السـؤال:
هل يلزم أن تكون صلاة العشاء آخر عمل اليوم؟ وهل يجوز أن أفعل بعدها بعض الأعمال مثل مشاهدة التلفزيون والكلام مع الأسرة؟.
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يلزم أن تكون صلاة العشاء هي آخر عمل اليوم، بل يجوز للإنسان أن يعمل وأن يتحدث بعدها بما ينفع، كالحديث في العلم، وفي مصالح المسلمين، والكلام مع الضيف، وما دعت إليه الحاجة، واستدل العلماء على ذلك بما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر قال: صلى بنا رسول الله ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام، فقال: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد."
وبوب عليه النسائي في المناقب عن عمر قال: كان رسول الله يسمر عند أبي بكر الليلة في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه.
وأما ما رواه البخاري عن أبي برزة أن رسول الله كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها فسبب كراهة الحديث بعد صلاة العشاء أنه يؤدي غالباً إلى سهر تفوت به صلاة الصبح، أو لئلا يقع في كلام المرء لغو يختم به يومه، أو لأنه يفوت به قيام الليل لمن له به عادة، ولتقع الصلاة التي هي أفضل الأعمال خاتمة عمله.
قال الإمام النووي: (وهذه الكراهة إذا لم تدع حاجة إلى الكلام، ولم يكن فيه مصلحة، أما الحديث للحاجة فلا كراهة فيه، وكذا الحديث بالخير كقراءة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومذاكرة الفقه، وحكايات الصالحين، والحديث مع الضيف ونحوها، فلا كراهة في شيء من ذلك، وقد جاءت بهذا كله أحاديث صحيحة مشهورة.
وسبب عدم الكراهة في هذا النوع أنه خير ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة، بخلاف ما إذا لم يكن في الحديث خير، فإنه مخاطرة بتفويت الصلاة لغيره مصلحة).
وأما عن مشاهدة التلفزيون:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد جرى على ألسنة كثير ممن يعتنون بالفتوى أن التلفاز جهاز ذو حدين: صالح للخير وصالح للشر .
ولا شك أن هذا كلام صحيح - في الجملة - لو أن السائل واحد من اثنين:
1 - جهة تمتلك قناة بث وهي آخذة بزمام الأمور فيها، لا يبث فيها إلا ما تريد مما هو نافع .
2 - شخص عنده جهاز تلفاز متحكم فيه لا يفتحه إلا هو أو من يثق به ، فإذا رأى النافع - وهو قليل - فتح عنه وإذا رأى غيره أغلق الجهاز .
هذان هما اللذان يعقل فيهما الإطلاق السابق (سلاح ذو حدين ) ، ولا شك أن الأول منهما لم يطرح فيه سؤال قط - فيما نعلم - مما يعني أنه لا توجد قناة تقتصر على بث النافع دون غيره إلا قناة واحدة أو قناتين أحدثتا قريبا.
وأما الثاني فإنه حالة نادرة إذا قورنت بغيرها مما عليه حال الناس اليوم ، وقد علم من منهج الشارع في التشريع أنه لا يلقى لها بالاً في الغالب الأعم .
إذا فيبقى السؤال المطروح واقعياً : ما هو حكم استعمال التلفاز على الحال الذي هو عليه عند أغلب الناس ، و جواباً على هذا السؤال نقول :
إن في استعماله على الوضع المذكور جملة من المفاسد وقليلا من المصالح ومن هذه المفاسد :
1 - ضياع الأوقات والتفريط في كثير من الواجبات .
2 - نقل ثقافات الأمم الكافرة على جهة التسليم والتبعية والتقليد .
3 - نشر الخلاعة والإباحية وذلك من خلال الأفلام الماجنة والأغاني الهابطة والإعلانات التجارية التي تظهر المرأة عارية أو شبه عارية ، مما يكون سبباً في تعود الشخص على رؤية المنكرات وموت الغيرة في نفسه .
4 - زعزعة ثوابت الأمة ، وذلك من خلال الطعن في عقيدتها كنشر الأفلام التي تستهتزئ بالدين و حملته ، أو إخضاع الأحكام المستقرة المحسومة للنقاش وتداول الرأي فيها.
5 - خلخلة الأمن في المجتمعات ، وذلك من خلال ما يبثه من مسلسلات بوليسية، أو أفلام تعلم فنون السرقة والقتل والاغتصاب .
6 - إدمان النظر المفضي إلى فساد العقول ، والتأثير على صحة المشاهد ، خاصة على البصر ، وهذا يظهر على الأطفال والشباب أكثر من غيرهم.
ومن المصالح المرجوة : الاطلاع على الأخبار، والاستفادة من بعض البرامج النافعة، ومن مقررات قواعد الأصول : أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ومستند هذه القاعدة تحريم الخمر والميسر مع التصريح بأن فيهما منافع ، قال تعالى : (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس).[ البقرة : 219].
وقوله صلى الله عليه وسلم : " فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" . متفق عليه.
فقد قيد الإتيان بالمأمور به بالاستطاعة ، وأطلق في اجتناب المنهي عنه ولم يقيد ، مع أن المرء غير مكلف باجتناب ما لا قدرة له على اجتنابه في الجملة ، فلم يبق للتقييد والإطلاق فائدة غير بيان أن جانب المنهيات أعظم من جانب المأمورات إذا تعارضا.
وعلى هذا فالمترجح في جواب السؤال هو: التحريم، إلا فيما انضبط بالقيد المنصوص عليه أولاً.
ومما ينبغي التنبه له أن هذا التحريم يخالف التحريم في الخمر والميسر لكون ما فيهما من المفاسد لا يمكن أن ينفك عمّا فيهما من المصالح بخلاف مسألتنا ، فالتحريم فيها منزل على حالة واقعة قابلة للتغير.
ولذا فلو أن الله قيض لهذه الأمة من يراعي فيها عهد الله وذمته وينشئ لها قنوات نافعة تقتصر على بث ما أذن فيه دون غيره ، لتحول الحكم إلى الجواز أو الاستحباب إن لم يتحول إلى الوجوب بالنسبة لبعض الناس .
وفي الأخير نهيب بولاة الأمور وأصحاب الأموال من المسلمين أن يولوا هذا الأمر ما يستحقه من عناية ، فقد بلغ السيل الزبى واتسع الخرق على الراقع.
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلاّ بالله .
والعلم عند الله تعالى .
والله أعلم.
مركز الفتوى بإشراف د/عبدالله الفقيـه.
http://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/S...Option=FatwaId
تعليق