بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فقد يسَّر الله لي الاطلاع على موضوع قبول بعض المسلمين مساعدات الكفار المالية وغيرها والوقوف على بعض البحوث المتعلقة بالموضوع المذكور، فعزمت على الكتابة ورأيت أن الكتابة فيه تكون جمعًا لشتاته وإيضاحًا لخفاياه وضبطًا لمحتوياته وإبرازًا للمؤامرة فيه، فعلى القارئ أن يعلم أن يعلم أن باطن هذه المساعدة يختلف عن ظاهرها، فالظاهر يفرح ويسر والباطن يحزن ويبكي، والظاهر رحمة والباطن عذاب، والظاهر إحسان والباطل ذل وهوان، والظاهر إنقاذ والباطن إتلاف.
وظهر لي أن من أسباب قلة الكتابة في هذا الموضوع - الذي بلغ خطره على المسلمين أعظم خطر وضرره عليهم أعظم ضرر - هو الوقوف مع الظاهر؛ أنها مساعدات بدافع الخير والتسليم بما يشهره الأعداء من شعارات براقة أن المساعدات المذكورة إنما جاءت برًّا وإحسانًا بالمسلمين، وبما يقوم به حكام المسلمين وأحزابهم من ترويج للمساعدات المذكورة والثناء على أهلها، فهذا الوقوف شرق به أصحابه وصار غصة عليهم، واتضح لي أن الموضوع المذكور حُسِّن من قِبَل بعض الكتَّاب بسبب جعل أدلة جواز قبول المساعدات من الكفار هي الأصل مطلقًا، وأدلة المنع هي الفرع، مع أن الصواب ستراه قريبًا بإذن الله، وسلكت في هذه الرسالة مسلك جمع الموضوع من جميع جوانبه وربط أوله بآخره وظاهره بباطنه، وربطه بمصالح الدول المانحة وسعيها في تحقيق سياستها الكبرى وهي الهيمنة على المساعدين اقتصاديًّا ودينيًّا وتعليميًّا وحكميًّا، فأدركت أن هذه المساعدات المالية - مِنحًا كانت أو قروضًا أو غير ذلك - هي من أعظم المؤامرة على المسلمين إن لم تكن أعظم مؤامرة عليهم، وأنها أساس كل شرٍّ لحق بالمسلمين من قِبَل اليهود والنصارى، فهي أساس غلبتهم على المسلمين وتدمير اقتصادهم والتمكن من اختراق سيادتهم وصنع القرار الصادر عنهم في تسيير حكام المسلمين وشعوبهم.
ولا يزال هذا الموضوع بحاجة إلى كشف غوامضة وإبراز مساويه وإظهار مفاسده من قِبَل أهل العلم، فأدعو الغيورين على الإسلام وأهله إلى قراءة ما كُتب في هذا الموضوع بتأنٍّ وتدبر، وأدعو الكتَّاب والخطباء والوعاظ إلى التعرف على أمراض المسلمين للسعي غلى التحذير منها سرًا وجهارًا كتابة ونثرًا وشعرًا قدر الإمكان، وأنا أعتبر رسالتي هذه مشاركة في إصلاح أحوال المسلمين وإنقاذهم من الورطات التي أوقعهم فيها أعداء الإسلام، فما وجد فيها من صواب فهو من فضل الله عليَّ وحده، وما وجد فيها من خطأ فهو مني ومن الشيطان وعليَّ إصلاحه، وكثيرًا ما أستخدم في هذه الرسالة لفظ المساعدات دون تقييدها بالمال، اكتفاء بأن هذا يفهم من لفظ المساعدات، وقد سميت الرسالة ((الذل والصغار على من قَبِلَ من المسلمين مساعدة الكفار)).
فالله أسأل أن يسهِّل طبعها ونشرها، وأن يبارك في كل من أعان على جمعها وكتابتها ونشرها.
وكان الانتهاء من كتابتها يوم الخميس شهر ربيع الثاني سنة 1429هـ