يحتج بعض الناس لتسويد المذهب الذي ينتحله والطريقة التي ينتهجها بأن المسألة مُختلف فيها، ومثل هذا الاحتجاج ليس بحجة شرعية، وهو تأصيل لم يقم عليه دليل شرعي، لا من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال الحافظ بن عبد البر -رحمه الله-:" الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله"، فتجد الرجل منسوبا إلى العلم زورا ومينا وبهتانا، فإذا عارضت له المسألة يقول:" هذه مسألة خلافية"، كأن الخلاف كله سائغ يُمرَّر وأين قال الله قال رسوله قال الصحابة؟ لابد من الوصول إلى ترجيح في المسألة، أما أن يُفتح الباب على مصراعيه، ويدخل منه كل داخل بلا تمييز، فهذه هي الفوضى العلمية التي تعاني منها الأمة عندما صار كل صاحب لسان متكلما وداعية وواعضا وعالما. ففرقوا الأمة، وجعلوا بأسها بينها، وتخالفت قلوب أبنائها، وصارت الأمة بمجموع أبناءها متفرقة أبناؤها شذر مذر، قال الشاطبي -رحمه الله-:" وقد زاد هذا الأمر على قدر الكفاية حتى صار الخلاف في المسائل معدودا في حجج الإباحة ووقع فيما تقدم وتأخر من الزمان الاعتماد في جواز الفعل على كونه مختلفا فيه بين أهل العلم"، فتجد الجاهل برتبة عالم يقول: "وهي مسألة خلافية ولا ينبغي أن أحجب قول المختلفين لأنها خيانة علمية". كأن تسويغ الباطل في الأمة هو العلم عنده، وهو لا يفقه ولا يدري ولا يعلم ما يخرج من رأسه. ربما وقع الإفتاء في المسألة بالمنع فيقال لمَ تمنع والمسألة مُختلف فيها؟ فيجعل الخلاف حجة في الجواب لمجرد كونها مختلفا فيها، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواب، ولا لتقليد من هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ على الشريعة حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمدا وما ليس بحجة حجة، قال شيخ الإسلام رحمه الله:" وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع وإنما الحجة النص والإجماع ودليل مستنبط من ذلك تُقرر مقدماته بالأدلة الشرعية لا بأقوال بعض العلماء فإن أقوال العلماء يُحتج لها بالأدلة الشرعية لا يُحتج بها على الأدلة الشرعية" هو كلام نفيس فاحفظه عسى الله أن ينفعك به، قال العلامة بن القيم رحمه الله:" إنه لا يُعترض على الأدلة من الكتاب والسنة بخلاف المخالف" فكيف يكون خلافه في مسألة قد قام الدليل على قول منازعيكم فيها مبطلا لدليل صحيح لا معارض له في مسألة أخرى. وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم! فإن الأدلة هي التي تُبطل ما خالفها من الأقوال، ويُعترض بها على من خالف موجبها، فتُقدَّم الأدلة على كل قول اقتضى خلافها، لأن أقوال المجتهدين تُعارض بها الأدلة وتُبطل مقتضاها وتُقدم عليها، هذا كله من سبيل أهل الجهل الذين صار الواحد منهم في هذا الزمان ذا أتباع، وصار يشار إليه بالبنان، وهو أجهل من حمار أهله. ينبغي علينا عباد الله أن نعود إلى علمائنا الذين أجمعت الأمة عليهم، ينبغي علينا أن نعود إلى العلامة ابن باز، وإلى المحدث العلامة الألباني، وإلى الفقيه العلامة ابن عثيمين، وإلى أقرانهم ومن أجمعت الأمة على تلقي علمهم والقبول لأقوالهم رحمة الله عليهم أجمعين.
من محاضرة الشرق الأوسط الجديد
من محاضرة الشرق الأوسط الجديد