صبر الطالب عَلى تَحْصيلِ العلمِ حتى يَتَوَصَّلَ إلى الحق
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ، حَدِيثُهُ مِنْ فِيهِ ، قَالَ : كُنْتُ رَجُلا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْفَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْهَا يُقَالُ حيّى ، وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ ، وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ ، لَمْ يَزَلْ بِهِ حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ ، فَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَاطِنَ النَّارِ أُوقِدُهَا لاَ أَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً ، وَكَانَتْ لأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ فَشُغِلَ يَوْمًا ، فَقَالَ لِي : يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي اذْهَبْ إِلَيْهَا فَطَالِعْهَا ، وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ ، ثُمَّ قَالَ لِي : لاَ تُحْبَسْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسَتْ عَلَيَّ كُنْتَ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ضَيْعَتِي وَشَغَلْتَنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ ، فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ أَسِيرُ إِلَيْهَا فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى ، فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمُ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَكُنْتُ لاَ أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ ، فَلَمَّا سَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمُ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَتْنِي صَلاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي أَمْرِهِمْ ، وَقُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَمَا بَرِحْتُ مِنْ عِنْدِهِمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ ؟ قَالُوا : رَجُلٌ بِالشَّامِ ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي ، وَقَدْ شَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ أَيْنَ كُنْتَ ؟ أَلَمْ أَكُنْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ ؟ قَالَ : قُلْتُ إِنِّي مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِمْ فَمَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ ، دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ ، ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ وَبَعَثَتْ إِلَيَّ النَّصَارَى ، فَقُلْتُ : إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ ، فَقُلْتُ لَهُمْ : إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ فَآذِنُونِي بِهِمْ ، فَلَمَّا أَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلادِهِمْ أَخْبِرُونِي بِهِمْ ، فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلِي ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ ، فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ : مَنْ أَفْضَلُ هَذَا الدِّينِ عِلْمًا ؟ قَالُوا : الأُسْقُفُّ فِي الْكَنِيسَةِ ، فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ ، وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ ، قَالَ : فَادْخُلْ ، فَدَخَلْتُ مَعَهُ ، وَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فَإِذَا جَمَعُوا إِلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ ، فَلَمْ يُعْطِ إِنْسَانًا مِنْهَا شَيْئًا ، حَتَّى جَمَعَ قِلالا مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ ، وَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ ، ثُمَّ مَاتَ فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ فَقُلْتُ لَهُمْ : إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سُوءٍ ، يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا ، فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ ، فَلَمْ يُعْطِ إِنْسَانًا أَوْ لَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا ، قَالُوا : وَمَا عِلْمُكَ بِذَاكَ ؟ قُلْتُ لَهُمْ : فَأَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ قَالُوا : فَدُلَّنَا عَلَيْهِ ، فَدَلَلْتُهُمْ عَلَيْهِ فَاسْتَخْرَجُوا ذَهَبًا وَوَرِقًا ، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا : وَاللَّهِ لاَ تَدْفِنُوهُ أَبَدًا ، فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ ، وَكَانَ ثَمَّ رَجُلٌ آخَرُ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ ، قَالَ : يَقُولُ سَلْمَانُ : فَمَا رَأَيْتُ رَجُلا لاَ يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفْضَلَ مِنْهُ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا وَلاَ أَرْغَبَ فِي الآخِرَةِ وَلاَ أَدْأَبَ لَيْلا وَنَهَارًا مِنْهُ ، فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ شَيْئًا قَطُّ ، فَمَا زِلْتُ مَعَهُ زَمَانًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا فُلانُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ مَعَكَ فَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ شَيْئًا قَبْلَكَ ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ ، لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا ، وَتَرَكُوا كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ ، إِلاَّ رَجُلٌ بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلانٌ ، وَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ بِهِ ، فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ ، فَقُلْتُ لَهُ يَا فُلانُ : إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ ، فَقَالَ : فَأَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ، قُلْتُ لَهُ : يَا فُلانُ إِنَّ فُلانًا أَوْصَانِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي فَأَلْحَقُ بِكَ ، وَقَدْ حَضَرَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي ؟ وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : أَيْ بُنَيَّ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ رَجُلا عَلَى مِثْلِ مَا كُنَّا عَلَيْهِ إِلاَّ رَجُلٌ بِنَصِيبِينَ وَهُوَ فُلانٌ فَالْحَقْ بِهِ ، فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ نَصِيبِينَ ، فَجِئْتُهُ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَمَرَنِي بِهِ صَاحِبُهُ ، فَقَالَ : أَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ عَلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ فَأَقَمْتُ مَعَ خَيْرِ رَجُلٍ فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ أَنْ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ ، فَلَمَّا حُضِرَ : قُلْتُ لَهُ يَا فُلانُ ، إِنَّ فُلانًا أَوْصَى بِي إِلَى فُلانٍ وَأَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَيْكَ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : يَا بُنَيَّ مَا أَعْلَمُ بَقِيَ أَحَدٌ عَلَى مَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ ، إِلاَّ رَجُلا بِعَمُّورِيَّةَ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ عَلَى أَمْرِنَا ، فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ ، لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي ، فَقَالَ : أَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ عِنْدَ خَيْرِ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ لِي بُقَيْرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ ، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللهِ فَلَمَّا حُضِرَ قُلْتُ لَهُ : يَا فُلانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلانٍ فَأَوْصَى بِي إِلَى فُلانٍ ، ثُمَّ أَوْصَى فُلانٌ إِلَى فُلانٍ ، ثُمَّ أَوْصَانِي فُلانٌ إِلَى فُلانٍ ، ثُمَّ أَوْصَى بِي فُلانٌ إِلَيْكَ ، فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَصْلِحَ لَكَ عَلَى مَا كُنَّا عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهَ ، وَلَكِنْ قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ ، بِهِ عَلامَاتٌ لاَ تَخْفَى ، يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ صلى الله عليه وسلم خَاتَمُ النُّبُوَّةِ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلادِ فَافْعَلْ ، ثُمَّ مَاتَ وَغُيِّبَ فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَمْكُثَ ، ثُمَّ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارٌ فَقُلْتُ لَهُمْ : تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي ؟ هَذِهِ قَالُوا : نَعَمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ وَحَمَلُونِي مَعَهُمْ ، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا بِي وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي ، فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ كُنْتُ عِنْدَهُ ، فَرَأَيْتُ النَّخْلَ فَرَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي وَلَمْ يَحِقَّ فِي نَفْسِي ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَابْتَاعَنِي مِنْهُ ، فَحَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ رَأَيْتُهَا عَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي لِي ، فَأَقَمْتُ بِهَا فَبَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ ، مَا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهُ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ ، ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عِذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ لَهُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ تَحْتِي ، إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : قَاتَلَ اللَّهُ بَنِي قَيْلَةَ ، وَاللَّهِ إِنَّهُمُ الآنَ لَمُجْتَمِعُونَ عِنْدَ رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيُّ ، فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَنِي يَعْنِي الْفَرَحُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي ، وَنَزَلَتْ عَنِ النَّخْلَةِ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ مَاذَا تَقُولُ ؟ مَاذَا تَقُولُ ؟ فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَكَمَنِي لَكْمَةً شَدِيدَةً ، ثُمَّ قَالَ لِي مَا لَكَ وَلِهَذَا ؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ ، قُلْتُ : لاَ شَيْءَ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَفْتِيَهُ عَمَّا قَالَ ، وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ ، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِقُبَاءَ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ ، فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ ، وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي صَدَقَةً فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكِمْ ، قَالَ : وَقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ : كُلُوا وَأَمْسَكَ هُوَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : هَذِهِ وَاحِدَةٌ ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ ، فَجَمَعْتُ شَيْئًا فَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ فَقُلْتُ لَهُ : إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ لاَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدْيَةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا ، فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا ، وَقَالَ : قُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ ثِنْتَانِ ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، قَدِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ جَالِسٌ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدْبَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي ، فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَدْبَرَتْهُ عَرَفَ أَنِّي أسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي ، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ ، فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : تَحَوَّلْ فَتَحَوَّلْتُ ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ ، ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَدْرٌ وَأُحُدٌ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلاثِ مِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ : أَعِينُوا أَخَاكُمْ فَأَعَانُونِي فِي النَّخْلِ الرَّجُلُ بِثَلاثِينَ وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ وَالرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلاثُ مِائَةٍ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَآذِنِّي أَكُونُ مَعَكَ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدِي فَفَقَّرْتُ لَهَا ، وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعِي إِلَيْهَا ، فَجَعَلْنَا نُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِّيَّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ حَتَّى فَرَغْنَا ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَ مِنْهَا نَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ ، فَأُتِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الْمَعَادِنِ ، قَالَ : مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ ؟ فَدُعِيتُ لَهُ ، فَقَالَ : خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ فَقُلْتُ وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّا عَلَيَّ ؟ قَالَ : خُذْهَا فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ فَوَزَنْتُ لَهُ مِنْهَا ، فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ ، وَعُتِقَ سَلْمَانُ ، وَشَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْخَنْدَقَ ، ثُمَّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ مَشْهَدٌ.
أخرجه : أحمد في المسند ، وذكره الشيخ / مقبل بن هادي الوادعي في " الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين " وقال حديث حسن .
تعليق