الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه . . أما بعد : معلوم أن الله جل وعلا خلق الخلق ليعبدوه ، ولم يخلقهم سدى ، ولا عبثا ، ولا باطلا ، ولكنه خلقهم ليعبدوه ويعظموه ويتمسكوا بشرعه . ووعدهم على ذلك في الدنيا النصر والتأييد والمغفرة والأمن في الأوطان ، والهداية إلى الخير ، ووعدهم في الآخرة جزيل الثواب ، وعظيم النعم يقول الله سبحانه : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُون مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ[1].
والله سبحانه وتعالى خلق الخلق للعبادة ، والعبادة هي الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . . ورأسها توحيد الله واتباع شريعته ، وترك ما نهى الله عنه من الشرك ، وسمى الله طاعته وتوحيده عبادة لأن العبادة هي الذل والخضوع واتباع الأمر .
ولهذا يقال طريق معبد أي مذلل . فالعبادة هي طاعة الله ورسوله عن ذل لله وخشوع وخضوع وانكسارا يرجو العبد رحمة ربه ، ويخشى عذابه تعالى .
وأصلها وأساسها توحيد الله والإخلاص له من العبد في جميع عباداته : في دعائه وخوفه ورجائه وصومه وصلاته وذبحه ونذره . . وغير ذلك من أنواع العبادة ... كما قال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ[2] وقال سبحانه : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[3] ويقول سبحانه : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ[4]. وهذا معنى لا إله إلا الله ، لأن معناها لا معبود حق إلا الله . فهي تنفي العبادة بحق عن غير الله ، وتثبتها بحق لله وحده ، فجميع المعبودات غير الله من أصنام أو أحجار أو قبور أو ملائكة ، أو أنبياء أو غير ذلك كلهم معبود بالباطل ، والمعبود بحق هو الله سبحانه وتعالى ، كما قال عز وجل : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ[5] وهذا هو معنى لا إله إلا الله : معناها توحيد الله ، والإخلاص له ، والاعتقاد أن العبادة حق الله جل وعلا ، لا شريك له في ذلك ، مع الشهادة بأن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الأنبياء وأفضلهم ، مع الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله . ومعنى ذلك : الإيمان بالرسل جميعا ، والتصديق بما أخبر الله به ورسوله من البعث والجنة والنار ، والحساب والجزاء كل ذلك داخل في الإيمان بالله .
فعلى كل مكلف أن يؤمن بالله ورسوله ، وأن ينقاد لشرع الله ، وأن يخلص لله في العبادة دون ما سواه ، وأن يحذر ما نهى الله عنه من قول وفعل وعقيدة ، هذا هو دين الله ، وهذا هو الإسلام .والله يقول : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا[6] هذا هو الإسلام : الانقياد لله والعبادة لله ، والانقياد لشرعه ، وترك ما نهى عنه . . ورأس ذلك توحيد الله والإخلاص له ، كما قال تعالى عن عباده الصالحين من الأئمة والأخيار : إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا[7].
فعلى جميع المكلفين من جن وإنس أن يعبدوا الله بحق ، وأن ينقادوا لشرع الله ، ويتواصوا بالحق والصبر عليه ، وأن يتناصحوا . . فالدين النصيحة ، وأن يتعاونوا على البر والتقوى ، كما قال تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى[8] ويقول جل وعلا : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[9] هؤلاء هم الصالحون ، وهم السعداء والبقية خاسرون . . فجميع العباد من جن وإنس لا نجاة لهم ، ولا سعادة إلا بدين الله تعالى ، والعمل الصالح وأداء فرائض الله ، وترك نواهيه ، والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى ، والتواصي بالصبر ، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأنه من التواصي بالحق . وعلى الإنسان أن يعرف قدر هذه النعمة التي خلق لها ، فهي نعمة عظيمة ، بل هي أعظم نعمة ، وأكبر نعمة ، وهي نعمة الإسلام .
فكون العبد قد هداه الله للإسلام فهي أكبر نعمة أسبغها الله عليه ، فيجب أن يعرف فضل هذه النعمة ، وأن يشكر الله عليها كما قال تعالى : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[10] وفضل الله هو الإسلام ورحمته أن جعلك من أهله ، ثم إن من فضل الله ورحمته أن ولي أمر هذه البلاد حكومة إسلامية ترعى أمر الدين والدنيا ، وأمر الأمن ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحكيم شريعة الله ، وتنهي عما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا شك أن هذه من نعم الله العظيمة ، وهذا الأمر بحمد الله هو الأصل الذي درجت عليه هذه الدولة وأسلافها ، ودرج عليه علماء المسلمين في هذه البلاد منذ عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وعهد الإمام محمد بن سعود رحمه الله ، فالدعوة إلى الله وإلى توحيده والتواصي بالحق والصبر عليه هو منهج هذه الدولة وأسلافها ومنهج علمائها في الشدة والرخاء في جميع الأحوال ، فالواجب شكر الله على هذه النعم والتواصي بالثبات عليها والدعوة إليها بين العلماء والأمراء والأغنياء والعامة والخاصة .
هذه كلها نعم ، يجب أن نتواصى بشكرها والاستقامة عليها والدعوة إليها وأن نتعاون على البر والتقوى ، وأن نتواصى بالحق والصبر عليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى سبيله سبحانه كما أمر جل وعلا في قوله : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[11] فالنصح يكون بالأسلوب الحسن والكتابة المفيدة والمشافهة المفيدة ، وليس من النصح التشهير بعيوب الناس ، ولا بانتقاد الدولة على المنابر ونحوها ، لكن النصح أن تسعى بكل ما يزيل الشر ويثبت الخير بالطرق الحكيمة وبالوسائل التي يرضاها الله عز وجل ، ونحن في نعمة عظيمة نعمة الإسلام ، ونعمة الأمن ، ونعمة الصحة والعافية ، ثم النعمة الكبرى التي من الله بها علينا في حادثة الخليج بعد عدوان عدو الله صدام وجنده واجتياحه لبلد الكويت ، ثم يسر الله للدولة أن قامت بدورها في هذا الأمر وقامت بجهود عظيمة لرفع هذا الظلم واستعانت بالله العظيم ثم بالجنسيات المتعددة ، التي ساعدت في رفع هذا الظلم .
وكان هذا من توفيق الله وهدايته سبحانه أن جمع جموعا كبيرة ضد الظلم والعدوان حتى قضي على الظلم والعدوان ، وحتى قضى الله على الظالم ، وحتى رجع المظلومون إلى بلادهم ، فهذا من نعم الله العظيمة .
فعلينا أن نشكر الله على نعمه العديدة ، وأن نتفقه في الدين ، وأن نتعاون على البر والتقوى ، وأن نتناصح في دين الله ، وأن نتواصى بالحق والصبر عليه ، وأن نحمد الله على جميع نعمه .وعلى الدولة والعلماء والعامة شكر الله والقيام بحقه ، والتواصي بطاعته ، وأن نستقيم على أمر الله ، وأن نعالج أنفسنا . . فما كان مما يرضي الله شجعناه ، وقمنا بالسهر عليه ، وما كان مما يغضب الله جل وعلا ابتعدنا عنه ، وحذرنا الناس منه .
فالدولة عليها واجبها في ترك ما حرم الله ، والقيام بما أوجب الله والعناية بشرع الله ، وعلى العلماء والأمراء واجبهم في الدعوة والبيان والترغيب والترهيب ، وعلى جميع الناس من الأغنياء والأعيان والشركات وسائر الناس ، على كل واحد منهم واجب الدعوة إلى الله بالنصيحة ومحاسبة النفس ، وجهادها حتى يكون كل واحد قدوة صالحة في طاعة الله ورسوله ، وهذا هو الواجب على الجميع ، وليس على الدولة وحدها . . فالدولة واجبها تقوى الله والقيام بحقه ، وترك ما نهى الله عنه ، والسير على النهج السليم ، وردع الظالم عن ظلمه بالطرق الشرعية .وكل إنسان عليه أن يحاسب نفسه ، ويتقي الله ويؤدي الأمانة ، ويحذر الظلم والعدوان ويجتهد في طاعة الله وطاعة رسوله ، مع التواصي بالحق والصبر عليه . هذا واجب الجميع الأغنياء والفقراء ، والأمراء والدولة والعلماء ، كل واحد منهم عليه واجبه ، يقول الله سبحانه : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[12] وهذا هو الواجب على جميع المؤمنين والمؤمنات لقول الله سبحانه وتعالى : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[13] كلهم أولياء فلا يغتب بعضهم بعضا ، ولا يشهد عليه بالزور ، ولا يظلمه ، ولا يدعي عليه الدعاوي الباطلة حكامهم ومحكوموهم ، وعلماؤهم وغيرهم ، كلهم مقصرون إذا لم يتناصحوا ويتعاونوا على البر والتقوى ، ويستقيموا على دين الله قولا وعملا ، ويلزموا التوبة إلى الله سبحانه .
ثم قال سبحانه : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ أي يكونون أولياء فيما بينهم بالنصيحة والتوجيه ، والأمر بالمعروف ، والبعد عن أسباب الفرقة والاختلاف والشحناء والغيبة والنميمة ، وسائر ما حرم الله في الكتاب والسنة .
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات ، ومن أعظم فرائض الإسلام وليس خاصا بالبعض ، بل واجب على المؤمنين والمؤمنات جميعا ، كما قال عز وجل : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[14] فأوضح سبحانه في هذه الآية أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، لا فرق بين أمير ومدير وعالم وغيرهم وذكر وأنثى من المؤمنين والمؤمنات فكل واحد منهم عليه واجبه على حسب علمه واستطاعته . والله سبحانه وتعال يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[15] وعليهم أن يشكروا الله عز وجل أنهم في بلد آمن ، ودولة إسلامية تنصح لله ولكتابه ورسوله وعباده ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتحكم شرع الله في عباده . ويستطيع كل فرد أن يؤدي فرائض الله ويبتعد عن محارمه سبحانه ، ويتواصى مع إخوانه بالحق والصبر عليه ، في أمن وعافية .
فأسأل الله سبحانه أن يصلح حالهم جميعا ، وأن يصلح قادتهم ، وأن يوفق جميع حكام المسلمين للحكم بشريعة الله والقيام بها ، والتواصي بذلك . . كما أسأله أن يصلح ولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين ، وأسأله سبحانه أن يوفقهم جميعا لما فيه رضاه ، وأن يعينهم على شكره وذكره ، وأن يصلح لهم البطانة ، وأن يوفقهم لكل خير ، وأن يبعدهم عن كل شر ، وأن يجعلهم هداة مهتدين .
ونسأل الله لجميع ولاة أمر المسلمين التوفيق والهداية ، والإعانة على كل خير ، وأن يوفقهم لكل ما يرضي الله ، وأن يعينهم على ترك ما نهى عنه جل وعلا ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يعينهم على مساعدة الداعي إلى الحق ، وردع صاحب الباطل عن باطلة .وأسأل الله بأسمائه الحسنى ، وبصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للعلم النافع ، والعمل الصالح ، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، كما أسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، وأن يصلح قادتهم ، وأن يوفق حكام المسلمين للحكم بشريعة الله ، والقيام بها والتواصي بذلك ، وأن يعيذنا من الشيطان ونزغاته ، وأن يعيننا جميعا على كل خير . . إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
والله سبحانه وتعالى خلق الخلق للعبادة ، والعبادة هي الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم . . ورأسها توحيد الله واتباع شريعته ، وترك ما نهى الله عنه من الشرك ، وسمى الله طاعته وتوحيده عبادة لأن العبادة هي الذل والخضوع واتباع الأمر .
ولهذا يقال طريق معبد أي مذلل . فالعبادة هي طاعة الله ورسوله عن ذل لله وخشوع وخضوع وانكسارا يرجو العبد رحمة ربه ، ويخشى عذابه تعالى .
وأصلها وأساسها توحيد الله والإخلاص له من العبد في جميع عباداته : في دعائه وخوفه ورجائه وصومه وصلاته وذبحه ونذره . . وغير ذلك من أنواع العبادة ... كما قال تعالى : وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ[2] وقال سبحانه : إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[3] ويقول سبحانه : وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ[4]. وهذا معنى لا إله إلا الله ، لأن معناها لا معبود حق إلا الله . فهي تنفي العبادة بحق عن غير الله ، وتثبتها بحق لله وحده ، فجميع المعبودات غير الله من أصنام أو أحجار أو قبور أو ملائكة ، أو أنبياء أو غير ذلك كلهم معبود بالباطل ، والمعبود بحق هو الله سبحانه وتعالى ، كما قال عز وجل : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ[5] وهذا هو معنى لا إله إلا الله : معناها توحيد الله ، والإخلاص له ، والاعتقاد أن العبادة حق الله جل وعلا ، لا شريك له في ذلك ، مع الشهادة بأن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الأنبياء وأفضلهم ، مع الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله . ومعنى ذلك : الإيمان بالرسل جميعا ، والتصديق بما أخبر الله به ورسوله من البعث والجنة والنار ، والحساب والجزاء كل ذلك داخل في الإيمان بالله .
فعلى كل مكلف أن يؤمن بالله ورسوله ، وأن ينقاد لشرع الله ، وأن يخلص لله في العبادة دون ما سواه ، وأن يحذر ما نهى الله عنه من قول وفعل وعقيدة ، هذا هو دين الله ، وهذا هو الإسلام .والله يقول : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا[6] هذا هو الإسلام : الانقياد لله والعبادة لله ، والانقياد لشرعه ، وترك ما نهى عنه . . ورأس ذلك توحيد الله والإخلاص له ، كما قال تعالى عن عباده الصالحين من الأئمة والأخيار : إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا[7].
فعلى جميع المكلفين من جن وإنس أن يعبدوا الله بحق ، وأن ينقادوا لشرع الله ، ويتواصوا بالحق والصبر عليه ، وأن يتناصحوا . . فالدين النصيحة ، وأن يتعاونوا على البر والتقوى ، كما قال تعالى : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى[8] ويقول جل وعلا : وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[9] هؤلاء هم الصالحون ، وهم السعداء والبقية خاسرون . . فجميع العباد من جن وإنس لا نجاة لهم ، ولا سعادة إلا بدين الله تعالى ، والعمل الصالح وأداء فرائض الله ، وترك نواهيه ، والتواصي بالحق والتعاون على البر والتقوى ، والتواصي بالصبر ، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأنه من التواصي بالحق . وعلى الإنسان أن يعرف قدر هذه النعمة التي خلق لها ، فهي نعمة عظيمة ، بل هي أعظم نعمة ، وأكبر نعمة ، وهي نعمة الإسلام .
فكون العبد قد هداه الله للإسلام فهي أكبر نعمة أسبغها الله عليه ، فيجب أن يعرف فضل هذه النعمة ، وأن يشكر الله عليها كما قال تعالى : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[10] وفضل الله هو الإسلام ورحمته أن جعلك من أهله ، ثم إن من فضل الله ورحمته أن ولي أمر هذه البلاد حكومة إسلامية ترعى أمر الدين والدنيا ، وأمر الأمن ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحكيم شريعة الله ، وتنهي عما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ولا شك أن هذه من نعم الله العظيمة ، وهذا الأمر بحمد الله هو الأصل الذي درجت عليه هذه الدولة وأسلافها ، ودرج عليه علماء المسلمين في هذه البلاد منذ عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وعهد الإمام محمد بن سعود رحمه الله ، فالدعوة إلى الله وإلى توحيده والتواصي بالحق والصبر عليه هو منهج هذه الدولة وأسلافها ومنهج علمائها في الشدة والرخاء في جميع الأحوال ، فالواجب شكر الله على هذه النعم والتواصي بالثبات عليها والدعوة إليها بين العلماء والأمراء والأغنياء والعامة والخاصة .
هذه كلها نعم ، يجب أن نتواصى بشكرها والاستقامة عليها والدعوة إليها وأن نتعاون على البر والتقوى ، وأن نتواصى بالحق والصبر عليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى سبيله سبحانه كما أمر جل وعلا في قوله : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[11] فالنصح يكون بالأسلوب الحسن والكتابة المفيدة والمشافهة المفيدة ، وليس من النصح التشهير بعيوب الناس ، ولا بانتقاد الدولة على المنابر ونحوها ، لكن النصح أن تسعى بكل ما يزيل الشر ويثبت الخير بالطرق الحكيمة وبالوسائل التي يرضاها الله عز وجل ، ونحن في نعمة عظيمة نعمة الإسلام ، ونعمة الأمن ، ونعمة الصحة والعافية ، ثم النعمة الكبرى التي من الله بها علينا في حادثة الخليج بعد عدوان عدو الله صدام وجنده واجتياحه لبلد الكويت ، ثم يسر الله للدولة أن قامت بدورها في هذا الأمر وقامت بجهود عظيمة لرفع هذا الظلم واستعانت بالله العظيم ثم بالجنسيات المتعددة ، التي ساعدت في رفع هذا الظلم .
وكان هذا من توفيق الله وهدايته سبحانه أن جمع جموعا كبيرة ضد الظلم والعدوان حتى قضي على الظلم والعدوان ، وحتى قضى الله على الظالم ، وحتى رجع المظلومون إلى بلادهم ، فهذا من نعم الله العظيمة .
فعلينا أن نشكر الله على نعمه العديدة ، وأن نتفقه في الدين ، وأن نتعاون على البر والتقوى ، وأن نتناصح في دين الله ، وأن نتواصى بالحق والصبر عليه ، وأن نحمد الله على جميع نعمه .وعلى الدولة والعلماء والعامة شكر الله والقيام بحقه ، والتواصي بطاعته ، وأن نستقيم على أمر الله ، وأن نعالج أنفسنا . . فما كان مما يرضي الله شجعناه ، وقمنا بالسهر عليه ، وما كان مما يغضب الله جل وعلا ابتعدنا عنه ، وحذرنا الناس منه .
فالدولة عليها واجبها في ترك ما حرم الله ، والقيام بما أوجب الله والعناية بشرع الله ، وعلى العلماء والأمراء واجبهم في الدعوة والبيان والترغيب والترهيب ، وعلى جميع الناس من الأغنياء والأعيان والشركات وسائر الناس ، على كل واحد منهم واجب الدعوة إلى الله بالنصيحة ومحاسبة النفس ، وجهادها حتى يكون كل واحد قدوة صالحة في طاعة الله ورسوله ، وهذا هو الواجب على الجميع ، وليس على الدولة وحدها . . فالدولة واجبها تقوى الله والقيام بحقه ، وترك ما نهى الله عنه ، والسير على النهج السليم ، وردع الظالم عن ظلمه بالطرق الشرعية .وكل إنسان عليه أن يحاسب نفسه ، ويتقي الله ويؤدي الأمانة ، ويحذر الظلم والعدوان ويجتهد في طاعة الله وطاعة رسوله ، مع التواصي بالحق والصبر عليه . هذا واجب الجميع الأغنياء والفقراء ، والأمراء والدولة والعلماء ، كل واحد منهم عليه واجبه ، يقول الله سبحانه : فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ[12] وهذا هو الواجب على جميع المؤمنين والمؤمنات لقول الله سبحانه وتعالى : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[13] كلهم أولياء فلا يغتب بعضهم بعضا ، ولا يشهد عليه بالزور ، ولا يظلمه ، ولا يدعي عليه الدعاوي الباطلة حكامهم ومحكوموهم ، وعلماؤهم وغيرهم ، كلهم مقصرون إذا لم يتناصحوا ويتعاونوا على البر والتقوى ، ويستقيموا على دين الله قولا وعملا ، ويلزموا التوبة إلى الله سبحانه .
ثم قال سبحانه : يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ أي يكونون أولياء فيما بينهم بالنصيحة والتوجيه ، والأمر بالمعروف ، والبعد عن أسباب الفرقة والاختلاف والشحناء والغيبة والنميمة ، وسائر ما حرم الله في الكتاب والسنة .
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات ، ومن أعظم فرائض الإسلام وليس خاصا بالبعض ، بل واجب على المؤمنين والمؤمنات جميعا ، كما قال عز وجل : وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[14] فأوضح سبحانه في هذه الآية أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، لا فرق بين أمير ومدير وعالم وغيرهم وذكر وأنثى من المؤمنين والمؤمنات فكل واحد منهم عليه واجبه على حسب علمه واستطاعته . والله سبحانه وتعال يقول : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ[15] وعليهم أن يشكروا الله عز وجل أنهم في بلد آمن ، ودولة إسلامية تنصح لله ولكتابه ورسوله وعباده ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتحكم شرع الله في عباده . ويستطيع كل فرد أن يؤدي فرائض الله ويبتعد عن محارمه سبحانه ، ويتواصى مع إخوانه بالحق والصبر عليه ، في أمن وعافية .
فأسأل الله سبحانه أن يصلح حالهم جميعا ، وأن يصلح قادتهم ، وأن يوفق جميع حكام المسلمين للحكم بشريعة الله والقيام بها ، والتواصي بذلك . . كما أسأله أن يصلح ولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين ، وأسأله سبحانه أن يوفقهم جميعا لما فيه رضاه ، وأن يعينهم على شكره وذكره ، وأن يصلح لهم البطانة ، وأن يوفقهم لكل خير ، وأن يبعدهم عن كل شر ، وأن يجعلهم هداة مهتدين .
ونسأل الله لجميع ولاة أمر المسلمين التوفيق والهداية ، والإعانة على كل خير ، وأن يوفقهم لكل ما يرضي الله ، وأن يعينهم على ترك ما نهى عنه جل وعلا ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يعينهم على مساعدة الداعي إلى الحق ، وردع صاحب الباطل عن باطلة .وأسأل الله بأسمائه الحسنى ، وبصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للعلم النافع ، والعمل الصالح ، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، كما أسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، وأن يصلح قادتهم ، وأن يوفق حكام المسلمين للحكم بشريعة الله ، والقيام بها والتواصي بذلك ، وأن يعيذنا من الشيطان ونزغاته ، وأن يعيننا جميعا على كل خير . . إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .