قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن:
وترك ذلك على سبيل المداهنة، والمعاشرة، وحسن السلوك، ونحو ذلك مما يفعله بعض الجاهلين، أعظم ضرراً، وأكبر إثماً من تركه لمجرد الجهالة. فإن هذا الصنف، رأوا أن السلوك وحسن الخلق، ونيل المعيشة لا يحصل إلا بذلك، فخالفوا الرسل وأتباعهم، وخرجوا عن سبيلهم ومنهاجهم، لأنهم يرون العقل إرضاء الناس على طبقاتهم، ويسالمونهم، ويستجلبون مودتهم ومحبتهم؛ وهذا مع أنه لا سبيل إليه، فهو إيثار للحظوظ النفسانية والدعة، ومسالمة الناس وترك المعاداة في الله وتحمل الأذى في ذاته.
وهذا في الحقيقة هو الهلكة في الآجلة، فما ذاق طعم الإيمان، من لم يوال في الله ويعاد فيه، فالعقل كل العقل، ما أوصل إلى رضى الله ورسوله، وهذا إنما يحصل بمراغمة أعداء الله، وإيثار مرضاته، والغضب إذا انتهكت محارمه. والغضب ينشأ من حياة القلب، وغيرته وتعظيمه، وإذا عدم الحياة والغيرة والتعظيم، وعدم الغضب والاشمئزاز، وسوى بين الخبيث والطيب في معاملته وموالاته ومعاداته، فأي خير يبقى في قلب هذا؟
وفي بعض الآثار: "أن الله أوحى إلى جبرائيل، أن اخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يا رب إن فيهم فلان العابد، قال: به فابدأ، إنه لم يتمعر وجهه فيّ قط". وذكر ابن عبد البر: "أن الله بعث ملكين إلى قرية ليدمراها، فوجدا فيها رجلاً قائماً يصلي في مسجد، فقالا: يا رب، إن فيها عبدك فلاناً يصلي، فقال الله عز وجل: دمراها، ودمراه معهم، فإنه ما تمعر وجهه فيّ قط". انتهى.
ومن له علم بأحوال القلوب، وما يوجبه الإيمان ويقتضيه، من الغضب لله، والغيرة لحرماته وتعظيم أمره ونهيه، يعرف من تفاصيل ذلك فوق ما ذكرنا، ولو لم يكن إلا مشابهة المغضوب عليهم والضالين، في الأنس بأهل المعاصي، ومواكلتهم، ومشاربتهم، لكفى بذلك عيباً، والله الموفق والهادي، لا إله غيره، والسلام.
-----------------
الدرر السنية
وترك ذلك على سبيل المداهنة، والمعاشرة، وحسن السلوك، ونحو ذلك مما يفعله بعض الجاهلين، أعظم ضرراً، وأكبر إثماً من تركه لمجرد الجهالة. فإن هذا الصنف، رأوا أن السلوك وحسن الخلق، ونيل المعيشة لا يحصل إلا بذلك، فخالفوا الرسل وأتباعهم، وخرجوا عن سبيلهم ومنهاجهم، لأنهم يرون العقل إرضاء الناس على طبقاتهم، ويسالمونهم، ويستجلبون مودتهم ومحبتهم؛ وهذا مع أنه لا سبيل إليه، فهو إيثار للحظوظ النفسانية والدعة، ومسالمة الناس وترك المعاداة في الله وتحمل الأذى في ذاته.
وهذا في الحقيقة هو الهلكة في الآجلة، فما ذاق طعم الإيمان، من لم يوال في الله ويعاد فيه، فالعقل كل العقل، ما أوصل إلى رضى الله ورسوله، وهذا إنما يحصل بمراغمة أعداء الله، وإيثار مرضاته، والغضب إذا انتهكت محارمه. والغضب ينشأ من حياة القلب، وغيرته وتعظيمه، وإذا عدم الحياة والغيرة والتعظيم، وعدم الغضب والاشمئزاز، وسوى بين الخبيث والطيب في معاملته وموالاته ومعاداته، فأي خير يبقى في قلب هذا؟
وفي بعض الآثار: "أن الله أوحى إلى جبرائيل، أن اخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يا رب إن فيهم فلان العابد، قال: به فابدأ، إنه لم يتمعر وجهه فيّ قط". وذكر ابن عبد البر: "أن الله بعث ملكين إلى قرية ليدمراها، فوجدا فيها رجلاً قائماً يصلي في مسجد، فقالا: يا رب، إن فيها عبدك فلاناً يصلي، فقال الله عز وجل: دمراها، ودمراه معهم، فإنه ما تمعر وجهه فيّ قط". انتهى.
ومن له علم بأحوال القلوب، وما يوجبه الإيمان ويقتضيه، من الغضب لله، والغيرة لحرماته وتعظيم أمره ونهيه، يعرف من تفاصيل ذلك فوق ما ذكرنا، ولو لم يكن إلا مشابهة المغضوب عليهم والضالين، في الأنس بأهل المعاصي، ومواكلتهم، ومشاربتهم، لكفى بذلك عيباً، والله الموفق والهادي، لا إله غيره، والسلام.
-----------------
الدرر السنية
تعليق