باب في أحكام إزالة النجاسة
فكما أنه مطلوب من المسلم أن يكون طاهرا من الحدث إذا أراد الصلاة ، فكذلك مطلوب منه طهارة البدن والثوب والبقعة من النجاسة ، قال تعالى : وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة بغسل دم الحيض من ثوبها .
لما كان الأمر كذلك تطلب منا أن نلقي الضوء على هذا الموضوع ، وهو موضوع إزالة النجاسة ، عارضين لأهم أحكامه ، رجاء أن ينتفع بذلك من يقرؤه من إخواننا المسلمين ، ولقد كان الفقهاء رحمهم الله يعقدون لهذا الموضوع بابا خاصا ، يسمونه باب إزالة النجاسة ، أي : تطهير موارد النجاسة التي تطرأ على محل طاهر من الثياب والأواني والفرش والبقاع ونحوها .
والأصل الذي تزال به النجاسة هو الماء ، فهو الأصل في التطهير ؛ لأن الله وصفه بذلك كما في قوله تعالى : وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ .
والنجاسة التي تجب إزالتها :
- إما أن تكون على وجه الأرض ، وما اتصل بها من الحيطان والأحواض والصخور ، فهذه يكفي في تطهيرها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة ، بمعنى أنها تغمر بالماء بصبه عليها مرة واحدة ؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بصب الماء على بول الأعرابي الذي بال في المسجد وكذا إذا غمرت بماء المطر والسيول ، فإذا زالت بصب الماء عليها أو بماء المطر النازل أو الجاري عليها كفى ذلك في تطهيرها .
- وإن كانت النجاسة على غير الأرض وما اتصل بها :
فإن كانت من كلب أو خنزير وما تولد منهما فتطهيرها بسبع غسلات ، إحداهن بالتراب ، بأن يجعل التراب مع إحدى الغسلات لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا ، أولاهن بالتراب ، رواه مسلم وغيره ، وهذا الحكم عام في الإناء وغيره كالثياب والفرش .
وإن كانت نجاسة غير كلب أو خنزير كالبول والغائط والدم ونحوها ، فإنها تغسل بالماء مع الفرك والعصر حتى تزول ، فلا يبقى لها عين ولا لون .
فالمغسولات على ثلاثة أنواع :
النوع الأول : ما يمكن عصره مثل الثوب ، فلا بد من عصره .
النوع الثاني : ما لا يمكن عصره ، ويمكن تقليبه كالجلود ونحوها ، فلا بد من تقليبه .
النوع الثالث : ما لا يمكن عصره ولا تقليبه ، فلا بد من دقه وتثقيله ، بأن يضع عليه شيئا ثقيلا ، حتى يذهب أكثر ما فيه من الماء .
- وإن خفي موضع نجاسة في بدن أو ثوب أو بقعة صغيرة كمصلى صغير ، وجب غسل ما احتمل وجود النجاسة فيه ، حتى يجزم بزوالها ، وإن لم يدر في أي جهة منه غسله جميعه .
- ويكفي في تطهير بول الغلام الذي لم يأكل الطعام رشه بالماء ؛ لحديث أم قيس أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجلسه في حجره ، فبال على ثوبه ، فدعا بماء ، فنضحه ولم يغسله ، متفق عليه .
وإن كان يأكل الطعام لشهوة واختيار فبوله مثل بول الكبير ، وكذا بول الأنثى الصغيرة مثل بول الكبيرة ، وفي جميع هذه الأحوال يغسل كغسل سائر النجاسات .
فالنجاسات على ثلاثة أنواع : نجاسة مغلظة ، وهي نجاسة الكلب ونحوه ، ونجاسة مخففة ، وهي نجاسة الغلام الذي لا يأكل الطعام ، ونجاسة بين ذلك ، وهي بقية النجاسات .
ويجب أن نعرف ما هو طاهر ، وما هو نجس من أرواث وأبوال الحيوانات ، فما كان يحل أكل لحمه منها فبوله وروثه طاهر ، كالإبل والبقر والغنم ونحوها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنين أن يلحقوا بإبل الصدقة ، فيشربوا من أبوالها وألبانها . متفق عليه فدل على طهارة بولها لأن النجس لا يباح التداوي به وشربه ، فإن قيل : إنما أبيح للضرورة قلنا : لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة ، وفي " الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مرابض الغنم ، وأمر بالصلاة فيها ، وهي لا شك تبول فيها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الأصل في الأرواث الطهارة ، إلا ما استثنى ... " انتهى .
وسؤر ما يؤكل لحمه طاهر وهو بقية طعامه وشرابه ، وسؤر الهرة طاهر لحديث أبي قتادة في الهرة قال : إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات ، رواه الترمذي وغيره وصححه ، شبهها بالمماليك من خدم البيت الذين يطوفون على أهله للخدمة ولعدم التحرز منها ، ففي ذلك رفع للحرج والمشقة .
وألحق بعض العلماء بالهرة ما كان دونها في الخلقة من طير وغيره ، فسؤره طاهر كسؤر الهرة بجامع الطواف ، وما عدا الهرة وما ألحق بها مما لا يؤكل لحمه ، فروثه وبوله وسؤره نجس .
أيها المسلم عليك أن تهتم بالطهارة ظاهرا وباطنا ، باطنا بالتوحيد والإخلاص لله في القول والعمل ، وظاهرا بالطهارة من الحدث والأنجاس ، فإن ديننا دين الطهارة والنظافة والنزاهة من الأقذار الحسية والمعنوية ، فالمسلم طاهر نزيه ملازم للطهارة ، وقال صلى الله عليه وسلم : الطهور شطر الإيمان ... .
فعليك يا عبد الله بالاهتمام بالطهارة ، والابتعاد عن الأنجاس ، فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عامة عذاب القبر من البول حينما لا يتحرز منه الإنسان ، فإذا أصابك نجاسة فبادر إلى تطهيرها ما أمكنك لتبقى طاهرا ، لا سيما عندما تريد الصلاة ، فتفقد حالك من جهة الطهارة ، وعندما تريد الدخول في المسجد فانظر في نعليك ، فإن وجدت فيهما أذى فامسحهما ونقهما ، ولا تدخل بهما ، أو تدخلهما في المسجد وفيهما نجاسة .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه من القول والعمل .
المصدر: الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان .
الرابط:http://www.alfawzan.ws/alfawzan/book...b1%d8%aa%d9%87
تعليق