زوجات أهل الجنة:
من تمام اللذة واكتمال الغبطة الزوجة ، فبها يحصل الأنس ، وتحصل الفرحة ، ويكون التمتع ، فإذا كان في الدنيا يعتري ذلك شيء من النغص والضيق وحصول المشاكل وعدم اكتمال الغبطة واللذة والتمتع ، إلا أن الله عز وجل حقق بغية عباده المؤمنين في الجنة بما تشتهيه أنفسهم وتلذ به أعينهم . والزوجات من ضمن ذلك النعيم .
قال الله تعالى : [وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] سورة البقرة الآية 25 . أي : في جنات رب العالمين يكون لهم فيها الزوجات الطاهرات من كل خبث ومن كل سوء . قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والمطهرة من طهرت من الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكل قذر وكل أذى يكون من نساء الدنيا ، فطهر مع ذلك باطنها من الأخلاق السيئة ، والصفات المذمومة ، وطهر لسانها من الفحش والبذاء ، وطهر طرفها من أن تطمح به إلى غير زوجها ، وطهرت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ " <حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح باب 53ذكر نساء أهل الجنة وأصنافهن وحسنهن وأوصافهن وجمالهن ص 165 >
. عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد- يعني سوطه- خير من الدنيا وما فيها . ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأته ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" . لقد اتصفت الزوجات في الجنة بصفات عجيبة من الحسن والجمال والأدب وحسن المقال ، وهذا جزاء من الرب الكريم على ما كان من عباده المتقين من طيب الأعمال . قال تعالى : [كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ] <سورة الدخان الآية 54>. على ما كان من العطاء الجزيل من المولى عز وجل من النعيم لعباده ، كذلك يزوجهم بالحور العين .
ٍ
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والحور : جمع حوراء ، وهي المرأة الشابة الحسناء البيضاء شديدة سواد العين " <حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح باب 53 ص 166 > . وفي معرض تعداد نعم الله تعالى على عباده في الجنة قال تعالى : [وَحُورٌ عِينٌ]سورة الواقعة الآية 22 [ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ] سورة الواقعة الآية 23 .
قال صديق حسن خان : " [كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ] سورة الواقعة الآية 23 أو المصون في الصفاء والنقاء ، شبهن باللؤلؤ المكنون ، وهو الذي لم تمسه الأيدي ولا وقع عليه الغبار ، والشمس والهواء ، فهو أشد ما يكون صفاء . قال ابن عباس : " المكنون : المخزون الذي في الصدف " <فتح البيان في مقاصد القرآن 7 \ 259 > .
قال تعالى : [ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ] سورة الرحمن الآية 58 . قال الزمخشري : " قيل : هن في صفاء الياقوت وبياض المرجان وصغار الدر أنصع بياضا " <الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل> .
وقال تعالى : [ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ] سورة الصافات الآية 49. قال " ابن جرير رحمه الله تعالى : " شبهن في بياضهن ، وأنهن لم يمسهن قبل أزواجهن إنس ولا جان ببياض البيض الذي هو داخل القشر ، وذلك هو الجلدة الملبسة المح قبل أن تمسه يد أو شيء غيرها ، وذلك لا شك هو المكنون ، فأما القشرة العليا فإن الطائر يمسها ، والأيدي تباشرها ، والعش يلقاها . والعرب تقول لكل مصون مكنون ما كان ذلك الشيء لؤلؤا كان أو بيضا أو متاعا . . . " <جامع البيان عن تأويل آي القرآن 23 \ 57 > .
وقال تعالى : [ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ] سورة النبأ الآية 33. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : " النواهد اللاتي لم ينكسر ثديهن من شبابهن وقوتهن ونضارتهن على سن واحد متقارب . ومن عادة الأتراب أن يكن متآلفات ، متعاشرات ، وذلك السن الذي هن فيه ثلاث وثلاثون سنة أعدل ما يكون من الشباب "< تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 7 \ 555 .>
وقال تعالى : سورة الرحمن الآية 56[ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ] .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وصفهن سبحانه وتعالى بقصر الطرف في ثلاثة مواضع : أحدها : هذا . والثاني : قوله تعالى في الصافات : [ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ] سورة الصافات الآية 48 . والثالث : قوله تعالى في ص : [وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ] سورة ص الآية 52 والمفسرون كلهم على أن المعنى قصرن طرفهن على أزواجهن فلا يطمحن إلى غيرهم . وقيل : قصرن طرف أزواجهن فلا يدعهم حسنهن وجمالهن أن ينظروا إلى غيرهن ، وهذا صحيح من جهة المعنى ، وأما من جهة اللفظ فقاصرات صفة مضافة إلى الفاعل لحسان الوجوه ، وأصله قاصر طرفهن أي : ليس بطامح متعد " <حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح باب 53 فصل 1 ص167 .>
وقال رحمه الله تعالى : " [ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ]سورة الرحمن الآية 56 الجنة من حورها ، وبعضهم يقول : يعني نساء الدنيا أنشئن خلقا آخر أبكارا كما وصفن . قال أي لم يمسسن . قال المفسرون : لم يطأهن ولم يغشهن ولم يجامعهن ، هذه ألفاظهم وهم مختلفون في هؤلاء ، فبعضهم يقول : هن اللواتي أنشئن فيالشعبي : نساء من نساء الدنيا لم يمسسن منذ أنشئن خلقا .
وقال مقاتل : لأنهن خلقن في الجنة. وقال عطاء عن ابن عباس : هن الآدميات اللاتي متن أبكارا . وقال الكلبي : لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان . قلت- ابن القيم - : " ظاهر القرآن أن هؤلاء النسوة لسن من نساء الدنيا؛ وإنما هن من الحور العين ، وأما نساء الدنيا فقد طمثهن الإنس ، ونساء الجن قد طمثهن الجن ، والآية تدل على ذلك " <نفس المرجع السابق ص 168 . >
وقال تعالى : [فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ]سورة الرحمن الآية 70 [ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ]سورة الرحمن الآية 71 [ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ] سورة الرحمن الآية 72. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : " أي : في الجنات خيرات الأخلاق حسان الأوجه ، فجمعن بين جمال الظاهر والباطن ، وحسن الخفق والخلق ، محبوسات في خيام اللؤلؤ قد تهيأن وأعددن أنفسهن لأزواجهن ، ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين ورياض الجنة ، كما جرت العادة لبنات الملوك المخدرات الخفرات " الخفر : بالتحريك شدة الحياء . لسان العرب مادة (خفر) 4 \ 253 .<تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 7 \ 258 .>
وقال تعالى : [ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ]سورة الواقعة الآية 35 [ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ] سورة الواقعة الآية 36 [عُرُبًا أَتْرَابًا] سورة الواقعة الآية 37 قال صديق حسن خان : " قيل : هن الحور العين ، أنشأهن الله لم تقع عليهن الولادة ولم يسبقن بخلق . وإنهن لسن من نسل آدم عليه السلام ، بل مخترعات ، وهو ما جرى عليه أبو عبيدة وغيره . وقيل : المراد نساء بني آدم ، والمعنى أن الله سبحانه أعادهن بعد الموت إلى حال الشباب ، والنساء وإن لم يتقدم لهم ذكر لكنهن قد دخلن في أصحاب اليمين ، فتلخص أن نساء الدنيا يخلقهن الله في القيامة خلقا جديدا من غير توسط ولادة خلقا يناسب البقاء والدوام ، وذلك يستلزم كمال الخلق ، وتوفر القوى الجسمية ، وانتفاء سمات النقص ، كما أن خلق الحور العين على ذلك الوجه " <فتح البيان في مقاصد القرآن 9 \ 262 >دار الفكر العربي . .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : " [ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا] سورة الواقعة الآية 36 صغارهن وكبارهن ، وعموم ذلك يشمل الحور العين ونساء أهل الدنيا ، وأن هذا الوصف- وهو البكارة ملازم لهن في جميع الأحوال؟ كما أن كونهن [عُرُبًا أَتْرَابًا]سورة الواقعة الآية 37 ملازم لهن في كل حال . والعروب هي : المرأة المتحببة إلى بعلها ، وحسن هيئتها ودلالها وجمالها ومحبتها ، فهي التي إن تكلمت سبت العقول ، وود السامع أن كلامها لا ينقضي ، خصوصا عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة ، والنغمات المطربة ، وإن نظر إلى أدبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحا وسرورا ، وإن انتقلت من محل إلى آخر امتلأ ذلك الموضع منها ريحا طيبا ونورا . والأتراب : اللاتي على سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة التي هي غاية ما يتمنى ، أكمل سن الشباب ، فنساؤهم عرب أتراب ، متفقات مؤتلفات ، راضيات مرضيات ، ولا يحزن ولا يحزن بل هن أفراح النفوس ، وقرة العيون ، وجلاء الأبصار " <تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 7 \ 267 . >
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يمتخطون ، ولا يتغوطون . آنيتهم فيها الذهب ، أمشاطهم من الذهب والفضة ، ومجامرهم الألوة ، ورشحهم المسك . ولكل واحد منهم زوجتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم قلب واحد ، يسبحون الله بكرة وعشيا". صحيح البخاري بدء الخلق (3073),صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2834),سنن الترمذي صفة الجنة (2537),سنن ابن ماجه الزهد (4333),مسند أحمد بن حنبل (2/316),سنن الدارمي الرقاق (2823).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إن أول زمرة تدخلالجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء . لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم ، وما في الجنة أعزب " صحيح البخاري بدء الخلق (3074),صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2834),سنن الترمذي صفة الجنة (2537),سنن ابن ماجه الزهد (4333),مسند أحمد بن حنبل (2/232),سنن الدارمي الرقاق (2823). .
وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة ضوء وجوههم على مثل ضوء القمر ليلة البدر ، والزمرة الثانية على مثل أحسن كوكب دري في السماء . لكل رجل منهم زوجتان ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من ورائها " . سنن الترمذي صفة الجنة (2534),مسند أحمد بن حنبل (3/16).
وعن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة ، ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه " . دفعة : بفتح الدال المهملة وسكون الفاء : هي الدفعة من الدم . <تحفة الأحوذي 5 \ 303 >.
على ما كان من المولى عز وجل من الخلقة السوية لزوجات المؤمنين في الجنة ، ومن الجمال ، ومن الأدب ، والخلق ، والخصال الفاضلة الكثيرة ، والتي وقفنا على البعض منها ، ومما لا تتصوره العقول ، إلا أن الأمر فوق ذلك وأعظم .
ولقد جعل سبحانه وتعالى القوة القادرة والكافية للمؤمنين؛ ليتمكنوا من اللذة ، وبما يتلاءم مع تلك الزوجات . فقد أعطى سبحانه وتعالى لكل مؤمن قوة مائة رجل .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع " . قيل : يا رسول الله أو يطيق ذلك؟ قال : " يعطى قوة مائة" . سنن الترمذي صفة الجنة (2536).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والأحاديث الصحيحة إنما فيها أن لكل منهم زوجتين ، وليس في الصحيح زيادة على ذلك ، فإن كانت هذه الأحاديث محفوظة ، فإما أن يراد بها ما لكل واحد من السراري زيادة على الزوجتين ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلة والكثرة كالخدم والولدان ، وإما أن يراد أنه يعطى قوة من يجامع هذا العدد ويكون هذا هو المحفوظ ، فرواه بعض هؤلاء بالمعنى ، فقال : له كذا وكذا زوجة . وقد روى الترمذي في جامعه من حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع " قيل : يا رسول الله ، أو يطيق ذلك؟ قال : " يعطى قوة مائة" سنن الترمذي صفة الجنة (2536). هذا حديث صحيح ، فلعل من رواه يفضي إلى مائة عذراء رواه بالمعنى ، أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات . والله أعلم . ولا ريب أن للمؤمن في الجنة أكثر من اثنتين لما في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني عن أبي بكر عن عبد الله بن قيس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة ، طولها ستون ميلا ، للعبد المؤمن فيها أهلون ، فيطوف عليهم ، لا يرى بعضهم بعضا" .
في الجنة تتحقق أمنية المتمنين ، وتحصل رغبة الراغبين ، مما يخطر على البال ، وتشتهي الأنفس ، وذلك بفضل أرحم الراحمين .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. "المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي".
قال الترمذي : " وقد اختلف أهل العلم في هذا ، فقال بعضهم : في الجنة جماع ولا يكون ولد ، هكذا روي عن طاوس ومجاهد وإبراهيم النخعي .
وقال محمد- يعني البخاري - قال إسحاق بن إبراهيم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة واحدة كما يشتهي ولكن لا يشتهي" سنن الترمذي صفة الجنة (2563),سنن ابن ماجه الزهد (433,سنن الدارمي الرقاق (2834).
قال محمد- يعني البخاري - : وقد روي عن أبي رزين العقيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد ".
وفي مشهد مؤنس للمؤمنين في الجنة نجد الحوريات يطربن أزواجهن بالغناء الذي يهز الأشواق ، ويرقق القلوب ، ويجلب الفرحة والسرور .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط . إن مما يغنين : نحن الخيرات الحسان ، أزواج قوم كرام ، ينظرن بقرة أعيان . وإن مما يغنين به : نحن الخالدات فلا يمتنه ، نحن الآمنات فلا يخفنه ، نحن المقيمات فلا يظعنه ".
وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الحور العين لتغنين في الجنة . يقلن : نحن الحور الحسان ، خبئنا لأزواج كرام .
لا يتمنى المؤمن شيئا في الجنة إلا كان بين يديه ، ولا ترغب نفسه حاجة من الحاجات إلا حققت له ، مما يخطر على باله؛ لأنه في دار السعادة والنعيم ، دار من قد رضي الله عنهم ورضوا عنه .
مجلة البحوث الإسلامية العدد 54
من تمام اللذة واكتمال الغبطة الزوجة ، فبها يحصل الأنس ، وتحصل الفرحة ، ويكون التمتع ، فإذا كان في الدنيا يعتري ذلك شيء من النغص والضيق وحصول المشاكل وعدم اكتمال الغبطة واللذة والتمتع ، إلا أن الله عز وجل حقق بغية عباده المؤمنين في الجنة بما تشتهيه أنفسهم وتلذ به أعينهم . والزوجات من ضمن ذلك النعيم .
قال الله تعالى : [وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] سورة البقرة الآية 25 . أي : في جنات رب العالمين يكون لهم فيها الزوجات الطاهرات من كل خبث ومن كل سوء . قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والمطهرة من طهرت من الحيض والبول والنفاس والغائط والمخاط والبصاق وكل قذر وكل أذى يكون من نساء الدنيا ، فطهر مع ذلك باطنها من الأخلاق السيئة ، والصفات المذمومة ، وطهر لسانها من الفحش والبذاء ، وطهر طرفها من أن تطمح به إلى غير زوجها ، وطهرت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ " <حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح باب 53ذكر نساء أهل الجنة وأصنافهن وحسنهن وأوصافهن وجمالهن ص 165 >
. عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد- يعني سوطه- خير من الدنيا وما فيها . ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأته ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها" . لقد اتصفت الزوجات في الجنة بصفات عجيبة من الحسن والجمال والأدب وحسن المقال ، وهذا جزاء من الرب الكريم على ما كان من عباده المتقين من طيب الأعمال . قال تعالى : [كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ] <سورة الدخان الآية 54>. على ما كان من العطاء الجزيل من المولى عز وجل من النعيم لعباده ، كذلك يزوجهم بالحور العين .
ٍ
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والحور : جمع حوراء ، وهي المرأة الشابة الحسناء البيضاء شديدة سواد العين " <حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح باب 53 ص 166 > . وفي معرض تعداد نعم الله تعالى على عباده في الجنة قال تعالى : [وَحُورٌ عِينٌ]سورة الواقعة الآية 22 [ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ] سورة الواقعة الآية 23 .
قال صديق حسن خان : " [كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ] سورة الواقعة الآية 23 أو المصون في الصفاء والنقاء ، شبهن باللؤلؤ المكنون ، وهو الذي لم تمسه الأيدي ولا وقع عليه الغبار ، والشمس والهواء ، فهو أشد ما يكون صفاء . قال ابن عباس : " المكنون : المخزون الذي في الصدف " <فتح البيان في مقاصد القرآن 7 \ 259 > .
قال تعالى : [ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ] سورة الرحمن الآية 58 . قال الزمخشري : " قيل : هن في صفاء الياقوت وبياض المرجان وصغار الدر أنصع بياضا " <الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل> .
وقال تعالى : [ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ] سورة الصافات الآية 49. قال " ابن جرير رحمه الله تعالى : " شبهن في بياضهن ، وأنهن لم يمسهن قبل أزواجهن إنس ولا جان ببياض البيض الذي هو داخل القشر ، وذلك هو الجلدة الملبسة المح قبل أن تمسه يد أو شيء غيرها ، وذلك لا شك هو المكنون ، فأما القشرة العليا فإن الطائر يمسها ، والأيدي تباشرها ، والعش يلقاها . والعرب تقول لكل مصون مكنون ما كان ذلك الشيء لؤلؤا كان أو بيضا أو متاعا . . . " <جامع البيان عن تأويل آي القرآن 23 \ 57 > .
وقال تعالى : [ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ] سورة النبأ الآية 33. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : " النواهد اللاتي لم ينكسر ثديهن من شبابهن وقوتهن ونضارتهن على سن واحد متقارب . ومن عادة الأتراب أن يكن متآلفات ، متعاشرات ، وذلك السن الذي هن فيه ثلاث وثلاثون سنة أعدل ما يكون من الشباب "< تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 7 \ 555 .>
وقال تعالى : سورة الرحمن الآية 56[ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ] .
وقال رحمه الله تعالى : " [ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ ]سورة الرحمن الآية 56 الجنة من حورها ، وبعضهم يقول : يعني نساء الدنيا أنشئن خلقا آخر أبكارا كما وصفن . قال أي لم يمسسن . قال المفسرون : لم يطأهن ولم يغشهن ولم يجامعهن ، هذه ألفاظهم وهم مختلفون في هؤلاء ، فبعضهم يقول : هن اللواتي أنشئن فيالشعبي : نساء من نساء الدنيا لم يمسسن منذ أنشئن خلقا .
وقال مقاتل : لأنهن خلقن في الجنة. وقال عطاء عن ابن عباس : هن الآدميات اللاتي متن أبكارا . وقال الكلبي : لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان . قلت- ابن القيم - : " ظاهر القرآن أن هؤلاء النسوة لسن من نساء الدنيا؛ وإنما هن من الحور العين ، وأما نساء الدنيا فقد طمثهن الإنس ، ونساء الجن قد طمثهن الجن ، والآية تدل على ذلك " <نفس المرجع السابق ص 168 . >
وقال تعالى : [فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ ]سورة الرحمن الآية 70 [ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ]سورة الرحمن الآية 71 [ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ] سورة الرحمن الآية 72. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : " أي : في الجنات خيرات الأخلاق حسان الأوجه ، فجمعن بين جمال الظاهر والباطن ، وحسن الخفق والخلق ، محبوسات في خيام اللؤلؤ قد تهيأن وأعددن أنفسهن لأزواجهن ، ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين ورياض الجنة ، كما جرت العادة لبنات الملوك المخدرات الخفرات " الخفر : بالتحريك شدة الحياء . لسان العرب مادة (خفر) 4 \ 253 .<تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 7 \ 258 .>
وقال تعالى : [ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ]سورة الواقعة الآية 35 [ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ] سورة الواقعة الآية 36 [عُرُبًا أَتْرَابًا] سورة الواقعة الآية 37 قال صديق حسن خان : " قيل : هن الحور العين ، أنشأهن الله لم تقع عليهن الولادة ولم يسبقن بخلق . وإنهن لسن من نسل آدم عليه السلام ، بل مخترعات ، وهو ما جرى عليه أبو عبيدة وغيره . وقيل : المراد نساء بني آدم ، والمعنى أن الله سبحانه أعادهن بعد الموت إلى حال الشباب ، والنساء وإن لم يتقدم لهم ذكر لكنهن قد دخلن في أصحاب اليمين ، فتلخص أن نساء الدنيا يخلقهن الله في القيامة خلقا جديدا من غير توسط ولادة خلقا يناسب البقاء والدوام ، وذلك يستلزم كمال الخلق ، وتوفر القوى الجسمية ، وانتفاء سمات النقص ، كما أن خلق الحور العين على ذلك الوجه " <فتح البيان في مقاصد القرآن 9 \ 262 >دار الفكر العربي . .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى : " [ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا] سورة الواقعة الآية 36 صغارهن وكبارهن ، وعموم ذلك يشمل الحور العين ونساء أهل الدنيا ، وأن هذا الوصف- وهو البكارة ملازم لهن في جميع الأحوال؟ كما أن كونهن [عُرُبًا أَتْرَابًا]سورة الواقعة الآية 37 ملازم لهن في كل حال . والعروب هي : المرأة المتحببة إلى بعلها ، وحسن هيئتها ودلالها وجمالها ومحبتها ، فهي التي إن تكلمت سبت العقول ، وود السامع أن كلامها لا ينقضي ، خصوصا عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة ، والنغمات المطربة ، وإن نظر إلى أدبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحا وسرورا ، وإن انتقلت من محل إلى آخر امتلأ ذلك الموضع منها ريحا طيبا ونورا . والأتراب : اللاتي على سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة التي هي غاية ما يتمنى ، أكمل سن الشباب ، فنساؤهم عرب أتراب ، متفقات مؤتلفات ، راضيات مرضيات ، ولا يحزن ولا يحزن بل هن أفراح النفوس ، وقرة العيون ، وجلاء الأبصار " <تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان 7 \ 267 . >
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يمتخطون ، ولا يتغوطون . آنيتهم فيها الذهب ، أمشاطهم من الذهب والفضة ، ومجامرهم الألوة ، ورشحهم المسك . ولكل واحد منهم زوجتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم قلب واحد ، يسبحون الله بكرة وعشيا". صحيح البخاري بدء الخلق (3073),صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2834),سنن الترمذي صفة الجنة (2537),سنن ابن ماجه الزهد (4333),مسند أحمد بن حنبل (2/316),سنن الدارمي الرقاق (2823).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إن أول زمرة تدخلالجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء . لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان ، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم ، وما في الجنة أعزب " صحيح البخاري بدء الخلق (3074),صحيح مسلم الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2834),سنن الترمذي صفة الجنة (2537),سنن ابن ماجه الزهد (4333),مسند أحمد بن حنبل (2/232),سنن الدارمي الرقاق (2823). .
وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" أول زمرة يدخلون الجنة يوم القيامة ضوء وجوههم على مثل ضوء القمر ليلة البدر ، والزمرة الثانية على مثل أحسن كوكب دري في السماء . لكل رجل منهم زوجتان ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من ورائها " . سنن الترمذي صفة الجنة (2534),مسند أحمد بن حنبل (3/16).
وعن المقدام بن معدي كرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة ، ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه " . دفعة : بفتح الدال المهملة وسكون الفاء : هي الدفعة من الدم . <تحفة الأحوذي 5 \ 303 >.
على ما كان من المولى عز وجل من الخلقة السوية لزوجات المؤمنين في الجنة ، ومن الجمال ، ومن الأدب ، والخلق ، والخصال الفاضلة الكثيرة ، والتي وقفنا على البعض منها ، ومما لا تتصوره العقول ، إلا أن الأمر فوق ذلك وأعظم .
ولقد جعل سبحانه وتعالى القوة القادرة والكافية للمؤمنين؛ ليتمكنوا من اللذة ، وبما يتلاءم مع تلك الزوجات . فقد أعطى سبحانه وتعالى لكل مؤمن قوة مائة رجل .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع " . قيل : يا رسول الله أو يطيق ذلك؟ قال : " يعطى قوة مائة" . سنن الترمذي صفة الجنة (2536).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " والأحاديث الصحيحة إنما فيها أن لكل منهم زوجتين ، وليس في الصحيح زيادة على ذلك ، فإن كانت هذه الأحاديث محفوظة ، فإما أن يراد بها ما لكل واحد من السراري زيادة على الزوجتين ويكونون في ذلك على حسب منازلهم في القلة والكثرة كالخدم والولدان ، وإما أن يراد أنه يعطى قوة من يجامع هذا العدد ويكون هذا هو المحفوظ ، فرواه بعض هؤلاء بالمعنى ، فقال : له كذا وكذا زوجة . وقد روى الترمذي في جامعه من حديث قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع " قيل : يا رسول الله ، أو يطيق ذلك؟ قال : " يعطى قوة مائة" سنن الترمذي صفة الجنة (2536). هذا حديث صحيح ، فلعل من رواه يفضي إلى مائة عذراء رواه بالمعنى ، أو يكون تفاوتهم في عدد النساء بحسب تفاوتهم في الدرجات . والله أعلم . ولا ريب أن للمؤمن في الجنة أكثر من اثنتين لما في الصحيحين من حديث أبي عمران الجوني عن أبي بكر عن عبد الله بن قيس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للعبد المؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة ، طولها ستون ميلا ، للعبد المؤمن فيها أهلون ، فيطوف عليهم ، لا يرى بعضهم بعضا" .
في الجنة تتحقق أمنية المتمنين ، وتحصل رغبة الراغبين ، مما يخطر على البال ، وتشتهي الأنفس ، وذلك بفضل أرحم الراحمين .
قال الترمذي : " وقد اختلف أهل العلم في هذا ، فقال بعضهم : في الجنة جماع ولا يكون ولد ، هكذا روي عن طاوس ومجاهد وإبراهيم النخعي .
وقال محمد- يعني البخاري - قال إسحاق بن إبراهيم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان في ساعة واحدة كما يشتهي ولكن لا يشتهي" سنن الترمذي صفة الجنة (2563),سنن ابن ماجه الزهد (433,سنن الدارمي الرقاق (2834).
قال محمد- يعني البخاري - : وقد روي عن أبي رزين العقيلي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد ".
وفي مشهد مؤنس للمؤمنين في الجنة نجد الحوريات يطربن أزواجهن بالغناء الذي يهز الأشواق ، ويرقق القلوب ، ويجلب الفرحة والسرور .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط . إن مما يغنين : نحن الخيرات الحسان ، أزواج قوم كرام ، ينظرن بقرة أعيان . وإن مما يغنين به : نحن الخالدات فلا يمتنه ، نحن الآمنات فلا يخفنه ، نحن المقيمات فلا يظعنه ".
لا يتمنى المؤمن شيئا في الجنة إلا كان بين يديه ، ولا ترغب نفسه حاجة من الحاجات إلا حققت له ، مما يخطر على باله؛ لأنه في دار السعادة والنعيم ، دار من قد رضي الله عنهم ورضوا عنه .
مجلة البحوث الإسلامية العدد 54