مرتكب حراما بالإجماع ، و بنص هذه الآية " . و إن مما لا يشك فيه العالم الفقيه أن الآية بعمومها تدل على أكثر من الهجرة من بلاد الكفر ، وقد صرح بذلك الإمام القرطبي ، فقال في " تفسيره " ( 5 / 346 ) : " و في هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي ، و قال سعيد ابن جبير :
إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها ، و تلا : ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ) . وهذا الأثر رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 2 / 174/ 1 ) بسند صحيح عن سعيد . و أشار إليه الحافظ في " الفتح " فقال ( 8 / 263 ) : " و استنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية " . و قد يظن بعض الجهلة من الخطباء و الدكاترة و الأساتذة ، أن قوله صلى الله عليه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح " ناسخ للهجرة مطلقا ، و هو جهل فاضح بالكتاب و السنة و أقوال الأئمة ، و قد سمعت ذلك من بعض مدعي العلم من الأساتذة في مناقشة جرت بيني و بينه بمناسبة الفتنة التي أثارها علي ذلك الخطيب المشار إليه آنفا ، فلما ذكرته بالحديث الصريح في عدم انقطاع التوبة المتقدم بلفظ : " لا تنقطع الهجرة .. إلخ .. لم يحر جوابا ! و بهذه المناسبة أنقل إلى القراء الكرام ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديثين المذكورين ، و أنه لا تعارض بينهما ، فقال في " مجموع الفتاوى " ( 18 / 281 ) : " و كلاهما حق ، فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه ، و هي الهجرة إلى المدينة من مكة و غيرها من أرض العرب ، فإن هذه الهجرة كانت مشروعة لما كانت مكة و غيرها دار كفر و حرب ، و كان الإيمان بالمدينة ، فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة لمن قدر عليها ، فلما فتحت مكة و صارت دار الإسلام و دخلت العرب في الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام ، فقال : " لا هجرة بعد الفتح " ، و كون الأرض دار كفر و دار إيمان ، أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها : بل هي صفة عارضة بحسب سكانها ، فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت ، و كل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت ، و كل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت ، فإن سكنها غير ما ذكرنا و تبدلت بغيرهم فهي دارهم و كذلك المسجد إذا تبدل بخمارة أو صار دار فسق أو دار ظلم أو كنيسة يشرك فيها بالله كان بحسب سكانه ، و كذلك دار الخمر و الفسوق و نحوها إذا جعلت مسجدا يعبد الله فيه جل وعز كان بحسب ذلك ، و كذلك الرجل الصالح يصير فاسقا و الكافر يصير مؤمنا أو المؤمن يصير كافرا أو نحو ذلك ، كل بحسب انتقال الأحوال من حال إلى حال و قد قال تعالى : ( و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة ) الآية نزلت في مكة لما كانت دار كفر و هي ما زالت في نفسها خير أرض الله ، و أحب أرض الله إليه ، و إنما أراد سكانها . فقد روى الترمذي مرفوعا أنه قال لمكة و هو واقف بالحزورة " والله إنك لخير أرض الله ، و أحب أرض الله إلى الله ، و لولا قومي أخرجوني منك لما خرجت " ، و في رواية : خير أرض الله و أحب أرض الله إلي " ، فبين أنها أحب أرض الله إلى الله و رسوله ، و كان مقامه بالمدينة و مقام من معه من المؤمنين أفضل من مقامهم بمكة لأجل أنها دار هجرتهم، و لهذا كان الرباط بالثغور أفضل من مجاورة مكة و المدينة ، كما ثبت في الصحيح: رباط يوم و ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر و قيامه ، و من مات مرابطا مات مجاهدا ، و جرى عليه عمله ، و أجرى رزقه من الجنة ، و أمن الفتان " . وفي السنن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوما فيما سواه من المنازل " و قال أبو هريرة: لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود . ولهذا كان أفضل الأرض في حق كل إنسان أرض يكون فيها أطوع لله و رسوله ، و هذا يختلف باختلاف الأحوال ، و لا تتعين أرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل ، و إنما يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوى و الطاعة و الخشوع و الخضوع و الحضور ، و قد كتب أبو الدرداء إلى سلمان : هلم إلى الأرض المقدسة ! فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا و إنما يقدس العبد عمله . و كان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان و أبي الدرداء . و كان سلمان أفقه من أبي الدرداء في أشياء من جملتها هذا . و قد قال الله تعالى لموسى عليه السلام : ( سأريكم دار الفاسقين ) و هي الدار التي كان بها أولئك العمالقة ، ثم صارت بعد هذا دار المؤمنين ، و هي الدار التي دل عليها القرآن من الأرض المقدسة ، و أرض مصر التي أورثها الله بني إسرائيل ، فأحوال البلاد كأحوال العباد فيكون الرجل تارة مسلما و تارة كافرا ، و تارة مؤمنا و تارة منافقا ، و تارة برا تقيا و تارة فاسقا ، وتارة فاجرا شقيا . و هكذا المساكن بحسب سكانها ، فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان و الطاعة كتوبته و انتقاله من الكفر و المعصية إلى الإيمان و الطاعة ، و هذا أمر باق إلى يوم القيامة ، و الله تعالى قال : ( والذين آمنوا [ من بعد ] و هاجروا و جاهدوا معكم فأولئك منكم ) [ الأنفال : 75] . قالت طائفة من السلف : هذا يدخل فيه من آمن و هاجر و جاهد إلى يوم القيامة، و هكذا قوله تعالى : ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ) [ النحل : 110 ] يدخل في معناها كل من فتنه الشيطان عن دينه أو أوقعه في معصية ثم هجر السيئات و جاهد نفسه و غيرها من العدو ، و جاهد المنافقين بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و غير ذلك ، وصبر على ما أصابه من قول أو فعل . و الله سبحانه و تعالى أعلم " فأقول : هذه الحقائق و الدرر الفرائد من علم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، يجهلها جهلا تاما أولئك الخطباء و الكتاب و الدكاترة المنكرون لشرع الله ( و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )، فأمروا الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم و حرموا عليهم الهجرة منها ، و هم يعلمون أن في ذلك فساد دينهم و دنياهم ، و هلاك رجالهم وفضيحة نسائهم ، و انحراف فتيانهم و فتياتهم ، كما تواترت الأخبار بذلك عنهم بسبب تجبر اليهود عليهم ، و كبسهم لدورهم و النساء في فروشهن ، إلى غير ذلك من المآسي و المخازي التي يعرفونها ، ثم يتجاهلونها تجاهل النعامة الحمقاء للصياد ! فيا أسفي عليهم إنهم يجهلون ، و يجهلون أنهم يجهلون ، كيف لا و هم في القرآن يقرؤون : ( و لو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ) ! و ليت شعري ماذا يقولون في الفلسطينيين الذين كانوا خرجوا من بلادهم تارة باسم لاجئين ، و تارة باسم نازحين ، أيقولون فيهم : إنهم كانوا من الآثمين ، بزعم أنهم فرغوا أرضهم لليهود ؟! بلى . و ماذا يقولون في ملايين الأفغانيين الذين هاجروا من بلدهم إلى ( بشاور ) مع أن أرضهم لم تكن محتلة من الروس احتلال اليهود لفلسطين ؟! و أخيرا .. ماذا يقولون في البوسنيين الذين لجأوا في هذه الأيام إلى بعض البلاد الإسلامية و منها الأردن ، هل يحرمون عليهم أيضا خروجهم ، و يقول فيهم أيضا رأس الفتنة : " يأتون إلينا ؟ شو بساووا هون ؟! . إنه يجهل أيضا قوله تعالى : ( و الذين تبوءوا الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ، و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة ) ، أم هم كما قال تعالى في بعضهم : ( يحلونه عاما و يحرمونه عاما ) ؟!
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا و يأتيك بالأنباء من لم تزود
أرجو من الأخوات الحصول لنا على المادة الصوتية من الموقع المصدر .