عليكم ب( عزم الأمور )
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-
(...فان من ورائكم أيام الصبر الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهم مثل اجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله ) رواه أصحاب السنن.
فهذا هو زمن الصبر، وهذا هو ميدان العمل.
فأين المتعبدون بالصبر؟؟؟
فصبرا صبرا وان كان جمرا!!فانه يوصلك إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر في جنة ونهر.
والعزم: لغة: هوالجد.عزم على الأمر يعزم عزما.واعتزم عليه:أراد فعله.
قال الليث:العزم ما عقد عليه قلبك من أمر انك فاعله.
وفي الحديث:إن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: لأبي بكر( متى توتر) فقال:أول الليل وقال لعمر)متى توتر) قال: من أخر الليل فقال لأبي بكر:(أخذت بالحزم) وقال لعمر:(أخذت بالعزم).
والعزم هو الصبر.وقوله تعالى في قصة ادم: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115 قيل العزم، والعزيمة هنا الصبرأي لم نجد له صبرا.وأولوا العزم من الرسل قال ابن عباس-رضي الله عنهما-:ذوو الحزم والصبر.
وروي عن عبد الله ابن مسعود-رضي الله عنه-انه قال:( إنالله يحب إن تؤتى رخصه كما يحب إن تؤتى عزائمه)، قال أبو منصور:عزائمه فرائضه التي أوجبها الله وامرنا بها.
فالدين القويم مداره وقيامه على اصلين جليلين هما:العزم والثبات وهما المذكورين في قول النبي-صلى الله عليه وسلم-:( اللهم أني أسالك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد).
(وإذا اعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر)قاله شيخ الإسلام في قاعدة في الصبر والشكر.
(فاصل الشكر صحة العزيمة واصل الصبر قوة الثبات فمتى أيد العبد بعزيمة وثبات فقد أيد بالمعونة والتوفيق).قاله ابن القيم في عدة الصابرين.
فالمعونة والتوفيق في دين الله تعالى هو الذي يجب إن نحرص عليه ونأخذ بالأسباب التي توصلنا إليه بالإعمال التي نحمد عليها ويحبها ربنا الكريم كالأمر بالمعروف وعلى رأسه التوحيد والنهي عن المنكر وعلى رأسه الشرك مع تقوى الله في فعل الواجبات وترك المنهيات وتهذيب الأخلاق وأعلاها الصبر والعفو والمغفرة لمن أساء وتعدىوظلم، فهذا كله من عزم الأمور التي امرنا بها ربنا عز وجل حين قال: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }آل عمران186.قال السعدي –رحمه الله- في تفسيرها( أي:من الأمور التي يعزم عليها وينافس فيها ولا يوفق لها إلا أهل العزائم والهمم العالية كما قال تعالى:( وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).( فكل من قام بحق أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر فلا بد أن يؤذي فما له دواء إلا الصبر في الله والاستعانة بالله والرجوع إلى الله ).أبن كثير ص596.
وقال تعالى على لسان لقمان-عليه السلام- يوصي ولده وهي وصية الله تعالى لكل عبد منيب: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }لقمان17.قال صاحب الزبدةفي تفسيرها( أي:مما جعله الله عزيمة وأوجبه على عباده ويحتملإن المراد إن ذلك من مكارم أهل الأخلاق وعزائم أهل الحزم).( يا بني أقم الصلاة تامة بأركانها وشروطها وواجباتها, وأمر بالمعروف, وانه عن المنكر بلطف ولين وحكمة بحسب جهدك, وتحمل ما يصيبك من الأذى مقابل أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر, واعلم أن هذه الوصايا مما أمر الله به من الأمور التي ينبغي الحرص عليها). السعدي ص894
وقال تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }الشورى43قال أبو السعود في تفسيرها:( أي مما يجب إن يعزم عليه كل احد لما فيه من كمال المزية والشرف أو مما عزم الله تعالى عليه وأمر به وبالغ فيه ).
وقال الثعالبي في تفسيرها:( أي من أشدها وأحسنها ).
وقال صاحب الزبدة:( {ولمن صبر }على الأذى {وغفر }لمن ظلمه بعد إن انتصر لنفسه وتمكن من اخذ حقه { إن ذلك }الصبر والمغفرة { لمن عزم الأمور} أي الثبات فيها والرسوخ وعدم الانطلاق وراء شهوة الانتقام ).قال الفضيل-رحمه الله-:( إذا أتاك رجل يشكوا إليك رجلا فقل يا أخي أعف عنه فإن العفو أقرب للتقوى فإن قال,لا يحتمل قلبي العفو ولكن أنتصر كما أمرني الله عز وجل فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر وألا فارجع إلى باب العفو فإنه باب واسع فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل وصاحب الانتصار يقلب الأمور )( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رجلا شتم أبا بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعجب ويتبسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقام فلحقه أبو بكر رضي الله عنه فقال يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت قال إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان ثم قال يا أبا بكر ثلاث كلهن حق ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله إلا أعزه الله تعالى بها ونصره وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله عز وجل بها قلة)ابن كثير ص2528.( ولمن صبر على الأذى وستر السيئة, إن ذلك من عزائم الأمور المشكورة والأفعال الحميدة التي أمر الله بها, ورتب لها ثوابا جزيلا وثناء حميدا).السعدي
ووصف رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في التوراة بأنه كان ( يعفو ويغفر ).وهذا حاله مع كفار قريش فهو القائل فيهم:( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ).فأنظر أخي نضر الله وجهك إلى هذه الكلمة الجامعة والحكمة البالغة كيف بين فيها رسول الله-صلى الله عليه وسلم- انه قد:-عفى عنهم وقد اساؤ له أيما إساءة.وستغفر لهم وقد آذوه وشتموه بقبح.واعتذر عنهم وخفف الوطأة عليهم بأنهم جهال لا يعلمون ماذا يصنعون ومن يحاربون.( ولما كان الناس عند مقابلة الأذى ثلاثة أقسام:ظالم يأخذ فوق حقه، ومقتصد يأخذ بقدر حقه، ومحسن يعفو ويترك حقه.ذكرالله تعالى هذه الأقسام الثلاثة في أية الشورى فقال: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }.فأولها للمقتصدين ووسطها للسابقين وأخرها للظالمين ).
({ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد من حقيقة الأيمان. وقال مقاتل-رحمه الله-:إن ذلك الصبر على الأذى فيها من التي أمر الله بها ) الدر المنثور للسيوطي ج5 ص166.
لهذا أمر الله عز وجل رسوله الكريم محمد-صلى الله عليه وسلم- إن يتشبه بصبر أولي العزم من الرسل في مثل قوله تعالى{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ }الأحقاف35
قالت عائشة رضي الله عنها ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما ثم طواه ثم ظل صائما ثم طواه ثم ظل صائما ثم قال يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم فقال « فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل » وإني والله لأصبر ن كما صبروا جهدي ولا قوة إلا بالله)
فوطنوا رحمكم الله أنفسكم على الصبر اجعلوه شعاركم ودثاركم في السراء والضراء مع أنفسكم ومع من تدعون وتعاشرون، نفعني الله وإياكم وجعلنا من أهل هذا الحديث-صلى الله وسلم على قائله-( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير إن إصابته سراء شكر فكان خيرا له وان إصابته ضراء صبر فكان خيرا له ).
أخوكم في الله: ابوعبدالله الحديدي
تعليق