[القلب و عجائبه]
قال ابن القيم رحمه الله
...ثم انزل إلى الصدر، تَرَ معدن العلم والحلم والوقار والسكينة والبر وأضدادها.
فتجد صدور العلية تعلو بالبر والخير والعلم و الإحسان، وصدور السفلة تَغلي بالفجور والشرور والإساءة والحسد والمكر.
فتجد صدور العلية تعلو بالبر والخير والعلم و الإحسان، وصدور السفلة تَغلي بالفجور والشرور والإساءة والحسد والمكر.
ثم انفذ من ساحة الصدر إلى مشاهدة القلب، تجدْ ملكاً عظيماً جالساً على سرير مملكته، يأمر وينهى، ويولى ويعزل، وقد حفَّ به الأمراء والوزراء والجند،كلهم في خدمته، إن استقام استقاموا، وإن زاغ زاغوا، وإن فسد فسدوا، فعليه المُعَوّل، وهو محل نظر الرب تعالى، ومحل معرفته ومحبته وخشيته والتوكل عليه والإنابة إليه و الرضى به وعنه.
والعبودية عليه أولا، وعلى رعيته وجنده تبعا، فأشرف ما في الإنسان قلبه، فهو العالم بالله، الساعي إليه، المحب له، و هو محلُ الإيمان والعرفان، وهو المخاطَبُ المبعوث إليه الرسل، المخصوصُ بأشرف العطايا من الإيمان والعقل، وإنما الجوارح أتباع للقلب، يستخدمها استخدام الملوك للعبيد، والراعي للرعية.
والذي يسري إلى الجوارح -من الطاعات والمعاصي- إنما هي آثاره، فإن أَظْلَمَ أظلمت الجوارح، وإن استنار استنارت، ومع هذا فهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عزوجل.
والعبودية عليه أولا، وعلى رعيته وجنده تبعا، فأشرف ما في الإنسان قلبه، فهو العالم بالله، الساعي إليه، المحب له، و هو محلُ الإيمان والعرفان، وهو المخاطَبُ المبعوث إليه الرسل، المخصوصُ بأشرف العطايا من الإيمان والعقل، وإنما الجوارح أتباع للقلب، يستخدمها استخدام الملوك للعبيد، والراعي للرعية.
والذي يسري إلى الجوارح -من الطاعات والمعاصي- إنما هي آثاره، فإن أَظْلَمَ أظلمت الجوارح، وإن استنار استنارت، ومع هذا فهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عزوجل.
فسبحان مقلب القلوب ومودعها ما يشاء من أسرار الغيوب، الذي يحول بين المر وقلبه، ويعلم ما ينطوي عليه من طاعته ودينه، مصرف القلوب كيف أراد، وحيث أراد.
أوحى إلى قلوب الأولياء أن أَقبلي إليّ، فبادرت وقامت بين يدي رب العالمين.
وكره عز و جل انبعاث آخرين، فثبطهم، وقيل اقعدوا مع القاعدين.
وكره عز و جل انبعاث آخرين، فثبطهم، وقيل اقعدوا مع القاعدين.
كانت أكثر يمين رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا ومقلب القلوب ] وكان من دعائه [ اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك ]
قال بعض السلف: القلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانها.
وقال الآخر : القلب أشد تقلبا من الريشة بأرض فلاة في يوم ريح عاصف.
قال بعض السلف: القلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانها.
وقال الآخر : القلب أشد تقلبا من الريشة بأرض فلاة في يوم ريح عاصف.
ويُطلق القلب على معنيين :
(أحدهما) أمر حسي وهو العضو اللحمي الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر وفي باطنه تجويف وفي التجويف دم أسود وهو منبع الروح.
و(الثاني) أمر معنوي وهو لطيفة ربانية رحمانية روحانية لها بهذا العضو تعلق واختصاص وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسانية.
(أحدهما) أمر حسي وهو العضو اللحمي الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر وفي باطنه تجويف وفي التجويف دم أسود وهو منبع الروح.
و(الثاني) أمر معنوي وهو لطيفة ربانية رحمانية روحانية لها بهذا العضو تعلق واختصاص وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسانية.
وللقلب جندان : (جند يرى بالأبصار) و (جند يرى بالبصائر)
فأما جنده المشاهد فالأعضاء الظاهرة و الباطنة، وقد خلقت خادمة له لا تستطيع له خلافا، فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت، وإذا أمر اللسان بالكلام تكلم، وإذا أمر اليد بالبطش بطشت، وإذا أمر الرجل بالسعي سعت، وكذا جميع الأعضاء ذلك له تذليلا.
فأما جنده المشاهد فالأعضاء الظاهرة و الباطنة، وقد خلقت خادمة له لا تستطيع له خلافا، فإذا أمر العين بالانفتاح انفتحت، وإذا أمر اللسان بالكلام تكلم، وإذا أمر اليد بالبطش بطشت، وإذا أمر الرجل بالسعي سعت، وكذا جميع الأعضاء ذلك له تذليلا.
ولما خُلق القلب للسفر إلى الله والدار الآخرة، وخلق في هذا العالم ليتزود منه، افتقر إلى المركب والزاد لسفره الذي خلق لأجله، فأعين بالأعضاء والقوى وسخرت له، وأقيمت له في خدمته لتجلب له ما يوافقه من الغذاء والمنافع ويدفع عنه ما يضره ويهلكه.
فافتقر إلى جندين : (باطن) وهو الإرادة والشهوة والقوى و(ظاهر) وهو الأعضاء.
فخلق في القلب من الإرادات والشهوات ما احتاج إليه وخُلقت له الأعضاء التي هي آلة الإرادة.
واحتاج في دفع المضار إلى جندين : (باطن) وهو الغضب الذي يدفع المهلكات وينتقم به من الأعداء و(ظاهر) وهو الأعضاء التي ينفذ بها غضبه، كالأسلحة للقتال و لا يتم ذلك إلا بمعرفته ما يُجلب و ما يُدفع فأُعين الجندُ من العلم، بما يكشف له حقائق ما ينفعه و ما يضره.
فخلق في القلب من الإرادات والشهوات ما احتاج إليه وخُلقت له الأعضاء التي هي آلة الإرادة.
واحتاج في دفع المضار إلى جندين : (باطن) وهو الغضب الذي يدفع المهلكات وينتقم به من الأعداء و(ظاهر) وهو الأعضاء التي ينفذ بها غضبه، كالأسلحة للقتال و لا يتم ذلك إلا بمعرفته ما يُجلب و ما يُدفع فأُعين الجندُ من العلم، بما يكشف له حقائق ما ينفعه و ما يضره.
ولما سُلّطت عليه الشهوة والغضب والشيطان، أُعين بجند من الملائكة، وجُعل له محل من الحلال ينفذ فيه شهواته، وجعل بإزائه أعداء له ينفذ فيهن غضبه، فما ابتلى بصفة من الصفات إلا وجعل لها مصرفا ومحلا ينفذها فيه.
فجعل لقوة الحسد فيه مصرفا وهو المنافسة في فعل الخير والغبطة عليه، والمسابقة إليه، ولقوة الكبر مصرفا، وهو التكبر على أعداء الله تعالى و إهانتهم وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم لمن رآه يختال بين الصفين في الحرب [ إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن ] وقد أمر الله سبحانه بالغلظة على أعدائه.
و جعل لقوة الحرص مصرفا، وهو الحرص على ما ينفع، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم [ احرص على ما ينفعك ].
و لقوة الشهوة مصرفا وهو التزوج بأربع والتسري بما شاء.
ولقوة حب المال مصرفا وهو إنفاقه في مرضاته تعالى والتزود منه لمعاده، فمحبة المال على هذا الوجه لا تُذم.
ولمحبة الجاه مصرفا، وهو استعماله في تنفيذ أوامره، وإقامة دينه، ونصر المظلوم، وإغاثة الملهوف، وإعانة الضعيف، وقمع أعداء الله، فمحبة الرياسة والجاه على هذا الوجه عبادة.
وجعل لقوة اللعب واللهو مصرفا، وهو لهوه مع امرأته أو بقوسه وسهمه أو تأديبه فرسه، وكان ما أعان على الحق.
وجعل لقوة التحيل والمكر فيه مصرفا، وهو التحيل على عدوه وعدو الله تعالى بأنواع التحيل حتى يُراغمه ويرده خاسئا، ويستعمل معه من أنواع المكر ما يستعمله عدوه معه.
وهكذا جميع القوى التي ركبت فيه جُعل لها مصرفا، وقد ركبها الله فيه لمصالح اقتضتها حكمته، و لا يطلب تعطيلها وإنما تصرف مجاريها من محل إلى محل، ومن موضع إلى موضع ومن تأمل هذا الموضع، وتفقه فيه علم شدة الحاجة إليه وعظم الانتفاع به .
و جعل لقوة الحرص مصرفا، وهو الحرص على ما ينفع، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم [ احرص على ما ينفعك ].
و لقوة الشهوة مصرفا وهو التزوج بأربع والتسري بما شاء.
ولقوة حب المال مصرفا وهو إنفاقه في مرضاته تعالى والتزود منه لمعاده، فمحبة المال على هذا الوجه لا تُذم.
ولمحبة الجاه مصرفا، وهو استعماله في تنفيذ أوامره، وإقامة دينه، ونصر المظلوم، وإغاثة الملهوف، وإعانة الضعيف، وقمع أعداء الله، فمحبة الرياسة والجاه على هذا الوجه عبادة.
وجعل لقوة اللعب واللهو مصرفا، وهو لهوه مع امرأته أو بقوسه وسهمه أو تأديبه فرسه، وكان ما أعان على الحق.
وجعل لقوة التحيل والمكر فيه مصرفا، وهو التحيل على عدوه وعدو الله تعالى بأنواع التحيل حتى يُراغمه ويرده خاسئا، ويستعمل معه من أنواع المكر ما يستعمله عدوه معه.
وهكذا جميع القوى التي ركبت فيه جُعل لها مصرفا، وقد ركبها الله فيه لمصالح اقتضتها حكمته، و لا يطلب تعطيلها وإنما تصرف مجاريها من محل إلى محل، ومن موضع إلى موضع ومن تأمل هذا الموضع، وتفقه فيه علم شدة الحاجة إليه وعظم الانتفاع به .
[ التبيان في أقسام القرآن - ابن قيم الجوزية ]ص261 و ما بعدها