بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على المتبوع بحق ، محمد بن عبد الله سيد الخلق ، والذي جاء بالصدق ، والحجة فيما جاء به لا في كلام غيره من الخلق ، وعلى آله وأصحابه الذين تمكن الإيمان من قلوبهم في عمق ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء الحق .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على المتبوع بحق ، محمد بن عبد الله سيد الخلق ، والذي جاء بالصدق ، والحجة فيما جاء به لا في كلام غيره من الخلق ، وعلى آله وأصحابه الذين تمكن الإيمان من قلوبهم في عمق ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء الحق .
أما بعد :
حياك الله" تحية أهل الجاهلية.
********************
لقد سئلت عن هذه التحية " حياك الله " فقلت : لا شيء فيها إذا كانت بعد السلام ، وعليها فتاوى العلماء، ثم رأيت هذا الموضوع في منتدى المجالس العلمية السلفية ، بهذا العنوان: " حياك الله" تحية الجاهلية " ونقل هذا الموضوع من شبكة سحاب عن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان ، رحمه الله تعالى – رحمة واسعة .. أنزله الخ إبراهيم محمد الشحي –وفقه الله - ورأيت بعض التعليقات فيها فتاوى بعض العلماء في الموضوع، ثم بعدها رأيت الأخ الشيخ عبد الله الخليفي أنزل موضوعا بعنوان : حياك الله بالسلام ، وعلق عليه الأخ عبد الله سليمان التميمي ، فأحببت أن أجمعها وأضيف إليها بعض الفوائد ، لعل الموضوع يكتمل بها ، والآن أذكر كلام الشيخ الأمين ثم أردفه بالفوائد والتعليقات ثم فتاوى للعلماء في الموضوع ، والله أسأل السداد والتوفيق .
قال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى وهو يفسر قوله تعالى : {{سلام عليكم }} الآية 54 من سورة الأنعام : معناه: سلمكم الله من الآفات والمحذور.
وهذه تحية الإسلام ، وهي أكمل تحية وأفضلها؛ لأن معنى (السلام عليكم): سلمكم الله جل وعلا من الآفات ومما يؤذيكم.
وهي أحسن من تحية الجاهلية الذين كانوا يقولون: (حياك الله) ف(السلام عليكم) أفضل من (حياك الله)، وإنما كانت أفضل منها لأن معنى (السلام عليكم):سلمكم الله من كل ما يؤذي ومن جميع الآفات.
ومعنى (حياك الله) لا تزيد (حياك الله) على معنى أطال الله حياتك؛ وهذا الدعاء لا يستلزم الفائدة، لأنه كم من إنسان تكون حياته ويلا عليه، وضررا عليه، ويكون يتمنى الموت.
ومنا كل حياة مرغوبة ولا مرغوب فيها، بل ربَّ حياة الموت خير منها، وهذا معروف في كلام العرب، وقد سمعتم بعض الناس من المتأخرين، وإن كان مثله يذكر للمثال لا للاستدلال يقول :
ألا موت يباع فأشتريه ... فهذا العيش ما لا خير فيه ..
ألا رحِمَ المهيمنُ نفسَ حرٍ ...تَصَدَّقَ بالوفاة على أخيه..
فهذا الذي يطلب من يتصدق عليه بالموت لا يرغب في الحياة فلو قلت له : [حياك الله] لقال لك - البعيد- : "لا حياني الله"!! لأنه يرغب في الموت، بخلاف السلام عليكم فليس هذا معناه. من كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير . (1/ 291- 292].اعتنى بجمعه خالد السبت ؟؟؟
قلت : ولا شك أن الإسلام شرع لأتباعه التحية ، وهي السلام عليكم ، وفي تشريعه غنية قال تعالى:{{ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ }} قال القرطبي - رحمه الله - : السلام والسلامة بمعنى واحد. ومعنى {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} سلمكم الله في دينكم وأنفسكم.
ولذلكم قال النبي صلى الله عليه وسلم :<< من لم يبدأكم بالسلام فلا تكلموه >> فلا ينبغي للمسلم أن يبتدئ أخاه المسلم بغير السلام من التحيات التي تعارف عليها الناس والترحيب لهذا الحديث ، إلا بعد السلام ، وإذا كان الإسلام أجاز للمسلم أن لا يرد على من لم يبدأ بالسلام ممن يحييه فكيف بتحيات أهل الجاهلية ، فكيف بتحيات الكفار المخالفة للآداب والأعراف ، والدين أو الحاملة لشعارات وإشارات خاصة بهم ...فلا شك حينئذ أن يحق له أن لا يرد عليه وأن لا يبتدئ بها ، إلا إذا كان من غير أهل الإسلام ، لأنه إذا حياه أحد من غير المسلمين يجب عليه رد التحية ولا يزد عليها .وبهذا أمر الله تعالى المؤمنين في قوله سبحانه : {{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }}86: النساء .
قال ابن جرير الطبري [8/586] -رحمه الله - القول في تأويل قوله : {{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }}. يعني جل ثناؤه بقوله:{{ وإذا حييتم بتحية }}، إذا دعي
لكم بطول الحياة والبقاء والسلامة. فحيوا بأحسن منها أو ردُّوها"، يقول : فادعوا لمن دعا لكم بذلك بأحسن مما دعا لكم، {{ أو ردوها }} يقول: أو ردّوا التحية.
قلت : وقوله تعالى :{{ .. حييتم بتحية ..}} فتحية نكرة ، تعم أي تحية شرعية أو عرفية ، من أي كان مسلما أو غير مسلم ، وإذا كان الأمر كذلك فيقال : فحيوا بأحسن منها أو ردوها ، على من حياكم بها كل بحسبه ، فإن كانت من الكفار فلا تزيدوا عليها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سلم عليه اليهود بقولهم :" السام عليكم "فقال صلى الله عليه وسلم :<< وعليكم >>. ولم يزد .
وهذا ما رجحه ابن جرير الطبري - رحمه الله- قال: ثم اختلف أهل التأويل في صفة"التحية" التي هي أحسن مما حُيِّيَ به المُحَّيي، والتي هي مثلها.فقال بعضهم: التي هي أحسن منها: أن يقول المسلَّم عليه إذا قيل:"السلام عليكم" : "وعليكم السلام ورحمة الله"، ويزيد على دعاء الداعي له . والرد أن يقول:"السلام عليكم" مثلها. كما قيل له، أو يقول:"وعليكم السلام"، فيدعو للداعي له مثل الذي دعا له.
ذكر من قال ذلك: - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها"، يقول: إذا سلم عليك أحد فقل أنت:"وعليك السلام ورحمة الله"، أو تقطع إلى"السلام عليك"، كما قال لك.
وحدثني الحسين ، قال حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، في قوله :{{ وإذا حييتم بتحية ..}}قال في أهل الإسلام .
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فحيوا بأحسن منها أهلَ الإسلام، أو ردوها على أهل الكفر.
ذكر من قال ذلك: - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: من سلَّم عليك من خلق الله، فاردُدْ عليه وإن كان مجوسيًّا، فإن الله يقول:"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها".
وبذلك قال قتادة ، حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا سالم بن نوح قال، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله:"وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها"، للمسلمين="أو ردوها"، على أهل الكتاب.
الراجح من القولين : قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل الآية، قولُ من قال: ذلك في أهل الإسلام، ووجّه معناه إلى أنه يرد السلام على المسلم إذا حياه تحية أحسن من تحيته أو مثلها. وذلك أن الصِّحاح من الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه واجب على كل مسلم ردُّ تحية كل كافر أحَسن من تحيته. وقد أمر الله بردِّ الأحسن والمثل في هذه الآية، من غير تمييز منه
بين المستوجب ردَّ الأحسن من تحيته عليه، والمردودِ عليه مثلها، بدلالة يعلم بها صحة قولُ من قال:"عنى برد الأحسن: المسلم، وبرد المثل: أهل الكفر".
والصواب : إذا لم يكن في الآية دلالة على صحة ذلك، ولا بصحته أثر لازم عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون الخيار في ذلك إلى المسلَّم عليه: بين رد الأحسن، أو المثل، إلا في الموضع الذي خصَّ شيئًا من ذلك سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون مسلَّمًا لها. وقد خَصّت السنة أهل الكفر بالنهي عن رد الأحسن من تحيتهم عليهم أو مثلها، إلا بأن يقال:"وعليكم"، فلا ينبغي لأحد أن يتعدَّى ما حدَّ في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما أهل الإسلام، فإن لمن سلَّم عليه منهم في الردّ من الخيار، ما جعل الله له من ذلك.
قال القرطبي –رحمه الله -: [5/298] التحية تفعلة من حييت؛ الأصل تحيية مثل ترضية وتسمية، فأدغموا الياء في الياء. والتحية السلام. وأصل التحية الدعاء بالحياة. والتحيات لله، أي السلام من الآفات.
قلت : فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: << إن السلام اسم من أسماء الله وضعه الله ، في الأرض ، فأفشوا السلام بينكم >> صحيح الأدب المفرد [760]. وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح [11/ 15] فإفشاء السلام دعاء للمسلم وإلقاؤه عليه باسم من أسماء الله يخبره بالسلامة من الآفات ، والأمن من غوائل المُسلم .
قال الحفظ في الفتح [11/15]: فكأن المُسلم أَعَلَم من سَلَّم عليه أنه سالمُ منه ، وأن لا خوف عليه منه .لأن اسم الله إذا سمعه المُسلم عليه أخلص القلب له عن النفور إلى الإقبال على قائله ، وهذه مدعاة للمحبة ، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم ، فكيف إذا زاد على ذلك الدعاء له بالحياة الطيبة في كنف الله ليكلؤه الله ويرعاه ، واستقبله بالتحية والترحيب مما يدخل السرور على قلبه ...
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم بين في سنته في غير ما حديث غاية البيان وأوضحه آداب السلام ، وسنة التحية بين المسلمين ، وحدودها بينهم وبين غيرهم ، وقد اعتبر الله تعالى تحية غيرهم وأمر بردها بأحسن منها أو مثلها ليظهر فضل تحية الإسلام وأهله ، فإن قول " حياك الله " ، وإن كان معناه الدعاء له بالحياة ، أو الاستقبال له بالمحيا -كما سيأتي - فإنه يعتبر من التحية التي اعتبرها الله تعالى وأمر برد أحسن منها أو مثلها ، ويؤيده أن هذه التحية كانت معروفة إلا أنها وردت مقيدة بقيدين ، الأول : بالسلام ، فتقول حياك الله بالسلام ، والثاني: أن يضاف إليها : " وبيّاك " .
أما ورود القيد الأول ففيما ذكره الأخ عبد الله الخليفي - وفقه الله - حيث قال : قال ابن أبي شيبة في المصنف [25772 ] حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال: [[ كانوا يستحبون إذا قال الرجل للرجل حياك الله ، أن يقول: بالسلام ]].
وقال أيضاً [ابن أبي شيبة ] : [25789] حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن بن سيرين وعن أبي معشر عن إبراهيم وعن حماد عن إبراهيم قالا :[[ إذا قلت حياك الله فقل بالسلام ]].
وقال أيضاً:[ 25771] حدثنا حسين بن علي وبن عيينة عن محمد بن سوقة قال: [[ جاءنا ميمون بن مهران فقال له رجل: " حياك الله ". فقال : لا تقل هكذا هذه تحية الشاب ، ولكن قل: حياكم الله بالسلام ]]
وقد جاء عن عمر ما يدل على عدم كراهية هذا اللفظ عند البخاري في الأدب المفرد
قال البخاري: [1069 ]- حدثنا عمرو بن عباس قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان عن أبيه ، عن الشعبي ، أن عمر قال لعدي بن حاتم :" حياك الله من معرفة ". غير أن الشيخ الألباني ضعفه في ضعيف الأدب المفرد .هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وبما ذكره الأخ عبد الله سليمان التميمي- وفقه الله -حيث قال:
فائدة : في تاريخ بغداد [10/227] وقال أبو بكر المروذي: حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي عون، قال: سمعت شعيب بن حرب، يقول : إني لأحسب يجاء بسفيان الثوري يوم القيامة حجة من الله على هذا الخلق، يقال لهم: لم تذكروا نبيكم فقد رأيتم سفيان، ألا اقتديتم به؟
أَخْبَرَنَا محمد بن أحمد بن رزق، قال: أَخْبَرَنَا جعفر الخلدي، قال: حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله الحضرمي، قال: حَدَّثَنَا عبد الله بن خبيق، قال: حَدَّثَنَا هيثم بن جميل، عن مفضل بن مهلهل،
قال: خرجت حاجا مع سفيان، فلما صرنا إلى مكة وافقنا الأوزاعي بها، فاجتمعنا في دارنا والأوزاعي وسفيان الثوري، قال: وكان على الموسم عبد الصمد بن علي الهاشمي، فدق داقٌ الباب، قلنا: من هذا؟ قال: الأمير، فقام الثوري فدخل المخرج، وقام الأوزاعي فتلقاه، فقال له عبد الصمد بن علي: من أنت أيها الشيخ؟ قال: أنا أبو عمرو الأوزاعي، قال:[[ حياك الله بالسلام...]] إلى آخر القصة .
عقب عليه الأخ عبد الله الخليفي قائلا : مفضل بن مهلهل ثقة ثبت كما قال العجلي في معرفة الثقات ووثقه جمع كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم .
والهيثم بن جميل ثقة ثبت كما قال العجلي في معرفة الثقات وعبد الله بن خبيق هو الأنطاكي .
قال الذهبي في تاريخ الإسلام : عبد الله بن خبيق الأنطاكي الزاهد. صاحب يوسف بن أسباط. له كلام حسن في التصوف والمعاملة. عُمر زماناً. وروى عن: شعيب بن حرب،
وحذيفة المرعشي، ويوسف بن أسباط، والهيثم بن جميل، وحجاج الأعور. وروى عنه: أبو طالب بن سوادة، وجعفر بن سوار، وأحمد بن محمد بن أبي موسى الأنطاكي، ومحمد بن عبد الله مطين، وغيرهم ..
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل :عبد الله بن خبيق الأنطاكي روى عن شعيب بن حرب ويوسف ابن أسباط ، وحذيفة المرعشي ، وعلي بن بكار والهيثم بن جميل وحجاج ابن محمد، أدركته ولم أكتب عنه، كتب إلى أبي بجزء من حديثه.
ولم يتكلم فيه أبو حاتم بشيء مع كتابته له بحديثه مما على استقامة روايته بالجملة ،ومحمد بن عبد الله الحضرمي هو مطين الحافظ المعروف .
وأما جعفر الخلدي فهو جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/ 55 وذكر توثيق الخطيب له.
ومحمد بن أحمد بن رزق اسمه الكامل محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء (17/260) وقال الخطيب : "كان ثقة صدوقا كثير السماع والكتابة، حسن الاعتقاد.وعلى هذا فالسند قوي ، وقد قال ( حياك الله بالسلام ) في منتصف اللقاء لا أوله . مأخوذ من سحاب ..
قلت : وفي مستدرك الحاكم [ح 372 ] قال :حدثناه أبو بكر محمد بن عبد الله بن عتاب العبدي ببغداد ثنا محمد بن خليفة العاقولي غندر ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا عقبة بن خالد الشني ثنا الحسن قال : بينما عمران بن حصين يحدث عن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم إذ قال له رجل : يا أبا نجيد حدثنا بالقرآن . فقال له عمران : أنت وأصحابك تقرءون القرآن أكنت محدثي عن الصلاة ، وما فيها وحدودها ؛ أكنت محدثي عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال؛ ولكن قد شهدتُ وغبتَ أنتَ ؛ ثم قال : فرض علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزكاة كذا.. وكذا.. ؛ وقال الرجل :" أحييتني أحياك الله " قال الحسن : فما مات ذلك الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين .
قال الحاكم : عقبة بن خالد الشني من ثقات البصريين وعبادهم وهو عزيز الحديث يُجمع حديثه فلا يبلغ تمام العشرة وصلى الله على محمد وآله أجمعين .
وفي صحيح مسلم – رحمه الله - كتاب الإيمان رقم [311] << الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك >> .
والقيد الثاني وهو : أن تقول : حياك الله ، وتضيف لها وبيّاك وهذا لما أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (6/190): "حدثنا مجاهد بن موسى قال ثنا يزيد بن هارون قال ثنا حسام بن مصك عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال لما قتل ابن آدم أخاه مكث آدم مائة سنة حزينا لا يضحك ، ثم أتى فقيل له حياك الله وبيّاك فقال : بيّاك : أضحكك "ا.هـ .
وأخرجه القرطبي (ج6/139)ونسبه إلى مجاهد أيضا ، وسالم بن أبي الجعد كما عند الطبري ، وفيه حتى جاءه ملك فقال له : حيّاك الله يا آدم وبيّاك .فقال : ما بياك ؟قال أضحكك .
وهذا الأثر رجاله ثقات ما عدا حسام بن مِصَكّ، قال عنه الحافظ في التهذيب [ج2/ 231]: "حسام بن مصك بكسر الميم وفتح المهملة بعدها كاف مثقلة الأزدي أبو سهل من رجال الأربعة ، ونقل أقوال أهل العلم فيه، وبمجموعها يتبين أنه إلى الضعف أقرب؛ بل كادوا أن يتفقوا على تركه ا.هـ.
والأثر أخرجه أبو عبيد القاسم في غريب الحديث [2/ 279-280] بإسناده إلى سعيد بن جبير: أن آدم لما قُتل ابنه مكث مائة سنة لا يضحك، فقيل له: حَيّاك الله وبَيّاك؛ فقال: وما بَيَّاك؟ فقال: أضحكك.
استطراد للفائدة : معنى حياك الله وبياك :
قال ابن الجوزي - رحمه الله - في غريب الحديث[1/95]:
قولهم :" حياك الله وبيّاك " قال الفراء: أصل بيّاك بوأك فخفف وقلب. ومعنى بوأك: أسكنك منزلا في الجنة وهيأه لك وقال غيره: بيّاك عجل لك ما تحب.وقال آخر: بيّاك تغمدك بالتحية وقال آخر استقبلك بما تريد.
وجاء في الصحاح في اللغة :[1/60] قولهم: حَيَّاكَ الله وبَيَّاك: معنى حَيَّاكَ مَلَّكَكَ، وبَيَّاكَ قال الأصمعي: اعْتمَدَكَ بالتحية وقال ابن الأعرابيّ: جاء بك.
قال الأحمر: بَيَّاكَ معناه بَوَّأَكَ منزلاً، إلاَّ أنَّها لما جاءت مع حيّاك تُرِكَتْ همزتها وحُوِّلَتْ واوها ياءً .
قلت : وما علل به الشيخ محمد الأمين في قوله :.. فهذا الذي يطلب من يتصدق عليه بالموت لا يرغب في الحياة فلو قلت له : [حياك الله] لقال لك - البعيد- : "لا حياني الله"!! لأنه يرغب في الموت، بخلاف السلام عليكم فليس هذا معناه.
فهذه فائدة استنبطها- رحمه الله - ولا يعني أنها قاعدة مطردة في كل من قيل له ذلك ، حتى لو كان ممن يطلب الموت كما أشار إليه ، فليس كل أحد طلب الموت يَرُد بذلك الرد ، فطلب الموت على أنواع ، والمحرم منه هو ما كان لضرر نزل بصاحبه ،أو سآمة أو قنوط من الحياة لم يصبر على ذلك ، فإذا وجد بعض الأفراد لا يرغبون في الحياة على النحو الذي ذكره الشيخ فهذا لا يعني أن تُلغى هذه التحية والترحيب بها، فقد نجد من يطلب الموت ويُسلم عليه بالسلام فلا يرد أصلا ؛وإذا رَدّ ؛ يرد بنفس الجواب الذي ذكره الشيخ فيمن قيل له حياك الله، فيقول : وأي سلام أو سلامة أنا فيها..
وقول المسلم لأخيه حياك الله ، فهذا من باب التحية والاستقبال ، أو الدعاء له بالحياة بالسلام كما جاء مقيدا فيما ذكرنا آنفا من الآثار ، والعرب تقول : حيّاك اللهُ: يعني: الاستقبال بالمُحَيَّا، ويحتمل أن يكون اشتقاقه من الحياة. وتقول: حيّاك الله وبيّاك، أي: أفرحك وأضحكك، ويقال: بيّاك تَقْوِيةٌ لحيّاك.من كتاب العين[1/239].
ولا شك أن القائل لأخيه ذلك يتمنى أن يحي أخوه ؛ وأن يمتعه الله بحياته، وليس معناه الدعاء له بالبقاء فوق ما قدر الله له ، أو الدعاء بعدم الموت ، فقدر الله ماض في حق القائل
والمقول له ، ومشيئته نافذة ؛ وقد سئل الشيخ العلامة ابن باز عن ذلك ، والشيخ العثيمين واللجنة الدائمة فأجازوا هذه التحية فيما نقله الأخوة المعلقون عنهم على الموضوع ، وهذه فتاواهم أنقلها هنا حتى يكتمل الموضوع وتتم الفائدة .
وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-
السؤال : هل يجوز الدعاء بطول العمر ؟ أم أن العمر مقدر ولا فائدة من الدعاء بطوله؟ .
الجواب : لا حرج في ذلك ، والأفضل : أن يقيده بما ينفع المدعو له ، مثل أن يقول : أطال الله عمرك في طاعة الله ، أو في الخير ، أو فيما يرضي الله .
ومعلوم أن الدعاء لا يخالف القدر ، بل هو من القدر ؛ كالأدوية ، والرقى ، ونحو ذلك .
وكل الأسباب التي لا تخالف شرع الله فهي كلها من القدر .
وقدر الله ماض في حق المريض والصحيح ، ومن دعي له ومن لم يدع له ، لكن الله سبحانه أمر بالأسباب المشروعة والمباحة ، ورتب عليها ما يشاء سبحانه ، وكل ذلك من قدر الله .
والله ولي التوفيق .
نشرت في مجلة الدعوة في العدد ( 1307 ) بتاريخ 4 \ 3 \ 1412 هـ .ومجموع فتاوى الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله تعالى(8 425/ ).
وقال الشيخ العثيمين-رحمه الله- في فتاوى نور على الدرب :
هذا سائل يقول: نود أن تلقوا الضوء على أحكام السلام لأن كثيرا من الناس يتهاون في هذا الأمر العظيم جزاكم الله خيرا؟
فأجاب الشيخ : وبعد كلام قال ...ولهذا يعتبر مقصرا من إذا لاقى أخاه قال مرحبا بأبي فلان أهلا أبو فلان أو صبحك الله بالخير أو مساك الله بالخير بل يقول أولاً السلام عليك وفي الرد يقول بعض الناس أهلا أو مرحبا أو حياك الله وما أشبه ذلك وهذا ليس كافيا في رد السلام بل لابد أن يقول إذا سلم عليه عليك السلام أو كما قلنا ، وعليك ، أو وعليكم.
أما لو قال في رد السلام أهلا وسهلا ألف مرة ما أجزأه ، ولا أدى الواجب عليه قال العلماء يرحمهم الله ابتداء السلام سنة ورده واجب لقول الله تعالى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) فأمر الله تعالى أولاً بالأحسن فإن لم يكن فبردها بمثلها والحسن في الرد يكون بالصيغة ويكون بالصوت ويكون بالوجه فمثلا إذا قال السلام عليك ورحمة الله فالأحسن أن تقول عليك السلام ورحمة الله وبركاته أو عليك السلام ورحمة الله ؛ حياك الله ؛ أو وعليك السلام ورحمة الله ؛ أهلا وسهلا هذا في الصيغة وأما في الصوت فإذا قال السلام عليك بصوت واضح جهرا فالرد عليه بأن يكون ردك أوضح من سلامه وأبين أو على الأقل يكون مثله أما أن يسلم عليك بصوت مسموع بين واضح ثم ترد عليه بأنفك أو بصوت قد يسمعه وقد لا يسمعه فإنك لم تأت بالواجب لأن الله قال (بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) كذلك في البشاشة إذا سلم عليك بوجه بشوش منطلق لا ترد عليه بوجه عبوس مكفهر لأنك ما حييته بما حياك به ولا بأحسن
وهذه مسائل يغفل عنها كثير من الناس فينبغي للمؤمن أن يعرفها وأن يطبقها عمليا وأقبح من ذلك ما يفعله بعض السفهاء الذين انبهروا بقوة الغرب المادية حتى ظنوا أن الرقي والتقدم بتقليدهم حتى في الشعائر الدينية حيث كان بعضهم يقول: باي ، باي، يعني السلام عليك وربما علموها صبيانهم كما سمعنا ذلك فعلا من بعض الصبيان إذا انصرف أو انصرفت عنه قال باي باي من أين جاء هذا إلا من تعليم الآباء ضعفاء النفوس ضعفاء الشخصيات فالمسلم يجب أن يكون عزيزا بإسلامه ودينه وأن يفخر إذا طبق شريعة الله في نفسه وفي عباد الله.
فتاوى اللجنة الدائمة :السؤال الرابع من الفتوى رقم ( 20845 ).
فضيلة الشيخ : هل يجب الرد على من سلم في غير ألفاظ (السلام عليكم)؟ مثلا إذا قال: أهلا ، أو مرحبا ، أو كيفك ، أو إذا سلم بالإشارة باليد ، أو بالعين ، أو إذا سلم السواق بالبوري .قلت :[ أي منبه السيارة ].
الجواب : السنة أن يحيي المسلم أخاه المسلم بالتحية الشرعية كما ورد في ألفاظ السلام المشروعة ، والأكمل في ذلك أن يقول المسلم : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ويدل لذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن عمران بن حصين قال : « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (السلام عليكم) ، فرد عليه السلام ، ثم جلس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((عشر)) ثم جاء آخر فقال : (السلام عليكم ورحمة الله) فرد عليه فجلس ، فقال : ((عشرون)) ثم جاء آخر فقال : (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فرد عليه فجلس
فقال : ((ثلاثون)) » ، ويجب أن يرد السامع السلام بمثل تحيته أو أحسن منها ؛ لقول الله تعالى : {{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }}.
ولا بأس أن يسلم الإنسان على البعيد أو هو في سيارته ويشير بيده له ليشعره بذلك ، مع تلفظه بالسلام المشروع المذكور سابقا كما؛ أنه لا مانع من أن يقول المسلم لأخيه : حياك الله ، أو أهلا ، أو كيف حالك ونحوها من العبارات التي تدخل السرور على أخيه المسلم ، لكن تكون تلك العبارات بعد إلقاء السلام المشروع ، أما الاقتصار على هذه العبارات وترك السلام أو السلام بمنبه السيارة (البوري)- فذلك خلاف السنة ولا أصل له ، فيجب ترك ذلك .وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
وبقي مسألة أخرى أنبه إليها، وهي مخالفة يقع فيها كثير من الناس حتى بعض الفضلاء الذين ينتسبون إلى العلم ، من أهل السنة ، وهي الاقتصار في رد السلام على أقل مما سلم به المسلم ، وهذا فيه مخالفة صريحة لقوله تعالى :{{ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها }} فالواجب ردها ولا يجوز الاقتصار على أقل منها فإن الرد بالمثل واجب ، وما زاد فمستحب .
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله - كما في كلامه آنف الذكر : ... أما لو قال في رد السلام أهلا وسهلا ألف مرة ما أجزأه ، ولا أدى الواجب عليه قال العلماء يرحمهم الله ابتداء السلام سنة ورده واجب لقول الله تعالى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا).
وقال ابن كثير عند تفسير هذه الآية : أي: إذا سلم عليكم المسلم، فردوا عليه أفضل مما سلم، أو ردوا عليه بمثل ما سلم [به] فالزيادة مندوبة، والمماثلة مفروضة.قلت والأقل من ذلك محظورة .
وقال القرطبي - رحمه الله – عند تفسير الآية. وقيل: أجمع العلماء على أن الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها، ورده فريضة؛ لقوله تعالى: {{فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}}.
ومسألة أخرى وهي: مسألة الزيادة على وبركاته حيث ينتهي السلام ، من مثل : ومغفرته ، وطيب صلواته ، وحياك الله ، وغير ذلك .. فقد اختلف فيها أهل العلم ولمعرفة هذه المسألة راجع الفتح [ج 11/8] كتاب الاستئذان الباب الأول ، الطبعة السلفية .ففيه بحث جيد .
ومسألة أخرى وهي: أن السلام ينبغي أن يكون بالجمع ، قال القرطبي عند تفسير الآية المذكورة آنفا : ... ينبغي أن يكون السلام كله بلفظ الجماعة، وإن كان المسلم عليه واحدا. روى الأعمش عن إبراهيم النخعي قال: إذا سلمت على الواحد فقل: السلام عليكم، فإن معه الملائكة. وكذلك الجواب يكون بلفظ الجمع؛ قال ابن أبي زيد: يقول المسلم السلام عليكم، ويقول الراد وعليكم السلام، أو يقول السلام عليكم كما قيل له؛ وهو معنى قوله "أو ردوها "ولا تقل في ردك: سلام عليك.وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين .
وكتب : أبو بكر يوسف لعويسي
الجزائر : 22/2/1432هـ الموافق ل/26/1/2011م
الجزائر : 22/2/1432هـ الموافق ل/26/1/2011م
تعليق