والله ولا أنا
بسم الله والحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن أتبع هداه .
أما بعد :
فهذه فائدة عظيمة ، ولطيفة جميلة من كتاب " سير أعلام النبلاء " حول أهمية الإخلاص في طلب العلم أنقلها لكم عسى أن ننتفع بها معشر السلفيين .
قال عون بن عمارة : سمعت هشاما الدستوائي يقول: " والله ما أستطيع أن أقول: إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل " .
قلت : أي الإمام الذهبي : والله ولا أنا .
فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا، وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قوم منهم أولا لا لله، وحصلوه، ثم استفاقوا، وحاسبوا أنفسهم، فجرهم العلم إلى الاخلاص في أثناء الطريق، كما قال مجاهد وغيره: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية، ثم رزق الله النية بعد، وبعضهم يقول: طلبنا هذا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله.
فهذا أيضا حسن.
ثم نشروه بنية صالحة.
وقوم طلبوه بنية فاسدة لاجل الدنيا، وليثنى عليهم، فلهم ما نووا: قال
عليه السلام: " من غزا ينوي عقالا فله ما نوى " (1).
وترى هذا الضرب لم يستضيؤوا بنور العلم، ولا لهم وقع في النفوس، ولا لعلمهم كبير نتيجة من العمل، وإنما العالم من يخشى الله تعالى.
وقوم نالوا العلم، وولوا به المناصب، فظلموا، وتركوا التقيد بالعلم، وركبوا الكبائر والفواحش، فتبا لهم، فما هؤلاء بعلماء ! وبعضهم لم يتق الله في علمه، بل ركب الحيل، وأفتى بالرخص، وروى الشاذ من الاخبار.
وبعضهم اجترأ على الله، ووضع الأحاديث ، فهتكه الله، وذهب علمه، وصار زاده إلى النار.
وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئا كبيرا، وتضلعوا منه في الجملة، فخلف من بعدهم خلف بان نقصهم في العلم والعمل، وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر، ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير، أوهموا به أنهم علماء فضلاء، ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله، لأنهم ما رأوا شيخنا يقتدى به في العلم، فصاروا همجأ رعاعا، غاية المدرس منهم أن يحصل كتبا مثمنة يخزنها وينظر فيها يوما ما، فيصحف ما يورده ولا يقرره.
فنسأل الله النجاة والعفو، كما قال بعضهم: ما أنا عالم ولا رأيت عالما.
ـــــ
(1) أخرجه أحمد: 5 / 315، والدارمي: 2 / 208، والنسائي: 6 / 24، من حديث عبادة ابن الصامت، مرفوعا، بلفظ: " من غزا في سبيل الله، ولم ينو إلا عقالا، فله ما نوى ".