موقف شيخ الإسلام ابن تيمية وعلماء الإسلام من دعوة حرية التدين وأخوة ومساواة الأديان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله - في مجموع الفتاوى ( 28/523-525 ) وهو يتحدث عن ديانة التتار وعقائدهم ومساوتهم بين الأديان :
" فَهُمْ يَدَّعُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ وَيُعَظِّمُونَ دِينَ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ عَلَى دِينِ الْمُسْلِمِينَ وَيُطِيعُونَهُمْ وَيُوَالُونَهُمْ أَعْظَمَ بِكَثِيرِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحُكْمُ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَ أَكَابِرِهِمْ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا بِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
وَكَذَلِكَ الْأَكَابِرُ مِنْ وُزَرَائِهِمْ وَغَيْرِهِمْ يَجْعَلُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ كَدِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا طُرُقٌ إلَى اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبِعَةِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ .
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يُرَجِّحُ دِينَ الْيَهُودِ أَوْ دِينَ النَّصَارَى وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَجِّحُ دِينَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْقَوْلُ فَاشٍ غَالِبٌ فِيهِمْ حَتَّى فِي فُقَهَائِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ لَا سِيَّمَا الْجَهْمِيَّة مِنْ الِاتِّحَادِيَّةِ الْفِرْعَوْنِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ الْفَلْسَفَةُ .
وَهَذَا مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَعَلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ النَّصَارَى أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْ الْيَهُودِ أَيْضًا ؛ بَلْ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ : إنَّ غَالِبَ خَوَاصِّ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ وَالْعِبَادِ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ لِمَا أَبْعَدَ .
وَقَدْ رَأَيْت مِنْ ذَلِكَ وَسَمِعْت مَا لَا يَتَّسِعُ لَهُ هَذَا الْمَوْضِعُ .
وَمَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْمُسْلِمِينَ وَبِاتِّفَاقِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ سَوَّغَ اتِّبَاعَ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ اتِّبَاعَ شَرِيعَةٍ غَيْرِ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ كَكُفْرِ مَنْ آمَنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَكَفَرَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا } { أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } .
وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى دَاخِلُونَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُتَفَلْسِفَةُ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ وَيَكْفُرُونَ بِبَعْضِ .
وَمَنْ تَفَلْسَفَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَبْقَى كُفْرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ .
وَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ وُزَرَائِهِمْ الَّذِينَ يُصْدِرُونَ عَنْ رَأْيِهِ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا الضَّرْبِ فَإِنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا مُتَفَلْسِفًا ثُمَّ انْتَسَبَ إلَى الْإِسْلَامِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَالتَّفَلْسُفِ وَضَمَّ إلَى ذَلِكَ الرَّفْضَ .
فَهَذَا هُوَ أَعْظَمُ مَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَقْلَامِ وَذَاكَ أَعْظَمُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ ذَوِي السَّيْفِ . فَلْيَعْتَبِرْ الْمُؤْمِنُ بِهَذَا .
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا مِنْ نِفَاقٍ وَزَنْدَقَةٍ وَإِلْحَادٍ إلَّا وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي اتِّبَاعِ التَّتَارِ
لِأَنَّهُمْ مِنْ أَجْهَلِ الْخَلْقِ وَأَقَلِّهِمْ مَعْرِفَةً بِالدِّينِ وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ اتِّبَاعِهِ وَأَعْظَمِ الْخَلْقِ اتِّبَاعًا لِلظَّنِّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ .اهـ.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .