يقول الإمام ابن القيم الجوزية - رحمه الله - في كتابه" بدائع الفوائد " :
قوله عز وجل : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ـ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } .
هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعي الدعاء : دعاء العبادة ودعاء المسألة ، فإن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة ، ويراد به مجموعهما وهما متلازمان ، فإن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي وطلب كشف ما يضره أو دفعه ، وكل من يملك الضر والنفع فإنه هو المعبود حقا ، والمعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضرر ، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضرا ولا نفعا .
وذلك كثير في القرآن كقوله تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ } ،
وقوله تعالى : { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ } ،
وقوله تعالى : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ،
وقوله تعالى : { أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ـ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}
وقوله تعالى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ـ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ـ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ـ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ـ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} ،
وقوله تعالى : { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا }
وقال تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا }
فنفى سبحانه عن هؤلاء المعبودين من دونه النفع والضر ، القاصر والمتعدي ، فلا يملكونه لأنفسهم ولا لعابديهم .
وهذا في القرآن كثير بين أن المعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر ، فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة ويدعى خوفا ورجاء دعاء العبادة ، فعلم أن النوعين متلازمان ، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة ، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة ، وعلى هذا فقوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } يتناول نوعي الدعاء ، وبكل منهما فسرت الآية ، قيل : أعطيه إذا سألني ، وقيل : أثيبه إذا عبدني ، والقولان متلازمان ، وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما ، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، بل هذا استعمال له في حقيقته الواحدة المتضمنة للأمرين جميعا ..
فتأمله فإنه موضع عظيم النفع قل من يفطن له وأكثر ألفاظ القرآن الدالة على معنيين فصاعدا هي من هذا القبيل ، ومثال ذلك قوله : { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} فُسُِّر الدلوك بالزوال ، وفسر بالغروب ، وحكيا قولين في كتب التفسير ، وليسا بقولين بل اللفظ يتناولهما معا ، فإن الدلوك هو الميل ، ودلوك الشمس ميلها ن ولهذا الميل مبدأ ومنتهى ، فمبدأه الزوال ومنتهاه الغروب ، فاللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار ، لا يتناول المشترك لمعنييه ، ولا اللفظ لحقيقته ومجازه .
ومثاله أيضا ما تقدم من تفسير ( الغاسق ) بالليل والقمر ، وإن ذلك ليس باختلاف ، بل يتناولهما لتلازمهما فإن القمر آية الليل .. ونظائره كثيرة .
ومن ذلك قوله عز وجل : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ } ، قيل : لولا دعاؤكم إياه ، وقيل : دعاؤه إياكم إلى عبادته فيكون المصدر مضافا إلى المفعول ، وعلى الأول مضافا إلى الفاعل ، وهو الأرجح من القولين ، وعلى هذا فالمراد به نوعا الدعاء ، وهو في دعاء العبادة أظهر أي : ما يعبأ بكم ربي لولا أنكم تعبدونه وعبادته تستلزم مسألته ، فالنوعان داخلان فيه .
ومن ذلك قوله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } فالدعاء يتضمن النوعين ، وهو في دعاء العبادة أظهر ، ولهذا عقبه بقوله : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } .
منقول
قوله عز وجل : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ـ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } .
هاتان الآيتان مشتملتان على آداب نوعي الدعاء : دعاء العبادة ودعاء المسألة ، فإن الدعاء في القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة ، ويراد به مجموعهما وهما متلازمان ، فإن دعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي وطلب كشف ما يضره أو دفعه ، وكل من يملك الضر والنفع فإنه هو المعبود حقا ، والمعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضرر ، ولهذا أنكر الله تعالى على من عبد من دونه ما لا يملك ضرا ولا نفعا .
وذلك كثير في القرآن كقوله تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ } ،
وقوله تعالى : { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ } ،
وقوله تعالى : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ،
وقوله تعالى : { أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ـ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}
وقوله تعالى : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ ـ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ ـ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ ـ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ـ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} ،
وقوله تعالى : { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا }
وقال تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا }
فنفى سبحانه عن هؤلاء المعبودين من دونه النفع والضر ، القاصر والمتعدي ، فلا يملكونه لأنفسهم ولا لعابديهم .
وهذا في القرآن كثير بين أن المعبود لا بد أن يكون مالكا للنفع والضر ، فهو يدعى للنفع والضر دعاء المسألة ويدعى خوفا ورجاء دعاء العبادة ، فعلم أن النوعين متلازمان ، فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة ، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة ، وعلى هذا فقوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } يتناول نوعي الدعاء ، وبكل منهما فسرت الآية ، قيل : أعطيه إذا سألني ، وقيل : أثيبه إذا عبدني ، والقولان متلازمان ، وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما ، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، بل هذا استعمال له في حقيقته الواحدة المتضمنة للأمرين جميعا ..
فتأمله فإنه موضع عظيم النفع قل من يفطن له وأكثر ألفاظ القرآن الدالة على معنيين فصاعدا هي من هذا القبيل ، ومثال ذلك قوله : { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} فُسُِّر الدلوك بالزوال ، وفسر بالغروب ، وحكيا قولين في كتب التفسير ، وليسا بقولين بل اللفظ يتناولهما معا ، فإن الدلوك هو الميل ، ودلوك الشمس ميلها ن ولهذا الميل مبدأ ومنتهى ، فمبدأه الزوال ومنتهاه الغروب ، فاللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار ، لا يتناول المشترك لمعنييه ، ولا اللفظ لحقيقته ومجازه .
ومثاله أيضا ما تقدم من تفسير ( الغاسق ) بالليل والقمر ، وإن ذلك ليس باختلاف ، بل يتناولهما لتلازمهما فإن القمر آية الليل .. ونظائره كثيرة .
ومن ذلك قوله عز وجل : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ } ، قيل : لولا دعاؤكم إياه ، وقيل : دعاؤه إياكم إلى عبادته فيكون المصدر مضافا إلى المفعول ، وعلى الأول مضافا إلى الفاعل ، وهو الأرجح من القولين ، وعلى هذا فالمراد به نوعا الدعاء ، وهو في دعاء العبادة أظهر أي : ما يعبأ بكم ربي لولا أنكم تعبدونه وعبادته تستلزم مسألته ، فالنوعان داخلان فيه .
ومن ذلك قوله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } فالدعاء يتضمن النوعين ، وهو في دعاء العبادة أظهر ، ولهذا عقبه بقوله : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } .
منقول
تعليق