[فصل في بعض ذكر فوائد ذكر الموت]
اعلم أن في ذكر الموت فوائد عديدة من ذلك
أنه يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي.
ثانيًا: يذهب الفرح والسرور بالدنيا، ويزهد فيها، ويهون المصائب.
ثالثًا: التأثر في مشاهدة المحتضرين الذين تخرج أرواحهم، فإن في النظر إليهم ومشاهدة سكراتهم عند نزع أرواحهم، وشخوص أبصارهم عند نزعها، وعجزهم عن الكلام، عند تسلل الروح من الجسد.
وتأمل صورهم بعد خروج الروح ما يقطع عن النفوس لذاتها ويطرد عن القلوب مسراتها ويمنع الجفون من النوم ويمنع الأبدان من الراحة، ويبعث على الجد والاجتهاد في العمل للآخرة.
فروي أن الحسن البصري دخل على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت، فنظر إلى كربه وشدة ما نزل به فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم.
فقالوا له الطعام فلم يأكل:وقال: فو الله لقد رأيت مصرعًا لا أزال أعمل له حتى اللقاء.
الرابع: مما يلين القلوب القاسية زيارة القبور.
فإنها تبلغ من القلوب ما لا يبلغه الأول والثاني والثالث لأنها تذكر بالآخرة.
وَلَمْ أَرَى كَالْمَواتِ أَفْجَعَ مَنْظَرًا=وَلاَ وَاعِظِي جُلاَّسِهم كَالْمَقَابِرِ
آخر:
وَعَظَتْكَ أَجْدَاثٌ وَهُنْ صُمُوْتُ=وَأَصْحَابُهَا تَحْتَ التُرَابِ خُفُوْتُ
الخامس: زيارة المستشفيات والمستوصفات فإنها تلين القلوب وتحث الإنسان على حمد الله وشكره، وعلى الجد والاجتهاد فيما يعود نفعه على الإنسان في الآخرة.
وينبغي للإنسان أن يقوي ظنه بالله ويستحضر رحمته ورأفته ولطفه بعباده ولا سيما عند الاحتضار.
قال (: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله». رواه مسلم وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله ( أنه قال: «قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي». الحديث متفق عليه.
ولا ريب أن حسن الظن برب العالمين الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى الحليم الكريم الجواد الرحمن الرحيم الرءوف بالعباد الغني عنا وعن أعمالنا وعن تعذيبنا وعقابنا.
من أعظم ما نتقرب به إليه ومن أجزل ما نتوجه به عليه.
أي عبادة أعظم من حسن ظننا برب العالمين مع الخوف من معاملته إيانا بعدله.
فالعاقل يكون بين الخوف والرجاء لكن يغلب الرجاء عند الاحتضار ويحسن الظن بالكريم الغفار ويستحضر أنه قادم على أكرم الأكرمين. وأجود الأجودين البر الرحيم.
وإن حصل أن يتلى عند المحتضر آيات الرجاء وأحاديث الرجاء ليقوي ظنه بالله تعالى أجود الأجودين وأكرم الأكرمين.
ومن آيات الرجاء قوله جل وعلا وتقدس: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ( [الزمر: 53].
وقال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ( [الأعراف: 156].
وقوله: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً( [الفرقان: 70].
وقوله: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً( [النساء: 48] .
ومن أحاديث الرجاء ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فالزقته ببطنها فأرضعته.
فقال رسول الله (: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار قلنا لا يا رسول الله فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها». متفق عليه.
وورد عنه ( أنه قال: «فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله». متفق عليه.
وقال (: «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي وفي رواية غلبت غضبي وفي رواية سبقت غضبي». متفق عليه.
وروي عن الإمام أحمد أنه لما حضرته الوفاة قال لولده عبد الله: الق علي أحاديث الرجاء.
لأن المؤمن إذا سمع آيات الرجاء وأحاديث الرجاء قوي حسن ظنه بربه عز وجل واشتاق إلى لقاء سيده ومولاه الذي هو أرحم به من والديه وأولاده فعند ذلك تهون عليه سكرات الموت إذا أراد الله.
إِذَا اشْتَكَتْ مِنْ كَلالِ السَّيْرِ أَوْ عَدَهَا=وَصْلَ الْمُحبِّ فَتَحْيَا عِنْدَ مِيْعَادِ
والمهم أنه يحرص كل الحرص على تقوية حسن ظنه برب العالمين ثم اعلم أن للموت سكرات قال الله جل وعلا وتقدس: (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ( [ق: 19] .
وقيل إن الأعضاء يسلم بعضها على بعض ففي تذكرة القرطبي عن أنس مرفوعًا «إن العبد ليعالج كرب الموت وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض يقول السلام عليك تُفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة».
أي يودع بعضها بعضًا.
خُلقْنَا لأِحْدَاث الليالي فَرائِسًا=تُزَفُ إِلِى الأَجْدَاثِ مِنَّا عَرَائِسًا
تُجَهِّزُ مِنَّا لِلْقُبُورِ عَسَاكِرًا=وَتُرْدِفُ أعوادَ الْمُنايَا فَوارِسًا
إِذَا أمَلٌ أرْخَى لَنَا مِنْ عِنَانِهِ=غَدَا أَجَلٌ عَمَّا نُحَاوِلُ حَابِسًا
أَرَى الْغُصْنَ لَمَّا اجْتُثُّ وَهو بِمَائِهِ=رَطيبًا وَمَا أنْ أَصْبَحَ الْغُصْن يَابِسًا
نَشِيدُ قُصورًا لِلْخُلُودِ سَفَاهَةً =وَنَصْبِر مَا شِئْنَا فَتورًا دَوَارسًا
اللهم وفقنا لصالح الأعمال، ونجنا من جميع الأهوال، وأمنا من الفزع الأكبر يوم الرجف والزلزال، واغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
(مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار)المجلد الأول .
الشيخ عبدالعزيز السلمان رحمه الله .
اعلم أن في ذكر الموت فوائد عديدة من ذلك
أنه يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي.
ثانيًا: يذهب الفرح والسرور بالدنيا، ويزهد فيها، ويهون المصائب.
ثالثًا: التأثر في مشاهدة المحتضرين الذين تخرج أرواحهم، فإن في النظر إليهم ومشاهدة سكراتهم عند نزع أرواحهم، وشخوص أبصارهم عند نزعها، وعجزهم عن الكلام، عند تسلل الروح من الجسد.
وتأمل صورهم بعد خروج الروح ما يقطع عن النفوس لذاتها ويطرد عن القلوب مسراتها ويمنع الجفون من النوم ويمنع الأبدان من الراحة، ويبعث على الجد والاجتهاد في العمل للآخرة.
فروي أن الحسن البصري دخل على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت، فنظر إلى كربه وشدة ما نزل به فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم.
فقالوا له الطعام فلم يأكل:وقال: فو الله لقد رأيت مصرعًا لا أزال أعمل له حتى اللقاء.
الرابع: مما يلين القلوب القاسية زيارة القبور.
فإنها تبلغ من القلوب ما لا يبلغه الأول والثاني والثالث لأنها تذكر بالآخرة.
وَلَمْ أَرَى كَالْمَواتِ أَفْجَعَ مَنْظَرًا=وَلاَ وَاعِظِي جُلاَّسِهم كَالْمَقَابِرِ
آخر:
وَعَظَتْكَ أَجْدَاثٌ وَهُنْ صُمُوْتُ=وَأَصْحَابُهَا تَحْتَ التُرَابِ خُفُوْتُ
الخامس: زيارة المستشفيات والمستوصفات فإنها تلين القلوب وتحث الإنسان على حمد الله وشكره، وعلى الجد والاجتهاد فيما يعود نفعه على الإنسان في الآخرة.
وينبغي للإنسان أن يقوي ظنه بالله ويستحضر رحمته ورأفته ولطفه بعباده ولا سيما عند الاحتضار.
قال (: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله». رواه مسلم وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله ( أنه قال: «قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي». الحديث متفق عليه.
ولا ريب أن حسن الظن برب العالمين الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى الحليم الكريم الجواد الرحمن الرحيم الرءوف بالعباد الغني عنا وعن أعمالنا وعن تعذيبنا وعقابنا.
من أعظم ما نتقرب به إليه ومن أجزل ما نتوجه به عليه.
أي عبادة أعظم من حسن ظننا برب العالمين مع الخوف من معاملته إيانا بعدله.
فالعاقل يكون بين الخوف والرجاء لكن يغلب الرجاء عند الاحتضار ويحسن الظن بالكريم الغفار ويستحضر أنه قادم على أكرم الأكرمين. وأجود الأجودين البر الرحيم.
وإن حصل أن يتلى عند المحتضر آيات الرجاء وأحاديث الرجاء ليقوي ظنه بالله تعالى أجود الأجودين وأكرم الأكرمين.
ومن آيات الرجاء قوله جل وعلا وتقدس: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ( [الزمر: 53].
وقال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ( [الأعراف: 156].
وقوله: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً( [الفرقان: 70].
وقوله: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً( [النساء: 48] .
ومن أحاديث الرجاء ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فالزقته ببطنها فأرضعته.
فقال رسول الله (: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار قلنا لا يا رسول الله فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها». متفق عليه.
وورد عنه ( أنه قال: «فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله». متفق عليه.
وقال (: «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي وفي رواية غلبت غضبي وفي رواية سبقت غضبي». متفق عليه.
وروي عن الإمام أحمد أنه لما حضرته الوفاة قال لولده عبد الله: الق علي أحاديث الرجاء.
لأن المؤمن إذا سمع آيات الرجاء وأحاديث الرجاء قوي حسن ظنه بربه عز وجل واشتاق إلى لقاء سيده ومولاه الذي هو أرحم به من والديه وأولاده فعند ذلك تهون عليه سكرات الموت إذا أراد الله.
إِذَا اشْتَكَتْ مِنْ كَلالِ السَّيْرِ أَوْ عَدَهَا=وَصْلَ الْمُحبِّ فَتَحْيَا عِنْدَ مِيْعَادِ
والمهم أنه يحرص كل الحرص على تقوية حسن ظنه برب العالمين ثم اعلم أن للموت سكرات قال الله جل وعلا وتقدس: (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ( [ق: 19] .
وقيل إن الأعضاء يسلم بعضها على بعض ففي تذكرة القرطبي عن أنس مرفوعًا «إن العبد ليعالج كرب الموت وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض يقول السلام عليك تُفارقني وأفارقك إلى يوم القيامة».
أي يودع بعضها بعضًا.
خُلقْنَا لأِحْدَاث الليالي فَرائِسًا=تُزَفُ إِلِى الأَجْدَاثِ مِنَّا عَرَائِسًا
تُجَهِّزُ مِنَّا لِلْقُبُورِ عَسَاكِرًا=وَتُرْدِفُ أعوادَ الْمُنايَا فَوارِسًا
إِذَا أمَلٌ أرْخَى لَنَا مِنْ عِنَانِهِ=غَدَا أَجَلٌ عَمَّا نُحَاوِلُ حَابِسًا
أَرَى الْغُصْنَ لَمَّا اجْتُثُّ وَهو بِمَائِهِ=رَطيبًا وَمَا أنْ أَصْبَحَ الْغُصْن يَابِسًا
نَشِيدُ قُصورًا لِلْخُلُودِ سَفَاهَةً =وَنَصْبِر مَا شِئْنَا فَتورًا دَوَارسًا
اللهم وفقنا لصالح الأعمال، ونجنا من جميع الأهوال، وأمنا من الفزع الأكبر يوم الرجف والزلزال، واغفر لنا ولوالدينا، ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
(مفتاح الأفكار للتأهب لدار القرار)المجلد الأول .
الشيخ عبدالعزيز السلمان رحمه الله .