القلم أمانة
وما من كاتب إلا ويفنى***ويبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بيمينك غير ***ما سرك في القيامة إن تراه
فالقلم هو عصمة لصاحبه من كثرة الهفوات والسقطات والعثرات وما عثر صاحب قلم مرة إلا كان عثاره بلسانه إضعاف ذلك مرات ومرات.
لهذا كان تنويه القران الكريم بالقلم على تلك الصورة التي تجعله مع أول كلمات الله تعالى التي استفتح بهن رسالة الإسلام الخالدة ويكون مع أول كلمات يتلقاها النبي الكريم-صلى الله عليه وسلم-من وحي السماء((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق َخَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ))
والقراءة لا تكون إلا من كتاب والكتاب لا يكون إلا مما يسطره القلم.
قال قتادة-رحمه الله-( القلم نعمة من الله عز وجل عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين ولم يصلح عيش).
وقال ابن كثير-رحمه الله-( والعلم تارة يكون في الأذهان، وتارة يكون، باللسان، وتارة يكون في الكتابة بالبنان، ذهني ولفظي ورسمي، والرسم يستلزمهما، من غير عكس، فلهذا قال:( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
واستمع إلى قوله تعالى وقد ذكر القلم ذكرا ثانيا((ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)) مقسما به مع ذاتين غيره (( النون )) وهو حرف يمثل المقاطع التي تتشكل منها الكلمات ثم ألذات الأخرى وهي (( ما يسطرون )) أي ما يسطر الكاتبون بأقلامهم وما يقيمون من كلمات بوساطة الحروف وضم بعضها إلى بعض فالحروف والقلم الذي يجمع هذه الحروف ويصورها والكلمات التي تجتمع مما يخط القلم والصور قد جاءت جميعها في مقام التشريف والتكريم إذ اقسم الله سبحانه بهاوكان القلم واسطة عقدها وناظم درها وجامع شملها.
والقسم من الله بمخلوقاته تشريف وتكريم لها وتنويه بها ورفع لذكرهاوتدبر هذه أللفته الربانية الرائعة حقا والتي ألقت على حملة ((القلم)) أمانة حفظه وحياطته من إن ينزل عن تلك المنزلة الكريمة الرفيعة التي رفعه الله إليها وان ينحرف في أيديهم إلى مهاوي الضلال والفساد فكم سجل التاريخ لأصحاب الأقلام من ضلالات وانحرافات وكم شقي الناس بما أذاعت فيهم مسطورات الأقلام من إفك وبهتان ؟؟؟؟
ولقد نعى القران على اؤلئك الذين يخونون أمانة القلم فيخطون به الزور والبهتان والضلال ويزينون به الإثم ويحرفون به الكلم عن مواضعه فقال تعالى{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }البقرة79.
لهذا اقسم الحق سبحانه بما يكتب الكاتبون ((والقلم وما يسطرون )) فهذا الذي يسطره أصحاب ((القلم)) أو الذي ينبغي إن يسطروه يجب إن يكون شيئا عظيما طيبا نافعا يستأهل هذا التشريف والتكريم من رب العالمين(( والقلم وما يسطرون )) هنا جمع القران رسالة العلم والعلماء في الحياة في أكرم صورة يمكن إن ينجلي عنها علم العلماء وفي أطيب موقع يمكن إن يقع من الحياة.
ما الحكمة من القسم بالقلم؟؟؟؟
أولا:-إن يعرف صاحب القلم انه إنما يحمل أمانة عظيمة ينظر إليها الله تعالى كأعظم وأكرم نعمه التي انعم بها على عباده وان عليه لكي لا يحسب في خائني الأمانات إن يرعاها حق الرعاية وان يحفظها من كل سوء يعرض لها.
ثانيا:-إن يذكر صاحب القلم ما لهذا القلم في يده من رسالة كريمة في الحياة ليساهم في بناء مجتمع الفضيلة المعافى من العلل والآفات.
فإذا لم يستقم صاحب القلم والممسك به على هذا الوجه الذي يحفظ للقلم جلاله وبهائه وإذا لم يسطر به ما ينظر الله إليه فيجده على المرام الذي يستحق به إن يدخل مدخل ما اقسم به مما يسطر القلم فقد خرج صاحب القلم من زمرة الكرام الكاتبين وسقط من يده هذا القلم الكريم الذي اقسم الله به وبقيت في يده قطعة من خشب أو معدن أو بلاستك يسود بها وجوه الورق الأبيض ما يسود به وجهه.
واليوم قد فشى القلم في الأمة مصداقا لنبوئة الرسول-صلى الله عليه وسلم-ولكن مع الأسف غالبه كما قال بعض العلماء:(قلم طابعه التجاري وليس العلمي)، قلم هدام وفتان ومراوغ وذو وجوه لايستحي مما يكتب وان كان فيه كسره ودحره،
فليذكر أصحاب الأقلام إن في أيديهم أية من آيات الله وان من شان هذه الأقلام إن تكون كنز ثمين تتفجر منها ينابيع الخير والهدى فان مكروا بها مكر الله بهم ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
أخوكم:أبو عبد الله الحديدي