تحريفات اليسوعيين لكتب التراث
للشيخ محمد شريف الزيبق
المدرس في كلية الدعوة وأصول الدين
قد لا يخطر في البال أن يعمد إنسان عاقل ينتمي للدين والعلم إلى تشويه النصوص الأدبية والتاريخية، ولكن ذلك واقع بالفعل، و وقع كثيراً من "الأدباء اليسوعيين " في بيروت، وهم قساوسة من الطائفة الكاثوليكية، أسسوا جامعة "القديس جوزيف " ولهم مطبعة تسمى " المطبعة الكاثوليكية".
وقد طبعوا منذ قرن من الزمان طائفة من كتب التراث الإسلامي وأحدثوا فيها تحريفات غريبة وعجيبة. تدل على شدة تعصبهم وحقدهم على الإسلام، وفقدانهم نزاهة العلماء، وأمانتهم في النقل، وقد كشف عن بعض هذه التحريفات أفاضل الباحثين، وقد رأيت أن أنبه لذلك، وأذكر بعض نماذج من هذه التحريفات:
1. فقه اللغة للإمام أبي منصور عبد الملك الثعالبي:
عندما طبع الآباء اليسوعيون هذا الكتاب استبدلوا عبارة المؤلف عند ذكر النصوص القرآنية (قال تعالى) بعبارة، (يقول القرآن) ! وهذا منتهى التعصب، فهم لا يريدون أن تمر أبصارهم أو تنطق ألسنتهم، وألسنة قرّاء مطبوعاتهم بعبارة تتضمن حقيقة أن القرآن كلام الله، وأين هذا من تسامح علماء المسلمين الذين أدبهم القرآن الكريم على الأمانة في النقل والرواية لكلام المخالفين بنصه، مهما كان محتواه مخالفاً العقيدة الإسلامية، حتى صارت لديهم قاعدة مشهورة: " ناقل الكفر ليس بكافر".
2. كتاب ابن عبد البر الذي جمع فيه شعر أبي العتاهية في الزهد والحكم:
يمتاز أبو اسحق إسماعيل بن القاسم المشهور بأبي العتاهية بغزارة شعره الذي أنشده في الزهد في الدنيا، وذكر الموت وما بعده من القبر والحساب في الآخرة والجزاء بالجنة أو النار، سوى ما نظمه في الأغراض الشعرية الأخرى. وقد اتهمه حساده بالزندقة، وحاولوا إثبات ذلك بإيراد روايات عن تهتكه في شبابه، وما كان بينه وبين أمثاله من شعراء العصر العباسي كأبي نواس وغيره. هذا ما حدا بالحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر بالعناية بجمع أشعاره الحكمية والدفاع عنه، وإثبات براءته مما وصم به، في كتابه: الابتهال بما في شعر أبي العتاهية من الحكم والأمثال[1].
وكان القسيس الأب لويس شيخو اليسوعي قد طبع ديوان أبي العتاهية منذ ما يقرب من قرن في المطبعة اليسوعية في بيروت ، وأعيد طبعها عدة مرات، وفيها تحريفات كثيرة، لفتت نظر الشيخ المحقق أحمد محمد شاكر رحمه الله، أثناء تحقيقه لكتاب: الشعر والشعراء لابن قتيبة. فعلق على ترجمة أبي العتاهية بقوله : " وديوانه معروف مطبوع، طبعة الآباء اليسوعيون.. وهم قوم لا يوثق بنقلهم لتلاعبهم وتعصبهم وتحريفهم، ولكن هذا الذي وجد بأيدي الناس".
وقد لفت نظري مقال للدكتور آدم بيلو " حول الشعر التعليمي" المنشور في العدد 52 من مجلة الجامعة الإسلامية، وفيه يقول: إن جامع ديوان أبي العتاهية لويس شيخو قد أورد من أرجوزة أبي العتاهية المعروفة بذات الأمثال ما يقارب من الخمسين بيتاً، وتذكرت أن الدكتور شكري فيصل قد أورد منها ثلاثمائة وعشرين بيتاً، في كتابه: " أبو العتاهية: أخباره وأشعاره" المطبوع بجامعة دمشق سنة 1384، وقد أماط مؤلف هذا الكتاب اللثام عن تحريفات الأب شيخو، وقام بجهد مشكور في توثيق شعر أبي العتاهية معتمداً على مخطوطتين إحداهما في دار الكتب الظاهرية بدمشق، والأخرى في مكتبة توبنجن بألمانيا، وهما نسختان مما جمعه ابن عبد البر، ولما كان ابن عبد البر لم يقصد إلى جمع شعر أبي العتاهية كله، فإن الدكتور شكري حرص على جمع أشعاره وأخباره من مختلف المصادر فجاء كتابه جامعا موثقاً فيه الأمانة في النقل، وإثبات الاختلاف في الرواية إن وجد.
وأما لويس شيخو فقد طمس عمل الحافظ ابن عبد البر، فكتب عنوان الكتاب هكذا: " الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية"، وكتب تحته: " نقلاً عن رواية النمري، وكتب مشاهير الأدباء كالأصفهاني والمبرد وابن عبد ربه و المسعودي و الماوردي و الغزالي".
وحين شرع الدكتور شكري يقابل بين مخطوطة الظاهرية وبين ما في مطبوعة الأب شيخو استرعى نظره أمر خطير، يقول: "لفتني في شيء من عنف تحريفات غريبة وقعت عليها، فلما مضيت أستقصي، بدت لي هذه التحريفات وكأنها عمل مقصود"[2].
وتبيّن للدكتور أن الأمر تجاوز التحريف إلى بتر بعض الأبيات ذوات العدد من بعض القصائد، يقول: "وذكرت حديث الشيخ شاكر رحمه الله وكنت أظن فيه بعض الحدة، فإذا حديثه دون أن ينهض لهذا التضليل الذي انساقت إليه طبعة الأب شيخو، والتي أرادت أن تسوق إليه الناس في شيء كثير من الاستخفاف بكل أمانة العلم وخلق العلماء"[3].
نماذج من تحريفات الأب لويس شيخو:
ذكر الدكتور شكري فيصل عدة ملاحظات على مطبوعة شيخو: "الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية "، ومنها:
1- طمسه معالم عمل ابن عبد البر حين سكت عنه وأغفل التعريف به، ولم يشر إلى ما أفاد منه، وتعمد ألا يذكره بشهرته ابن عبد البر واكتفى بنسبته (النمري). والقارئ لا يدري أي نمري هو!.
2- سكوته عن وصل الروايات والمقابلات بمصادرها، مكتفياً بهذه المقالات الصماء: روي له، وفي رواية، ويروي، وفي مخطوطة من باريس
3- طيّه شعر أبي العتاهية الغزلي حيناً، وتحريفه لبعضه حيناً آخر، حذف القطعة خبر منه لأنه يجعل (الحب) (ودّاً)، والهوى نوى والجارية نديماً، والوجه رأياً في مثل البيت التالي:
في هواه وله وجه حسن * عزة الحب أرته ذلتي
فيصبره إلى:
في نواه وله رأي حسن * عزة الود أرته ذلتي
4- ولكن أعظم من ذلك إنما كان في هذه التحريفات التي تعمدها وهي تتنوع: فتتناول الكلمة حيناً والجملة حينا، والشطر أو البيت كله مرة والأبيات ذوات العدد في بعض الأحايين.
وهذه نماذج من كل نوع:
1- في قول أبي العتاهية:
ولكنك المولى ولست بمولود * شهدنا لك اللهم أن لست والدا
فقد حرف (والداً) فجعلها (محدثا).
2- وقوله:
غداً بين سائق وشهيد * ليت شعري كيف حالك يا نفس
فقد حرف التعبير القرآني سائق وشهيد إلى سابق وشهيد.
3- وقوله:
ثم قبر ونشور وجلب * أسقام ثم موت نازل
فقد حرف نشور إلى نزول.
4- وقوله:
وحورهن لساهية * إن العقول عن الجنان
وقد حرف حورهن إلى دورهن.
5- وقوله:
فاذكر مصابك بالنبي محمد * وإذا ذكرت محمدا ومصابه
فقد حرف البيت هكذا:
فاجعل ملاذك بالإله الأوحد * وإذا ذكرت العابدين وذلهم
فهو لا يطيق أن يرى لفظة " محمد" صلى الله عليه وسلم
6- قوله:
هو الذي لم يولد ولم يلد * الحمد لله الواحد الصمد
فقد غير الشطر الثاني مع عقيدته القائلة بأن المسيح ابن الله ـ إلى
فهو الذي به رجائي وسندي
7- وإليك أيها القارئ الكريم تحريفاته في هذه القطعة:
ينبغي للدين ألاّ يطرَح * يا بنى ادم صونوا دينكم
نبي قام فيكم فنصحب * واحمدوا الله الذي أكرمكم
غير بنبي إلى بنذير
كل خير نلتموه وشرح * بنبي فتح الله به
غير بنبي إلى بخطيب
في التقى والخير شالوا ورجح * مرسل لو يوزن الناس به
غير مرسل إلى ابن من
ورسول الله أولى بالمدح * فرسول الله أولى بالعلا
غير البيت هكذا:
ونذير الخير أولى بالمدح[4] * فنذير الخير أولى بالعلا
8- وعندما لا يستقيم للأب لويس شيخو تغيير البيت يعمد إلى إسقاطه وحذفه، ومما حذفه الأبيات التالية:
صلى الإله على النبيّ المصطفى * وهو الذي بعث النبيّ محمدا
حاشا له أن يكون مشتركا * الحمد لله لا شريك له
من مهتد رشيد وهادى * أين أين النبي ّ صلى عليه الله
بل هو يحذف الأبيات ذوات العدد، كصنيعة في حذف الأبيات السبعة الأولى من هذه القصيدة التي يبلغ عدد أبياتها 26 بيتاً:
ولا تنس قبرا بالمدينة ثاويا * ليبك رسول الله من كان باكيا
فقد كان مهديا دليلا وهاديا * جزى الله عنا كل خير محمدا
إذا كنت للبرِّ المطهِّر ناسيا * ولن تسرى الذكرى بما هو أهله
وآثاره بالمسجدين كما هيا * أتنسى رسول الله أفضل من مشى
وأكرمهم بيتاً وشعبا وواديا * وكان أبّر الناس بالناس كلهم
عليه سلام الله ما كان صافيا * تكدّر من بعد النبي محمد
ومن علمٍ أمسى وأصبح عافيا * فلم من منار كان أوضحه لنا
وبعد هذه الأبيات التي حذفها:
وكشّفت الأطماع منا المساويا * ركنا إلى الدنيا الدنية ضلة
نراها فما نزداد إلا تماديا * وإنا لنُرمى كل يومٍ بعبرة
عليها ودارٍ أورثتنُّا تعاديا * نُسرُ بدارٍ أورثتنا تضاغُنا
تقلب عريانا وان كان كاسيا * إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى
جميعاً وكن ما شئت لله راجياً * اخي كن على يأس من الناس كلهم
فحسب عباد الله بالله كافيا * ألم تر أن الله يكفي عباده
والقصيدة رائعة يختمها بقوله:
ألا لخراب الدهر أصبحت بانيا * ألا أيها الباني لغير بلاغة[5]
وأصبحت مختالا فخوراً مباهيا * ألا لزوال العمر أصبحت بانيا
وخلفت من خلفته عنك ساليا[6] * كأنك قد ولّيْتَ عن كل ما ترى
أجل، فالإنسان المغرور الغافل، يدركه الموت ويترك ماله لوارثه الذي سرعان ما ينساه ويسلو عنه.
وأكتفي بهذه الأمثلة على تحريفات الأب لويس شيخو، وهي نموذج لما يفعله متعصبو الصليبيين بالتراث للإسلامي.
3. المنجد في اللغة:
للأب يوسف معلوف وهو معجم مشهور متداول بين الناشئة ، طبع للمرة الأولى سنة 1326 (1908م) في 737 ص بمطبعة الآباء اليسوعيين [7] ثم تتابعت طبعاته، وقد طبعت الطبعة السابعة عشر سنة 1376 (1956م) بعنوان: المنجد في اللغة والأدب والعلوم ، وذكر في مقدمة هذه الطبعة ما أدخل عليه من التحسينات مثل طبع الكلمة (الأم) باللون الأحمر، وإضافة المنجد في الأدب والعلوم للأب فرد يناند تونل. وفي الطبعة الثالثة والعشرين سنة 1398 (1978م) عنون له: (المنجد في اللغة والأعلام)، ومنذ الطبعة السابعة عشرة كان يراجعه عدد من الأساتذة منهم كرم البستاني، والأب بولس موتراد، وأنطون نعمة وغيرهم.
وقد بلغت صفحات الطبعة الثالثة والعشرين للمنجد اللغوي 966 صفحة ومع (فرائد الأدب) تبلغ 1014 صفحة (والمنجد في الأعلام) 800 صفحة مع 132 لوحة بالألوان و 68 خريطة جغرافية و 39 خريطة بالألوان، و 32 جدولاً و 1320 رسماً.
وتضمن المنجد في العلام 600ر10 مادة، منها 5940 عن العالم الإسلامي.
هذا هو (المنجد) المعجم الخطير بسبب حسن إخراجه وسهولة المراجعة فيه، وما اتصف به من المزايا التي ذكرناها، مما جعله يروج رواجاً عظيماً بين الدارسين من أبناء الأمة الإسلامية.
وترجع خطورته إلى ما تضمنته من أخطاء علمية وتاريخية متعمدة في كثير من الأحيان، وفيه تحريفات ومطاعن في تاريخنا قد تخفى على الناشئة، وقد تنبه لهذه الأخطاء طائفة من العلماء والباحثين.
أ) فنشر العلامة عبد الله كنون الأمين العام لرابطة علماء المغرب سلسلة من المقالات في مجلة (دعوة الحق) المغربية انتقد فيها 672 مادة.
ب) وصدرت ثلاث مقالات للأستاذ منير العمادي في مجلة (مجمع اللغة العربية) و (مجلة المعرفة) بدمشق في نقده.
ج) وفي سنة 1389 صدر تقرير عن أضرار (المنجد الأبجدي) للأستاذ سعيد الأفغاني رئيس قسم اللغة العربية بدمشق قدمه إلى رئيس لجنة التأليف والترجمة والنشر وكيل بجامعة دمشق، بيّن فيه بعض عوراته ومثالبه بأسلوب واضح وكلام مركز مبين.
د) ونشر الأستاذ عبد الستار فرج السيد مقالين في مجلة (العربي) بيّن فيهما بعض نواقص المنجد وما فيه من عورات ومثالب، وأورد أمثلة عديدة لما وقع فيه من تحريف للأسماء وتشويه للحقائق التاريخية، وأخطاء بسبب الترجمة السيئة، وعدم الرجوع إلى المصادر العربية، وإهمال الكثير من الشخصيات العربية والإسلامية، ومما قاله: ((والمنجد في الأعلام المطبوع عام 1969 ما هو إلا صورة للمنجد في الأدب والعلوم، ولكنها صورة فيها أحياناً بتر وقبح، أو مسخ كريه، أو صياغات أدت إلى خلل واضطراب.
هـ) وتتبع العلامة الشيخ إبراهيم القطان في كتابه النفيس (عثرات المنجد) تحريفاته وأغاليطه حتى بلغت صفحات هذا الكتاب نيّفاً وخمسين وستمائة صفحة، وسار فيه على الخطة التالية:
ينقل نص (المنجد) أو يشير إليه مع ذكر رقم الصفحة ثم يذكر تعليقه عليه وإذا صُحح الموضوع، أو غُيّر أو صُحح بعضه في الطبعة الثانية من منجد الأعلام، فإنه ينبه إلى ذلك، وإذا بقي على خطئه لا يشير إليه إلا نادراً.
وكثيراً ما يشير في تصحيح الألفاظ اللغوية إلى (المنجد) حتى يعلم القارئ أن المصنف لم يراجع الكتب العربية مطلقا بما في ذلك (المنجد اللغوي).
وهذه نماذج من أخطاء المنجد وعثراته، في الطبعة الثانية التي أشرف عليها عدد من الأساتذة:
1_ قالوا في صفحة 395 : " الفضل بن الربيع عهد إليه الرشيد في بعض صلاحيات الوزارة بعد وفاة أمه. وزير للمأمون".
فما هو المقصود بقولهم بعد وفاة أمه ؟ فهل كانت أمه تلي الوزارة، وعاد هو بعدها ؟ وأغرب من هذا وأعجب قولهم إنه وزير للمأمون، والمعروف بدون شك أن الفضل كان من أشد خصوم المأمون، وقد كان وزيرا للأمين، ولما استقر الملك للمأمون بعد مقتل الأمين استتر الفضل مدة، حتى عفا عنه المأمون وبقي مهملا إلى أن مات.
2 _ تسمية الكتاب في الطبعتين الأوليتين (المنجد في الأدب والعلوم) تسمية خاطئة، لأن الكتاب معجم لبعض الأعلام والأماكن والكتب وليس فيه ذكر للأدب إلا عرضا, وبعضها ذكر مشوها، كما عرّف علم الكلام بأنه (علم القواعد الشرعية المكتسبة عن الأدلة) وعرف علم الفقه بأنه (علم تطبيق الأحكام الشرعية المستخرجة بالاجتهاد من القرآن والحديث على الأعمال البشرية والدنيوية)، إلى غير ذلك من التشويه والتخليط دون الرجوع إلى المصادر الموثوق بها والنقل منها. لذلك عدل المشرفون على الطبعة الجديدة عن هذه التسمية وسموه المنجد في الأعلام).
3 _ وبالإضافة إلى الأخطاء والتحريف وتشويه الحقائق فإن في لغة المنجد عجمة ظاهرة أحياناً. وفيه عامية ولحن واضح في بعض المواد لا يقع فيها من كانت له أدنى معرفة باللغة العربية.
4 _ في الصفحة 256 من حرف السين الطبعة الأولى ((سفيان (أبو) ابن أمية القرشي، تاجر عادى النبي وحاربه في بدر وأحد، وقاد جناحا من الجيش الكبير الذي ذهب لحصار المدينة في وقعة مؤته، ثم اعتزل الحرب، وصالح محمداً في معاهدة الحديبية وسلمه مكة. توفي نحو 652)).
ويعلق مؤلف عثرات المنجد على هذه العبارة القليلة الأسطر مبينا فيها الأخطاء التالية:
أ) إن أهم صفة تميز أبا سفيان أنه شيخ قريش وزعيمها في وقته لا أنه تاجر فقط.
ب) ومن المعروف بداهة أن أبا سفيان لم يشهد معركة بدر لأنه كان يقود العير التي جاءت من الشام ونجا بها إلى مكة.
جـ) عندما جاء أبو سفيان لحصار المدينة كان هو قائد الجيش العام وكان ذلك في غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة. وهي غير غزوة مؤتة التي كانت سنة ثمان من الهجرة بين المسلمين والروم، وشتان بين الخندق ومؤتة في الزمان والمكان.
د) لم يعتزل أبو سفيان الحرب مطلقاً، وبقي معادياً للمسلمين إلى يوم فتح مكة حيث أسلم .
هـ) وفي صلح الحديبية لم يُذكر أبو سفيان مطلقا، وكانت المفاوضة بين سهيل بن عمرو العامري عن المشركين وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
5 – ونختم هذه النماذج للتحريفات بما جاء في أول (منجد الأعلام) الطبعة التاسعة (الثالثة والعشرين) لمنجد اللغة:
" آدم: الإنسان الأول وأبو الجنس البشري، وعصى آدم وحواء أوامر الله فطردا من جنة الفردوس، ولكنهما وعدا بمخلص هو المسيح" . ويعلق مؤلف (عثرات المنجد) بما يلي:
يجب أن يقال: هذا حسب اعتقاد المسيحيين، وأما عند المسلمين فالأمر يختلف، وذلك كما جاء في القرآن الكريم: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} إلى قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 35 _ 37). فإن الخطيئة في اعتقاد المسلمين لا تورث، وكل إنسان مسؤول عن عمله {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} النجم 39.{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فاطر 18، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} المدثر 38. صدق الله العظيم.
هذا لا يجوز أن يقتنى (المنجد) إلا ومعه (عثرات المنجد) حتى يتبين من يرجع إلى المنجد ما فيه من السموم والأخطاء.
وأخيراً فإني أهيب بأهل العلم ودارسي الأدب أن يقوموا بتمحيص الكتب التي وضعها أعداء الإسلام من اليسوعيين وأشباههم. مثل جورجي زيدان، وخاصة الكتب التي تتناول بالبحث لغة القرآن، وأدب العربية، والتاريخ الإسلامي ، وتراجم أعلام المسلمين، وينقدوها ويستخرجوا ما دسّه فيها مؤلفوها من سموم.
ومما يحزّ في النفس أن ُيختار كتاب (تاريخ الأدب العربية) لجورجي زيدان الحاقد على الإسلام والمسلمين، وكل آثاره شواهد على ذلك وخاصة سلسلة روايات تاريخ الإسلام، يختار كتابه و ويترك كتاب (تاريخ آداب العرب) في ثلاثة أجزاء للأديب المسلم النابغة مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، وقد خصص الجزء الثاني لإعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وكفانا انخداعاً بتملق بعض الأدباء والكتاب من النصارى، فإن العربية أبت أن تتنصر كما قال العلامة الأديب محمد إسعاف النشاشيبي المقدسي _ رحمه ا
مجلة الجامعة الإسلامية
للشيخ محمد شريف الزيبق
المدرس في كلية الدعوة وأصول الدين
قد لا يخطر في البال أن يعمد إنسان عاقل ينتمي للدين والعلم إلى تشويه النصوص الأدبية والتاريخية، ولكن ذلك واقع بالفعل، و وقع كثيراً من "الأدباء اليسوعيين " في بيروت، وهم قساوسة من الطائفة الكاثوليكية، أسسوا جامعة "القديس جوزيف " ولهم مطبعة تسمى " المطبعة الكاثوليكية".
وقد طبعوا منذ قرن من الزمان طائفة من كتب التراث الإسلامي وأحدثوا فيها تحريفات غريبة وعجيبة. تدل على شدة تعصبهم وحقدهم على الإسلام، وفقدانهم نزاهة العلماء، وأمانتهم في النقل، وقد كشف عن بعض هذه التحريفات أفاضل الباحثين، وقد رأيت أن أنبه لذلك، وأذكر بعض نماذج من هذه التحريفات:
1. فقه اللغة للإمام أبي منصور عبد الملك الثعالبي:
عندما طبع الآباء اليسوعيون هذا الكتاب استبدلوا عبارة المؤلف عند ذكر النصوص القرآنية (قال تعالى) بعبارة، (يقول القرآن) ! وهذا منتهى التعصب، فهم لا يريدون أن تمر أبصارهم أو تنطق ألسنتهم، وألسنة قرّاء مطبوعاتهم بعبارة تتضمن حقيقة أن القرآن كلام الله، وأين هذا من تسامح علماء المسلمين الذين أدبهم القرآن الكريم على الأمانة في النقل والرواية لكلام المخالفين بنصه، مهما كان محتواه مخالفاً العقيدة الإسلامية، حتى صارت لديهم قاعدة مشهورة: " ناقل الكفر ليس بكافر".
2. كتاب ابن عبد البر الذي جمع فيه شعر أبي العتاهية في الزهد والحكم:
يمتاز أبو اسحق إسماعيل بن القاسم المشهور بأبي العتاهية بغزارة شعره الذي أنشده في الزهد في الدنيا، وذكر الموت وما بعده من القبر والحساب في الآخرة والجزاء بالجنة أو النار، سوى ما نظمه في الأغراض الشعرية الأخرى. وقد اتهمه حساده بالزندقة، وحاولوا إثبات ذلك بإيراد روايات عن تهتكه في شبابه، وما كان بينه وبين أمثاله من شعراء العصر العباسي كأبي نواس وغيره. هذا ما حدا بالحافظ أبي عمر يوسف بن عبد البر بالعناية بجمع أشعاره الحكمية والدفاع عنه، وإثبات براءته مما وصم به، في كتابه: الابتهال بما في شعر أبي العتاهية من الحكم والأمثال[1].
وكان القسيس الأب لويس شيخو اليسوعي قد طبع ديوان أبي العتاهية منذ ما يقرب من قرن في المطبعة اليسوعية في بيروت ، وأعيد طبعها عدة مرات، وفيها تحريفات كثيرة، لفتت نظر الشيخ المحقق أحمد محمد شاكر رحمه الله، أثناء تحقيقه لكتاب: الشعر والشعراء لابن قتيبة. فعلق على ترجمة أبي العتاهية بقوله : " وديوانه معروف مطبوع، طبعة الآباء اليسوعيون.. وهم قوم لا يوثق بنقلهم لتلاعبهم وتعصبهم وتحريفهم، ولكن هذا الذي وجد بأيدي الناس".
وقد لفت نظري مقال للدكتور آدم بيلو " حول الشعر التعليمي" المنشور في العدد 52 من مجلة الجامعة الإسلامية، وفيه يقول: إن جامع ديوان أبي العتاهية لويس شيخو قد أورد من أرجوزة أبي العتاهية المعروفة بذات الأمثال ما يقارب من الخمسين بيتاً، وتذكرت أن الدكتور شكري فيصل قد أورد منها ثلاثمائة وعشرين بيتاً، في كتابه: " أبو العتاهية: أخباره وأشعاره" المطبوع بجامعة دمشق سنة 1384، وقد أماط مؤلف هذا الكتاب اللثام عن تحريفات الأب شيخو، وقام بجهد مشكور في توثيق شعر أبي العتاهية معتمداً على مخطوطتين إحداهما في دار الكتب الظاهرية بدمشق، والأخرى في مكتبة توبنجن بألمانيا، وهما نسختان مما جمعه ابن عبد البر، ولما كان ابن عبد البر لم يقصد إلى جمع شعر أبي العتاهية كله، فإن الدكتور شكري حرص على جمع أشعاره وأخباره من مختلف المصادر فجاء كتابه جامعا موثقاً فيه الأمانة في النقل، وإثبات الاختلاف في الرواية إن وجد.
وأما لويس شيخو فقد طمس عمل الحافظ ابن عبد البر، فكتب عنوان الكتاب هكذا: " الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية"، وكتب تحته: " نقلاً عن رواية النمري، وكتب مشاهير الأدباء كالأصفهاني والمبرد وابن عبد ربه و المسعودي و الماوردي و الغزالي".
وحين شرع الدكتور شكري يقابل بين مخطوطة الظاهرية وبين ما في مطبوعة الأب شيخو استرعى نظره أمر خطير، يقول: "لفتني في شيء من عنف تحريفات غريبة وقعت عليها، فلما مضيت أستقصي، بدت لي هذه التحريفات وكأنها عمل مقصود"[2].
وتبيّن للدكتور أن الأمر تجاوز التحريف إلى بتر بعض الأبيات ذوات العدد من بعض القصائد، يقول: "وذكرت حديث الشيخ شاكر رحمه الله وكنت أظن فيه بعض الحدة، فإذا حديثه دون أن ينهض لهذا التضليل الذي انساقت إليه طبعة الأب شيخو، والتي أرادت أن تسوق إليه الناس في شيء كثير من الاستخفاف بكل أمانة العلم وخلق العلماء"[3].
نماذج من تحريفات الأب لويس شيخو:
ذكر الدكتور شكري فيصل عدة ملاحظات على مطبوعة شيخو: "الأنوار الزاهية في ديوان أبي العتاهية "، ومنها:
1- طمسه معالم عمل ابن عبد البر حين سكت عنه وأغفل التعريف به، ولم يشر إلى ما أفاد منه، وتعمد ألا يذكره بشهرته ابن عبد البر واكتفى بنسبته (النمري). والقارئ لا يدري أي نمري هو!.
2- سكوته عن وصل الروايات والمقابلات بمصادرها، مكتفياً بهذه المقالات الصماء: روي له، وفي رواية، ويروي، وفي مخطوطة من باريس
3- طيّه شعر أبي العتاهية الغزلي حيناً، وتحريفه لبعضه حيناً آخر، حذف القطعة خبر منه لأنه يجعل (الحب) (ودّاً)، والهوى نوى والجارية نديماً، والوجه رأياً في مثل البيت التالي:
في هواه وله وجه حسن * عزة الحب أرته ذلتي
فيصبره إلى:
في نواه وله رأي حسن * عزة الود أرته ذلتي
4- ولكن أعظم من ذلك إنما كان في هذه التحريفات التي تعمدها وهي تتنوع: فتتناول الكلمة حيناً والجملة حينا، والشطر أو البيت كله مرة والأبيات ذوات العدد في بعض الأحايين.
وهذه نماذج من كل نوع:
1- في قول أبي العتاهية:
ولكنك المولى ولست بمولود * شهدنا لك اللهم أن لست والدا
فقد حرف (والداً) فجعلها (محدثا).
2- وقوله:
غداً بين سائق وشهيد * ليت شعري كيف حالك يا نفس
فقد حرف التعبير القرآني سائق وشهيد إلى سابق وشهيد.
3- وقوله:
ثم قبر ونشور وجلب * أسقام ثم موت نازل
فقد حرف نشور إلى نزول.
4- وقوله:
وحورهن لساهية * إن العقول عن الجنان
وقد حرف حورهن إلى دورهن.
5- وقوله:
فاذكر مصابك بالنبي محمد * وإذا ذكرت محمدا ومصابه
فقد حرف البيت هكذا:
فاجعل ملاذك بالإله الأوحد * وإذا ذكرت العابدين وذلهم
فهو لا يطيق أن يرى لفظة " محمد" صلى الله عليه وسلم
6- قوله:
هو الذي لم يولد ولم يلد * الحمد لله الواحد الصمد
فقد غير الشطر الثاني مع عقيدته القائلة بأن المسيح ابن الله ـ إلى
فهو الذي به رجائي وسندي
7- وإليك أيها القارئ الكريم تحريفاته في هذه القطعة:
ينبغي للدين ألاّ يطرَح * يا بنى ادم صونوا دينكم
نبي قام فيكم فنصحب * واحمدوا الله الذي أكرمكم
غير بنبي إلى بنذير
كل خير نلتموه وشرح * بنبي فتح الله به
غير بنبي إلى بخطيب
في التقى والخير شالوا ورجح * مرسل لو يوزن الناس به
غير مرسل إلى ابن من
ورسول الله أولى بالمدح * فرسول الله أولى بالعلا
غير البيت هكذا:
ونذير الخير أولى بالمدح[4] * فنذير الخير أولى بالعلا
8- وعندما لا يستقيم للأب لويس شيخو تغيير البيت يعمد إلى إسقاطه وحذفه، ومما حذفه الأبيات التالية:
صلى الإله على النبيّ المصطفى * وهو الذي بعث النبيّ محمدا
حاشا له أن يكون مشتركا * الحمد لله لا شريك له
من مهتد رشيد وهادى * أين أين النبي ّ صلى عليه الله
بل هو يحذف الأبيات ذوات العدد، كصنيعة في حذف الأبيات السبعة الأولى من هذه القصيدة التي يبلغ عدد أبياتها 26 بيتاً:
ولا تنس قبرا بالمدينة ثاويا * ليبك رسول الله من كان باكيا
فقد كان مهديا دليلا وهاديا * جزى الله عنا كل خير محمدا
إذا كنت للبرِّ المطهِّر ناسيا * ولن تسرى الذكرى بما هو أهله
وآثاره بالمسجدين كما هيا * أتنسى رسول الله أفضل من مشى
وأكرمهم بيتاً وشعبا وواديا * وكان أبّر الناس بالناس كلهم
عليه سلام الله ما كان صافيا * تكدّر من بعد النبي محمد
ومن علمٍ أمسى وأصبح عافيا * فلم من منار كان أوضحه لنا
وبعد هذه الأبيات التي حذفها:
وكشّفت الأطماع منا المساويا * ركنا إلى الدنيا الدنية ضلة
نراها فما نزداد إلا تماديا * وإنا لنُرمى كل يومٍ بعبرة
عليها ودارٍ أورثتنُّا تعاديا * نُسرُ بدارٍ أورثتنا تضاغُنا
تقلب عريانا وان كان كاسيا * إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى
جميعاً وكن ما شئت لله راجياً * اخي كن على يأس من الناس كلهم
فحسب عباد الله بالله كافيا * ألم تر أن الله يكفي عباده
والقصيدة رائعة يختمها بقوله:
ألا لخراب الدهر أصبحت بانيا * ألا أيها الباني لغير بلاغة[5]
وأصبحت مختالا فخوراً مباهيا * ألا لزوال العمر أصبحت بانيا
وخلفت من خلفته عنك ساليا[6] * كأنك قد ولّيْتَ عن كل ما ترى
أجل، فالإنسان المغرور الغافل، يدركه الموت ويترك ماله لوارثه الذي سرعان ما ينساه ويسلو عنه.
وأكتفي بهذه الأمثلة على تحريفات الأب لويس شيخو، وهي نموذج لما يفعله متعصبو الصليبيين بالتراث للإسلامي.
3. المنجد في اللغة:
للأب يوسف معلوف وهو معجم مشهور متداول بين الناشئة ، طبع للمرة الأولى سنة 1326 (1908م) في 737 ص بمطبعة الآباء اليسوعيين [7] ثم تتابعت طبعاته، وقد طبعت الطبعة السابعة عشر سنة 1376 (1956م) بعنوان: المنجد في اللغة والأدب والعلوم ، وذكر في مقدمة هذه الطبعة ما أدخل عليه من التحسينات مثل طبع الكلمة (الأم) باللون الأحمر، وإضافة المنجد في الأدب والعلوم للأب فرد يناند تونل. وفي الطبعة الثالثة والعشرين سنة 1398 (1978م) عنون له: (المنجد في اللغة والأعلام)، ومنذ الطبعة السابعة عشرة كان يراجعه عدد من الأساتذة منهم كرم البستاني، والأب بولس موتراد، وأنطون نعمة وغيرهم.
وقد بلغت صفحات الطبعة الثالثة والعشرين للمنجد اللغوي 966 صفحة ومع (فرائد الأدب) تبلغ 1014 صفحة (والمنجد في الأعلام) 800 صفحة مع 132 لوحة بالألوان و 68 خريطة جغرافية و 39 خريطة بالألوان، و 32 جدولاً و 1320 رسماً.
وتضمن المنجد في العلام 600ر10 مادة، منها 5940 عن العالم الإسلامي.
هذا هو (المنجد) المعجم الخطير بسبب حسن إخراجه وسهولة المراجعة فيه، وما اتصف به من المزايا التي ذكرناها، مما جعله يروج رواجاً عظيماً بين الدارسين من أبناء الأمة الإسلامية.
وترجع خطورته إلى ما تضمنته من أخطاء علمية وتاريخية متعمدة في كثير من الأحيان، وفيه تحريفات ومطاعن في تاريخنا قد تخفى على الناشئة، وقد تنبه لهذه الأخطاء طائفة من العلماء والباحثين.
أ) فنشر العلامة عبد الله كنون الأمين العام لرابطة علماء المغرب سلسلة من المقالات في مجلة (دعوة الحق) المغربية انتقد فيها 672 مادة.
ب) وصدرت ثلاث مقالات للأستاذ منير العمادي في مجلة (مجمع اللغة العربية) و (مجلة المعرفة) بدمشق في نقده.
ج) وفي سنة 1389 صدر تقرير عن أضرار (المنجد الأبجدي) للأستاذ سعيد الأفغاني رئيس قسم اللغة العربية بدمشق قدمه إلى رئيس لجنة التأليف والترجمة والنشر وكيل بجامعة دمشق، بيّن فيه بعض عوراته ومثالبه بأسلوب واضح وكلام مركز مبين.
د) ونشر الأستاذ عبد الستار فرج السيد مقالين في مجلة (العربي) بيّن فيهما بعض نواقص المنجد وما فيه من عورات ومثالب، وأورد أمثلة عديدة لما وقع فيه من تحريف للأسماء وتشويه للحقائق التاريخية، وأخطاء بسبب الترجمة السيئة، وعدم الرجوع إلى المصادر العربية، وإهمال الكثير من الشخصيات العربية والإسلامية، ومما قاله: ((والمنجد في الأعلام المطبوع عام 1969 ما هو إلا صورة للمنجد في الأدب والعلوم، ولكنها صورة فيها أحياناً بتر وقبح، أو مسخ كريه، أو صياغات أدت إلى خلل واضطراب.
هـ) وتتبع العلامة الشيخ إبراهيم القطان في كتابه النفيس (عثرات المنجد) تحريفاته وأغاليطه حتى بلغت صفحات هذا الكتاب نيّفاً وخمسين وستمائة صفحة، وسار فيه على الخطة التالية:
ينقل نص (المنجد) أو يشير إليه مع ذكر رقم الصفحة ثم يذكر تعليقه عليه وإذا صُحح الموضوع، أو غُيّر أو صُحح بعضه في الطبعة الثانية من منجد الأعلام، فإنه ينبه إلى ذلك، وإذا بقي على خطئه لا يشير إليه إلا نادراً.
وكثيراً ما يشير في تصحيح الألفاظ اللغوية إلى (المنجد) حتى يعلم القارئ أن المصنف لم يراجع الكتب العربية مطلقا بما في ذلك (المنجد اللغوي).
وهذه نماذج من أخطاء المنجد وعثراته، في الطبعة الثانية التي أشرف عليها عدد من الأساتذة:
1_ قالوا في صفحة 395 : " الفضل بن الربيع عهد إليه الرشيد في بعض صلاحيات الوزارة بعد وفاة أمه. وزير للمأمون".
فما هو المقصود بقولهم بعد وفاة أمه ؟ فهل كانت أمه تلي الوزارة، وعاد هو بعدها ؟ وأغرب من هذا وأعجب قولهم إنه وزير للمأمون، والمعروف بدون شك أن الفضل كان من أشد خصوم المأمون، وقد كان وزيرا للأمين، ولما استقر الملك للمأمون بعد مقتل الأمين استتر الفضل مدة، حتى عفا عنه المأمون وبقي مهملا إلى أن مات.
2 _ تسمية الكتاب في الطبعتين الأوليتين (المنجد في الأدب والعلوم) تسمية خاطئة، لأن الكتاب معجم لبعض الأعلام والأماكن والكتب وليس فيه ذكر للأدب إلا عرضا, وبعضها ذكر مشوها، كما عرّف علم الكلام بأنه (علم القواعد الشرعية المكتسبة عن الأدلة) وعرف علم الفقه بأنه (علم تطبيق الأحكام الشرعية المستخرجة بالاجتهاد من القرآن والحديث على الأعمال البشرية والدنيوية)، إلى غير ذلك من التشويه والتخليط دون الرجوع إلى المصادر الموثوق بها والنقل منها. لذلك عدل المشرفون على الطبعة الجديدة عن هذه التسمية وسموه المنجد في الأعلام).
3 _ وبالإضافة إلى الأخطاء والتحريف وتشويه الحقائق فإن في لغة المنجد عجمة ظاهرة أحياناً. وفيه عامية ولحن واضح في بعض المواد لا يقع فيها من كانت له أدنى معرفة باللغة العربية.
4 _ في الصفحة 256 من حرف السين الطبعة الأولى ((سفيان (أبو) ابن أمية القرشي، تاجر عادى النبي وحاربه في بدر وأحد، وقاد جناحا من الجيش الكبير الذي ذهب لحصار المدينة في وقعة مؤته، ثم اعتزل الحرب، وصالح محمداً في معاهدة الحديبية وسلمه مكة. توفي نحو 652)).
ويعلق مؤلف عثرات المنجد على هذه العبارة القليلة الأسطر مبينا فيها الأخطاء التالية:
أ) إن أهم صفة تميز أبا سفيان أنه شيخ قريش وزعيمها في وقته لا أنه تاجر فقط.
ب) ومن المعروف بداهة أن أبا سفيان لم يشهد معركة بدر لأنه كان يقود العير التي جاءت من الشام ونجا بها إلى مكة.
جـ) عندما جاء أبو سفيان لحصار المدينة كان هو قائد الجيش العام وكان ذلك في غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة. وهي غير غزوة مؤتة التي كانت سنة ثمان من الهجرة بين المسلمين والروم، وشتان بين الخندق ومؤتة في الزمان والمكان.
د) لم يعتزل أبو سفيان الحرب مطلقاً، وبقي معادياً للمسلمين إلى يوم فتح مكة حيث أسلم .
هـ) وفي صلح الحديبية لم يُذكر أبو سفيان مطلقا، وكانت المفاوضة بين سهيل بن عمرو العامري عن المشركين وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
5 – ونختم هذه النماذج للتحريفات بما جاء في أول (منجد الأعلام) الطبعة التاسعة (الثالثة والعشرين) لمنجد اللغة:
" آدم: الإنسان الأول وأبو الجنس البشري، وعصى آدم وحواء أوامر الله فطردا من جنة الفردوس، ولكنهما وعدا بمخلص هو المسيح" . ويعلق مؤلف (عثرات المنجد) بما يلي:
يجب أن يقال: هذا حسب اعتقاد المسيحيين، وأما عند المسلمين فالأمر يختلف، وذلك كما جاء في القرآن الكريم: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} إلى قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 35 _ 37). فإن الخطيئة في اعتقاد المسلمين لا تورث، وكل إنسان مسؤول عن عمله {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} النجم 39.{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فاطر 18، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} المدثر 38. صدق الله العظيم.
هذا لا يجوز أن يقتنى (المنجد) إلا ومعه (عثرات المنجد) حتى يتبين من يرجع إلى المنجد ما فيه من السموم والأخطاء.
وأخيراً فإني أهيب بأهل العلم ودارسي الأدب أن يقوموا بتمحيص الكتب التي وضعها أعداء الإسلام من اليسوعيين وأشباههم. مثل جورجي زيدان، وخاصة الكتب التي تتناول بالبحث لغة القرآن، وأدب العربية، والتاريخ الإسلامي ، وتراجم أعلام المسلمين، وينقدوها ويستخرجوا ما دسّه فيها مؤلفوها من سموم.
ومما يحزّ في النفس أن ُيختار كتاب (تاريخ الأدب العربية) لجورجي زيدان الحاقد على الإسلام والمسلمين، وكل آثاره شواهد على ذلك وخاصة سلسلة روايات تاريخ الإسلام، يختار كتابه و ويترك كتاب (تاريخ آداب العرب) في ثلاثة أجزاء للأديب المسلم النابغة مصطفى صادق الرافعي رحمه الله، وقد خصص الجزء الثاني لإعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وكفانا انخداعاً بتملق بعض الأدباء والكتاب من النصارى، فإن العربية أبت أن تتنصر كما قال العلامة الأديب محمد إسعاف النشاشيبي المقدسي _ رحمه ا
مجلة الجامعة الإسلامية