وصية
قال الإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي -رحمه الله تعالى- في كتابه الماتع (تحريم النظر في كتب الكلام) (ص69-72):
* * *
قال الإمام موفق الدين بن قدامة المقدسي -رحمه الله تعالى- في كتابه الماتع (تحريم النظر في كتب الكلام) (ص69-72):
وأوصي إخواني -وفقهم الله تعالى- بلزوم كتاب ربكم سبحانه وتعالى وسنة نبيكم والعض عليها بالنواجذ واجتناب المحدثات؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ولا تغتروا بمقالة قائل يصرفكم عما كنتم عليه من السنة كائناً من كان؛ فإنه لا يزيد على نبيكم، ولا على صحابته الكرام، ولا على إمامكم إمام السنة بالاتفاق: أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، ولا على الأئمة الذين كانوا في عصره وقبل عصره، وقد بلغكم وذكرنا لكم بعض ما كانوا عليه وبعض وصاياهم، فلا تنحرفوا عن ذلك بقول أحد وإن ظننتموه إماماً كبيراً؛ فإنه روي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنه قال: وزيغة الحكيم.
وقال عمر -رضي الله عنه-: ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لأخاف على أمتي ثلاثة: أخاف عليهم من زلة العالم، ومن حكم جائر، ومن هوى متبع).
وقال: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله).
وقد أراكم الله عبرة في هذا الرجل -يعني ابن عقيل- الذي اعتقدتم غزارة علمه كيف قد زل هذه الزلة القبيحة، فلا تغتروا بأحد.
ثم وإياكم والكلام في المسائل المحدثات التي لم تسبق فيها سنة ماضية ولا إمام مرضي؛ فإنها بدع محدثة، وقد حذركم نبيكم صلى الله عليه وسلم المحدثات، فقال: (إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
وقال: (شر الأمور محدثاتها).
وذلك مثل مسألة النقط والشكل، ومسألة تخليد أهل البدع في النار، وأشباه ذلك من المحدثات والحماقات التي لا أثر فيها فيتبع، ولا قول من إمام مرضي فيستمع؛ فإن الخوض فيها شين، والصمت عنها زين، والمتكلم فيها مبتدع خائض في البدعة مرتكب شر الأمور بشهادة الخبر المأثور، والله سبحانه وتعالى سائل من تكلم فيها عن كلامه ومطالبه بحجته وبرهانه؛
قال سهل بن عبد الله التستري -رحمه الله تعالى-: ما أحدث أحد في العلم شيئاً إلا يسأل عنه يوم القيامة، فإن وافق السنة وإلا فهو العطب.
ومن سكت عن هذه الحماقات لم يسأل عنها، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته -رضي الله عنهم- وتابعيهم أسوة حسنة.
ونحن إن شاء الله تعالى أعلم بالآثار منكم، وأشد لها طلباً، وقد رضينا لأنفسنا باتباع سلفنا واجتناب المحدثات بعدهم، أفلا ترضون لأنفسكم بذلك؟ أو لا يسعنا ما وسعهم؟ أو ليس لنا في السنة سعة عن البدعة؟ ومن لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلفه وأئمته فلا وسع الله عليه، ومن لم يكتف بما اكتفوا به ويرضى بما رضوا به ويسلك سبيلهم وكل آخذ منهم فهو من حزب الشيطان، و إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ومن لم يرض الصراط المستقيم سلك إلى صراط الجحيم ومن سلك غير طريق سلفه أفضت به إلى تلفه، ومن مال عن السنة فقد انحرف عن طريق الجنة، فاتقوا الله تعالى وخافوا على أنفسكم فإن الأمر صعب، وما بعد الجنة إلا النار وما بعد الحق إلا الضلال ولا بعد السنة إلا البدعة، وقد علمتم أن كل محدثة بدعة فلا تتكلموا في محدثة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثبتنا الله على السنة وأعاذنا من البدع والفتنة برحمته وطوله.
واتقوا رحمكم الله المراء في القرآن والبحث عن أمور لم يكلفكم الله تعالى إياها ولا عمل فيها؛ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والمراء في القرآن كفر).
ونهى السلف -رضي الله عنهم- عن الجدال في الله -جل ثناؤه-، وفي صفاته وأسمائه، وقد نهينا عن التفكير في الله -عز وجل-، وقال مالك -رحمه الله ورضي عنه-: الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في الدين وفي الله -عز وجل- فالسكوت أحب إلي؛ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا ما تحته عمل.
والذي قاله مالك -رحمه الله تعالى- عليه جماعة العلماء والفقهاء قديماً وحديثاً من أهل الحديث والفتوى، وإنما خالف ذلك أهل البدع، فأما الجماعة فعلى ما قال مالك.
فإذا أردتم الكلام والتوسع في العلم فابحثوا في الفقه ومسائله وأحكامه، والفرائض ومسائلها، والمناسخات، وقسم التركات، ومسائل الإقرار والولاء ودوره وجوه، ثم الوصايا ومسائلها، ثم المسائل التي تعمل بالجبر والمقابلة والحساب والمساحة؛ فلكم في هذا سعة عما قد نهيتم عن الخوض فيه مما لم يتكلم فيه سلفكم، وكرهه إمامكم، ولا يفضي بكم إلى خير، ولا تخلون فيه من إحداث بدعة إمامكم فيها إبليس يمقتكم الله بها، ويتبرأ منكم نبيكم صلى الله عليه وسلم من أجلها، ويفارقكم إخوانكم من أهل السنة لمفارقتكم سنة نبيكم عليه أفضل الصلاة والسلام، وتردون عن حوض نبيكم كما قد جاء أنه يأتي يوم القيامة قوم إلى الحوض فيختلجون دون النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (فأقول: أصحابي! أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: بعدا، وسحقا)، أعاذنا الله وإياكم من ذلك
ولكن إن لزمتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقبلتم وصيته، وسلكتم طريق سلفكم، وتركتم الفضول؛ فكونوا على يقين من السلامة، وأبشروا بالفضل والكرامة والخلود في دار المقامة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
وفقنا الله تعالى وإياكم لما يرضيه برحمته، آمين.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد ونبينا محمد نبي الخير وقائد الخير ورسول الرحمة وسلم. اهـ
وقال عمر -رضي الله عنه-: ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لأخاف على أمتي ثلاثة: أخاف عليهم من زلة العالم، ومن حكم جائر، ومن هوى متبع).
وقال: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله).
وقد أراكم الله عبرة في هذا الرجل -يعني ابن عقيل- الذي اعتقدتم غزارة علمه كيف قد زل هذه الزلة القبيحة، فلا تغتروا بأحد.
ثم وإياكم والكلام في المسائل المحدثات التي لم تسبق فيها سنة ماضية ولا إمام مرضي؛ فإنها بدع محدثة، وقد حذركم نبيكم صلى الله عليه وسلم المحدثات، فقال: (إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة).
وقال: (شر الأمور محدثاتها).
وذلك مثل مسألة النقط والشكل، ومسألة تخليد أهل البدع في النار، وأشباه ذلك من المحدثات والحماقات التي لا أثر فيها فيتبع، ولا قول من إمام مرضي فيستمع؛ فإن الخوض فيها شين، والصمت عنها زين، والمتكلم فيها مبتدع خائض في البدعة مرتكب شر الأمور بشهادة الخبر المأثور، والله سبحانه وتعالى سائل من تكلم فيها عن كلامه ومطالبه بحجته وبرهانه؛
قال سهل بن عبد الله التستري -رحمه الله تعالى-: ما أحدث أحد في العلم شيئاً إلا يسأل عنه يوم القيامة، فإن وافق السنة وإلا فهو العطب.
ومن سكت عن هذه الحماقات لم يسأل عنها، وله في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته -رضي الله عنهم- وتابعيهم أسوة حسنة.
ونحن إن شاء الله تعالى أعلم بالآثار منكم، وأشد لها طلباً، وقد رضينا لأنفسنا باتباع سلفنا واجتناب المحدثات بعدهم، أفلا ترضون لأنفسكم بذلك؟ أو لا يسعنا ما وسعهم؟ أو ليس لنا في السنة سعة عن البدعة؟ ومن لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلفه وأئمته فلا وسع الله عليه، ومن لم يكتف بما اكتفوا به ويرضى بما رضوا به ويسلك سبيلهم وكل آخذ منهم فهو من حزب الشيطان، و إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ومن لم يرض الصراط المستقيم سلك إلى صراط الجحيم ومن سلك غير طريق سلفه أفضت به إلى تلفه، ومن مال عن السنة فقد انحرف عن طريق الجنة، فاتقوا الله تعالى وخافوا على أنفسكم فإن الأمر صعب، وما بعد الجنة إلا النار وما بعد الحق إلا الضلال ولا بعد السنة إلا البدعة، وقد علمتم أن كل محدثة بدعة فلا تتكلموا في محدثة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثبتنا الله على السنة وأعاذنا من البدع والفتنة برحمته وطوله.
واتقوا رحمكم الله المراء في القرآن والبحث عن أمور لم يكلفكم الله تعالى إياها ولا عمل فيها؛ فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والمراء في القرآن كفر).
ونهى السلف -رضي الله عنهم- عن الجدال في الله -جل ثناؤه-، وفي صفاته وأسمائه، وقد نهينا عن التفكير في الله -عز وجل-، وقال مالك -رحمه الله ورضي عنه-: الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في الدين وفي الله -عز وجل- فالسكوت أحب إلي؛ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا ما تحته عمل.
والذي قاله مالك -رحمه الله تعالى- عليه جماعة العلماء والفقهاء قديماً وحديثاً من أهل الحديث والفتوى، وإنما خالف ذلك أهل البدع، فأما الجماعة فعلى ما قال مالك.
فإذا أردتم الكلام والتوسع في العلم فابحثوا في الفقه ومسائله وأحكامه، والفرائض ومسائلها، والمناسخات، وقسم التركات، ومسائل الإقرار والولاء ودوره وجوه، ثم الوصايا ومسائلها، ثم المسائل التي تعمل بالجبر والمقابلة والحساب والمساحة؛ فلكم في هذا سعة عما قد نهيتم عن الخوض فيه مما لم يتكلم فيه سلفكم، وكرهه إمامكم، ولا يفضي بكم إلى خير، ولا تخلون فيه من إحداث بدعة إمامكم فيها إبليس يمقتكم الله بها، ويتبرأ منكم نبيكم صلى الله عليه وسلم من أجلها، ويفارقكم إخوانكم من أهل السنة لمفارقتكم سنة نبيكم عليه أفضل الصلاة والسلام، وتردون عن حوض نبيكم كما قد جاء أنه يأتي يوم القيامة قوم إلى الحوض فيختلجون دون النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (فأقول: أصحابي! أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول: بعدا، وسحقا)، أعاذنا الله وإياكم من ذلك
ولكن إن لزمتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وقبلتم وصيته، وسلكتم طريق سلفكم، وتركتم الفضول؛ فكونوا على يقين من السلامة، وأبشروا بالفضل والكرامة والخلود في دار المقامة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
وفقنا الله تعالى وإياكم لما يرضيه برحمته، آمين.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد ونبينا محمد نبي الخير وقائد الخير ورسول الرحمة وسلم. اهـ
* * *