بسم الله الرحمنالرحيم
الإحسان إلى كلمة الشيخ محمد بن رمزان - حتىيشهد له سبعون من مشايخه – من أهل العدل والإيمان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلىآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين :
أما بعد :
هذا هو جواب الشيخ محمد بن رمزان الهاجري علىسؤال ورد عليه من سائل بالمغرب أثناء عقدهم للدورة العلمية التي أقيمت هناك .
هنا سائل يسأل يقول : رجل يدعي السلفية ويجمعحوله شباب يدرسهم الشؤون العلمية للعلماء. وليست له تزكية ويقول التزكية ليست شرطللمدرس؟
الجواب : الإمام مالك ذكر في ترجمته أنه لميجلس للتدريس إلا بعد أن استأذن أشياخه فأذنوا له وكم هم أشياخ الإمام مالك....؟؟هذا العدد كله استأذن له ، واستجازه الآن هذا يجلس ويدرس فأذنوا له ، وكان عمرهواحد وعشرين سنة هذا غير معروف!!
إن هذا العلم دين فانظروا عنمن تأخذون دينكم فطالب العلم هو الذي يعرفه أهلالعلم
ومن لا يعرفه أهل العلم فكيف ينسب نفسه لهموهو ليس من أبنائهم نسب في العلم كمن ليس له نسب من حيث الأصل فاللقيط في العلم لايجلس له....؟
حفظ الله الشيخ محمد بن رمزان الهاجري .
محاضرة : الحث على طلب العلم للشيخ صالحالسحيمي ضمن فعاليات الدورة الثالثة بمدينة تيكيوين بالمملكة المغربية .
وهذا الجواب سمعته بنفسي ،فلقد دخلت غرفة من الغرف السلفيةفسمعت الشيخ يقول ذلك ، وانتظرته – حفظه الله - أن يضيف إليها بعض الآثار عن السلفالتي توضح المسألة أكثر فلم يكن شيء من ذلك ، ولعل الشيخ اختصر الجواب اختصارا لضيقالوقت ، وكثرة الأسئلة وضغط برنامج الدورة فأراد أن يقرب الفهم للسائل بهذا الجواب، تحذيرا لمن تسول له نفسه أن يرتقي مرتقا صعبا ليس له ، ولا هو من أهله فيهلك ،كما جاء في نص السؤال أنه رجل يدعي السلفية ، فوصفوه بأنه رجل وليس طالب علم ، وأنهدعيٌ من أدعياء السلفية ، ولم يعرف بالعلم ، ويتجرأ على العلماء بتدريس كتبهم دونالرجوع إليهم ، وينفي تزكية العلماء وشهادتهم كلية ..
وبعد انتهاء من الاستماع للجواب اتصل بي أحدإخواني وطلب مني أن أشرح له جملة من كلام الشاطبي تصب في هذا الموضوع علق عليهاالشيخ الألباني رحمهما الله في السلسلة الصحيحة .. ونسيت أن أسجلها ولعل الأخ بعدأن يقرأ هذا يرسلها مرة أخرى .
فقلت له : هذا كلام حق واضح لا يحتاج إلىشرح ، وقبل قليل كنت أستمع إلى الشيخ محمد بن رمزان الهاجري جوابا على سؤال في هذاالمضمون يقول فيه : الإمام مالك ذكر في ترجمته أنه لم يجلس للتدريس إلا بعد أناستأذن أشياخه فأذنوا له وكم هم أشياخ الإمام مالك....؟؟ هذا العدد كله استأذن له ،واستجازه الآن هذا يجلس ويدرس فأذنوا له ، وكان عمره واحد وعشرين سنة هذا غيرمعروف!!
ولكن لي تعقيب وتوضيح على كلامه حفظه الله فيهذه القاعدة [[ حتى يشهد له هذا العدد الذي شهد للإمام مالك ..]]
فقلت :الإمام مالك – رحمه الله – شهد له سبعونمن أشياخه ، كما ذكر ذلك القاضي عياض في المدارك ، وابن عبد البر في التمهيد فيترجمة الإمام ، وذكرها أيضا أغلب من ترجم له .. وعلى هذه القاعدة لا نجد في العلماءالكبار كالشيخ الألباني، والشيخ بن باز ، والشيخ العثيمين ، والشيخ مقبل الوادعيرحمهم الله ، والشيخ عبد المحسن العباد ، والشيخ ربيع بن هادي المدخلي ، والشيخ عبدالعزيز آل الشيخ ، والشيخ الفوزان -حفظهم الله - وغيرهم من كبار أهل العلم فضلا عنغيرهم من طلاب العلم الذين تصدوا للدعوة والتعليم في هذا الزمان من شهد لهم سبعونعالما فضلا عن سبعين من شيوخهم فيما قرأت من تراجم الكثير منهم ، وإنما شهد لهمالبعض ، وشهد بعضهم لبعض ، على اختلاف في العدد بينهم ، وخاصة عند بداية تصديهملتعليم الناس ، والدعوة إلى الله ، وقد جعل الله لهم بعد ذلك القبول في الأرض ،وأقبلت الأمة عليهم بالأخذ عنهم ؛ والاطمئنان لعلمهم وما ذلك إلا بسبب إخلاصهم فيالتحمل والأداء ، وعملهم بما تعلموا ، وتزكية نفوسهم بالعلم ، حتى عرفوا به ؛ وكانالعلم صفة لهم فكانوا ربانيين حقا ، بما كانوا يربون الناس على صغار العلم قبلكبارها ، وأهمها قبل مُهمها .
وبعد أيام قليلة دخلت سحابفرأيت الأخ [ الباعمراني ] أنزل هذه الفتوى ، التي أخذها – بعض الأغمار الأغرار – وجعل يشغب بها على طلبة العلم السنيين السلفيين، وأنه لا يجوز أخذ العلم عن كل منلم يشهد له العلماء الكبار ، ولم يزكه أحد منهم ، ولا يجوز التصدي للدعوة والتعليمحتى يشهد له العلماء الكبار كالشيخ ربيع ، أو الشيخ عبيد ، أو الشيخ الفوزان ، أوالشيخ محمد بن هادي ، أو الشيخ زيد بن هادي ، وبعضهم لا يقبل إلا تزكية هؤلاءوشهادتهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ...
ولا شك أن الشيخ محمد بنرمزان – وفقه الله – ما أراد هذا القصد عند هؤلاء ، وإنما أراد أن يزجر كل ناشئ غمرمغرور متعالم يتقدم العلماء ؛ ويتجرأ على الفتوى بغير ثبت وكانت هذه حاله ،وربمادفعه ذلك إلى الغرور والإعجاب بالنفس فأصبح يعيب على العلماء ويعتقد نفسه مالكا -رحمه الله - حيث لا يُفتى وهو في المدينة ..
أما إذا عُرف الطالب بتحصيل أدنى مراتب العلممن بعض دور العلم ، كالمعاهد والجامعات الشرعية ، وفي حلقات العلم في المساجد وعلىيد بعض الشيوخ ، فتحصل على أدوات العلم التي تمكنه من فهم الكتاب والسنة على منهجالسلف الصالح ، وعُرف بأخذه عن علماء السلف ، فيعلم الناس من كتبهم ، وعرف بورعهونزاهته وعزوه العلم
لأهله ، وعدم تقوله على الله ورسله ، وعدمتقدمه بين يدي العلماء، وعنده توصية من دور العلم التي درس فيها ، وليس هناك فيبلده من العلماء الربانيين الراسخين في العلم ، الذين يُرجع إليهم ويُطلب العلمعليهم - كالبلاد التي أقيمت فيها الدورة ؛ وأجاب فيها الشيخ بهذا الجواب - فهذاينبغي عليه أن يجتهد في تبليغ ما تعلم وتعليمه ، والدعوة إلى نشر السنة؛ والبلاغ عنالله ورسوله ، تحقيقا للمسؤولية التي تحملها في الوصية التي عهدت إليه ، ولو لميشهد له أحد ، فإذا شهد له البعض كان ذلك أفضل وأحسن ، تحقيقا لقوله تعالى :{{وَمَاكَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍمِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَارَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }}التوبة { 122 }.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي- رحمه الله– [ج 1/ 355]: يقول تعالى: منبها لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم- { وَمَا كَانَالْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً } أي: جميعا لقتال عدوهم، فإنه يحصل عليهمالمشقة بذلك، وتفوت به كثير من المصالح الأخرى، { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّفِرْقَةٍ مِنْهُمْ } أي: من البلدان، والقبائل، والأفخاذ { طَائِفَةٌ } تحصل بهاالكفاية والمقصود لكان أولى.
ثم نبه على أن في إقامةالمقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم، فقال: { لِيَتَفَقَّهُوا } أي: القاعدون { فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ } أي. ليتعلموا العلم الشرعي، ويعلموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليعلموا غيرهم،ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصاالفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلم علما، فعليه نشره وبثه في العباد،ونصيحتهم فيه فإن انتشار العلم عن العالم، من بركته وأجره، الذي ينمى له.
وأما اقتصار العالم على نفسه، وعدم دعوته إلى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة، وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون، فأي منفعة حصلت للمسلمين منه؟ وأي نتيجة نتجت من علمه؟ وغايته أن يموت، فيموت علمه وثمرته،وهذا غاية الحرمان، لمن آتاه اللّه علما ومنحه فهما.
فإذا ترك هؤلاء تعليم الناس ما تعلموه من العلم الصحيح ، ضاع العلم وانتشر الجهل وظهرت الزنادقة ، ودرس التوحيد وفشا الشرك، وتمكنت البدع وماتت السنن .
ثم إن الاستدلال بقصة الإمام مالك وحدها لايكفي وليست هي المعيار ولا القاعدة حتى تنزل على جميع الأحوال ، وإلا لرددنا كثيرامن علم الثقات الذين لم يشهد لهم إلا واحد أو اثنان ، أو ثلاثة فما فوق من العلماء العدول ، ما لم يصل إلى العدد المذكور ، فأهل العلم يختلفون في العددالذي ترتفع به جهالة حال الراوي فمنهم من يقول برواية ثقة عنه ومنهم من يقول بروايةراويين عدلين ولم يجرحه أحد ..
ولذلك يقال : إن هذه القاعدة ليست هي الغاية ، ولا هي مطردة ، وإنما يكفي أن يشهد له بعض أهل العلم ..ولو واحدامع ما عنده من توصية ، ويشهد له عمله بعلمه الذي يزكيه ، ونشاطه في نصرة المنهج الحق ، والدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، ونبذ البدع والتحذيرمنها ...فهو يزكي نفسه بالطاعة ، ويدسيها بالمعصية متواضعا مزدريا ومحتقرا لها .
وقد حدثني شيخي وصي الله عباس -حفظه الله - وقدسألته قائلا : يا شيخنا هناك من يعترض على طلاب العلم لما يبلغون سنن رسول الله ،وينشرون التوحيد ويحاربون البدع ، ويعلمون قومهم ما تعلموه من العلم على ضوء الكتابوالسنة ، بفهم سلف الأمة ، ولا يزيدون ، ويقول هؤلاء المعترضون : لا يتصدر لهذاالشأن إلا من له تزكيات العلماء ؟؟
فقال : أنتم علموا السنن ،وانشروا التوحيد وتقيدوا- بأقوال العلماء المعروفين بسلامة المنهج وصحة المعتقد ،فهذا مالك ابن الحويرث جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض قومه وهم شببة فبقوا بضعة أيام ، فماذا تعلموا في هذه الأيام ؟ ومع ذلك أمرهم النبي صلى الله عليهوسلم أن يعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم ، فأنتم علموا قومكم على هذا ..
قلت :حديث مالك ابن الحويرث أخرجه البخاري[605] وفيه قال : أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم،ونحن شببة متقاربون،فأقمنا عنده عشرين يوماوليلة،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا، أوقد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: ( ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم). وذكر أشياء أحفظها، أو لا أحفظها: (وصلوا كما رأيتموني أصلي،فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم). وفي سنن أبي داود : [[ متقاربون في العلم ]] وفي صحيح مسلم [[ في القراءة ].
ففي الحديث من الفوائد ، أنهم شببة ، وهم منكانوا دون الكهول ، ويستفاد منه الحرص على طلب العلم والرحلة فيه حين الشباب .
وفيه أنهم أقاموا عنده عشرين يوما وليلة ،يتعلمون منه الدين ، ويحرصون على معرفة السنن ..
وفيه أنهم كانوا متقاربين في السن ، أو فيالعلم ، أو في القراءة على ما جاء في روايات الحديث ، فلما كانوا كذلك أمرهم بأنيقدموا في إمامتهم كبيرهم ولو كان لا يكبرهم إلا قليلا.
وفيه أنهم لم يبقوا عنده إلا قليلا ، أقل منشهر ، وهي مدة كافية لتحمل بعض العلم المهم ، والهدي الصالح والخلق الحسن عن العالم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أهلا لتبليغ ما حصلوه ، ولاحظ عليهم شوقهملأهاليهم أمرهم بالعودة إليهم وتعليمهم وأمرهم ..
وفيه أن هذه المدة وهي عشرون يوما لا يمكن لهمأن يكونوا قد تعلموا فيها شرائع الإسلام كلها وإنما تعلموا البعض المهم منها ، ولايمكن لهم أن بلغوا من العلم مبلغه ، وهكذا إذا رأى العالم أن طالب العلم قد أتقنعلى يديه علم التوحيد أو بعض العلوم المعلومة من الدين بالضرورة ولو كانت المدةقصيرة أن يشجعه على الرجوع إلى أهله الذين عشش الجهل فيهم ،وليس لهم من يعلمهم ذلك ..
وفيه أن العالم ينبغي أن يتفقد أحوال طلابه ،وأن يكون رفيقا بهم ، وأن يحثهم على العمل بما تعلموا والدعوة إليه ونشره بين الناس ..وأن يكون هو قدوة لهم في ذلك..
يتبع إن شاء الله ..
تعليق