الحَبْرَة , في أخبار رحلة العُمْرَة
[size="6"]
الحمد لله رب العالمين,والصلاة على أشرف المرسلين,نبينا محمد وآله الطيبين,وصحابته الغر الميامين,ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين:
أما بعد فهذه أخبار عمرتناالتي أديناهامن11/ ربيع الثاني/1432هـ إلى26/ربيع الثاني/1432هـ
أحببت أن أذكر الوقفات العلمية فيها,مما أتيح لنا فأقول وبالله التوفيق:
1-حلقة العلامة عبد المحسن العباد البدر:
حضرنا حلقتين للشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله,وكان يشرح متن صحيح البخاري,وبالضبط في كتاب الحيض فكان الطالب يقرأ عليه الأحاديث بأسانيدها والشيخ يبين الرواة بأسمائهم أو ألقابهم أو حسبما اشتهروا كأن يقول الطالب:حدثنا أبو نعيم,فيقول الشيخ :هو الفضل بن دكين. ..وهكذا والشيخ في الحقيقة كأنه ينظر إلى رجال الصحيحين.
ثم إذا فرغ الطالب من القراءة شرح الشيخ المتن,وذكر ما فيه من الفقه,واستنبط أشياء.ثم يأتي على اللطائف المذكورة في السند كأن يقول :نصف السند الأعلى كوفيون,ونصفه الأسفل بصريون.
ويبدو أن الطالب الذي يقرأ عليه من الفقهاء أيضا.كان إذا فات الشيخ شيء لم يذكره ذكره له. فيفصل فيه الشيخ.
وفي آخر الحلقة يجيب على الأسئلة التي تطرح عليه من طرف الطلبة تعطى إليه مكتوبة,يدفع كل واحد سؤاله إلى الذي أمامه,وهذا إلى من أمامه وهكذا حتى يصل إلى الشيخ.
ويُعْلِمُ الطلاب بأن هناك أموالا زكوية وغير زكوية ,ويأمرهم بكتابة الإسم والدولة التي ينتمي إليها كما يأمرهم بتبيين ما إذا كانوا من أهل الزكاة أم لا,حتى لا يأخذ أحد أموال الزكاة وهو لا يستحقها.وحتى يعطى من الهبات غير الزكاة.
وهذه الحلقة محط أفئدة السلفيين من كل أصقاع العالم,وملتقى أهل العلم.يحضرها من الجزائريين فقط نحو ثلاثمائة وعشرين جزائريا,وغيرهم من الليبيين والمغاربة والتونسيين ومن شتى البقاع كثير.
2-حلقة ابنه الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر:
وحضرنا حلقتين للشيخ عبد الرزاق البدرحفظه الله تعالى,وكان يشرح العقيدة الواسطية,شرحا علميا ممزوجا بوعظ, فالحلقة الأولى كانت في الإرادة بقسميها,ومن الأمور التي استوقفتني تفريقه بين الإرادتين{الكونية والشرعية} ومثل للكونية بآية الأنعام{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} أقول:جعلها من الإرادة الكونية على الرغم من أن شطرها الأول مما يحبه الله,ومعلوم أن ما يحبه الله يقضيه بالإرادة الدينية الشرعية ,وفي الجواب يقال:إن الإرادة الكونية لا فرق فيها بين ما يحبه وبين ما يبغضه سبحانه,أما الدينية فلا يقضي بها إلا ما يحبه.وسياق الآية دل على أن المراد بالإرادة في الآية المذكورة إنما هي الإرادة الكونية.
والحلقة الثانية كانت في إثبات صفة المحبة,وكانت حلقة وعظية بليغة استعرض فيها الشيخ عن المحبة ملخص ما ذكره ابن القيم في المدارج وأحال عليه.وذكر أنه أفاد وأجاد رحمه الله.
وذكر عشرة أسباب جالبة لمحبة الله وهي:
1-قراءة القرآن بتدبر
2-التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض
3-دوام ذكر الله على كل حال
4-إيثار محابه على محابك عند غلبة الهوى
5-مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها.
6-مشاهدة بره وإحسانه وآلائه.ونعمه الظاهرة والباطنة.
7-انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.
8- الخلوة بالله وقت النزول الإلهي.
9-مجالسة المحبين الصادقين.
10-مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله تبارك وتعالى.
3-في بيت الشيخ علامة العربية عبد الرحمن الكوني حفظه الله:
[/sizثم ذهبت إلى بيت الشيخ الكوني-حفظه الله-برفقة أحد الطلاب الذين يقرأون عليه –جزاه الله خيرا,اتصلنا بالشيخ هاتفيا فأذن لنا فصعدنا فوجدناه في انتظارنا فرحب بنا أيما ترحيب,فقلنا له: جئنا معتمرين فأحببنا التعريج عليكم,فقال شكر الله لكم هذا التعريج,وأفاض في ذكر الأحاديث التي فيها ثواب المحبة في الله عز و جل,ثم سألته ثلاثة أسئلة:
1-عن قلب همزة الوصل همزة قطع في الضرورات الشعرية,هل هذا سائغ أم لا؟
فأجاب:نعم هذا من الضرورات الشعرية.
فقلت:لقد ذاكرت فيها الشيخ أبا رواحة الموري-حفظه الله-فذكر أنه سألكم عنها فأجبتم بما أجبتمونا,إلا أنه بقي في نفسي منها شيء,من جهة شواهدها العربية,فذكر حفظه الله-أن لها شواهد كثيرة في شعر العرب.
ثم رأيتها في كتاب المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر[ص315]وجعلها من ضرورات الزيادة.
2- سألته عن الأفعال إذا كانت على وزن فعل بكسر العين أو ضمها هل يصح استعمالها مقصورة من الياء,مثال:نصيح,تقول فيه نَصِحٌ,ظريف,تقول فيه ظرِفٌ.
فأجاب حفظه الله بالتفصيل,فقال :إذاكان الفعل على وزن فعل بضم العين صح استعماله في قافية الشعروغيرها من تصاريف اللغة.وضرب مثالا بفعل:ظرُف تقول فيه رجل ظرِفٌ
وأما إذا كان على وزن فعِل بكسر العين,فمنه ما يصح وما لا يصح,تبعا لضوابط ذكرها لم أستوعبها لضيق الوقت.
وأصل هذا السؤال,ما كنت قد نظمته من أبيات استعملت فيها لغة القصر وهاهي دونك:
كاد الشعور يطير من أشعاركم///فرحا بكم فتواصلوا نصحينا
فأبو رواحة قد بدا فيما ذكـــــــر///متنقصا من شعره فدهينا
فأنا أقول بــــــــأن ذا لا ينقصنْ ///من نظمه بل يرفعنَّه[1] فينا
ماأجمل الأدب الرفيع إذا غــــدا ///مــــن أهله وبأهله المَــجِدينا
والعكرمــي وشعـــــره قد زانه///بتواضع كتــــواضع الخشعيـنا
يارب قــــوِّ قرائحا بنقــــــــائحٍ ///حتى نكون وشيخنا نقحـــينا
واشمل إلهي بالدعاء جميعنا /// من كاتب شعرا مع الشعرينا[2]
[1]بالقصر دون مدٍّ
[2]على القصر أيضا نصحينا,الخشعينا,نقحينا
فعلق عليها شيخنا أبو رواحة بقوله: أعود إلى الخلف قليلا لأشكر الأستاذ رحيل على معاني أبياته الجميلة والرائقة , وإن كنت أتعجب من استعماله هذه القافية (مجدينا , نصحينا , نقحينا ....) وكلها على وزن فعِل , بما لا مأخذ لي على قصيدته , غير أن استعمال هذه القافيه يقل استعماله في كتب الأدب , بل ربما يندر حسب اطلاعي القاصر , ثم إن استعمال غيرها من القوافي متيسر منشور بما يزيد قصيدته قوة وقبولا .
فهذه لا تعتبر ملاحظة على أديب يدري ما يقول , وهذا من نعم الله عليه , لكن طرأت على فكري هذه الخاطرة فوضعتها حتى يستفيدها لو كانت صحيحة , أو أستفيدها أنا لو ظهرت خلاف ذلك , وبالله التوفيق .
3-ثم سألت الشيخ الكوني-حفظه الله-عن أيهما أفضل طريقة المتقدمين في دراسة النحو أم طريقة المحْدَثين ؟وكنت أعني بطريقة المحدثين تصنيفهم النحو على المعاجم مثل دراسة الهمزة وحالاتها من استفهامية أو للتسوية أو انكارية,أو نحو ذلك.ومثلت له بكتاب المعجم الوافي في النحو العربي,تأليف د.علي توفيق الحمد,ويوسف جميل الزعبي.
فأجاب الشيخ:بأن طريقة المتقدمين في النحو هي الأصل,وطريقة المحدثين من ناحية التبويب والترتيب والتنسيق والتسهيل على طالب النحو جيدة ,لكن أمثلتهم فيها انحراف.ودعوات مشينة,وذكر عن شيخ له أنه أتاه طالب يسأله عن كتاب النحو الواضح,فقال لم أقرأه لكن الغالب على أمثلة المحدثين أنها غير جيدة ثم مكث الشيخ الكوني مدة مستحضرا كلام شيخه في كتب المُحْدثين إلى أن جاءه طالب يطلب منه أن يقرأ عليه كتاب النحو الواضح,فقال الشيخ لو اخترت كتابا آخر لكان خيرا,فأصر الطالب على أن يقرأ كتاب النحو الواضح على الشيخ الكوني –حفظه الله- فأجابه الشيخ إلى ذلك,فبدأ الطالب في القراءة فاستوقفه الشيخ الكوني عند الأمثلة وهو يتذكر ما قاله له شيخه عن أمثلة المحدثين,وهي أمثلة فيها انحراف من مثل قولهم:الحكم للشعب مثلا,أو المرأة تجول أو غير ذلك,فقال الشيخ:رحم الله شيخي لو كان حيا لذهبت إليه ولقبلت رأسه ولأخبرته عن صدق قوله,
ثم قلت للشيخ الكوني-حفظه الله- على إثر ذكرك للأمثلة النحوية المنحرفة فإنني أذكر أننا كنا نقرأ النحو على شيخ في المعهد الإسلامي بالجزائر فلما وصلنا إلى جمع المذكر السالم,إذا بالمدرس يملي علينا في الأمثلة :الخوارج مؤمنونَ!!!. فقال الشيخ الكوني:الخلاف في تكفير الخوارج مشهور,وكذلك قول علي –رضي الله عنه –فيهم:من الكفر فروا,لكن لاينبغي أن يؤتى بالمثال هنا
قلت:لعله لما فيه من تزكية الخوارج الذين قال فيهم النبي-صلى الله عليه وسلم:الخوارج كلاب النار.وهو حديث صحيح.
ثم استأذنا الشيخ في الإنصراف,لموعد لنا بعد العشاء,فقال الشيخ جلسة طيبة ولم تَطُل.فودعنا الشيخ بحفاوة بالغة,جزاه الله خيرا,وبارك في عمره.
هذه الحلقة الأولى,وبقي اللقاء مع شيخين سنأتي عليه في حلقة أخرى بإذن الله جل وعلا.
والحمد لله رب العالمين.
وكتبه العبد الضعيف:أبو العباس محمد رحيل بوادي التاغية معسكر الجزائر-حرسها الله تعالى.
تعليق