فائدة في التسلسل
من شرح الطحاوية للشيخ صالح ال الشيخ
المسألة الثالثة: متصلة بهذا البحث، وهذا البحث من أصعب المباحث التي ستعرض لك في شرحنا لك لهذه العقيدة، لكن نعرضها بشيء من الوضوح والاختصار، وهو ما يسمى بمسألة التسلسل.
والتسلسل على اعتبارات: والتسلسل معناه: أنه لا يكون شيء إلا وقبله شيء ترتَّب عليه، أو لا يكون شيء إلا بعده شيء ترتب عليه.
فالجهة الأولى المعتبرة في بحث التسلسل صفات الرب جل وعلا: وللناس في التسلسل المتعلق بصفات الرب جل وعلا مذاهب:
الأول: من قال أنّ الرب جل وعلا يمتنع تسلسل صفاته في الماضي، ويمتنع تسلسل صفاته في المستقبل، فلا بد من أمد يكون قد ابتدأ في صفاته أو قد ابتدأت صفاتُه، ولا بد أيضا من زمن تنتهي صفاته، وهذا هو قول الجهمية -والعياذ بالله- وقول طائفة من المعتزلة كأبي الهذيل العلاَّف وجماعة منهم.
الثاني: التسلسل في الماضي ممتنع، والتسلسل في المستقبل لا يمتنع، يعني أنّ الاتصاف بالصفات لا بد أن يكون له زمن ابتدأ فيه، وهذا الزمن قريب من خلق هذا العالَم والذي تعلّقت به الأسماء والصفات أو الذي ظهرت فيه آثار الأسماء والصفات، في المستقبل هناك تسلسل في الصفات يعني عدم انقطاع للصفات، وهذا هو قول أهل الكلام والأشاعرة والماتريدية.
القول الثالث: المذهب الثالث؛ مذهب أهل السنة والحديث وهو أنّ التسلسل ثابت في الماضي وثابت في المستقبل، وثبوته في الماضي غير متعلق بخَلقٍ تتسلسل فيهم الصفات وتظهر فيهم آثار الصفات، بل يجوز أو نقول بل تتنوع التعلقات باختلاف العوالم، وفي المستقبل يعني في الآخرة هو جل وعلا آخر بصفاته سبحانه وتعالى، فهناك تسلسل في جهة المستقبل.
مقتضى القسمة أن يكون ثَم قسم رابع: وهو أنه لا تسلسل في المستقبل وهناك تسلسل في الماضي، هذا مقتضى السبر والتقسيم في القسمة، وهذا لا قائل به من المذاهب المعروفة، يعني لا يعرف أن أحدا قال بهذا القسم.
إذا تبين لك ذلك، فإن هذه المسألة بُحثت أولا -مسألة التسلسل- قبل بحث المسألة الأولى التي ذكرناها لكم من جهة مذاهب الناس في الصفات وتعلقها بالخلق؛ يعني ثلاثة المذاهب التي ذكرناها، فلما بحث التسلسل نتج منه البحث الأول، لهذا إذا أردت أن تفهم جهة التسلسل تفهم أثرها الذي ذكرته لك في الأول؛ لأن كُلاًّ من هاتين المسألتين مرتبطة بالمسألة الأخرى.
الجهة الثانية من الاعتبار تسلسل المخلوقات: تسلسل في صفات الخالق ذكرناه، والجهة الثانية من الاعتبار التسلسل في المخلوقات، و التسلسل في المخلوقات للناس فيه مذهبان فيما أعلم:
الأول: تسلسل في الماضي، وهذا ممتنع عند عامة الناس إلا الفلاسفة الذين قالوا إنه لا عالَم إلا هذا العالم، وأن هذا العالم لم يزل في الماضي، وأنه ما من عِلَّة فيه إلا وهي مأثرة لمعلول فيه أيضا، وأن هذا العالم ترتب التسلسل فيه الآخر عن الأول والثاني عما قبله وليس ثم غيره.
نقول إن هذا من هذه الجهة عامة الناس عدا الفلاسفة على ما ذكرنا، يعني اتفق عليها معتزلة وأهل السنة على أنّ التسلسل؛ تسلسل المخلوقات في الماضي أنه ممتنع إلا قول الفلاسفة، والفلاسفة كما هو معلوم من قالوا بهذا القول خارجون عن الملة؛ لأنهم يرون قِدم هذا العالم مطلقا، وأن المؤثر فيه الأفلاك في علل مختلفة يبحثونها.
المذهب الثاني: في المستقبل التسلسل في المخلوقات غير ممتنع عند الجمهور إلا في خلاف جهم وبعض المعتزلة في أنّ تسلسل الحركات والمخلوقات في المستقبل أيضا ممتنع وأنه لا بد أن يصيروا إلى عدم أو إلى عدم تأثير؛ إمّا عدم محض أو عدم تأثير.
الجهة الثالثة في الاعتبار في التسلسل؛ تسلسل الأثر والمؤثر والسبب والمسبَّب والعلة والمعلول: وهذا لابد من النظر فيه وأيضا نقول أشهر المذاهب فيه اثنان:
الأول: مذهب نفاة التعليل والعلل والأسباب الذين يقولون لا أثر لعلة في معلولها، ولا أثر لسبب في مسبب، وإنما يفعل الله جل وعلا عند وجود العلة لا لكونها علة، وهذا هو مذهب نفاة التعليل، كقول الآشاعرة، القدرية، وابن حزم، وجماعات.
الثاني: أن الأسباب تنتج مسبباتها ويتسلسل ذلك، وأن العلة تنتج معلولها ويتسلسل ذلك يعني جوازا، ولكن ذلك كله بخلق الله جل وعلا له، وأنّ التسلسل في الآثار ناتجا عن مؤثرات ليس لذاتها بل لسنة الله جل وعلا التي أجراها في خلقه ?فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا?[فاطر:43].
المسألة الرّابعة: قوله (وكما كانَ بصفاته أزَليًّا، كذلك لا يزالُ عَلَيْها أبديًّا)، وهذا القول في قوله (كانَ بصفاته) هذا حق؛ لأن أهل السنة يعبرون عن الله جل وعلا بأنه سبحانه وتعالى بصفاته، فيعبرون بالباء المقتضية للمصاحبة؛ لأن الله جل وعلا لن تنفكّ عنه صفاته، (وكما كانَ بصفاته) سبحانه وتعالى فلم يكن سبحانه وتعالى ولا صفة، بل كان بصفاته، والباء هنا للمصاحبة؛ يعني أنه سبحانه وتعالى كان أزليا بصفاته التي هو جل وعلا موصوف بها.
والمعتزلة وأشباههم يعبِّرون في مثل هذه المسائل عن الصفات بالواو، فيقولون: الله وصفتُه، الله وعلمه، والله وقدرته، والله وحِلمه، الله ورحمته، الله وقهره، وهكذا، فيعبرون بالواو؛ لأن الصفة عندهم منفكة عن الموصوف، فعندهم الصفة غير ملازمة للموصوف وليست قائمة به، ولهذا بحث الشارح عندك هل الصفات غير الذات؟ والاسم هل هو عين المسمى ونحو ذلك عرض لذلك فيما نستفيده من بحثه لأنه نوع من الاستطراد، ولكن ننبهك لقوله (كانَ بصفاته) هو الاستعمال الذي يستعمله أهل السنة، ولا نقول الله جل وعلا وقدرته، فإن الله فَعَل وقدرته مثلا، أو نقول الله جل وعلا وعلمه، فاستعمال الواو في هذا المقام لا يسوغ، بل نستعمل الباء، نقول الله جل وعلا بعلمه، الله سبحانه وتعالى بقدرته؛ لأن الباء تدل على المصاحبة؛ لأن هذه الصفات قائمة بذات الرب جل وعلا.
قوله (أزَليًّا) مرّ معنا في بحث وأنه منحوت من كلمة (لم يزل).
ا.هه
من شرح الطحاوية للشيخ صالح ال الشيخ
من شرح الطحاوية للشيخ صالح ال الشيخ
المسألة الثالثة: متصلة بهذا البحث، وهذا البحث من أصعب المباحث التي ستعرض لك في شرحنا لك لهذه العقيدة، لكن نعرضها بشيء من الوضوح والاختصار، وهو ما يسمى بمسألة التسلسل.
والتسلسل على اعتبارات: والتسلسل معناه: أنه لا يكون شيء إلا وقبله شيء ترتَّب عليه، أو لا يكون شيء إلا بعده شيء ترتب عليه.
فالجهة الأولى المعتبرة في بحث التسلسل صفات الرب جل وعلا: وللناس في التسلسل المتعلق بصفات الرب جل وعلا مذاهب:
الأول: من قال أنّ الرب جل وعلا يمتنع تسلسل صفاته في الماضي، ويمتنع تسلسل صفاته في المستقبل، فلا بد من أمد يكون قد ابتدأ في صفاته أو قد ابتدأت صفاتُه، ولا بد أيضا من زمن تنتهي صفاته، وهذا هو قول الجهمية -والعياذ بالله- وقول طائفة من المعتزلة كأبي الهذيل العلاَّف وجماعة منهم.
الثاني: التسلسل في الماضي ممتنع، والتسلسل في المستقبل لا يمتنع، يعني أنّ الاتصاف بالصفات لا بد أن يكون له زمن ابتدأ فيه، وهذا الزمن قريب من خلق هذا العالَم والذي تعلّقت به الأسماء والصفات أو الذي ظهرت فيه آثار الأسماء والصفات، في المستقبل هناك تسلسل في الصفات يعني عدم انقطاع للصفات، وهذا هو قول أهل الكلام والأشاعرة والماتريدية.
القول الثالث: المذهب الثالث؛ مذهب أهل السنة والحديث وهو أنّ التسلسل ثابت في الماضي وثابت في المستقبل، وثبوته في الماضي غير متعلق بخَلقٍ تتسلسل فيهم الصفات وتظهر فيهم آثار الصفات، بل يجوز أو نقول بل تتنوع التعلقات باختلاف العوالم، وفي المستقبل يعني في الآخرة هو جل وعلا آخر بصفاته سبحانه وتعالى، فهناك تسلسل في جهة المستقبل.
مقتضى القسمة أن يكون ثَم قسم رابع: وهو أنه لا تسلسل في المستقبل وهناك تسلسل في الماضي، هذا مقتضى السبر والتقسيم في القسمة، وهذا لا قائل به من المذاهب المعروفة، يعني لا يعرف أن أحدا قال بهذا القسم.
إذا تبين لك ذلك، فإن هذه المسألة بُحثت أولا -مسألة التسلسل- قبل بحث المسألة الأولى التي ذكرناها لكم من جهة مذاهب الناس في الصفات وتعلقها بالخلق؛ يعني ثلاثة المذاهب التي ذكرناها، فلما بحث التسلسل نتج منه البحث الأول، لهذا إذا أردت أن تفهم جهة التسلسل تفهم أثرها الذي ذكرته لك في الأول؛ لأن كُلاًّ من هاتين المسألتين مرتبطة بالمسألة الأخرى.
الجهة الثانية من الاعتبار تسلسل المخلوقات: تسلسل في صفات الخالق ذكرناه، والجهة الثانية من الاعتبار التسلسل في المخلوقات، و التسلسل في المخلوقات للناس فيه مذهبان فيما أعلم:
الأول: تسلسل في الماضي، وهذا ممتنع عند عامة الناس إلا الفلاسفة الذين قالوا إنه لا عالَم إلا هذا العالم، وأن هذا العالم لم يزل في الماضي، وأنه ما من عِلَّة فيه إلا وهي مأثرة لمعلول فيه أيضا، وأن هذا العالم ترتب التسلسل فيه الآخر عن الأول والثاني عما قبله وليس ثم غيره.
نقول إن هذا من هذه الجهة عامة الناس عدا الفلاسفة على ما ذكرنا، يعني اتفق عليها معتزلة وأهل السنة على أنّ التسلسل؛ تسلسل المخلوقات في الماضي أنه ممتنع إلا قول الفلاسفة، والفلاسفة كما هو معلوم من قالوا بهذا القول خارجون عن الملة؛ لأنهم يرون قِدم هذا العالم مطلقا، وأن المؤثر فيه الأفلاك في علل مختلفة يبحثونها.
المذهب الثاني: في المستقبل التسلسل في المخلوقات غير ممتنع عند الجمهور إلا في خلاف جهم وبعض المعتزلة في أنّ تسلسل الحركات والمخلوقات في المستقبل أيضا ممتنع وأنه لا بد أن يصيروا إلى عدم أو إلى عدم تأثير؛ إمّا عدم محض أو عدم تأثير.
الجهة الثالثة في الاعتبار في التسلسل؛ تسلسل الأثر والمؤثر والسبب والمسبَّب والعلة والمعلول: وهذا لابد من النظر فيه وأيضا نقول أشهر المذاهب فيه اثنان:
الأول: مذهب نفاة التعليل والعلل والأسباب الذين يقولون لا أثر لعلة في معلولها، ولا أثر لسبب في مسبب، وإنما يفعل الله جل وعلا عند وجود العلة لا لكونها علة، وهذا هو مذهب نفاة التعليل، كقول الآشاعرة، القدرية، وابن حزم، وجماعات.
الثاني: أن الأسباب تنتج مسبباتها ويتسلسل ذلك، وأن العلة تنتج معلولها ويتسلسل ذلك يعني جوازا، ولكن ذلك كله بخلق الله جل وعلا له، وأنّ التسلسل في الآثار ناتجا عن مؤثرات ليس لذاتها بل لسنة الله جل وعلا التي أجراها في خلقه ?فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا?[فاطر:43].
المسألة الرّابعة: قوله (وكما كانَ بصفاته أزَليًّا، كذلك لا يزالُ عَلَيْها أبديًّا)، وهذا القول في قوله (كانَ بصفاته) هذا حق؛ لأن أهل السنة يعبرون عن الله جل وعلا بأنه سبحانه وتعالى بصفاته، فيعبرون بالباء المقتضية للمصاحبة؛ لأن الله جل وعلا لن تنفكّ عنه صفاته، (وكما كانَ بصفاته) سبحانه وتعالى فلم يكن سبحانه وتعالى ولا صفة، بل كان بصفاته، والباء هنا للمصاحبة؛ يعني أنه سبحانه وتعالى كان أزليا بصفاته التي هو جل وعلا موصوف بها.
والمعتزلة وأشباههم يعبِّرون في مثل هذه المسائل عن الصفات بالواو، فيقولون: الله وصفتُه، الله وعلمه، والله وقدرته، والله وحِلمه، الله ورحمته، الله وقهره، وهكذا، فيعبرون بالواو؛ لأن الصفة عندهم منفكة عن الموصوف، فعندهم الصفة غير ملازمة للموصوف وليست قائمة به، ولهذا بحث الشارح عندك هل الصفات غير الذات؟ والاسم هل هو عين المسمى ونحو ذلك عرض لذلك فيما نستفيده من بحثه لأنه نوع من الاستطراد، ولكن ننبهك لقوله (كانَ بصفاته) هو الاستعمال الذي يستعمله أهل السنة، ولا نقول الله جل وعلا وقدرته، فإن الله فَعَل وقدرته مثلا، أو نقول الله جل وعلا وعلمه، فاستعمال الواو في هذا المقام لا يسوغ، بل نستعمل الباء، نقول الله جل وعلا بعلمه، الله سبحانه وتعالى بقدرته؛ لأن الباء تدل على المصاحبة؛ لأن هذه الصفات قائمة بذات الرب جل وعلا.
قوله (أزَليًّا) مرّ معنا في بحث وأنه منحوت من كلمة (لم يزل).
ا.هه
من شرح الطحاوية للشيخ صالح ال الشيخ
تعليق