بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ/ ......
اسمتعت لفتوى لك نسبت لأسئلة الدرس الرابع عشر من دروس التفسير..
وكان سؤالها غير واضح ولكني فهمت أن السؤال عن الاختلاف في عدد أصحاب الكهف كما ذكرتَ في بداية جوابك.
وكان جوابك على النحو التالي:
"الاختلاف الوارد في عدد أصحاب الكهف..
الذي يظهر!! الذي يحضرني الآن أن عدد أصحاب الكهف قد جاء مصرحا به في الكتاب في الآيات يعني هذا التصريح واضح ليس فيه خلاف فمن أين لك الخلاف؟
تذكر الآية التي جاء فيها تعداد أصحاب الكهف؟
(سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم)
فإنه الآن الله عز وجل بين في هذه الآية أنه هو الذي يعلم بعددهم وهو سبحانه أشار إلى ما قيل في عدتهم ولكنه سبحانه لم يبين العدد فهذا من المسكوت عنه فبما أنه سكت عنه وقد بين سبحانه أو قد حسم سبحانه هذا الباب بقوله: (قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تماري فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تسفت فيهم منهم أحدا) فدل هذا على أن السكوت في هذا هو الأولى ولا ندخل في هذا متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأوهامنا، يعني لا نبحث في هذا الباب.
أما إذا كان هناك اجتهاد اجتهادات لبعض أهل العلم فهي لا مرجح بينها ولا نستطيع أن نقول أنها كلها من المعاني التي تحتملها الآية لأنه لا شك أنه كان عدد أصحاب الكهف واحدا كان عددا لا زيادة فيه ولا نقصان يعني لا يصلح أن تكون الأعداد المختلفة تنطبق عليهم بل هو عدد واحد إما أن يكونوا عشرة إما أن يكونوا ثمانية إما أن يكونوا سبعة، لكن كيف نعين هذا العدد؟ الله أعلم بعدتهم، واضح؟
فبلا شك الراجح عدد واحد، كيف نرجح؟ لا سبيل لنا إلى الترجيح. إن الله استأثر بعلم هذا. والله تعالى أعلى وأعلم".
فأقول مستعينا بالله:
1- قولك في بداية هذه الفتوى وغيرها من الفتاوى: الذي يظهر...
وهذا للأسف كثيرا ما تردده في بداية فتاواك ومعلوم أن السائل حينما يسأل أي أحد أنه لا يريد رأيه وما يظهر له ولكن يريد منه ما عنده من علم من الكتاب والسنة أو من كلام السلف الصالح، فإن لم يكن فما على المسئول إلا أن يقول: الله أعلم، أو لا أدري، وكما تعلم أن لا أدري نصف العلم.
2- ثم قلتَ: الذي يحضرني الآن أن عدد أصحاب الكهف قد جاء مصرحا به في الكتاب في الآيات يعني هذا التصريح واضح ليس فيه خلاف فمن أين لك الخلاف؟
وهذا كلام جيد وصحيح وليتك توقفت عنده، فقد نقضته في آخر فتواك.
3- الآية هي: (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف: 22].
راجع مقدمة تفسير ابن جرير الطبري، باب ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي.
وكان الأولى بك أن ترد السائل لمراجعة تفسير الآية من كتب التفسير المعتبرة طالما أنك لا تعرف ما فيها.
وأنصحك أن تراجع تفسير الآية لتعلم خطأك.
4- أما قولك: فدل هذا على أن السكوت في هذا هو الأولى ولا ندخل في هذا متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأوهامنا، يعني لا نبحث في هذا الباب.
من أين استنتجت أنه لا نبحث في هذا الباب؟ أم أنك تريد أن تشعر السائل بإثم لأنه سأل عن مثل هذا؟!
5- أما دعوى اجتهادات أهل العلم فلا أدري من أين أتيت بها فما قرأتُه في التفاسير المعتمدة عند أهل السنة أنهم كلهم مجتمعون على قول ابن عباس.
6- قولك: فبلا شك الراجح عدد واحد، كيف نرجح؟ لا سبيل لنا إلى الترجيح. إن الله استأثر بعلم هذا. والله تعالى أعلى وأعلم.
كيف يكون الله استأثر بعلم هذا وقد قال تعالى في هذه الآية: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ)؟
7- إليك أقوال أئمة التفسير في الآية:
1- الإمام الطبري: (15/219 تفسيره): وكان ابن عباس يقول: أنا ممن استثناه الله، ويقول: عدتهم سبعة.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: أنا من القليل، كانوا سبعة.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: أنا من أولئك القليل الذين استثنى الله، كانوا سبعة وثامنهم كلبهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج: قال ابن عباس: عدتهم سبعة وثامنهم كلبهم، وأنا ممن استثنى الله.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: كان ابن عباس يقول: أنا من القليل، هم سبعة وثامنهم كلبهم.اهـ.
2- الإمام ابن كثير: (5/147): يقول تعالى مخبرًا عن اختلاف الناس في عدة أصحاب الكهف، فحكى ثلاثة أقوال، فدل على أنه لا قائل برابع، ولما ضَعَّف القولين الأولين بقوله: (رَجْمًا بِالْغَيْبِ) أي: قولا بلا علم، كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه، فإنه لا يكاد يصيب، وإن أصاب فبلا قصد، ثم حكى الثالث وسكت عليه أو قرره بقوله: (وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) دل على صحته، وأنه هو الواقع في نفس الأمر.
وقوله: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) إرشاد إلى أن الأحسن في مثل هذا المقام رد العلم إلى الله تعالى، إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علم، لكن إذا أطلعنا على أمر قلنا به، وإلا وَقَفْنَا حيث وقفنا.
وقوله: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) أي: من الناس. قال قتادة: قال ابن عباس: أنا من القليل الذي استثنى الله، عز وجل، كانوا سبعة.
وكذا روى ابن جريج، عن عطاء الخراساني عنه أنه كان يقول: أنا ممن استثنى الله، ويقول: عدتهم سبعة.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ) قال: أنا من القليل، كانوا سبعة.
فهذه أسانيد صحيحة إلى ابن عباس: أنهم كانوا سبعة، وهو موافق لما قدمناه.اهـ.
وأسأل الله أن يوفقني وإياك للخير ويجنبنا حظ النفس والهوى.
إن ربنا لسميع الدعاء وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أبو فارس