بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى أله الطاهرين وصحابته الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
لعل الكثير من القراء يستغربون هذا العنوان ، ولكنه حقيقة عشتها يوم أن أردت زيارة الشيخ الفاضل والعلامة المجاهد حامل لواء الجرح والتعديل ،الشيخ ربيع حفظه الله ، فبعد أن قضيت مناسك العمرة ، اتصلت على الأخ الشيخ أحمد الزهراني لألتقي به قبل الذهاب للشيخ فأخبرني أنه مسافر وأنه في المنطقة الجنوبية ويرجع إلى مكة يوم الجمعة ، فاتصلت بالأخ أبي الوليد خالد الصبحي ليوصلني إلى بيت الشيخ ربيع فاعتذر لأنه لا يستطيع الدخول إلى جوار الحرم ، فاتفقت معه على أن نلتقي عند بيت الشيخ، وبعد استقراري في مكة بعض الأيام ، قررت الذهاب إلى زيارة الشيخ ربيع ، فأعدت الاتصال بالشيخ أحمد الزهراني وبعد التحية أخبرني أنه قد رجع ، فاتفقت معه على أن نلتقي في بيت الشيخ ، فقال لي- إن شاء الله - وكذلك كان الأمر فقد قابلته عند الشيخ ، كما قابلت الأخ خالد الصبحي ، وفي اليوم السابع من ذي الحجة خرجت بعد صلاة الظهر وكم كان الأمر صعبا أن أصل إلى مواقف السيارات ، بسبب الحر والزحام ولما وصلت وجدت الكثير من الناس واقفين يطلبون السيارات ، فمرت السيارة الأولى بي وطلبت من صاحبها أن يوصلنا إلى العوالي ، فطلب مني مبلغا قدره 150 ريالا ، وهذا مبلغ كبير جدا، مقارنة مع الأيام العادية إذ لا تتجاوز أجرة هذه المسافة ثلاثين ريالا ، ولكنه الحرص الشديد على الدنيا واللهث وراءها، والاستغلال الفظيع السيء لموسم الحج من أصحاب النقل ، وأغلبية التجار ، فلا تكاد تجد صاحب سيارة ، أجرة ؛ وغير أجرة ، ولا محل تجاري كبير أو صغير إلا وتجد عندهم من الجشع والطمع حتى يخيل إليك في بعض الأحيان عند بعضهم أنه يريد أن يبيعك بالقوة ، أو يأخذ ما في جيبك عنوة ، أما الاحتيال والكذب في رفع الأسعار ومضاعفتها مرتين أو ثلاث والبيع بعدة أسعار فيبيع هذا بسعر وهذا بسعر ، فحدث ولا حرج ، ولا تكاد تجد أو تلمس عندهم أدنى حرص على الصلاة بل الكثير منهم من لا يصلي وهو بجوار الحرمين ، فإذا حضرت الصلاة تجدهم يغلقون المحلات عليهم وبعضهم يخرج منها ويذهب إلى دورة المياه يستخفي هناك ، أو يتسكع في الشوارع معلنا بتركها غير خائف وفي يده السيجارة ،أو يعاكس النساء في وقت الصلاة ، حتى إذا انتهت الصلاة وبمجرد ما يسلم الإمام رجعوا إلى ما كانوا عليه ، وقد حصلت لي مناقشات كثيرة مع بعضهم ، بل هناك من صرح لنا أنه يسكن المدينة ولا يعرف المسجد النبوي من الداخل وهناك آخر يسكن بمكة منذ أربعين سنة لم يدخل المسجد الحرام ولا يعرف الكعبة بيت الله كيف هي إلا من خلال ما يرى في القنوات أو التلفاز ، ولا حول ولا قوة إلا بالله..
أخي القاريء أعود إلى الموضوع - واستسمحك على هذا الاستطراد - فأقول : رأيت صاحب سيارة عادية وأنا واقف أنتظر ، فرأيت عليه سمة الصلاح ،فهو صاحب لحية كثة ، وعرفت فيما بعد أنه مقصر لثوبه ، وعلى جبينه علامة السجود ، فتوسمت فيه الخير ، واستوقفته فوقف لي ، وبعد أن اتفقنا على أجرة النقل وصعدت السيارة ، وسارت بنا قليلا وبعد التعرف علينا أنا وزميلي قال: أين تريد أن أوصلكم ؟قلت : عند الشيخ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله -؟ فقال لي: الشيخ ربيع سعودي ؟ قلت له: ألا تعرف الشيخ ربيع ؟ قال لي لا أعرفه ومن يكون ؟ قلت : عالم محدث من كبار العلماء .. من مشايخنا ، كان مدرسا بالجامعة الإسلامية ، وله كتب كثيرة ، ثم انتقل إلى مكة فسكت قليلا ثم أعقب يقول : لا أعرفه ..
قلت : كيف ؛ الشيخ معروف عندنا في الجزائر ، وفي غيرها من البلاد الإسلامية بل في العالم عند المؤالف والمخالف ، فسكتَ ..وسكتُ أفكر في الموضوع ...
وبعد جزء ساعة من السكوت فاتحني بسؤاله : هل ترغب أن نقف نصلي في أي مسجد يعترضنا أو نواصل حتى نصلي في العوالي ، فقلت له : بل نقف نصلي ثم نواصل ، وشكرته لذلك ، وبعد صلاة العصر ونحن نخرج من المسجد ، مر بنا مجموعة من الروافض عليهم من الله ما يستحقون ، قال الرجل أنظر ، لهؤلاء المساكين ، لا يدرون شيئا ، ولكن المرشدين لهم هم الخبثاء ، قلت له : ولكن للأسف الشديد هناك في هذه البلاد الطيبة من الدعاة من يدعو إلى الاصطلاح معهم والتقارب بينهم بين أهل السنة ، وعلى سبيل المثال سعد البريك ، وعائض القرني ، وسلمان العودة ، فلما ذكرت هؤلاء؛ الرجل انتفض وقال لي هذا غير صحيح ، هذا كذب عليهم ، فمشايخنا يحذرون من الروافض ، ولكن يجب أن نفرق بين الرؤوس والأتباع ، فعرفت حقيقة الرجل ، وعرفت ما وراء الأكمه وما تحت الرماد بنفخة واحدة كان سببها قطيعا من الروافض الأنجاس الأوباش عليهم من الله ما يستحقون .
نعم لا يعرفون الشيخ لأنه لا يظهر في القنوات الفضائية ، وليس هو قصاصا يهرج مثل أولائك المهرجين ، ولا يصرخ فوق المنابر يتباكى عن حال الأمة مثل ما يفعله أولئك وهم أول من يخرج عنها فيمزق أديمها ويشتت جمعها، ولقد جمعني مجلس في مكتبة الشيخ محمد الرفاعي بمكة مع الدكتور رضا نعسان صهر الشيخ الألباني رحمه الله ، وما هي إلا لحظات ونحن في المجلس حتى دخلت علينا مجموعة من الناس لم أعرف فيهم أحدا إلا أني رأيت الشيخ الرفاعي تقدم لأحدهم وقال له مرحبا بالشيخ ، وبعد جلوسهم دار الحديث بينهم وبين صاحب المكتبة ، فإذا بالشيخ المذكور يثني على عائض القرني ويقول : أن له نشاطا طيبا وله جهود طيبة في الدعوة ..و..و .. وبعد أن انتهى من الثناء والإثراء عليه قلت له : إن عائض القرني الذي تثني عليه بهذا الإثراء يقول : إن النشيد الوطني الجزائري أبكاني ، أتدري ما في النشيد الوطني ...؟ وهو الذي بالأمس كان يدعم الحربيين والتكفيريين عندنا في الجزائر ، وهنا في المملكة أيضا، وفي محاضرته التي ألقاها في الجزائر في البليدة انتقص من السلفيين الذين يقفون في وجه أهل البدع وعاب عليهم انتقادهم له ولأهل البدع ، ثم قلت له : وهل غاب عليك بيان الشيخ ابن باز فيه وأصحابه سلمان وسفر وغيرهم .. فقاطعني أحدهم بصوت عال قائلا : لا تقل هذا عن شيخنا حفظه الله ، فهو من العلماء الذين لهم جهود كبيرة في الدعوة إلى الله ونشر الخير ، وتوجيه الشباب ، ثم قام وخرج ولم يتناول العشاء ، فواصلت حديثي قائلا ألم تعلم ما يقوله في المرأة ؟ ألم تر كيف ميعوا الدين ؟ وكيف ينتقلون ويتقلبون ؟ فقاطعني الشيخ الرفاعي أن غيّر الموضوع ، لما رأى دهشة الجماعة وتغير وجوههم ..
وحيثما جلستُ مع بعض الشباب أو بعض المجالس التي ينتابها بعض الطلاب إلا وسمعت ذكرا لأولئك الدعاة حتى أن هناك من سألناه عن الشيخ عبد العزيز آل الشيخ والشيخ الفوزان ، والشيخ صالح اللحيدان ، فقال :أولئك يدرسون العلم وهم هيئة كبار العلماء للفتوى فقط ، أما هؤلاء فهم دعاة الشباب ويعرفون متطلبات الشباب ، حينها عرفت أن منهج الإخوان الحزبيين من القطبيين والسروريين قد انتشر بشكل كبير مما جعل الشيخ ربيع في غربة وأي غربة ، فتذكرت قوله عليه الصلاة والسلام :<< بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء>> وفي رواية أخرى ؛ قيل: يا رسول الله، من الغرباء؟ قال : (( الذي يصلحون إذا فسد الناس))، وفي لفظ آخر: (( الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سنتي))، وفي لفظ آخر: (( هم أناس صالحون قليل في أناس سوءكثير)).وهو حديث صحيح .
وقد قرأت قديما كلاما جميلا جدا وأعجبني كثيرا في شرح هذا الحديث نسبه صاحب الكتاب لابن القيم رحمه الله ، أنقله هنا بما معناه .وهو أن أهل الإسلام غرباء في ملل الكفر ، فهم فيهم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود ، والمؤمنون غرباء في المسلمين ، فليس كل مسلم مؤمن أي تمكن الإيمان من قلبه فأصبح مؤمنا حقا ، فأهل الإسلام درجات في الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم : الإيمان بضع وستون – أو – سبعون شعبة أفضلها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، وأهل الإيمان يتفاوتون فيه ، لزيادته ونقصانه وأهل السنة غرباء في المؤمنين ، وتظهر غربتهم وسط اثنتين وسبعين فرقة ، فهم الفرقة الواحدة الناجية ، وهم الجماعة ، وهم من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أهل الحديث ، وأهل السنة ، وهؤلاء أيضا يتفاوتون في غربتهم فأشدهم تمسكا بالسنة؛ وعملا بها ؛ ودفاعا عنها يكون أشدهم غربة في وسط أهل السنة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون – أي الذين جاء ذكرهم في حديث الغرباء- أي صالحون في أنفسهم مصلحون ما أفسد الناس من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم الأمثل فالأمثل ، ويبتلى الرجل على قدر دينه ، ولا يشك منصف أن شيخنا ربيعا أشد الناس تمسكا بالسنة وأكثرهم دفاعا عنها لهذا كانت غربته شديدة نسأله الله تعالى أن يثبتنا وإياه وجميع السلفيين الغيورين على دين الله تعالى وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح ..
وقد تأكد لي ذلك يوم صليت الجمعة في مسجد الهندي بالتيسير قريبا من جرول وسمعت الإمام الخطيب يقول : اللهم فك قيد مشايخنا وإخواننا ويسر إطلاق سراحهم من سجون الكفرة ، وكادت تنزل هذه الكلمة علي كالصاعقة لأني لم أسمع منه ولا كلمة أو إشارة إلى الدعاء لولاة الأمر ، مع أن المعهود والمعروف إلى عهد قريب أنك لا تكاد تصلي في مسجد من مساجد المملكة إلا وتسمع الصلاة والسلام على رسول الله والترضي على الصحابة وخاصة الخلفاء الأربعة ، وباقي العشرة المبشرين بالجنة ، والدعاء لأولياء الأمور على طريقة السلف كما قال بعضهم رضي الله عنهم : إذا رأيت الرجل يدعو لولاة الأمر فاعلم أنه صاحب سنة ، وإذا رأيته يدعو عليهم فهو صاحب بدعة ، فعرفت أن الرجل منهم لأنه لا يعرف للسلفيين مشايخ في سجون الكفرة الأصليين ، ولا في سجون ولاة المسلمين إلا رؤوس التكفيريين ومن يناصرهم ...
وأخيرا أنا لا أشك أن مشايخنا الفضلاء على اطلاع كبير وقدر واسع لما يجري ، فالحرب دائرة بين أهل الحق وأهل الباطل ، ولا شك أن للباطل غدر وخيانة ، وأن له صولة وجولة يغذيه المنحرفون من أبناء جلدتنا الذين تلبسوا بلبوس السنة ومنهج السلف ، ويهدون بهدي المغضوب عليهم والضالين فهذه صيحة لأخواني السلفيين في كل مكان أن ينتبهوا لما يحاك لهم في خنادق الحزبية ، وبوتقة القطبيين ، وسرادق التكفيريين ، أسأل الله تعالى أن يكفي بلاد التوحيد والحرمين وبلادنا وجميع بلاد المسلمين شرهم ، إنه سميع مجيب .أملاه : أبو بكر يوسف لعويسي
الدويرة الجزائر العاصمة :13/محرم /1432هـ الموافق ل 20/12/2012م
تعليق