لاتنه عن خلق وتأتي مثله فضيلة العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد : فقد كثر في الآونة الأخيرة استنكار الغلو والتحذير منه ، وهذا أمر قد حذر منه الشرع المطهر ، ولكن الشأن في تحديد مفهوم الغلو ؛ فإن بعض هؤلاء المنكرين له يقعون فيه عن قصد أو عن غير قصد ، ومن ذلك :
• أولاً : أنهم وقعوا فيه في شأن المرأة حيث يزعمون أنهم يطالبون بحقوقها ، مع أنهم يدفعون بها إلى قيامها بما لا يليق بها من أعمال لا تتناسب مع خلقتها أو مع حشمتها وعفافها ؛ حيث ينادون بأن تسند إليها أعمال الرجال التي لا تناسب مع خلقتها وطبيعتها ، أو تسند إليها أعمال تقتضي تخليها عن الآداب الشرعية التي تحفظ لها كرامتها ؛ كالمناداة بسفرها بدون محرم ، والمناداة بخلعها للحجاب ، والمناداة باختلاطها بالرجال ، وحرمانها من حقها ، وبالمناداة بإلغاء قوامة الرجل عليها ، ما هذه النداءات !؟
وزج بها فيما يعود عليها بالوبال عاجلاً أو آجلاً ، فهل يفكر هؤلاء فيما يقولون ، ويربأون بأنفسهم من هذا التناقض !؟ أو هم يحسبون أن الناس لا يعقلون ، ولا يدركون تناقضهم ويحاسبونهم على غلوهم وإفراطهم .
إن الله رفع المرأة من ظلم الجاهلية لها ومن تسيبات الغرب العصرية .
• ثانيًا : غلوهم في التسامح ؛ فهم دائمًا ينادون بالتسامح والتيسير ، ونقول لهم : نعم ! إن ديننا هو الشريعة السمحة ، وقد رفع الله به الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا ، لكن هؤلاء يريدون بالتسامح ترك الأوامر وارتكاب المناهي ، وعدم التمييز بين مسلم وكافر ، وعدو لله وولي لله ، وهذا غلو في التسامح وجنوح به إلى غير مفهومه الصحيح .
ولأن التسامح معناه : الأخذ بالرخص الشرعية عند الاحتياج إليها والاقتصار على حدود الرخصة ، والأخذ بها وقت الحاجة بشروطها الشرعية مع عدم التوسع في مفهومها ، وقد عرف الأصوليون الرخصة بأنها استباحة المحظور مع قيام سبب الحظر لمعارض راجح ، بحيث إذا زال هذا العارض ؛ فإننا نرجع إلى العزيمة ، فمثلاً قصر الصلاة خاص بالسفر ، وأكل الميتة خاص بحالة الضرورة ، وإذا انتهى السفر انتهى القصر ولزم إتمام الصلاة ، وإذا زالت الضرورة عاد تحريم الميتة ، وهكذا في جميع الرخص ، فلا يجوز انتهاك أحكام الشريعة بذريعة التسامح وعدم التشدد كما يقولون .
• ثالثًا : غلوهم فيما يسمونه التشدد والتطرف ، ولا شك أن الله نهى عن الغلو في الدين ، وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك ، ولكن المراد بالغلو في كلام الله وكلام رسوله هو الزيادة عن الحد المشروع ، وهؤلاء عندهم : أن من تمسك بالدين واقتصر على الحد المشروع ؛ فإنه متشدد ، وهذا غلو في ضابط التشدد .
والتشدد المنهي عنه لا يرجع في تفسيره إلى أذواق الناس واعتباراتهم ، وإنما يرجع فيه إلى الكتاب والسنة ، وفهم ذلك منها على الوجه الصحيح الذي فهمه سلف هذه الأمة ، وديننا دين الوسط الذي لا غلو فيه ولا جفاء ، ولا إفراط ولا تفريط .
قال الله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، وقال تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ ) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) .
وتحديد الغلو والتساهل حكم شرعي لا يعرفه إلا أهل العلم والبصيرة ، قال تعالى : ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) .
وإذا تولى هذا الأمر من لا يحسنه خرج عن حده ، ( وكل شيء خرج عن حده فإنه ينقلب إلى ضده ) . فشأن المرأة لما تولى القول به غير ذوي الاختصاص خرجوا به عن حده ، وضروا المرأة من حيث يظنون أنهم ينفعونها ، وخرجوا بها عن طورها الذي حددها الله لها ، والاعتدال يعتبره الغلاة تساهلاً ، ويعتبره المتساهلون غلوًا نتيجة لجهل هؤلاء وهؤلاء ، أو لاتباع أهوائهم ، وصار كل منهما يرمي الآخر بالسوء .
• رابعًا : غلوهم في منع التكفير حتى في حق من حكم الله ورسوله بكفره ارتكب ناقضًا من نواقض الإسلام المجمع عليها ؛ كدعاء الأموات ، والاستغاثة بالقبوريين ، ومن سب الله أو رسوله أو دين الاسلام ، وهذا العمل منهم محادة لله ولرسوله وتأييد للخروج من الدين ، ؛ فالواجب على هؤلاء كف ألسنتهم وأقلامهم عن الكلام فيما لا يعرفون ، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه وفق الله .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
صحيفة الجزيرة : ( عدد : 11858 )
• أولاً : أنهم وقعوا فيه في شأن المرأة حيث يزعمون أنهم يطالبون بحقوقها ، مع أنهم يدفعون بها إلى قيامها بما لا يليق بها من أعمال لا تتناسب مع خلقتها أو مع حشمتها وعفافها ؛ حيث ينادون بأن تسند إليها أعمال الرجال التي لا تناسب مع خلقتها وطبيعتها ، أو تسند إليها أعمال تقتضي تخليها عن الآداب الشرعية التي تحفظ لها كرامتها ؛ كالمناداة بسفرها بدون محرم ، والمناداة بخلعها للحجاب ، والمناداة باختلاطها بالرجال ، وحرمانها من حقها ، وبالمناداة بإلغاء قوامة الرجل عليها ، ما هذه النداءات !؟
وزج بها فيما يعود عليها بالوبال عاجلاً أو آجلاً ، فهل يفكر هؤلاء فيما يقولون ، ويربأون بأنفسهم من هذا التناقض !؟ أو هم يحسبون أن الناس لا يعقلون ، ولا يدركون تناقضهم ويحاسبونهم على غلوهم وإفراطهم .
إن الله رفع المرأة من ظلم الجاهلية لها ومن تسيبات الغرب العصرية .
• ثانيًا : غلوهم في التسامح ؛ فهم دائمًا ينادون بالتسامح والتيسير ، ونقول لهم : نعم ! إن ديننا هو الشريعة السمحة ، وقد رفع الله به الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا ، لكن هؤلاء يريدون بالتسامح ترك الأوامر وارتكاب المناهي ، وعدم التمييز بين مسلم وكافر ، وعدو لله وولي لله ، وهذا غلو في التسامح وجنوح به إلى غير مفهومه الصحيح .
ولأن التسامح معناه : الأخذ بالرخص الشرعية عند الاحتياج إليها والاقتصار على حدود الرخصة ، والأخذ بها وقت الحاجة بشروطها الشرعية مع عدم التوسع في مفهومها ، وقد عرف الأصوليون الرخصة بأنها استباحة المحظور مع قيام سبب الحظر لمعارض راجح ، بحيث إذا زال هذا العارض ؛ فإننا نرجع إلى العزيمة ، فمثلاً قصر الصلاة خاص بالسفر ، وأكل الميتة خاص بحالة الضرورة ، وإذا انتهى السفر انتهى القصر ولزم إتمام الصلاة ، وإذا زالت الضرورة عاد تحريم الميتة ، وهكذا في جميع الرخص ، فلا يجوز انتهاك أحكام الشريعة بذريعة التسامح وعدم التشدد كما يقولون .
• ثالثًا : غلوهم فيما يسمونه التشدد والتطرف ، ولا شك أن الله نهى عن الغلو في الدين ، وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك ، ولكن المراد بالغلو في كلام الله وكلام رسوله هو الزيادة عن الحد المشروع ، وهؤلاء عندهم : أن من تمسك بالدين واقتصر على الحد المشروع ؛ فإنه متشدد ، وهذا غلو في ضابط التشدد .
والتشدد المنهي عنه لا يرجع في تفسيره إلى أذواق الناس واعتباراتهم ، وإنما يرجع فيه إلى الكتاب والسنة ، وفهم ذلك منها على الوجه الصحيح الذي فهمه سلف هذه الأمة ، وديننا دين الوسط الذي لا غلو فيه ولا جفاء ، ولا إفراط ولا تفريط .
قال الله تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، وقال تعالى : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ ) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ) .
وتحديد الغلو والتساهل حكم شرعي لا يعرفه إلا أهل العلم والبصيرة ، قال تعالى : ( وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) .
وإذا تولى هذا الأمر من لا يحسنه خرج عن حده ، ( وكل شيء خرج عن حده فإنه ينقلب إلى ضده ) . فشأن المرأة لما تولى القول به غير ذوي الاختصاص خرجوا به عن حده ، وضروا المرأة من حيث يظنون أنهم ينفعونها ، وخرجوا بها عن طورها الذي حددها الله لها ، والاعتدال يعتبره الغلاة تساهلاً ، ويعتبره المتساهلون غلوًا نتيجة لجهل هؤلاء وهؤلاء ، أو لاتباع أهوائهم ، وصار كل منهما يرمي الآخر بالسوء .
• رابعًا : غلوهم في منع التكفير حتى في حق من حكم الله ورسوله بكفره ارتكب ناقضًا من نواقض الإسلام المجمع عليها ؛ كدعاء الأموات ، والاستغاثة بالقبوريين ، ومن سب الله أو رسوله أو دين الاسلام ، وهذا العمل منهم محادة لله ولرسوله وتأييد للخروج من الدين ، ؛ فالواجب على هؤلاء كف ألسنتهم وأقلامهم عن الكلام فيما لا يعرفون ، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه وفق الله .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
صحيفة الجزيرة : ( عدد : 11858 )