قال تعالى في سورة المائدة: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾.
العدوان الصهيوني الوحشي على لبنان وأثره المأسوي على المنطقة العربية وسُبل حماية أبناء الأمة من عقيدة الروافض.
وكتبه الشيخ:
أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الأثري.
الحمد الله أحمدك ربّي تعالى، وأسألك أعلى مراتب الشهادة، وأشهد أن لا إله إلا أنت وأستودعك هذه الشهادة، وأبوء لك بنعمتك عليّ وأستزيدك منها، والشكر قمن بالزيادة، وأبرأ إليك من الحول والقوة والإرادة، أحمدك وأنت ولي الصّالحين، وعدت بالعقبى لكل من أطاعك واتقاك في كل حين، وأنذرت بالخزي لكل من عداك من الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله إمام المجاهدين، ورضي الله عن صحابته أجمعين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وباقي الصّحب أجمعين، وآله الطيبين، وزوجاته الحسان الطاهرات؛ الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده، وبذلوا في سبيل إعلاء كلمة الله النفس والنفيس، حتى أتاهم الله اليقين.
أما بعد:
مما لا شك فيه ولا ريب أن من حُرم التوفيق فقد عظمت مصيبته، ومن نصب العداء لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعمرو بن العاص، ومعاوية، وعائشة أم المؤمنين، فقد اسود وجهه، وبان فشله، وإن حاول ستره بسراب من الأكاذيب السافرة، والشعارات الجوفاء، بل حاله كما قال العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج (1/22): (ومن خُبثِ القُلوبِ أن يكون في قلب العبد غلٌّ لخيار المؤمنين، وسادة أولياء الله بعد النبيين، ولهذا لم يجعل الله تعالى في الفيء نصيبا لمن بعدهم، إلا الذين يقولون: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ))اهـ.
فللجهاد الشرعي يا أبناء الأمة أهله ورجاله، وشروطه وأركانه، وزمانه ومكانه، فانتبهوا، واعلموا أن الرزق مقسوم، وأن كلّ نفس ذائقة الموت، وأن ما قُدّر أزلا لا يخشى فيه الفوت، وأن الجنة تحت ظلال سيوف أهل الحق صدقا لا زورا، وأن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمَه اللهُ على النار، وأن الشهداء حقا عند الله من الأحياء، وأن المرابط بالثغور خير من مجاور بيت الله الحرام.
فإذا كان الأمرُ كذلك فإنه يتعين على العاقل والمخلص لربّه تعالى ثم الوفيّ لوطنه المسلم؛ الذي يقاتل في ربوعه من أجل إثبات الحق، ودحر محور الشرّ وأعوانه؛ معرفةُ المسائل الشرعية من مصادرها المتينة والأمينة، ودراسة كتاب الجهاد من سورة الأنفال، وبراءة، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ فصوله من صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، والسيرة المنقحة، ويكون له قدم ثابتة في الوقوف على مصنفات أئمة الإسلام في باب المناهج والفرق والطوائف، فتكون له إلمامة بكتاب السنة لابن أبي عاصم، وكتاب أصول الاعتقاد للالكائي، والسنة للخلال، والمحجة لقوام السنة، وكتاب الشريعة للآجري، ويكون له فهم للحقائق الكونية والاعتبار بها لتسخيرها في نصرة الحق، إذا أراد وأنصارُه جرّ الخميس العرمرم القمقام إلى أولياء إبليس الطغام اللئام، والتوجه إلى أعداء الله من اليهود ركبانا ورجالا، حتى يخرجوا إلى الإسلام من أديانهم، أو يعطوا الجزية صغرة أيديهم، أو تستلب أنفسهم من أبدانهم، وتجتذب رؤوسهم من تيجانهم، فجموع ذوي الإلحاد عند المفعمين بمنهج أهل السنة والجماعة مكسرة، وإن كانت بالتعداد مكثرة، وجيوش أولي الكفر والعناد مُدبرة مدمرة، وإن كانت بتحليلاتهم السياسية وعقولهم الملوثة مقدمة مدبِّرة، وعزمات رجال الضلال مؤنثة مصغرة، وإن كانت ذواتهم مذكرة مكبرة، والله العاصم من شر اليهود وأذنابهم.
**الحقيقة الأولــــى:
إنّ أوّل ما يجب على المسلمين إدراكه خبثُ اليهود؛ قتلة الأنبياء، وزعماء الغدر والبهتان، والسبّاقون إلى نقض العهود والمواثيق؛ الذين لن يهدأ لهم بال، ويستقر لهم قرار -في وقت أمدتهم الصليبية الشمطاء يدّ المؤازرة-، حتى يحققوا ما سطروه في غابر الأزمان، من بناء دولة من النيل إلى الفرات، وها هو الفرات وضواحيه يرضخ تحت خناجر الاحتلال، وسموم أهل الكفر والضلال من أمريكان ورفض وخوارج، متزامنا مع أعين اليهود الممدودة إلى النيل الأزرق، ينتظرون الوقت السانح للكرّ والغدر، متسترين وراء ستار مسرحية السّلام التي يوزعون أدوارها على بعض الجهات، ويغيرون فصولها وينقحون نصّها بتغير الأحداث والإحداثيات، فمن أوسلو، إلى مدريد، إلى شرم الشيخ، إلى خريطة الطريق، إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد، إلى.... كلها أكاذيب متقنة الحبك والنسيج، يبتغي اليهود وأنصارهم من ورائها تخدير الشعوب الإسلامية، وبسط الهيمنة على ما تبقى من صرح الأمة المتماسك، واستنزاف خيراتها، وبث الفرقة والخلاف في كل قرية يدخلونها بعد ما يجعلون أعزة أهلها أذلة، وكذلك الكفار يفعلون؛ كما هو الحال في العراق المنكوب، وغزة جريحة والله المستعان، وقد وقف على هذه الحقائق أخيرا الأمينُ العام للجامعة العربية، وثلة من زعماء المسلمين، وأعلنوها صريحة وموشحة بشيء من الحياء؛ إن عملية السلام في الشرق الأوسط ولدت ميتة!.
إن السّلام مع يهود بني قينقاع وبني النضير، وقريضة، وأضرابهم ممن تربى في حجر الصليبية والشيوعية يجب أن يكون بخطوط واضحة يا ولاة الأمور حفظكم الله، ووقفات شامخة، وبنود تحفظ للمسلمين ماء وجوهم، وتجنبكم سخط الله ثم سخط الشعوب المتنامي، وتربي في أبناء الأمة الثقة بولاة أمورهم والولاء لهم؛ حتى إذا فكر اليهود في نقضه، والكرّ على أسيادهم، والاعتداء على أوطان المسلمين، وتدمير بنيتهم التحتية كما يحدث في غزة المنكوبة ولبنان الشقيق؛ تجلت لهم صور الجلاء وما أصاب أسلافهم من بني النضير، حين حشروا إلى الشام، وكان أول حشر في الدنيا وفيهم نزل قوله تعالى (سبّح لله) إلى قوله (لأول الحشر)، حتى كان يسميها ابن عباس سورة بني النضير، وكان هذا منه صلى الله عليه وسلم صلحا، ولولا ذلك لعذبهم الله في الدنيا بالقتل والسباء.
إن الصلح مع يهود يجب أن تتجلى فيه معالم المصلحة العليا للأمة الإسلامية، وتنطفئ معه بوادر الفتن، ولهيب الحروب والإحن ولو إلى حين، ويشعر فيه المسلمون بالأمن في الأوطان، والحرية في اتخاذ القرار، والقدرة على ترتيب البيت المسلم من الداخل.
وقد وضّح علماؤنا أصول الصلح مع يهود، وها أنا انقل فتوى مفتي الديار الإسلامية العلاّمة المجاهد عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في حكم الصّلح مع يهود وغيرهم من الكفار، تحت قاعدة: (ما تقتضيه المصلحة يُعْمَلُ به من الصّلح وعدمه).
س3: هل يجوز بناء على الهدنة مع اليهودي تمكينه بما يسمى بمعاهدات التطبيع، من الاستفادة من الدول الإسلامية، اقتصاديا وغير ذلك من المجالات، بما يعود عليه بالمنافع العظيمة، ويزيد من قوته وتفوقه، وتمكينه في البلاد الإسلامية المغتصبة، وأن على المسلمين أن يفتحوا أسواقهم لبيع بضائعه، وأنه يجب عليهم تأسيس مؤسسات اقتصادية، كالبنوك والشركات يشترك اليهود فيها مع المسلمين، وأنه يجب أن يشتركوا كذلك في مصادر
المياه؛ كالنيل والفرات، وإن لم يكن جاريا في أرض فلسطين؟
ج3: لا يلزم من الصلح بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اليهود ما ذكره السائل بالنسبة إلى بقية الدول، بل كل دولة تنظر في مصلحتها، فإذا رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء، وغير ذلك من المعاملات التي يجيزها شرع الله المطهر، فلا بأس في ذلك، إن رأت أن المصلحة لها ولشعبها مقاطعة اليهود فعلت ما تقتضيه المصلحة الشرعية، وهكذا بقية الدول الكافرة حكمها حكم اليهود في ذلك، والواجب على كل من تولى أمر المسلمين، سواء كان ملكا أو أميرا أو رئيس جمهورية أن ينظر في مصالح شعبه فيسمح بما ينفعهم ويكون في مصلحتهم من الأمور التي لا يمنع منها شرع الله المطهر، ويمنع ما سوى ذلك مع أي دولة من دول الكفر، عملا بقول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58]، وقوله سبحانه: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) الأنفال: 61] الآية. وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مصالحته لأهل مكة ولليهود في المدينة وفي خيبر. وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والعبد راع في مال سيده ومسئول عن رعيته )، ثم قال صلى الله عليه وسلم (ألا فكلكم راع ومسئول عن رعيته) وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27]، وهذا كله عند العجز عن قتال المشركين، والعجز عن إلزامهم بالجزية إذا كانوا من أهل الكتاب أو المجوس .. أما مع القدرة على جهادهم وإلزامهم بالدخول في الإسلام أو القتل أو دفع الجزية إن كانوا من أهلها، فلا تجوز المصالحة معهم، وترك القتال وترك الجزية.. وإنما تجوز المصالحة عند الحاجة أو الضرورة مع العجز عن قتالهم أو إلزامهم بالجزية إن كانوا من أهلها، لما تقدم من قوله سبحانه وتعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29]،وقوله عز وجل: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال: 39] ، إلى غير ذلك من الآيات المعلومة في ذلك، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة يوم الحديبية ويوم الفتح، ومع اليهود حين قدم المدينة يدل على ما ذكرنا. والله المسئول أن يوفق المسلمين لكل خير، وأن يصلح أحوالهم ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يعينهم على جهاد أعداء الله على الوجه الذي يرضيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
س2: هل تعني الهدنة المطلقة مع العدو إقراره على ما اقتطعه من أرض المسلمين في فلسطين، وأنها قد أصبحت حقا أبديا لليهود بموجب معاهدات تصدق عليها الأمم المتحدة التي تمثل جميع أمم الأرض. وتخول الأمم المتحدة عقوبة أي دولة تطالب مرة أخرى باسترداد هذه الأرض أو قتال اليهود فيها ؟
ج2: الصلح بين ولي أمر المسلمين في فلسطين وبين اليهود لا يقتضي تمليك اليهود لما تحت أيديهم تمليكا أبديا، وإنما يقتضي ذلك تمليكهم تمليكا مؤقتا حتى تنتهي الهدنة المؤقتة أو يقوى المسلمون على إبعادهم عن ديار المسلمين بالقوة في الهدنة المطلقة. وهكذا يجب قتالهم عند القدرة حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وهكذا النصارى والمجوس؛ لقول الله سبحانه في سورة التوبة: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29] ، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم (أنه أخذ الجزية من المجوس) وبذلك صار لهم حكم أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط إذا لم يسلموا. أما حل الطعام والنساء للمسلمين فمختص بأهل الكتاب، كما نص عليه كتاب الله سبحانه في سورة المائدة. وقد صرح الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) الآية [الأنفال: 61] بمعنى ما ذكرنا في شأن الصلح.
قال أبو عبد الباري: رحم الله العلامة المجاهد عبد العزيز بن عبد الله بن باز وأسكنه فسيح جناته.
**الحقيقة الثانية:
إن خبثَ اليهود وعدائهم لأهل الحق قديمٌ، كما جاء واضحا في القرآن الكريم، فلا يليق ببعض الجهات العربية وصف اليهود بالعدل والحضارة، وأنهم أرقى من بعض الدول الإسلامية في باب التعامل، أو أن تقوم بتخفيف كواهلهم من وزر الجرائم التي يرتكبونها في حق البشرية، أوأنهم -ما شاء الله- مُسالمون، ويلهثون وراء تطبيع العلاقات مع المسلمين، وأنهم لا يعتدون على الدول المجاورة، ولا يباشرون الإجرام والإبادة الجماعية، ولا يستعملون القنابل الذكية والمذكاة بسكين الصليبية؛ إلا من باب الدفاع عن النفس، فكل هذا الهراء الذي تقذفه بعض الأفواه العربية دليل على خبث المعدن، وفساد التصور.
قال تعالى في سورة البقرة: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)، وقال تعالى في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). وقال تعالى في سورة المائدة: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ)، وقال تعالى في سورة المائدة: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)، وقال تعالى في سورة المائدة: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)، وقال تعالى في سورة الإسراء: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا)، وقال تعالى في سورة التوبة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
**الحقيقة الثالثة:
لا يجوز لأي جهةٍ مُقاوِمةٍ لليهود أو غيرهم من الكفار المقاتلين؛ -شيعية رافضية كانت الـمُقاوَمة أو سنية طاهرة في الظروف الراهنة- الانفرادُ بالقرار في مبارزة دولة العدوّ تحت أي غطاء كان، إلا بعد مشاورة حاكم البلاد، والجهات التي لها علاقة مباشرة بالقضية، وإلا تفلتت الأمور من أيدي المسلمين، وكانت المقاومة محنة للدول الإسلامية.
قال تعالى في سورة النور: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
قال العلامة القرطبيّ في جامعه: (واختلف في الأمر الجامع ما هو؛ فقيل: المراد به ما للإمام من حاجة إلى جمع الناس فيه لإذاعة مصلحة، من إقامة سنة في الدين، أو لترهيب عدوّ باجتماعهم للحروب؛ قال الله تعالى: (وَشَاوِرهُم فِي الأَمرِ) [آل عمران159]، فإذا كان أمر يشملهم نفعه وضره جمعهم للتشاور في ذلك، والإمام الذي يُترقَّب إذنه هو إمام الإمرة، فلا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه، فإن ذهب بإذنه ارتفع عنه الظن السيئ).
ثم ذكر رحمه الله أقوالا أخرى في معنى الآية منها طلب إذن الخطيب يوم الجمعة.
واختار ابن العربي المالكي أن الأمر مخصوص بالحرب، وعلل استدلاله بأمرين:
أحدهما: قوله في الآية الأخرى (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا)، وذلك أن المنافقين كانوا يتلوّذون ويخرجون عن الجماعة ويتركون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله جميعهم بألا يخرج أحد منهم حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يتبين إيمانه.
الثاني: قوله: (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ)؛ وأي إذن في الحدث والإمام يخطب، وليس للإمام خيار في منعه ولا إبقائه، وقد قال: (فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ)؛ فبيّن بذلك أنه مخصوص بالحرب.
قال القرطبي رحمه الله: (قلت: القول بالعموم أولى وأرفع وأحسن وأعلى).
وقال تعالى في سورة آل عمران: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (28/387-38: (وإن كان أمرا قد تنازع فيه المسلمون، فينبغي أن يستخرج من كل منهم رأيه ووجه رأيه، فأي الآراء كان أشبه بكتاب الله وسنة رسوله عمل به، كما قال تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
وأولو الأمر صنفان: الأمراء والعلماء، وهم الذين إذا صلحوا صلح الناس، فعلى كل منهما أن يتحرى بما يقوله ويفعله طاعة الله ورسوله، واتباع كتاب الله، ومتى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دلّ عليه الكتاب والسنة كان هو الواجب؛ وإن لم يكن ذلك لضيق الوقت أو عجز الطالب، أو تكافؤ الأدلة عنده أو غير ذلك فله أن يقلد من يرتضي علمه ودينه، هذا أقوى الأقوال)اهـ.
وقال الشيخ العلامة السعدي في تفسير آية آل عمران: (وشاورهم في الأمر)؛ أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:
منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
منها: أن فيها تسميحا لخواطرهم، وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث، فإنّ من له الأمر على الناس إذا جمع أهل الرأي والفضل، وشاورهم في حادثة من الحوادث، اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس يستبد عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة ولا يطيعونه، وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
ومنها: أن في الاستشارة تنوّر الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقل.
ومنها: ما تنتجه الاستشارة من الرأي المصيب، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أولم يتم له مطلوب فليس بملوم.
فإذا كان الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الناس عقلا وأغزرهم علما وأفضلهم رأيا (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)، فكيف بغيره؟ ثم قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ)؛ أي على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه إن كان يحتاج إلى استشارة (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ)؛ أي: اعتمد على حول الله وقوته متبرئا من حولك وقوتك، (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)؛ عليه، اللاجئين إليه)اهـ.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والنسائي في الكبرى، وفي المجتبى، وابن أبي عاصم في الجهاد، وحسنه العلامة محمد ناصر الدين الألباني في الصحيحة (برقم1990)؛ عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، واجتنب الفساد، كان نومُه ونبهُه كلّه أجر.
وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف).
وقد روى الحديث الإمام مالك في موطئه كتاب الجهاد موقوفا على معاذ.
قال العلامة الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر في الاستذكار: (هذا الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن، ثم ذكره بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في شرحه: وأما طاعة الإمام فواجبةٌ في كل ما يأمر به، إلا أن تكون معصية بيِّنة لا شك فيها، ولا ينبغي أن يبارز العدوّ، ولا يخرج في سارية عن عسكره إلا بإذنه).
وجاء في المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد، والتي قام بجمعها أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى في جزء مفرد قامت بطبعه دار العاصمة (برقم3): (وسئل (أي الإمام أحمد) يكون الرجل في الجهاد بين الصفين؛ يبارز علجا بغير إذن الإمام؟ فقال: لا والله).
قال صاحب مختصر (زاد المستقنع) موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي المقدسي (م96: (ولا يجوز الغزو إلا بإذنه إلا أن يَفجَأهم عدوٌّ يخافون كلبه).
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين في الشرح الممتع (8/25): (أي: لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر، لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع، وإذا فاجأهم عدو يخافون كلبه، فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعين القتال إذا).
ومعنى كَلَبَه: أي شرّه ووثبته.
**الحقيقة الرابعة:
إنَّ حزب الله اللبناني، الذي رفع شعار المقاومة والممانعة، ونادى بالصمود في وجه العدو الصائل، وهو يقوم الآن بالتصدي للعدوان اليهودي، وقد كبد اليهود خسائر واضحة في بنت جبيل، ومارون رأس، وغيرها من المقاطعات اللبنانية؛ يجبُ عليه أولا: البراءة من عقيدة الروافض الأنجاس الذين يتخذون من كربلاء، ومراقد الحسين الوهمية في مختلف بقاع الأرض، وقمّ الإيرانية حصونا منيعة لبث فكرهم الكفري في ربوع الوطن السني، فإن لظى الرفض قد أصاب أهل الجزائر في محنتها الدامية، وقد نال الإرهاب الوحشي الضوء الأخضر من طهران للفتك بأبناء الأمة، والله المستعان، وعليه ثانيا: أن يضرب صفحا عن دعوة ردم الخلاف في الظروف الراهنة، وعدم إثارته حتى لا تذهب ريحنا ويهين صفنا، وهي دعوة عرجاء ينادي بها المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، وعضده يوسف القرضاوي في قطر، وبعض الفقاقيع في المملكة السعودية بقيادة سلمان العودة، وجهات أخرى لا تفرق بين الكليات والجزئيات، فإنها دعوة لا تساوي فلسا في منظور السياسة الشرعية، بل تدل على سفول عقول القوم، وعلى جورهم وكتمانهم للحق، وسماجة تفكيرهم، وأنهم تجار دنيا يَجْرون وراء الأضواء الكاشفة، والشهرة الإعلامية، والشعارات الجوفاء، وحشد أصوات البلهاء على حساب عقيدة السلف الطاهرة، تسوقهم عاطفة، عصفت بكل الأصول والخطوط الحمراء، وحين تنكشف الغمة يتضح لهم اعوجاج منهجهم الذي تعاملوا به مع الأزمة، وضرر فتاويهم المعاصرة على الأمة.
الله أكبر! مفكرون ومفتون تصدق فيهم مقولة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها رغم أنوف الروافض: (من ابتغى رضا الخلق في سخط الله أوكله الله إلى الناس)، وكان الواجب في حقهم إن كانوا أصحاب ثوابت، وعقيدة منضبطة، وعقولا متزنة؛ وغيرة على عرض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أصحاب أفكار متناثرة ومتغيرة بتغير الجغرافيا، بل ومتضاربة من محفل إلى آخر! مطالبةُ حزب الله اللبناني بالتخلي عن فكر الروافض، والبراءة من عقيدة الخميني الكفرية، وبيان موقفه الجليّ من أم المؤمنين عائشة الطاهرة الصديقة بنت الصديق، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وباقي الصحابة الذين اتخذ الروافض الأنجاس الطعن في أعراضهم وصلة إلى أسمى القربات عند الله تعالى، والله المستعان.
أين الشهادة بالحق يا دعاة الفكر ورؤساء الهيئات، وأين الوسطية والاعتدال التي تتبجحون بها في كل محفل؟
لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم والقسط بيان الحق والتحذير من الخذلان والطغيان، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، والليُّ: هو تغير الشهادة، أو كتمانها.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، وقال تعالى: (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج (1/16): (والله تعالى قد أمر بالصدق والبيان، ونهى عن الكذب والكتمان فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما).
يا رؤوس الإخوان المسلمين ومن سبح في حوضكم الغامض أتريدون صفقة مع الله مبناه الغدر والغش وكتمان العيوب، فمن أين تصلكم البركة ويغشاكم النماء وأنتم تغشون ألأمة في عقيدتها وثوابتها، أم تردون أن يبارك العوام والهوام صنيعكم، فهنيئا لكم ببركة هذا مصدرها!
فوالله، وبالله، وتالله، لعرض عائشة أمّ المؤمنين الصديقة بنت الصديق أغلى عندي من حزب الله اللبناني ومثله عشر مرات، وأشرف عندي من كل انتصاراته، ولو فتح الهند والسند.
وعلى رؤوس الإخوان المسلمين وأنصارهم من السروريين أن يدركوا هذه الحقيقة أن عداءنا لليهود الكافرين ومن يؤزّهم من الصليبيين والمنافقين، وحرصنا الشديد على جهادهم ودحضهم من أراضي المسلمين؛ لا يعمينا عن ضلال الروافض، ولا ينسينا مخازيهم عبر التاريخ الإسلامي الطويل، ولا يقوى على غض أطرافنا عن جرائمهم ضدّ أهل السنة في إيران ومقاطعة بلوشستان، وعن تحالفهم السافر مع دول الاحتلال بدء من شمال أفغانستان ووصولا إلى بغداد، فالروافض واليهود تساويا وتشابها في إبادة الأبرياء، وبينهما عناصر كثيرة مشتركة كما قال علماء الملة الطاهرة لا دعاة الظنون وفلسفة أفلاطون.
قال الإمام الشعبي وهو من أخبر الناس بالروافض: (ما رأيت أحمق من الخشبية، لو كانوا من الطير لكانوا رخما، ولو كانوا من البهائم لكانوا حُمرا، والله لو طلبت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهبا على أن أكذب على عليّ لأعطوني، ووالله ما أكذب عليه أبدا).
قلت: والخشبية نسبة إلى الخشب، وذلك أنهم كانوا يرفضون القتال بالسيف ويقاتلون بالخشب.
وذكر ابن حزم في الفصل (5/45) أن بعض الشيعة كانوا: (لا يستحلون حمل السلاح حتى يخرج الذي ينتظرونه فهم يقاتلون الناس بالخنق وبالحجارة، والخشبية بالخشب).
قلت: ليتنبه أبناء فلسطين من اسم أبناء الحجارة، فإن الجهاد يكون بعدته وآلاته لا بالحجارة المهشمة، وإلا وقعوا في مشابه طائفة من الروافض، ومع مرور الزمان يطلق عليهم الحجرية!.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج: (ولهذا كان بيمنهم (أي الروافض) وبين اليهود من المشابهة في الخبث واتباع الهوى وغير ذلك من أخلاق اليهود، وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو والجهل وغير ذلك من أخلاق النصارى، ما أشبهوا به هؤلاء من وجه وهؤلاء من وجه، ومازال الناس يصفونهم بذلك).
قلت: وخرج من عموم الناس والله المستعان الإخوان المسلمون بقرينة أن الوضع لا يتحمل ذكر الخلاف، وأنه يجب أن نتوحد في وجه الزحف الصهيوني، وتناسوا هداهم الله أن الصفات التي في يهود والتي نتكبد الأنفس والمال لصدها ودفع شرها عن أمتنا موجودة في حزب الله اللبناني، فبالله عليكم يا قوم إلى متى تتلاعبون بمصير الأمة، ومشاعرها الرهفة من أجل مكاسب من مصادر خبيثة، توطن للضلال أصوله، وتثبت البدعة في قلوب أبناء الأمة، وإلى متى تغشون الشعوب الإسلامية، ألم تعتبروا من حرب48، وغيرها من الحروب العربية التي جلبت العار على المنطقة بأكملها، والتي بنيت على خواء من الأفكار، وصقلت بشعرات جوفاء، وبنيت على عقائد فاسدة، وفي المقابل نجد اليهودي يردد التلمود، ومعه المجنا والمشنا على ظهر الدبابة وعلى مرأى من وسائل الإعلام، ليشعر العالم كلّه أن حربه على المسلمين عقدية محضة، فأفيقوا يا قوم فإن القدس وما حوت لا تحرر بسنفونية مرسال خليفة مقاتلون بلا عنوان!، ولا بتصريحات القرضاوي التي هي أردى منزلة من السنفونية السابقة، والله المستعان.
فليتق الله رؤوس الإخوان المسلمين في العالم، وما تمخض عنهم من طوائف، حين عابوا على بعض علماء المملكة نقدهم لحزب الله اللبناني، فإن علماءنا وفقهم الله انطلقوا من قواعد متينة، وعلوم ثمينة، أحيت في أنفسهم النصيحة للمسلمين، ومنعتهم من الخيانة والتغرير بالجاهلين، مع مؤازرتهم لولاة أمورهم في حلّ قضية لبنان بالقول والعمل، فأروني ماذا فعل الناعقون!.
إن حزب الله اللبناني إذا أراد دعاء أهل الحق له بالنصر والتمكين فليعرب عن عقيدته التي يقاتل من أجلها اليهود الكافرين، وليتشجع رأسهم حسن والملقب بسيد المقاومة، بمقاومة نفسه التي بين جنبيه، ويشرح في مقابلة تلفزيونية على الملأ عقيدته في صحابة رسول الله، ويعلن براءته من عقيدة الروافض، ويترضى على أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وأم المؤمنين عائشة وباقي الصاحبة رضوان الله تعالى عليهم، فإن صنيعه هذا أزكى عندنا من صواريخ الرعد التي يطلقها على حيفا، وعجبت لأمره حين قال: اهدي انتصارات المقامة إلى كل مسيحي شريف! وبخل أن يهدي قسطا منها إلى صحابة رسول الله وعلى رأسهم أبي بكر الصديق وعمر وأم المؤمنين عائشة رضوان الله تعالى عليهم.
إن العقيدة سليمة إذا اجتمعت مع مقاومة متينة، حققت النصر الذي لا تهزه العواصف، ولا تؤثر فيه الأحداث، وعلى حزب الله أن يأخذ الحكمة البالغة من جهاد الجزائريين الأحرار ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم، حين بنوه على عقيدة أهل السنة الخالصة، فإنه ما فتئ أن ظهرت ثماره على ربوع الوطن.
وأما أن يصر قائد المقاومة في الجنوب اللبناني هداه الله على الضبابية، والمراوغة السياسية لجلب أكبر عدد من المؤيدين فهذا لا ينفعه يوم الدين، ولن يرجع بالكفاف من نضاله وإن سحق اليهود، ولا تشفع له مزارع شبعا وناتانيا عند ربّ العالمين، ويكون حالنا معه في هذه الظروف الراهنة والحالكة: اللهم اهدي حزب الله اللبناني إلى السنة الخالصة، وطهره من عقيدة الخميني الكافرة، فإن حاجة حزب الله إلى الهداية ومعرفة الحق الخالص أقوى من حاجته إلى النصر على يهود، مع سؤالنا الله تعالى أن يرفع الغم والهمّ عن أهل البنان الشقيق، وأن يؤجر المسلمين في مصيبتهم، وأن يرزقهم الصبر والإيمان، ونسأل الله أن يوفق الدول الإسلامية إلى توظيف الحرب الجائرة التي أشعلت نارها دولة صهيون في خدمة القضايا الإسلامية الثابتة، فإن اليهود كلما أوقدوا نار للفتنة أطفأها الله كما قال جلّ في علاه: (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، فقد قيل ربّ ضارة نافعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (14/39) عند تفسيره لسورة الفاتحة آية (اهدنا الصراط المستقيم): (فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته وفلاحه، بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر، فإن الله يرزقه، فإذا انقطع رزقه مات، والموت لابد منه، فإذا كان من أهل الهدى به كان سعيدا قبل الموت وبعده، وكانت الموت موصلا إلى السعادة الأبدية، وكذلك النصر إذا قدر أنه غُلب حتى قُتل فإنه يموت شهيدا، وكان القتل من تمام النعمة، فتبين أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق، بل لا نسبة بينهما، لأنه إذا اهتدى كان من المتقين، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وكان ممن ينصر اللهَ ورسولَه، ومن نصر اللهَ نصره اللهُ، وكان من جند الله، وهم الغالبون، ولهذا كان هذا الدعاء هو المفروض.
وأيضا؛ فإنه يتضمن الرزق والنصر، لأنه إذا اهتدى، ثم أمر وهدى غيرَه بقوله وفعله ورؤيته، فالهدى التام أعظم ما يحصل به الرزق والنصر..).
**الحقيقة الخامسة:
على أهل الشام أن يعيدوا النظر في أحوالهم مع الله.
إنّ الهجوم السافر الذي تتعرض له مقاطعة الشام على يدي شرذمة من اليهود، بإيعاز من بعض الدول الصليبية يجعل أهل المقاطعة يُعيدون النظر في صلتهم بالله جلّ وعلا، ويبحثون عن المنافذ التي تسرب منها لهيب العادي الغاشم إلى فنائهم الساكن والآمن، بتقليب النظر في أحوالهم وجلواتهم، هل هي تسير على مراد الله تعالى، ساعية إلى تحقيق مرضاته، أم أنها أجساد خاوية، وأفئدة هواء، وغارقة في يمّ الشهاوات، ومستنقع الشبه، من رفض مقيت يجلب سخط الله تعالى، ويؤخر نصره، وإن ظهرت بعض شرارات النصر في الأفق فهي من قبيل الاستدراج الذي يغرق صاحبه في قلب البدعة، ويسوق زمرة من الناس الجهال إلى الاستبشار بالرفض واعتناقه، وعليهم بالبعد عن الهوى والشهوات والانغماس في ملذات الدنيا بإفراط مدهش ومقزز، مع اقتراف ظاهر لما حرم الله مما جعل المنطقة قبلة للفساق، وأصحاب النزوات، يقصدونها صيفا لا للتمتع بما منحى الله المنطقة من حلة خضراء ضمن الضوابط الشرعية، والأعراف العربية المرعية، ولكن.... والله المستعان والعاصم من شرّ العدوان.
أخرج الإمام البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما بإسنادهما إلى عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نصرت بالصبا، وأُهلكت عاد بالدبور).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (والصبا يقال لها القَبول، لأنها تقابل باب الكعبة، إذ مهبها من مشرق الشمس، وضدها الدبور، وهي التي أُهلكت بها قوم عاد؛ ومن لطيف المناسبة كون القَبول نصرت أهل القبول، وكون الدبور أهلكت أهل الإدبار).
يا أهل الشام إن النصر يأتيكم من ريح الصبا، وذلك بقبولكم لمنهج أهل الحديث في حياتكم، علما وعقيدة وسلوكا وسياسة وجهادا، فإن النصر سيكون حليفكم في جملة قضاياكم، كما أكرم الله به الأولين من أسلافكم، وأما وإن اخترتكم الأخرى وسيّرتم الشام إلى صورة مصغرة لباريس، فلا تلومونّ إلا أنفسكم، قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ودعوكم من تحميل العرب ما حلّ بدياركم، وصب جمّ غضبكم على الجامعة العربية المهزوزة من الداخل، فهذه الأخيرة بحاجة إلى من يأخذ بأيديها إلى قارب النجاة، وحقل الوفاق، قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
يا أهل الشام إن الهوان والذّل يأتي من ترك أمر الله تعالى بعد ظهوره، أولم تقرؤوا التاريخ؟
أخرج الإمام أحمد في (الزهد) بسنده إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: لما فتحت قبرص، فرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عزّ وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة، لهم الملك؛ تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى) وإسناده صحيح.
وقال أبو البختري: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم)، أخرج الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.
ومعنى (يعذروا من أنفسهم)؛ أي تكثر ذنوبهم وعيوبهم، ويتركون العمل بالحق بعد ظهوره فيستوجبون العقوبة.
الله أسأل أن يهدي أهل الشام إلى الصراط المستقيم، وأن يبصرهم بمنهج السلف الصالح في مقاومة المحتلين، لأن النصر على اليهود والرزق الحلال من ثمار هداية الله تعالى إلى الحق.
والحمد لله ربّ العالمين.
الحقيقة السادسة: رسالة مفتوحة إلى الشعوب العربية؛ لا تبنوا قصورا على أنقاض الرافضة، وتهدموا أمصارا نابضة.
الحمدُ لله فاتحةُ كلّ كتاب، وخاتمةُ كل خطاب، والصلاة والسلام على رسول الله، صلاةً جالبةً لكلّ ثواب، وسببا لدفع كل عقاب، وعلى آله وصحبه الذين ينقشع باتباعهم ظلام كلّ سحاب، وينكشف بعلومهم غمام كلّ حجاب، وينمحي بالترضي عليهم كدر كل ارتياب، وينسد بمحبتهم خلل كل اضطراب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإني رأيت في زمن الهرج وضياع العدل، وكثرة الهتر وقمة الهكر؛ مقامات المدح أسبلت على الرافضة بسخاء مفرط وبلا حساب، وكساء الشجاعة خص به حزب حسن اللبناني بلا شريك ولا وأنجاب، وبعض الجهلة عدّ رأس الحزب من نسل صلاح الدين الأيوبي، والآخر رفعه إلى سيد الأقطاب، مع أن التاريخ سجّل أن صلاح الدين قاتلهم وقتل مقدمهم شاور حين دخل ديار مصر غازيا ومجاهدا بالحق بلا خباب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني في مجموع الفتاوى (28/637): (وقد عرف العارفون بالإسلام –قلت: إلا فرقة الإخوان المسلمين-: أن الرافضة تميل مع أعداء الدين. ولما كانوا ملوكَ القاهرة كان وزيرهم يهوديا، ومرة نصرانيا، وقويت النصارى بسبب ذلك النصراني الأرميني، وبنوا كنائس كثيرة بأرض مصر في دولة أولئك الرافضة المنافقين، وكانوا ينادون بين القصرين: من لعن وسبّ فله دينار وإردب، وفي أيامهم أخذت النصارى ساحل الشام من المسلمين، حتى فتحه نور الدين وصلاح الدين، وفي أيامهم جاء الفرنج إلى بلبيس، وغلبوا من الفرنج؛ فإنهم منافقون، وأعانهم النصارى، والله لا ينصر المنافقين الذين يوالون النصارى، فبعثوا إلى نور الدين يطلبون النجدة، فأمدهم بأسد الدين، وابن أخيه صلاح الدين، فلما جاء الغزاة المجاهدون إلى ديار مصر، قامت الرافضة مع النصارى، فطلبوا قتال الغزاة المجاهدين المسلمين، وجرت فصول يعرفها الناس-قال أبو عبد الباري: إلا الإخوان المسلمون- حتى قتل صلاح الدين مقدمهم شاور.
ومن حينئذ ظهرت بهذه البلاد كلمة الإسلام والسنة والجماعة، وصار يقرأ فيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كالبخاري، ومسلم ونحو ذلك، ويذكر فيها مذاهب الأئمة، ويترضى فيها على الخلفاء الراشدين؛ وإلا كانوا قبل ذلك من شرّ الخلق. فمنهم قوم يعبدون الكواكب ويرصدونها، وفيهم قوم زنادقة دهرية لا يؤمنون بالآخرة ولا جنة ولا نار، ولا يعتقدون وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وخير من كان فيهم الرافضة، والرافضة شرّ الطوائف المنتسبين إلى القبلة...).
قلت: وإنني آمل وإن كان أملي كسراب بقيعة، من باب إلزام دعاة التقريب بين السنة والشيعة، وتبصرة لرؤوس السياسة اللهيعة، وإرشاد لجماهير الأمة التي ذهبت بها الأحداث ضبعا لبعا، وأضحت في خضم النصر الوهمي للرفض صريعة؛ أن يفتح زعيم المقاومة مدارس علم لأهل السنة في جنوب لبنان ذي الحصون المنيعة، بعد خروج اليهود منها كما فعل صلاح الدين رحمه الله؛ صاحب المواقف النفيعة؛ ويقرأ فيها موطأ الإمام مالك، وصحيح البخاري وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، وكتاب فضائل الصحابة للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وكتاب الأم للإمام الشافعي، والواسطية لشيخ الإسلام بن تيمية، وكتب ابن قيم الجوزية، وتفاسير أئمة السنة، كتفسير ابن كثير، والسمعاني، والسعدي، وكتب مصطلح الحديث، وكتب العلل، وكتب التواريخ والسير، كسير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي الدمشقي، وباقي مصنفات أئمة الإسلام التي لا يختلف فيها اثنان، إذا كان سيد المقاومة في الجنوب صادقا في حديثه وأن النصر الذي أحرزه الجنوبيون على حساب أرواح أبناء الأمة وممتلكاتها، والذي هو في نظري أذلّ من فقع بقرقرة، نصر لكل المسلمين في العالم.
إن معنى كلمة النصر قد تشابهت دلالتها علينا وإنّا إن شاء الله لمهتدون، فصار من معانيها الخراب، ومن دلائلها إذا اندرست القرى، وتعفت رسومها واندحضت، ومن حصاد كلمة النصر الاستغاثة بعلي والحسين رضي الله عنهما، وبزينب وباقي أهل البيت في الملمات واليسر، والإشادة بثورة الرافضة في قمّ، وضلال البعث في الشام، ومن مفرداتها، غناء، ورقص على جماجم القصف، وأشلاء القنابل الذكية، وخطب على الناس، ومن معاني النصر عند شعوبنا؛ دلّس وسبّ، وألقى شعرا ضمنها معنى النصر فقال: هنا قتلوا، هنا ذبحوا، هنا سلبوا، هنا سحقوا، هنا مزقوا،..
أما النصر بمعنى الإعانة والغيث، والجود، والنجاة، والخلاص، والغلبة، والمعالجة، والصدق، ومجاري المياه إلى الأودية، ومنه الناصر الذي هو أعظم من التلعة؛ فكل هذه المعاني صارت من المضادات عند الشعوب وبعض رؤوس السياسة، والله المستعان.
أعود وأقول: وبين عبارات المدح والثناء التي حضي بها الرافضة من قِبل الغوغاء وبعض المفكرين ورؤوس السياسة العرجاء، نجد ألفاظ الجرح والغمز والسبّ في أهل السنة وحكامها السنيين كشلال منهمر، قد فتح له كلّ الدّراب، فبعضهم يصفهم بالعمالة وأنهم أداة في يد أمريكا الشمطاء تحركهم كما تشاء كعرائس القرقوز، والمحلل الثاني يقول: إنهم أُلبسوا عمائم نسجت أخيطاها في البيت الأبيض فلا عجب أن يلغوا الجهاد ويشوِّشوا عقول أبناء الأمة في عهد بلغ الذل بها إلى الترقوة، والمنحل الثالث يتفلسف ويلقي بفحيحه على الناس ويقول: إنهم أحدثوا صدعا وثلمة في عهد يجب أن تتآزر فيه جميع القوى؛ رافضيهم ودرزيهم ونصيريهم ونصارتهم، وحبشيهم، وهندسيهم، وبوذيهم، ووثنيهم، بل ما حدث في جنوب لبنان موقف لم يشهد التاريخ مثله! ولهذا يجب أن تتحد فيه جميع قوى الخير والشر على وجه الأرض، ويصاغ منه أمة جديدة لا وجود لها لا في القرآن، ولا في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، لتقف في وجه اليهود، وتعيد القدس وقبل ذلك مزارع شبعا، ولو وَجدَ بعضُ المفكرين حيلة في إدخال إبليس في هذه الأمة الجديدة التي لم تخطر على ذهن أفلاطون لما توان هنيهة، ولأعلنها مدوية بفخر مع رفع اللافتات في الشوارع: إن أبا مرة إبليس طرد سفير دولة صهيون من فوق عرشه على الماء!!، والرابع، -وقد تكون ممثلة ماجنة غارقة في الخيانة، لو غَمست نفسها في النهر الليطاني لخشيتُ أن يعافه حاخامات دولة صهيون وتنزف دولتهم عن احتلاله واستغلال مائه لتنطعهم في باب الطهارة!- ترميهم بالجبن والبخل وتقول:إنهم ورثوا الترف والصوف، والفلل والهواء العليل، ولهذا كلما ظهر الجهاد في بقعة رتّلوا بشتى الروايات ما أنزل الله في المنافقين: (قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)، وقوله تعالى: (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)، وقوله تعالى: (وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، وقوله تعالى: (وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ)، والله المستعان.
ولا أجد حيلة من صنيع القوم إلا تذكيرهم -إن صادفهم حديثي وهم صاحون غير ثملين، أو تائهين في وديان الفجور والغرام- بقوله تعالى في سورة هود: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ).
إن محاربة اليهود وردّ عدوانهم، واسترجاع الأراضي التي اغتصبوها واجب على كلّ أبناء لبنان بما في ذلكم الجيش النظامي المتواري في الثكنات، وجميع قوى الفاعلة في البلد، وليس حكرا على حزب حسن يا شعوب المنطقة.
وهل إذا قام حزب الرافضة في الجنوب بالتصدي لليهود للحفاظ على موقعه، واستغلال الجنوب لنشر الرفض، فصمد في وجه الزحف اليهودي يكون قد أحدث سبقا لم يشهد التاريخ مثله؟
وهل إذا قام رجل وصلى وصام وحجّ، تقوم شعوب الأمة بالثناء عليه وتمجيده في مسيرات مهولة لأنه صنع أمرا لم يصنعه نظراؤه؟
إن الذي صنعه حزب حسن في جنوب لبنان أمر طبيعي للغاية يا مسلمون، وصورة ذلك:
-قام حزب حسن وخطف جنديين لليهود، وأعلن عمله في وسائل الإعلام، فبداهة أنه كان مستعدا للصراع، ومتوقعا لنتائج الحرب، فحصن مواقعه وشدّ إزاره امتثالا لقوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ).
-قامت دولة صهيون وزلزلت لبنان، ودكت مبانيه، وسوت بنيته الأساسية مع الأرض، وسحقت، وقتلت، ويتمت، وشردت، ودمرت،...، وكذلك اليهود يصنعون، فكيف إذا أعطوا الضوء الأخضر من الدول الصليبية الحاقدة على المسلمين، الحاسدة لهم، كما قال تعالى: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ).
وأقول والله تعالى أعلا وأعلم: إن الجدر والحصون التي تقاتل دولة صهيون المسلمين من ورائها هي أمريكا ومجلس الأمن.
-وسّعت دولة صهيون حربها، وشنت غارة برية مريبة الأهداف، فقام حزبُ حسن وتصدى للزحف البري اليهودي المشبوه، وكبد اليهود خسائر في العتاد والأرواح، وقصف بعض المناطق اليهودية بآلاف الصواريخ لم تكبد اليهود إلا بعض الخسائر على لغة خبراء الحروب، لا غوغائيي السياسة، امتثالا لقوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).
فهل ما صنعه حزب حسن والخميني يدفع بالشعوب العربية إلى نزع يد الطاعة من ولاة أمورهم، وسبهم، ورميهم بالخيانة، بل ويجرهم إلى استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير!.
إن الذي قام به حزب حسن، وكان يجب أن تقوم به جميع القوى في لبنان وما جاورها؛ هو امتثال لقوله تعالى في سورة البقرة: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ)، وقوله تعالى في سورة التوبة: (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، وقوله تعالى في سورة النساء: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا).
يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسير آية النساء: (هذا حثٌّ من الله لعباده المؤمنين، وتهييج لهم على القتال في سبيله، وأن ذلك قد تعيّن عليهم، وتوجَّه اللوم العظيم بتركه فقال: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ)؛ والحال أنّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا، ومع هذا فقد نالهم أعظم الظلم من أعدائهم، فهم يدعون الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلُها لأنفسِهم بالكفر والشرك، وللمؤمنين بالأذى والصدّ عن سبيل الله، ومنعِهم من الدعوة لدينهم والهجرة، ويدعون الله أن يجعل لهم وليا ونصيرا يستنقذهم من هذه القرية الظالم أهلُها، فصار جهادُكم على هذا الوجه من باب القتال والذبّ عن عيْلاتِكم وأولادِكم ومحارمكم، لأن باب الجهاد الذي هو الطمع في الكفار؛ فإنه وإن كان فيه فضل عظيم ويلامُ المتخلفُ عنه أعظم اللوم؛ فالجهاد الذي فيه استنقاذ المستضعفين منكم أعظم أجرا وأكبر فائدة، بحيث يكون من باب دفع الأعداء).
إن العواطف ليست ميزانا ثابتا في معرفة الحق، ولا مؤشرا صحيحا لتقويم القضايا المدلهة، وما تصنعه بعض الشعوب الثائرة بإيعاز من بعض الأحزاب الإسلامية لا يخدم القضية اللبنانية، ولا يحرر القدس من أيدي الصهاينة، ولا يعود على الأمة الإسلامية بالنفع، والمظاهرات الساخطة على الأمة من أبناء الأمة! يرجع ريعها إلى خزينة الكفار، وماذا يستفيد الثائرون من سبّ حكام المسلمين، وصبّ جمّ غضبهم عليهم، وتحميلهم وزر ما يحدث في المنطقة بأكملها؟، ولماذا لا تلجأ الشعوب إلى الله بالدعاء والعبادة والاستغفار، وترك الذنوب المعاصي، عوضا من سيرها في الشوارع في صورة قبيحة مليئة بالصخب والسبّ حكام المسلمين بالباطل، والطعن في بعض علماء المسلمين المخلصين، وأنا أخشى على الثائرين هداهم الله؛ أنه إذا جاء عهد الجد وجدناهم مختبئين وراء حصون لندن ووشنطن!، ويلهثون للحصول على اللجوء السياسي، عاكفين على أبواب السفارات الغربية كالأيتام، (وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ).
يا شعوب الأمة حافظوا على الأصل الذي يأتي بيانه، فمن ضيعه يكون قد فتح بابا واسعا لليهود وأجهزتهم للعبث بأمن الأمة ودينها وممتلكاتها، ولا يكون أبدا مجاهدا للباطل وهو منغمس في مخطط ابن سبأ اليهودي وأعوانه.
ذكر العلاّمة ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه العظيم حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح في الباب السبعين، في ذكر المستحق للبشرى بالجنة دون غيره: (وقد ذكرنا في أول الكتاب جملة مقالات أهل السنة والحديث التي أجمعوا عليها، كما حكاه الأشعريُّ عنهم، ونحن نحكي إجماعهم كما حكاه حرب صاحب الإمام أحمد عنهم بلفظه، في مسائله المشهورة: هذا مذهب أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بها، المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة، زائغ أو(زائل) عن منهج السنة وسبيل الحق:....والجمعة والعيدان والحج مع السلطان، وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء، ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إليهم عَدلوا فيها أو جاروا، والانقياد لمن ولاّه الله عزّ وجلّ أمركم، لا تنزع يدا من طاعته، ولا تخرج عليه بسيف، حتى يجعل اللهُ لك فرجا ومخرجا، ولا تخرج على السلطان، وتسمع وتطع، ولا تنكث بيعته، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة، وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية، فليس لك أن تطيعه البتة، وليس لك أن تخرج عليه، ولا تمنعه حقه....).
إنّ سلوك منهج السلف الصالح في باب الخلافة والإمارة، والبعد عن عفن الخوارج والعقلانيين، يحقق للوطن نعمة الأمن، ويهبه تماسكا متينا، واستقرارا دائما، ويقطع دابر أهل الشرور من اليهود وأعوانهم وكل مفسد في الأرض، والنصوص في هذا الباب كثيرة جدا، ولا يخلوا منها مصنف من مصنفات أئمة الإسلام المتينة والأمينة، وإن غيبها عن الناس دعاةُ الفكر المنحرف والسياسة العرجاء.
يقول الله عزّ وجل في محكم التنزيل: +يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" [النساء59].
قال العلاّمةُ السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: (وأمر بطاعة أولي الأمر؛ وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكّام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلاّ بطاعتهم والانقياد لهم، طاعةً لله ورغبةً فيما عنده، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مُطيع حين كان من أمر الحَرّة ما كان، زمن يزيد بن معاوية فقال (ابن مطيع) اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله× يقول: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
وعن معاوية قال: قال رسول الله : (من مات وليس له إمامٌ مات ميتة جاهلية).
وعن عبد الله بن عباس قال: قال النبي : (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنَّهُ من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية).
وعن عبد الله بن عمر قال: قال النبي : (على المرء المسلم السمعُ والطاعةُ فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).
وعن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله : (من فارق الجماعة شبرا، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).
والربقة: ما يجعل في عنق الدابة، كالطوق مسكها لئلا تشرد، ومعناه: من خرج عن طاعة الجماعة، وفارقهم في الأمر المجمع عليه، فقد ضلّ وهلك، وكان كالدابة إذا خلعت الربقة التي هي محفوظة بها، فإنها لا يؤمن عليها عند ذلك الهلاك والضياع، انظر معالم السنن.
وعن حذيفة بن اليمان في حديثه الطويل قال: قال : (تسمع وتُطيع للأمير، وإن ضُرِبَ ظهرُك وأُخذ مالُك، فاسمع وأطع).
وعن سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه أنه سأل رسول الله قال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراءُ يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيسٍ، فقال رسول الله×: (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحِمََـهُ اللهُ-: (يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس[ثم قال رحمه الله]: ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود، لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك[ثم قال رحمه الله]: فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يُتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله× من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال).
والله أسأل أن يجمع كل المسلمين على البر والتقوى، والحمد لله ربّ العالمين.
العدوان الصهيوني الوحشي على لبنان وأثره المأسوي على المنطقة العربية وسُبل حماية أبناء الأمة من عقيدة الروافض.
وكتبه الشيخ:
أبو عبد الباري عبد الحميد أحمد العربي الأثري.
الحمد الله أحمدك ربّي تعالى، وأسألك أعلى مراتب الشهادة، وأشهد أن لا إله إلا أنت وأستودعك هذه الشهادة، وأبوء لك بنعمتك عليّ وأستزيدك منها، والشكر قمن بالزيادة، وأبرأ إليك من الحول والقوة والإرادة، أحمدك وأنت ولي الصّالحين، وعدت بالعقبى لكل من أطاعك واتقاك في كل حين، وأنذرت بالخزي لكل من عداك من الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله إمام المجاهدين، ورضي الله عن صحابته أجمعين، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وباقي الصّحب أجمعين، وآله الطيبين، وزوجاته الحسان الطاهرات؛ الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده، وبذلوا في سبيل إعلاء كلمة الله النفس والنفيس، حتى أتاهم الله اليقين.
أما بعد:
مما لا شك فيه ولا ريب أن من حُرم التوفيق فقد عظمت مصيبته، ومن نصب العداء لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعمرو بن العاص، ومعاوية، وعائشة أم المؤمنين، فقد اسود وجهه، وبان فشله، وإن حاول ستره بسراب من الأكاذيب السافرة، والشعارات الجوفاء، بل حاله كما قال العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج (1/22): (ومن خُبثِ القُلوبِ أن يكون في قلب العبد غلٌّ لخيار المؤمنين، وسادة أولياء الله بعد النبيين، ولهذا لم يجعل الله تعالى في الفيء نصيبا لمن بعدهم، إلا الذين يقولون: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ))اهـ.
فللجهاد الشرعي يا أبناء الأمة أهله ورجاله، وشروطه وأركانه، وزمانه ومكانه، فانتبهوا، واعلموا أن الرزق مقسوم، وأن كلّ نفس ذائقة الموت، وأن ما قُدّر أزلا لا يخشى فيه الفوت، وأن الجنة تحت ظلال سيوف أهل الحق صدقا لا زورا، وأن من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمَه اللهُ على النار، وأن الشهداء حقا عند الله من الأحياء، وأن المرابط بالثغور خير من مجاور بيت الله الحرام.
فإذا كان الأمرُ كذلك فإنه يتعين على العاقل والمخلص لربّه تعالى ثم الوفيّ لوطنه المسلم؛ الذي يقاتل في ربوعه من أجل إثبات الحق، ودحر محور الشرّ وأعوانه؛ معرفةُ المسائل الشرعية من مصادرها المتينة والأمينة، ودراسة كتاب الجهاد من سورة الأنفال، وبراءة، ومحمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ فصوله من صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، والسيرة المنقحة، ويكون له قدم ثابتة في الوقوف على مصنفات أئمة الإسلام في باب المناهج والفرق والطوائف، فتكون له إلمامة بكتاب السنة لابن أبي عاصم، وكتاب أصول الاعتقاد للالكائي، والسنة للخلال، والمحجة لقوام السنة، وكتاب الشريعة للآجري، ويكون له فهم للحقائق الكونية والاعتبار بها لتسخيرها في نصرة الحق، إذا أراد وأنصارُه جرّ الخميس العرمرم القمقام إلى أولياء إبليس الطغام اللئام، والتوجه إلى أعداء الله من اليهود ركبانا ورجالا، حتى يخرجوا إلى الإسلام من أديانهم، أو يعطوا الجزية صغرة أيديهم، أو تستلب أنفسهم من أبدانهم، وتجتذب رؤوسهم من تيجانهم، فجموع ذوي الإلحاد عند المفعمين بمنهج أهل السنة والجماعة مكسرة، وإن كانت بالتعداد مكثرة، وجيوش أولي الكفر والعناد مُدبرة مدمرة، وإن كانت بتحليلاتهم السياسية وعقولهم الملوثة مقدمة مدبِّرة، وعزمات رجال الضلال مؤنثة مصغرة، وإن كانت ذواتهم مذكرة مكبرة، والله العاصم من شر اليهود وأذنابهم.
**الحقيقة الأولــــى:
إنّ أوّل ما يجب على المسلمين إدراكه خبثُ اليهود؛ قتلة الأنبياء، وزعماء الغدر والبهتان، والسبّاقون إلى نقض العهود والمواثيق؛ الذين لن يهدأ لهم بال، ويستقر لهم قرار -في وقت أمدتهم الصليبية الشمطاء يدّ المؤازرة-، حتى يحققوا ما سطروه في غابر الأزمان، من بناء دولة من النيل إلى الفرات، وها هو الفرات وضواحيه يرضخ تحت خناجر الاحتلال، وسموم أهل الكفر والضلال من أمريكان ورفض وخوارج، متزامنا مع أعين اليهود الممدودة إلى النيل الأزرق، ينتظرون الوقت السانح للكرّ والغدر، متسترين وراء ستار مسرحية السّلام التي يوزعون أدوارها على بعض الجهات، ويغيرون فصولها وينقحون نصّها بتغير الأحداث والإحداثيات، فمن أوسلو، إلى مدريد، إلى شرم الشيخ، إلى خريطة الطريق، إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد، إلى.... كلها أكاذيب متقنة الحبك والنسيج، يبتغي اليهود وأنصارهم من ورائها تخدير الشعوب الإسلامية، وبسط الهيمنة على ما تبقى من صرح الأمة المتماسك، واستنزاف خيراتها، وبث الفرقة والخلاف في كل قرية يدخلونها بعد ما يجعلون أعزة أهلها أذلة، وكذلك الكفار يفعلون؛ كما هو الحال في العراق المنكوب، وغزة جريحة والله المستعان، وقد وقف على هذه الحقائق أخيرا الأمينُ العام للجامعة العربية، وثلة من زعماء المسلمين، وأعلنوها صريحة وموشحة بشيء من الحياء؛ إن عملية السلام في الشرق الأوسط ولدت ميتة!.
إن السّلام مع يهود بني قينقاع وبني النضير، وقريضة، وأضرابهم ممن تربى في حجر الصليبية والشيوعية يجب أن يكون بخطوط واضحة يا ولاة الأمور حفظكم الله، ووقفات شامخة، وبنود تحفظ للمسلمين ماء وجوهم، وتجنبكم سخط الله ثم سخط الشعوب المتنامي، وتربي في أبناء الأمة الثقة بولاة أمورهم والولاء لهم؛ حتى إذا فكر اليهود في نقضه، والكرّ على أسيادهم، والاعتداء على أوطان المسلمين، وتدمير بنيتهم التحتية كما يحدث في غزة المنكوبة ولبنان الشقيق؛ تجلت لهم صور الجلاء وما أصاب أسلافهم من بني النضير، حين حشروا إلى الشام، وكان أول حشر في الدنيا وفيهم نزل قوله تعالى (سبّح لله) إلى قوله (لأول الحشر)، حتى كان يسميها ابن عباس سورة بني النضير، وكان هذا منه صلى الله عليه وسلم صلحا، ولولا ذلك لعذبهم الله في الدنيا بالقتل والسباء.
إن الصلح مع يهود يجب أن تتجلى فيه معالم المصلحة العليا للأمة الإسلامية، وتنطفئ معه بوادر الفتن، ولهيب الحروب والإحن ولو إلى حين، ويشعر فيه المسلمون بالأمن في الأوطان، والحرية في اتخاذ القرار، والقدرة على ترتيب البيت المسلم من الداخل.
وقد وضّح علماؤنا أصول الصلح مع يهود، وها أنا انقل فتوى مفتي الديار الإسلامية العلاّمة المجاهد عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في حكم الصّلح مع يهود وغيرهم من الكفار، تحت قاعدة: (ما تقتضيه المصلحة يُعْمَلُ به من الصّلح وعدمه).
س3: هل يجوز بناء على الهدنة مع اليهودي تمكينه بما يسمى بمعاهدات التطبيع، من الاستفادة من الدول الإسلامية، اقتصاديا وغير ذلك من المجالات، بما يعود عليه بالمنافع العظيمة، ويزيد من قوته وتفوقه، وتمكينه في البلاد الإسلامية المغتصبة، وأن على المسلمين أن يفتحوا أسواقهم لبيع بضائعه، وأنه يجب عليهم تأسيس مؤسسات اقتصادية، كالبنوك والشركات يشترك اليهود فيها مع المسلمين، وأنه يجب أن يشتركوا كذلك في مصادر
المياه؛ كالنيل والفرات، وإن لم يكن جاريا في أرض فلسطين؟
ج3: لا يلزم من الصلح بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اليهود ما ذكره السائل بالنسبة إلى بقية الدول، بل كل دولة تنظر في مصلحتها، فإذا رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء، وغير ذلك من المعاملات التي يجيزها شرع الله المطهر، فلا بأس في ذلك، إن رأت أن المصلحة لها ولشعبها مقاطعة اليهود فعلت ما تقتضيه المصلحة الشرعية، وهكذا بقية الدول الكافرة حكمها حكم اليهود في ذلك، والواجب على كل من تولى أمر المسلمين، سواء كان ملكا أو أميرا أو رئيس جمهورية أن ينظر في مصالح شعبه فيسمح بما ينفعهم ويكون في مصلحتهم من الأمور التي لا يمنع منها شرع الله المطهر، ويمنع ما سوى ذلك مع أي دولة من دول الكفر، عملا بقول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء: 58]، وقوله سبحانه: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) الأنفال: 61] الآية. وتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مصالحته لأهل مكة ولليهود في المدينة وفي خيبر. وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها والعبد راع في مال سيده ومسئول عن رعيته )، ثم قال صلى الله عليه وسلم (ألا فكلكم راع ومسئول عن رعيته) وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27]، وهذا كله عند العجز عن قتال المشركين، والعجز عن إلزامهم بالجزية إذا كانوا من أهل الكتاب أو المجوس .. أما مع القدرة على جهادهم وإلزامهم بالدخول في الإسلام أو القتل أو دفع الجزية إن كانوا من أهلها، فلا تجوز المصالحة معهم، وترك القتال وترك الجزية.. وإنما تجوز المصالحة عند الحاجة أو الضرورة مع العجز عن قتالهم أو إلزامهم بالجزية إن كانوا من أهلها، لما تقدم من قوله سبحانه وتعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29]،وقوله عز وجل: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال: 39] ، إلى غير ذلك من الآيات المعلومة في ذلك، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة يوم الحديبية ويوم الفتح، ومع اليهود حين قدم المدينة يدل على ما ذكرنا. والله المسئول أن يوفق المسلمين لكل خير، وأن يصلح أحوالهم ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم ويصلح قادتهم، وأن يعينهم على جهاد أعداء الله على الوجه الذي يرضيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
س2: هل تعني الهدنة المطلقة مع العدو إقراره على ما اقتطعه من أرض المسلمين في فلسطين، وأنها قد أصبحت حقا أبديا لليهود بموجب معاهدات تصدق عليها الأمم المتحدة التي تمثل جميع أمم الأرض. وتخول الأمم المتحدة عقوبة أي دولة تطالب مرة أخرى باسترداد هذه الأرض أو قتال اليهود فيها ؟
ج2: الصلح بين ولي أمر المسلمين في فلسطين وبين اليهود لا يقتضي تمليك اليهود لما تحت أيديهم تمليكا أبديا، وإنما يقتضي ذلك تمليكهم تمليكا مؤقتا حتى تنتهي الهدنة المؤقتة أو يقوى المسلمون على إبعادهم عن ديار المسلمين بالقوة في الهدنة المطلقة. وهكذا يجب قتالهم عند القدرة حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. وهكذا النصارى والمجوس؛ لقول الله سبحانه في سورة التوبة: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29] ، وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم (أنه أخذ الجزية من المجوس) وبذلك صار لهم حكم أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط إذا لم يسلموا. أما حل الطعام والنساء للمسلمين فمختص بأهل الكتاب، كما نص عليه كتاب الله سبحانه في سورة المائدة. وقد صرح الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى في سورة الأنفال: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) الآية [الأنفال: 61] بمعنى ما ذكرنا في شأن الصلح.
قال أبو عبد الباري: رحم الله العلامة المجاهد عبد العزيز بن عبد الله بن باز وأسكنه فسيح جناته.
**الحقيقة الثانية:
إن خبثَ اليهود وعدائهم لأهل الحق قديمٌ، كما جاء واضحا في القرآن الكريم، فلا يليق ببعض الجهات العربية وصف اليهود بالعدل والحضارة، وأنهم أرقى من بعض الدول الإسلامية في باب التعامل، أو أن تقوم بتخفيف كواهلهم من وزر الجرائم التي يرتكبونها في حق البشرية، أوأنهم -ما شاء الله- مُسالمون، ويلهثون وراء تطبيع العلاقات مع المسلمين، وأنهم لا يعتدون على الدول المجاورة، ولا يباشرون الإجرام والإبادة الجماعية، ولا يستعملون القنابل الذكية والمذكاة بسكين الصليبية؛ إلا من باب الدفاع عن النفس، فكل هذا الهراء الذي تقذفه بعض الأفواه العربية دليل على خبث المعدن، وفساد التصور.
قال تعالى في سورة البقرة: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ)، وقال تعالى في سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). وقال تعالى في سورة المائدة: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ)، وقال تعالى في سورة المائدة: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)، وقال تعالى في سورة المائدة: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)، وقال تعالى في سورة الإسراء: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا)، وقال تعالى في سورة التوبة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ).
**الحقيقة الثالثة:
لا يجوز لأي جهةٍ مُقاوِمةٍ لليهود أو غيرهم من الكفار المقاتلين؛ -شيعية رافضية كانت الـمُقاوَمة أو سنية طاهرة في الظروف الراهنة- الانفرادُ بالقرار في مبارزة دولة العدوّ تحت أي غطاء كان، إلا بعد مشاورة حاكم البلاد، والجهات التي لها علاقة مباشرة بالقضية، وإلا تفلتت الأمور من أيدي المسلمين، وكانت المقاومة محنة للدول الإسلامية.
قال تعالى في سورة النور: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
قال العلامة القرطبيّ في جامعه: (واختلف في الأمر الجامع ما هو؛ فقيل: المراد به ما للإمام من حاجة إلى جمع الناس فيه لإذاعة مصلحة، من إقامة سنة في الدين، أو لترهيب عدوّ باجتماعهم للحروب؛ قال الله تعالى: (وَشَاوِرهُم فِي الأَمرِ) [آل عمران159]، فإذا كان أمر يشملهم نفعه وضره جمعهم للتشاور في ذلك، والإمام الذي يُترقَّب إذنه هو إمام الإمرة، فلا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه، فإن ذهب بإذنه ارتفع عنه الظن السيئ).
ثم ذكر رحمه الله أقوالا أخرى في معنى الآية منها طلب إذن الخطيب يوم الجمعة.
واختار ابن العربي المالكي أن الأمر مخصوص بالحرب، وعلل استدلاله بأمرين:
أحدهما: قوله في الآية الأخرى (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا)، وذلك أن المنافقين كانوا يتلوّذون ويخرجون عن الجماعة ويتركون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله جميعهم بألا يخرج أحد منهم حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يتبين إيمانه.
الثاني: قوله: (لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ)؛ وأي إذن في الحدث والإمام يخطب، وليس للإمام خيار في منعه ولا إبقائه، وقد قال: (فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ)؛ فبيّن بذلك أنه مخصوص بالحرب.
قال القرطبي رحمه الله: (قلت: القول بالعموم أولى وأرفع وأحسن وأعلى).
وقال تعالى في سورة آل عمران: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (28/387-38: (وإن كان أمرا قد تنازع فيه المسلمون، فينبغي أن يستخرج من كل منهم رأيه ووجه رأيه، فأي الآراء كان أشبه بكتاب الله وسنة رسوله عمل به، كما قال تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
وأولو الأمر صنفان: الأمراء والعلماء، وهم الذين إذا صلحوا صلح الناس، فعلى كل منهما أن يتحرى بما يقوله ويفعله طاعة الله ورسوله، واتباع كتاب الله، ومتى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دلّ عليه الكتاب والسنة كان هو الواجب؛ وإن لم يكن ذلك لضيق الوقت أو عجز الطالب، أو تكافؤ الأدلة عنده أو غير ذلك فله أن يقلد من يرتضي علمه ودينه، هذا أقوى الأقوال)اهـ.
وقال الشيخ العلامة السعدي في تفسير آية آل عمران: (وشاورهم في الأمر)؛ أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:
منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
منها: أن فيها تسميحا لخواطرهم، وإزالة لما يصير في القلوب عند الحوادث، فإنّ من له الأمر على الناس إذا جمع أهل الرأي والفضل، وشاورهم في حادثة من الحوادث، اطمأنت نفوسهم وأحبوه، وعلموا أنه ليس يستبد عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته لعلمهم بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم لا يكادون يحبونه محبة صادقة ولا يطيعونه، وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
ومنها: أن في الاستشارة تنوّر الأفكار، بسبب إعمالها فيما وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقل.
ومنها: ما تنتجه الاستشارة من الرأي المصيب، فإن المشاور لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أولم يتم له مطلوب فليس بملوم.
فإذا كان الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الناس عقلا وأغزرهم علما وأفضلهم رأيا (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)، فكيف بغيره؟ ثم قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ)؛ أي على أمر من الأمور بعد الاستشارة فيه إن كان يحتاج إلى استشارة (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ)؛ أي: اعتمد على حول الله وقوته متبرئا من حولك وقوتك، (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)؛ عليه، اللاجئين إليه)اهـ.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والنسائي في الكبرى، وفي المجتبى، وابن أبي عاصم في الجهاد، وحسنه العلامة محمد ناصر الدين الألباني في الصحيحة (برقم1990)؛ عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الغزو غزوان: فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، واجتنب الفساد، كان نومُه ونبهُه كلّه أجر.
وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف).
وقد روى الحديث الإمام مالك في موطئه كتاب الجهاد موقوفا على معاذ.
قال العلامة الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر في الاستذكار: (هذا الحديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن، ثم ذكره بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال في شرحه: وأما طاعة الإمام فواجبةٌ في كل ما يأمر به، إلا أن تكون معصية بيِّنة لا شك فيها، ولا ينبغي أن يبارز العدوّ، ولا يخرج في سارية عن عسكره إلا بإذنه).
وجاء في المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد، والتي قام بجمعها أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى في جزء مفرد قامت بطبعه دار العاصمة (برقم3): (وسئل (أي الإمام أحمد) يكون الرجل في الجهاد بين الصفين؛ يبارز علجا بغير إذن الإمام؟ فقال: لا والله).
قال صاحب مختصر (زاد المستقنع) موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي المقدسي (م96: (ولا يجوز الغزو إلا بإذنه إلا أن يَفجَأهم عدوٌّ يخافون كلبه).
قال العلامة محمد بن صالح العثيمين في الشرح الممتع (8/25): (أي: لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر، لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس، فأفراد الناس تبع لأهل الحل والعقد، فلا يجوز لأحد أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع، وإذا فاجأهم عدو يخافون كلبه، فحينئذ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعين القتال إذا).
ومعنى كَلَبَه: أي شرّه ووثبته.
**الحقيقة الرابعة:
إنَّ حزب الله اللبناني، الذي رفع شعار المقاومة والممانعة، ونادى بالصمود في وجه العدو الصائل، وهو يقوم الآن بالتصدي للعدوان اليهودي، وقد كبد اليهود خسائر واضحة في بنت جبيل، ومارون رأس، وغيرها من المقاطعات اللبنانية؛ يجبُ عليه أولا: البراءة من عقيدة الروافض الأنجاس الذين يتخذون من كربلاء، ومراقد الحسين الوهمية في مختلف بقاع الأرض، وقمّ الإيرانية حصونا منيعة لبث فكرهم الكفري في ربوع الوطن السني، فإن لظى الرفض قد أصاب أهل الجزائر في محنتها الدامية، وقد نال الإرهاب الوحشي الضوء الأخضر من طهران للفتك بأبناء الأمة، والله المستعان، وعليه ثانيا: أن يضرب صفحا عن دعوة ردم الخلاف في الظروف الراهنة، وعدم إثارته حتى لا تذهب ريحنا ويهين صفنا، وهي دعوة عرجاء ينادي بها المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، وعضده يوسف القرضاوي في قطر، وبعض الفقاقيع في المملكة السعودية بقيادة سلمان العودة، وجهات أخرى لا تفرق بين الكليات والجزئيات، فإنها دعوة لا تساوي فلسا في منظور السياسة الشرعية، بل تدل على سفول عقول القوم، وعلى جورهم وكتمانهم للحق، وسماجة تفكيرهم، وأنهم تجار دنيا يَجْرون وراء الأضواء الكاشفة، والشهرة الإعلامية، والشعارات الجوفاء، وحشد أصوات البلهاء على حساب عقيدة السلف الطاهرة، تسوقهم عاطفة، عصفت بكل الأصول والخطوط الحمراء، وحين تنكشف الغمة يتضح لهم اعوجاج منهجهم الذي تعاملوا به مع الأزمة، وضرر فتاويهم المعاصرة على الأمة.
الله أكبر! مفكرون ومفتون تصدق فيهم مقولة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها رغم أنوف الروافض: (من ابتغى رضا الخلق في سخط الله أوكله الله إلى الناس)، وكان الواجب في حقهم إن كانوا أصحاب ثوابت، وعقيدة منضبطة، وعقولا متزنة؛ وغيرة على عرض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أصحاب أفكار متناثرة ومتغيرة بتغير الجغرافيا، بل ومتضاربة من محفل إلى آخر! مطالبةُ حزب الله اللبناني بالتخلي عن فكر الروافض، والبراءة من عقيدة الخميني الكفرية، وبيان موقفه الجليّ من أم المؤمنين عائشة الطاهرة الصديقة بنت الصديق، وأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وباقي الصحابة الذين اتخذ الروافض الأنجاس الطعن في أعراضهم وصلة إلى أسمى القربات عند الله تعالى، والله المستعان.
أين الشهادة بالحق يا دعاة الفكر ورؤساء الهيئات، وأين الوسطية والاعتدال التي تتبجحون بها في كل محفل؟
لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم والقسط بيان الحق والتحذير من الخذلان والطغيان، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، والليُّ: هو تغير الشهادة، أو كتمانها.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وقال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، وقال تعالى: (وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج (1/16): (والله تعالى قد أمر بالصدق والبيان، ونهى عن الكذب والكتمان فيما يحتاج إلى معرفته وإظهاره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما).
يا رؤوس الإخوان المسلمين ومن سبح في حوضكم الغامض أتريدون صفقة مع الله مبناه الغدر والغش وكتمان العيوب، فمن أين تصلكم البركة ويغشاكم النماء وأنتم تغشون ألأمة في عقيدتها وثوابتها، أم تردون أن يبارك العوام والهوام صنيعكم، فهنيئا لكم ببركة هذا مصدرها!
فوالله، وبالله، وتالله، لعرض عائشة أمّ المؤمنين الصديقة بنت الصديق أغلى عندي من حزب الله اللبناني ومثله عشر مرات، وأشرف عندي من كل انتصاراته، ولو فتح الهند والسند.
وعلى رؤوس الإخوان المسلمين وأنصارهم من السروريين أن يدركوا هذه الحقيقة أن عداءنا لليهود الكافرين ومن يؤزّهم من الصليبيين والمنافقين، وحرصنا الشديد على جهادهم ودحضهم من أراضي المسلمين؛ لا يعمينا عن ضلال الروافض، ولا ينسينا مخازيهم عبر التاريخ الإسلامي الطويل، ولا يقوى على غض أطرافنا عن جرائمهم ضدّ أهل السنة في إيران ومقاطعة بلوشستان، وعن تحالفهم السافر مع دول الاحتلال بدء من شمال أفغانستان ووصولا إلى بغداد، فالروافض واليهود تساويا وتشابها في إبادة الأبرياء، وبينهما عناصر كثيرة مشتركة كما قال علماء الملة الطاهرة لا دعاة الظنون وفلسفة أفلاطون.
قال الإمام الشعبي وهو من أخبر الناس بالروافض: (ما رأيت أحمق من الخشبية، لو كانوا من الطير لكانوا رخما، ولو كانوا من البهائم لكانوا حُمرا، والله لو طلبت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهبا على أن أكذب على عليّ لأعطوني، ووالله ما أكذب عليه أبدا).
قلت: والخشبية نسبة إلى الخشب، وذلك أنهم كانوا يرفضون القتال بالسيف ويقاتلون بالخشب.
وذكر ابن حزم في الفصل (5/45) أن بعض الشيعة كانوا: (لا يستحلون حمل السلاح حتى يخرج الذي ينتظرونه فهم يقاتلون الناس بالخنق وبالحجارة، والخشبية بالخشب).
قلت: ليتنبه أبناء فلسطين من اسم أبناء الحجارة، فإن الجهاد يكون بعدته وآلاته لا بالحجارة المهشمة، وإلا وقعوا في مشابه طائفة من الروافض، ومع مرور الزمان يطلق عليهم الحجرية!.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج: (ولهذا كان بيمنهم (أي الروافض) وبين اليهود من المشابهة في الخبث واتباع الهوى وغير ذلك من أخلاق اليهود، وبينهم وبين النصارى من المشابهة في الغلو والجهل وغير ذلك من أخلاق النصارى، ما أشبهوا به هؤلاء من وجه وهؤلاء من وجه، ومازال الناس يصفونهم بذلك).
قلت: وخرج من عموم الناس والله المستعان الإخوان المسلمون بقرينة أن الوضع لا يتحمل ذكر الخلاف، وأنه يجب أن نتوحد في وجه الزحف الصهيوني، وتناسوا هداهم الله أن الصفات التي في يهود والتي نتكبد الأنفس والمال لصدها ودفع شرها عن أمتنا موجودة في حزب الله اللبناني، فبالله عليكم يا قوم إلى متى تتلاعبون بمصير الأمة، ومشاعرها الرهفة من أجل مكاسب من مصادر خبيثة، توطن للضلال أصوله، وتثبت البدعة في قلوب أبناء الأمة، وإلى متى تغشون الشعوب الإسلامية، ألم تعتبروا من حرب48، وغيرها من الحروب العربية التي جلبت العار على المنطقة بأكملها، والتي بنيت على خواء من الأفكار، وصقلت بشعرات جوفاء، وبنيت على عقائد فاسدة، وفي المقابل نجد اليهودي يردد التلمود، ومعه المجنا والمشنا على ظهر الدبابة وعلى مرأى من وسائل الإعلام، ليشعر العالم كلّه أن حربه على المسلمين عقدية محضة، فأفيقوا يا قوم فإن القدس وما حوت لا تحرر بسنفونية مرسال خليفة مقاتلون بلا عنوان!، ولا بتصريحات القرضاوي التي هي أردى منزلة من السنفونية السابقة، والله المستعان.
فليتق الله رؤوس الإخوان المسلمين في العالم، وما تمخض عنهم من طوائف، حين عابوا على بعض علماء المملكة نقدهم لحزب الله اللبناني، فإن علماءنا وفقهم الله انطلقوا من قواعد متينة، وعلوم ثمينة، أحيت في أنفسهم النصيحة للمسلمين، ومنعتهم من الخيانة والتغرير بالجاهلين، مع مؤازرتهم لولاة أمورهم في حلّ قضية لبنان بالقول والعمل، فأروني ماذا فعل الناعقون!.
إن حزب الله اللبناني إذا أراد دعاء أهل الحق له بالنصر والتمكين فليعرب عن عقيدته التي يقاتل من أجلها اليهود الكافرين، وليتشجع رأسهم حسن والملقب بسيد المقاومة، بمقاومة نفسه التي بين جنبيه، ويشرح في مقابلة تلفزيونية على الملأ عقيدته في صحابة رسول الله، ويعلن براءته من عقيدة الروافض، ويترضى على أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب وأم المؤمنين عائشة وباقي الصاحبة رضوان الله تعالى عليهم، فإن صنيعه هذا أزكى عندنا من صواريخ الرعد التي يطلقها على حيفا، وعجبت لأمره حين قال: اهدي انتصارات المقامة إلى كل مسيحي شريف! وبخل أن يهدي قسطا منها إلى صحابة رسول الله وعلى رأسهم أبي بكر الصديق وعمر وأم المؤمنين عائشة رضوان الله تعالى عليهم.
إن العقيدة سليمة إذا اجتمعت مع مقاومة متينة، حققت النصر الذي لا تهزه العواصف، ولا تؤثر فيه الأحداث، وعلى حزب الله أن يأخذ الحكمة البالغة من جهاد الجزائريين الأحرار ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم، حين بنوه على عقيدة أهل السنة الخالصة، فإنه ما فتئ أن ظهرت ثماره على ربوع الوطن.
وأما أن يصر قائد المقاومة في الجنوب اللبناني هداه الله على الضبابية، والمراوغة السياسية لجلب أكبر عدد من المؤيدين فهذا لا ينفعه يوم الدين، ولن يرجع بالكفاف من نضاله وإن سحق اليهود، ولا تشفع له مزارع شبعا وناتانيا عند ربّ العالمين، ويكون حالنا معه في هذه الظروف الراهنة والحالكة: اللهم اهدي حزب الله اللبناني إلى السنة الخالصة، وطهره من عقيدة الخميني الكافرة، فإن حاجة حزب الله إلى الهداية ومعرفة الحق الخالص أقوى من حاجته إلى النصر على يهود، مع سؤالنا الله تعالى أن يرفع الغم والهمّ عن أهل البنان الشقيق، وأن يؤجر المسلمين في مصيبتهم، وأن يرزقهم الصبر والإيمان، ونسأل الله أن يوفق الدول الإسلامية إلى توظيف الحرب الجائرة التي أشعلت نارها دولة صهيون في خدمة القضايا الإسلامية الثابتة، فإن اليهود كلما أوقدوا نار للفتنة أطفأها الله كما قال جلّ في علاه: (كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، فقد قيل ربّ ضارة نافعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (14/39) عند تفسيره لسورة الفاتحة آية (اهدنا الصراط المستقيم): (فحاجة العبد إلى سؤال هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته وفلاحه، بخلاف حاجته إلى الرزق والنصر، فإن الله يرزقه، فإذا انقطع رزقه مات، والموت لابد منه، فإذا كان من أهل الهدى به كان سعيدا قبل الموت وبعده، وكانت الموت موصلا إلى السعادة الأبدية، وكذلك النصر إذا قدر أنه غُلب حتى قُتل فإنه يموت شهيدا، وكان القتل من تمام النعمة، فتبين أن الحاجة إلى الهدى أعظم من الحاجة إلى النصر والرزق، بل لا نسبة بينهما، لأنه إذا اهتدى كان من المتقين، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)، وكان ممن ينصر اللهَ ورسولَه، ومن نصر اللهَ نصره اللهُ، وكان من جند الله، وهم الغالبون، ولهذا كان هذا الدعاء هو المفروض.
وأيضا؛ فإنه يتضمن الرزق والنصر، لأنه إذا اهتدى، ثم أمر وهدى غيرَه بقوله وفعله ورؤيته، فالهدى التام أعظم ما يحصل به الرزق والنصر..).
**الحقيقة الخامسة:
على أهل الشام أن يعيدوا النظر في أحوالهم مع الله.
إنّ الهجوم السافر الذي تتعرض له مقاطعة الشام على يدي شرذمة من اليهود، بإيعاز من بعض الدول الصليبية يجعل أهل المقاطعة يُعيدون النظر في صلتهم بالله جلّ وعلا، ويبحثون عن المنافذ التي تسرب منها لهيب العادي الغاشم إلى فنائهم الساكن والآمن، بتقليب النظر في أحوالهم وجلواتهم، هل هي تسير على مراد الله تعالى، ساعية إلى تحقيق مرضاته، أم أنها أجساد خاوية، وأفئدة هواء، وغارقة في يمّ الشهاوات، ومستنقع الشبه، من رفض مقيت يجلب سخط الله تعالى، ويؤخر نصره، وإن ظهرت بعض شرارات النصر في الأفق فهي من قبيل الاستدراج الذي يغرق صاحبه في قلب البدعة، ويسوق زمرة من الناس الجهال إلى الاستبشار بالرفض واعتناقه، وعليهم بالبعد عن الهوى والشهوات والانغماس في ملذات الدنيا بإفراط مدهش ومقزز، مع اقتراف ظاهر لما حرم الله مما جعل المنطقة قبلة للفساق، وأصحاب النزوات، يقصدونها صيفا لا للتمتع بما منحى الله المنطقة من حلة خضراء ضمن الضوابط الشرعية، والأعراف العربية المرعية، ولكن.... والله المستعان والعاصم من شرّ العدوان.
أخرج الإمام البخاري ومسلم رحمهما الله في صحيحيهما بإسنادهما إلى عبد الله بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نصرت بالصبا، وأُهلكت عاد بالدبور).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (والصبا يقال لها القَبول، لأنها تقابل باب الكعبة، إذ مهبها من مشرق الشمس، وضدها الدبور، وهي التي أُهلكت بها قوم عاد؛ ومن لطيف المناسبة كون القَبول نصرت أهل القبول، وكون الدبور أهلكت أهل الإدبار).
يا أهل الشام إن النصر يأتيكم من ريح الصبا، وذلك بقبولكم لمنهج أهل الحديث في حياتكم، علما وعقيدة وسلوكا وسياسة وجهادا، فإن النصر سيكون حليفكم في جملة قضاياكم، كما أكرم الله به الأولين من أسلافكم، وأما وإن اخترتكم الأخرى وسيّرتم الشام إلى صورة مصغرة لباريس، فلا تلومونّ إلا أنفسكم، قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ودعوكم من تحميل العرب ما حلّ بدياركم، وصب جمّ غضبكم على الجامعة العربية المهزوزة من الداخل، فهذه الأخيرة بحاجة إلى من يأخذ بأيديها إلى قارب النجاة، وحقل الوفاق، قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
يا أهل الشام إن الهوان والذّل يأتي من ترك أمر الله تعالى بعد ظهوره، أولم تقرؤوا التاريخ؟
أخرج الإمام أحمد في (الزهد) بسنده إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: لما فتحت قبرص، فرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله عزّ وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة، لهم الملك؛ تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى) وإسناده صحيح.
وقال أبو البختري: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم)، أخرج الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.
ومعنى (يعذروا من أنفسهم)؛ أي تكثر ذنوبهم وعيوبهم، ويتركون العمل بالحق بعد ظهوره فيستوجبون العقوبة.
الله أسأل أن يهدي أهل الشام إلى الصراط المستقيم، وأن يبصرهم بمنهج السلف الصالح في مقاومة المحتلين، لأن النصر على اليهود والرزق الحلال من ثمار هداية الله تعالى إلى الحق.
والحمد لله ربّ العالمين.
الحقيقة السادسة: رسالة مفتوحة إلى الشعوب العربية؛ لا تبنوا قصورا على أنقاض الرافضة، وتهدموا أمصارا نابضة.
الحمدُ لله فاتحةُ كلّ كتاب، وخاتمةُ كل خطاب، والصلاة والسلام على رسول الله، صلاةً جالبةً لكلّ ثواب، وسببا لدفع كل عقاب، وعلى آله وصحبه الذين ينقشع باتباعهم ظلام كلّ سحاب، وينكشف بعلومهم غمام كلّ حجاب، وينمحي بالترضي عليهم كدر كل ارتياب، وينسد بمحبتهم خلل كل اضطراب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإني رأيت في زمن الهرج وضياع العدل، وكثرة الهتر وقمة الهكر؛ مقامات المدح أسبلت على الرافضة بسخاء مفرط وبلا حساب، وكساء الشجاعة خص به حزب حسن اللبناني بلا شريك ولا وأنجاب، وبعض الجهلة عدّ رأس الحزب من نسل صلاح الدين الأيوبي، والآخر رفعه إلى سيد الأقطاب، مع أن التاريخ سجّل أن صلاح الدين قاتلهم وقتل مقدمهم شاور حين دخل ديار مصر غازيا ومجاهدا بالحق بلا خباب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية الحراني في مجموع الفتاوى (28/637): (وقد عرف العارفون بالإسلام –قلت: إلا فرقة الإخوان المسلمين-: أن الرافضة تميل مع أعداء الدين. ولما كانوا ملوكَ القاهرة كان وزيرهم يهوديا، ومرة نصرانيا، وقويت النصارى بسبب ذلك النصراني الأرميني، وبنوا كنائس كثيرة بأرض مصر في دولة أولئك الرافضة المنافقين، وكانوا ينادون بين القصرين: من لعن وسبّ فله دينار وإردب، وفي أيامهم أخذت النصارى ساحل الشام من المسلمين، حتى فتحه نور الدين وصلاح الدين، وفي أيامهم جاء الفرنج إلى بلبيس، وغلبوا من الفرنج؛ فإنهم منافقون، وأعانهم النصارى، والله لا ينصر المنافقين الذين يوالون النصارى، فبعثوا إلى نور الدين يطلبون النجدة، فأمدهم بأسد الدين، وابن أخيه صلاح الدين، فلما جاء الغزاة المجاهدون إلى ديار مصر، قامت الرافضة مع النصارى، فطلبوا قتال الغزاة المجاهدين المسلمين، وجرت فصول يعرفها الناس-قال أبو عبد الباري: إلا الإخوان المسلمون- حتى قتل صلاح الدين مقدمهم شاور.
ومن حينئذ ظهرت بهذه البلاد كلمة الإسلام والسنة والجماعة، وصار يقرأ فيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كالبخاري، ومسلم ونحو ذلك، ويذكر فيها مذاهب الأئمة، ويترضى فيها على الخلفاء الراشدين؛ وإلا كانوا قبل ذلك من شرّ الخلق. فمنهم قوم يعبدون الكواكب ويرصدونها، وفيهم قوم زنادقة دهرية لا يؤمنون بالآخرة ولا جنة ولا نار، ولا يعتقدون وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وخير من كان فيهم الرافضة، والرافضة شرّ الطوائف المنتسبين إلى القبلة...).
قلت: وإنني آمل وإن كان أملي كسراب بقيعة، من باب إلزام دعاة التقريب بين السنة والشيعة، وتبصرة لرؤوس السياسة اللهيعة، وإرشاد لجماهير الأمة التي ذهبت بها الأحداث ضبعا لبعا، وأضحت في خضم النصر الوهمي للرفض صريعة؛ أن يفتح زعيم المقاومة مدارس علم لأهل السنة في جنوب لبنان ذي الحصون المنيعة، بعد خروج اليهود منها كما فعل صلاح الدين رحمه الله؛ صاحب المواقف النفيعة؛ ويقرأ فيها موطأ الإمام مالك، وصحيح البخاري وصحيح مسلم، والسنن الأربعة، وكتاب فضائل الصحابة للإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وكتاب الأم للإمام الشافعي، والواسطية لشيخ الإسلام بن تيمية، وكتب ابن قيم الجوزية، وتفاسير أئمة السنة، كتفسير ابن كثير، والسمعاني، والسعدي، وكتب مصطلح الحديث، وكتب العلل، وكتب التواريخ والسير، كسير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي الدمشقي، وباقي مصنفات أئمة الإسلام التي لا يختلف فيها اثنان، إذا كان سيد المقاومة في الجنوب صادقا في حديثه وأن النصر الذي أحرزه الجنوبيون على حساب أرواح أبناء الأمة وممتلكاتها، والذي هو في نظري أذلّ من فقع بقرقرة، نصر لكل المسلمين في العالم.
إن معنى كلمة النصر قد تشابهت دلالتها علينا وإنّا إن شاء الله لمهتدون، فصار من معانيها الخراب، ومن دلائلها إذا اندرست القرى، وتعفت رسومها واندحضت، ومن حصاد كلمة النصر الاستغاثة بعلي والحسين رضي الله عنهما، وبزينب وباقي أهل البيت في الملمات واليسر، والإشادة بثورة الرافضة في قمّ، وضلال البعث في الشام، ومن مفرداتها، غناء، ورقص على جماجم القصف، وأشلاء القنابل الذكية، وخطب على الناس، ومن معاني النصر عند شعوبنا؛ دلّس وسبّ، وألقى شعرا ضمنها معنى النصر فقال: هنا قتلوا، هنا ذبحوا، هنا سلبوا، هنا سحقوا، هنا مزقوا،..
أما النصر بمعنى الإعانة والغيث، والجود، والنجاة، والخلاص، والغلبة، والمعالجة، والصدق، ومجاري المياه إلى الأودية، ومنه الناصر الذي هو أعظم من التلعة؛ فكل هذه المعاني صارت من المضادات عند الشعوب وبعض رؤوس السياسة، والله المستعان.
أعود وأقول: وبين عبارات المدح والثناء التي حضي بها الرافضة من قِبل الغوغاء وبعض المفكرين ورؤوس السياسة العرجاء، نجد ألفاظ الجرح والغمز والسبّ في أهل السنة وحكامها السنيين كشلال منهمر، قد فتح له كلّ الدّراب، فبعضهم يصفهم بالعمالة وأنهم أداة في يد أمريكا الشمطاء تحركهم كما تشاء كعرائس القرقوز، والمحلل الثاني يقول: إنهم أُلبسوا عمائم نسجت أخيطاها في البيت الأبيض فلا عجب أن يلغوا الجهاد ويشوِّشوا عقول أبناء الأمة في عهد بلغ الذل بها إلى الترقوة، والمنحل الثالث يتفلسف ويلقي بفحيحه على الناس ويقول: إنهم أحدثوا صدعا وثلمة في عهد يجب أن تتآزر فيه جميع القوى؛ رافضيهم ودرزيهم ونصيريهم ونصارتهم، وحبشيهم، وهندسيهم، وبوذيهم، ووثنيهم، بل ما حدث في جنوب لبنان موقف لم يشهد التاريخ مثله! ولهذا يجب أن تتحد فيه جميع قوى الخير والشر على وجه الأرض، ويصاغ منه أمة جديدة لا وجود لها لا في القرآن، ولا في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، لتقف في وجه اليهود، وتعيد القدس وقبل ذلك مزارع شبعا، ولو وَجدَ بعضُ المفكرين حيلة في إدخال إبليس في هذه الأمة الجديدة التي لم تخطر على ذهن أفلاطون لما توان هنيهة، ولأعلنها مدوية بفخر مع رفع اللافتات في الشوارع: إن أبا مرة إبليس طرد سفير دولة صهيون من فوق عرشه على الماء!!، والرابع، -وقد تكون ممثلة ماجنة غارقة في الخيانة، لو غَمست نفسها في النهر الليطاني لخشيتُ أن يعافه حاخامات دولة صهيون وتنزف دولتهم عن احتلاله واستغلال مائه لتنطعهم في باب الطهارة!- ترميهم بالجبن والبخل وتقول:إنهم ورثوا الترف والصوف، والفلل والهواء العليل، ولهذا كلما ظهر الجهاد في بقعة رتّلوا بشتى الروايات ما أنزل الله في المنافقين: (قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)، وقوله تعالى: (وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)، وقوله تعالى: (وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، وقوله تعالى: (وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ)، والله المستعان.
ولا أجد حيلة من صنيع القوم إلا تذكيرهم -إن صادفهم حديثي وهم صاحون غير ثملين، أو تائهين في وديان الفجور والغرام- بقوله تعالى في سورة هود: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ).
إن محاربة اليهود وردّ عدوانهم، واسترجاع الأراضي التي اغتصبوها واجب على كلّ أبناء لبنان بما في ذلكم الجيش النظامي المتواري في الثكنات، وجميع قوى الفاعلة في البلد، وليس حكرا على حزب حسن يا شعوب المنطقة.
وهل إذا قام حزب الرافضة في الجنوب بالتصدي لليهود للحفاظ على موقعه، واستغلال الجنوب لنشر الرفض، فصمد في وجه الزحف اليهودي يكون قد أحدث سبقا لم يشهد التاريخ مثله؟
وهل إذا قام رجل وصلى وصام وحجّ، تقوم شعوب الأمة بالثناء عليه وتمجيده في مسيرات مهولة لأنه صنع أمرا لم يصنعه نظراؤه؟
إن الذي صنعه حزب حسن في جنوب لبنان أمر طبيعي للغاية يا مسلمون، وصورة ذلك:
-قام حزب حسن وخطف جنديين لليهود، وأعلن عمله في وسائل الإعلام، فبداهة أنه كان مستعدا للصراع، ومتوقعا لنتائج الحرب، فحصن مواقعه وشدّ إزاره امتثالا لقوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ).
-قامت دولة صهيون وزلزلت لبنان، ودكت مبانيه، وسوت بنيته الأساسية مع الأرض، وسحقت، وقتلت، ويتمت، وشردت، ودمرت،...، وكذلك اليهود يصنعون، فكيف إذا أعطوا الضوء الأخضر من الدول الصليبية الحاقدة على المسلمين، الحاسدة لهم، كما قال تعالى: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ).
وأقول والله تعالى أعلا وأعلم: إن الجدر والحصون التي تقاتل دولة صهيون المسلمين من ورائها هي أمريكا ومجلس الأمن.
-وسّعت دولة صهيون حربها، وشنت غارة برية مريبة الأهداف، فقام حزبُ حسن وتصدى للزحف البري اليهودي المشبوه، وكبد اليهود خسائر في العتاد والأرواح، وقصف بعض المناطق اليهودية بآلاف الصواريخ لم تكبد اليهود إلا بعض الخسائر على لغة خبراء الحروب، لا غوغائيي السياسة، امتثالا لقوله تعالى: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).
فهل ما صنعه حزب حسن والخميني يدفع بالشعوب العربية إلى نزع يد الطاعة من ولاة أمورهم، وسبهم، ورميهم بالخيانة، بل ويجرهم إلى استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير!.
إن الذي قام به حزب حسن، وكان يجب أن تقوم به جميع القوى في لبنان وما جاورها؛ هو امتثال لقوله تعالى في سورة البقرة: (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ)، وقوله تعالى في سورة التوبة: (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، وقوله تعالى في سورة النساء: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا).
يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسير آية النساء: (هذا حثٌّ من الله لعباده المؤمنين، وتهييج لهم على القتال في سبيله، وأن ذلك قد تعيّن عليهم، وتوجَّه اللوم العظيم بتركه فقال: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ)؛ والحال أنّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا، ومع هذا فقد نالهم أعظم الظلم من أعدائهم، فهم يدعون الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلُها لأنفسِهم بالكفر والشرك، وللمؤمنين بالأذى والصدّ عن سبيل الله، ومنعِهم من الدعوة لدينهم والهجرة، ويدعون الله أن يجعل لهم وليا ونصيرا يستنقذهم من هذه القرية الظالم أهلُها، فصار جهادُكم على هذا الوجه من باب القتال والذبّ عن عيْلاتِكم وأولادِكم ومحارمكم، لأن باب الجهاد الذي هو الطمع في الكفار؛ فإنه وإن كان فيه فضل عظيم ويلامُ المتخلفُ عنه أعظم اللوم؛ فالجهاد الذي فيه استنقاذ المستضعفين منكم أعظم أجرا وأكبر فائدة، بحيث يكون من باب دفع الأعداء).
إن العواطف ليست ميزانا ثابتا في معرفة الحق، ولا مؤشرا صحيحا لتقويم القضايا المدلهة، وما تصنعه بعض الشعوب الثائرة بإيعاز من بعض الأحزاب الإسلامية لا يخدم القضية اللبنانية، ولا يحرر القدس من أيدي الصهاينة، ولا يعود على الأمة الإسلامية بالنفع، والمظاهرات الساخطة على الأمة من أبناء الأمة! يرجع ريعها إلى خزينة الكفار، وماذا يستفيد الثائرون من سبّ حكام المسلمين، وصبّ جمّ غضبهم عليهم، وتحميلهم وزر ما يحدث في المنطقة بأكملها؟، ولماذا لا تلجأ الشعوب إلى الله بالدعاء والعبادة والاستغفار، وترك الذنوب المعاصي، عوضا من سيرها في الشوارع في صورة قبيحة مليئة بالصخب والسبّ حكام المسلمين بالباطل، والطعن في بعض علماء المسلمين المخلصين، وأنا أخشى على الثائرين هداهم الله؛ أنه إذا جاء عهد الجد وجدناهم مختبئين وراء حصون لندن ووشنطن!، ويلهثون للحصول على اللجوء السياسي، عاكفين على أبواب السفارات الغربية كالأيتام، (وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ).
يا شعوب الأمة حافظوا على الأصل الذي يأتي بيانه، فمن ضيعه يكون قد فتح بابا واسعا لليهود وأجهزتهم للعبث بأمن الأمة ودينها وممتلكاتها، ولا يكون أبدا مجاهدا للباطل وهو منغمس في مخطط ابن سبأ اليهودي وأعوانه.
ذكر العلاّمة ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه العظيم حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح في الباب السبعين، في ذكر المستحق للبشرى بالجنة دون غيره: (وقد ذكرنا في أول الكتاب جملة مقالات أهل السنة والحديث التي أجمعوا عليها، كما حكاه الأشعريُّ عنهم، ونحن نحكي إجماعهم كما حكاه حرب صاحب الإمام أحمد عنهم بلفظه، في مسائله المشهورة: هذا مذهب أهل العلم، وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بها، المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشام وغيرهم، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة، زائغ أو(زائل) عن منهج السنة وسبيل الحق:....والجمعة والعيدان والحج مع السلطان، وإن لم يكونوا بررة عدولا أتقياء، ودفع الصدقات والخراج والأعشار والفيء والغنائم إليهم عَدلوا فيها أو جاروا، والانقياد لمن ولاّه الله عزّ وجلّ أمركم، لا تنزع يدا من طاعته، ولا تخرج عليه بسيف، حتى يجعل اللهُ لك فرجا ومخرجا، ولا تخرج على السلطان، وتسمع وتطع، ولا تنكث بيعته، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مخالف مفارق للجماعة، وإن أمرك السلطان بأمر هو لله معصية، فليس لك أن تطيعه البتة، وليس لك أن تخرج عليه، ولا تمنعه حقه....).
إنّ سلوك منهج السلف الصالح في باب الخلافة والإمارة، والبعد عن عفن الخوارج والعقلانيين، يحقق للوطن نعمة الأمن، ويهبه تماسكا متينا، واستقرارا دائما، ويقطع دابر أهل الشرور من اليهود وأعوانهم وكل مفسد في الأرض، والنصوص في هذا الباب كثيرة جدا، ولا يخلوا منها مصنف من مصنفات أئمة الإسلام المتينة والأمينة، وإن غيبها عن الناس دعاةُ الفكر المنحرف والسياسة العرجاء.
يقول الله عزّ وجل في محكم التنزيل: +يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" [النساء59].
قال العلاّمةُ السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: (وأمر بطاعة أولي الأمر؛ وهم الولاة على الناس من الأمراء والحكّام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلاّ بطاعتهم والانقياد لهم، طاعةً لله ورغبةً فيما عنده، ولكن بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مُطيع حين كان من أمر الحَرّة ما كان، زمن يزيد بن معاوية فقال (ابن مطيع) اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله× يقول: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
وعن معاوية قال: قال رسول الله : (من مات وليس له إمامٌ مات ميتة جاهلية).
وعن عبد الله بن عباس قال: قال النبي : (من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنَّهُ من فارق الجماعة شبراً فمات فميتة جاهلية).
وعن عبد الله بن عمر قال: قال النبي : (على المرء المسلم السمعُ والطاعةُ فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).
وعن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله : (من فارق الجماعة شبرا، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).
والربقة: ما يجعل في عنق الدابة، كالطوق مسكها لئلا تشرد، ومعناه: من خرج عن طاعة الجماعة، وفارقهم في الأمر المجمع عليه، فقد ضلّ وهلك، وكان كالدابة إذا خلعت الربقة التي هي محفوظة بها، فإنها لا يؤمن عليها عند ذلك الهلاك والضياع، انظر معالم السنن.
وعن حذيفة بن اليمان في حديثه الطويل قال: قال : (تسمع وتُطيع للأمير، وإن ضُرِبَ ظهرُك وأُخذ مالُك، فاسمع وأطع).
وعن سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه أنه سأل رسول الله قال: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراءُ يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيسٍ، فقال رسول الله×: (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم ).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحِمََـهُ اللهُ-: (يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس[ثم قال رحمه الله]: ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم، وإقامة الحدود، لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا روي أن السلطان ظل الله في الأرض، ويقال: ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين ذلك[ثم قال رحمه الله]: فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة يُتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله× من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال).
والله أسأل أن يجمع كل المسلمين على البر والتقوى، والحمد لله ربّ العالمين.
تعليق