ذل المؤمن لغربته بين الفساق
(وقال كعب الأحبار، لأبي مسلم الخولاني:
كيف منزلتك من قومك؟؟
قال:حسنة.قال:إن التوراة لتقول غير ذلك.
قال:ما تقول؟؟
قال:إن الرجل إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ساءت منزلته عند قومه.
فقال أبو مسلم:صدقت التوراة، وكذب أبو مسلم).
وانشدوا:
نصحت فلم افلح وخانوا فافلحوا
فاسكنني نصحي بدار هوان
فان عشت لم انصح وان مت فالعنوا
ذوي النصح من بعدي بكل لسان.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي، عن أبي عثمان عبد الرحمن ألنهدي قال:قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-يأتي على الناس زمان يكون صالح القوم من لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، إن غضبوا غضبوا لانفسهم، وان رضوا رضوا لأنفسهم لا يغضبون لله ولا يرضون لله-عز وجل-.
وروى أبو محمد الخلال-في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-قال:اخبرني عمر بن صالح.قال:قال لي أبو عبد الله يعني الإمام احمد:يا أبا حفص، يأتي على الناس زمان المؤمن بينهم مثل الجيفة، ويكون المنافق يشار إليه بالأصابع.
فقلت:وكيف يشار إليه بالأصابع؟؟؟
قال:يصيروا أمر الله فضولا.
وقال:المؤمن إذا رأى أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر لم يصبر حتى يأمر وينهى.يعني قالوا هذا فضول.
قال:والمنافق كل شيء يراه قال بيده على فمه،
فقالوا:نعم الرجل ليس بينه وبين الفضول عمل.
ونحن قد شاهدنا في زماننا وتحققناه من إقراننا.
كما قال أبو الفرج بن الجوزي-رحمه الله-:واعلم انه قد اضمحل في هذا الزمان الأمر بالمعروف حتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا وهذا زمن قوله-عليه السلام-:(بدا الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدا).
ومن نظم أبي زكريا يحيى الصرصري-رحمه الله تعالى-:
نح وابك في المعروف تعقد رسمه** والمنكر استعلى واثر رسمه
لم يبق إلا بدعة فتانة**********بهوى مضل مستطير سمه
هذا لعمرك انه الزمن الذي****** تبدو جهالته ويرفع علمه
لم يبق إلا حاكم هو مرتشي**** أو عامل تخشى الرعية ظلمه
والصالحون على الذهاب تتابعوا***** فكأنهم عقد تناثر نظمه
وقال غيره:
النصح من رخصه في الناس مجان****** والغش غال له في الناس أثمان
والعدل نور وأهل الجور قد كثروا******** وللظلوم على المظلوم أعوان
تفاسد الناس والبغضاء ظاهرة******** فالناس في غير ذات الله إخوان
والعلم فأش وقل العاملون به*********** والعاملون لغير الله أقران
وذكر أبو عبد الله محمد بن احمد القرطبي-في تذكرته بأحوال الآخرة- عن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال:لا يأتي على الناس عام إلا أماتوا فيه سنة واحيوا فيه بدعة حتى تموت السنن وتحيا البدع.ولن يعمل بالسنن وينكر البدع إلا من هون الله عليه سخط الناس ومخالفتهم فيما أرادوا ونهيهم عما اعتادوا.ومن يسر لذلك أحسن الله تعويضه، فان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال:(انك لن تدع لله شيئا إلا عوضك خيرا منه).
وبالجملة فلا يميل أكثر الناس إلا إلى الأسهل والأرفق لطباعهم، فان الحق مر والوقوف عليه صعب، وإدراكه شديد، وطريقه مستوعر.
وروى الإمام احمد بسنده عن الحسن البصري-رحمة الله عليه-انه قال:هذا الحق قد جهد الناس، وحال بينهم وبين شهواتهم، والله ما صبر عليه إلا من عرف فضله ورجا عاقبته.
(منقول من كتاب -الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-للإمام أبي بكر بن داود الحنبلي المتوفى سنة856هجرية-رحمه الله-من صفحة294الى296)
أخوكم:أبو عبد الله الحديدي
تعليق