الوصية بكتاب الله
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن كتاب الله فيه الهدى والنور، وهو حبله المتين وصراطه المستقيم، وهو ذكره الحكيم، من تمسك به نجا، ومن حاد عنه هلك، يقول الله عز وجل في هذا الكتاب العظيم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[1].
هذا كتاب الله يهدي للتي هي أقوم، يعني: للطريقة التي هي أقوم، والمسلك الذي هو أقوم الذي هو خير الطرق وأقومها وأهداها فهو يهدي إليه، يعني: يرشد إليه ويدل عليه، ويدعو إليه، وهو توحيد الله وطاعته، وترك معصيته، والوقوف عند حدوده، هذا هو الطريق الأقوم، وهو المسلك الذي به النجاة، أنزله الله جل وعلا تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. كما قال سبحانه في سورة النحل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[2]، فهو تبيان لكل شيء، وهدى إلى طريق السعادة ورحمة وبشرى، يقول جل وعلا: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}[3] هدى لقلوبهم للحق، وشفاء لقلوبهم من أمراض الشرك والمعاصي والبدع والانحرافات عن الحق، وشفاء للأبدان من كثير من الأمراض.
وهو بشرى للإنس والجن، لكنه سبحانه ذكر المؤمنين لأنهم هم الذين اهتدوا به وانتفعوا به، وإلا فهو شفاء للجميع كما قال جل وعلا: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}؛ فالقرآن شفاء ودواء للقلوب من جميع الأدواء المتنوعة؛ أدواء الشرك والمعاصي والبدع والمخالفات، وهو شفاء لأمراض الأبدان أيضا، وأمراض المجتمعات. شفاء لأمراض المجتمع، وأمراض البدن لمن صلحت نيته وأراد الله شفاءه، ويقول جل وعلا: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[4]؛ فهو كتاب يخرج الله به الناس من الظلمات -من ظلمات الشرك، والمعاصي، والبدع، والفرقة والاختلاف- إلى نور الحق والهدى والاجتماع على الخير، والتعاون على البر والتقوى، وهذا هو صراط الله المستقيم وهو توحيد الله، وأداء فرائضه، وترك محارمه، والتواصي بحقه والحذر من معاصيه، ومن مخالفة أمره. هذا هو صراط الله المستقيم، وهذا هو النور والهدى، وهذا هو الطريق الأقوم.
وقال سبحانه في سورة الأنبياء: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}[5]، وقال سبحانه في سورة يس: {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ}[6]، والمقصود أن الله جل وعلا جعل كتابه ذكراً، وجعله نذارة، وجعله شفاء، وجعله هدى، فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يهتدوا به، وأن يستقيموا عليه، وأن يحذروا مخالفته. قال جل وعلا: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[7]، وقال سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[8]، وقال جل وعلا: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[9]، وسئلت عائشة - رضي الله عنها - فقيل لها: (يا أم المؤمنين ماذا كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان خلقه القرآن).
قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[10]، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يتدبر القرآن، ويكثر من تلاوته، ويعمل بما فيه، فكان خلقه القرآن تلاوة وتدبراً، وعملاً بأوامره، وتركاً لنواهيه، وترغيباً في طاعة الله ورسوله، ودعوة إلى الخير، ونصيحة لله ولعباده. إلى غير ذلك من وجوه الخير.
وقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}[11]، فالقرآن هو أحسن القصص، وهو خلق النبي صلى الله عليه وسلم .
ونصيحتي لجميع المسلمين رجالاً ونساء، جناً وإنساً، عرباً وعجماً، علماء ومتعلمين، نصيحتي للجميع أن يعتنوا بالقرآن الكريم، وأن يكثروا من تلاوته بالتدبر والتعقل بالليل والنهار، ولا سيما في الأوقات المناسبة التي فيها القلوب حاضرة للتدبر والتعقل، والذي لا يحفظه يقرؤه من المصحف، والذي لا يحفظ إلا البعض يقرأ ما تيسر منه، قال تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[12]، وإذا كان يعرف الحروف يتهجى ويقرأ من المصحف حتى يتعلم زيادة، والذي لا يعلم يتعلم من أمه، أو أبيه، أو ولده، أو زوجته إن كانت أعلم منه، والتي لا تعرف يعلمها أبوها، أو أخوها، أو زوجها، أو أختها، أو غيرهم. وهكذا يتواصى الناس، ويتعاونون. الزوج يعين زوجته، والزوجة تعين زوجها، والأب يعين ولده، والولد يعين أباه، والأخ يعين أخاه، والخال والخالة، وهكذا الكل يتعاونون، ويتواصون بهذا الكتاب العظيم تدبراً، وتعقلاً، وعملاً، لقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[13]، وقوله سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[14].
ولما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع: ((إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله))[15]، هكذا يوصيهم عليه الصلاة والسلام بكتاب الله، ويخبرهم أنهم لن يضلوا إذا اعتصموا به، وفي اللفظ الآخر: ((كتاب الله وسنتي))[16]، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب الله، لأن الله سبحانه يقول: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[17]، فكتاب الله يأمر بطاعة الله وطاعة رسوله، قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[18]، ويقول جل وعلا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا}[19]، ويقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[20]؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالقرآن، فوصيته بالقرآن وصية بالسنة وهي أقواله وأفعاله وتقريراته كما تقدم.
ويروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تكون فتن))، فقيل له: يا رسول الله فما المخرج منها؟ قال: ((كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. . . ))[21] الحديث، فهو المخرج من جميع الفتن، وهو الدال على سبيل النجاة، وهو المرشد إلى أسباب السعادة، والمحذر من أسباب الهلاك، وهو الداعي إلى جمع الكلمة، وهو المحذر من الفرقة والاختلاف، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[22]، ويقول جل وعلا في هذا الكتاب العظيم: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[23]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}[24]، فهو يدعو إلى الاجتماع على الحق، والتواصي بالحق، كما قال سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[25]، وهذه السورة العظيمة القصيرة قد جمعت الخير كله، ما أبقت شيئا من الخير إلا ذكرته، ولا شيئا من الشر إلا وحذرت منه.
وهؤلاء المستثنون فيها هم الرابحون؛ من الجن والإنس من الذكور والإناث، من العرب والعجم، من التجار والفقراء، من الأمراء وغيرهم، هم الرابحون وهم الناجون من الخسران، وهم الذين اتصفوا بأربع صفات: وهي الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. وهؤلاء هم السالمون من الخسران ومن عداهم خاسر على حسب ما فاته من هذه الصفات الأربع.
فمن آمن بالله ورسوله وصدق الله في أخباره، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، وآمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الآخرة والجنة والنار والحساب والجزاء وغير ذلك، وآمن بأن الله سبحانه هو المستحق للعبادة، وأنه واحد لا شريك له، وأن العبادة حقه، وأنه لا تجوز العبادة لغيره، وصدق بهذا كما أخبر الله في كتابه العظيم حيث قال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[26]، وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ}[27]، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[28]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}[29]، وقال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[30]، وقال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[31]، وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}[32]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[33]؛ فهذا هو أصل الدين وأساس الملة أن تؤمن بأن الله هو الخالق والرازق وأنه هو المعبود بالحق، وأنه سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى لا شبيه له، ولا كفو له، ولا شريك له في العبادة، ولا في الملك والتدبير.
كما قال سبحانه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[34]، وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[35]، وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[36]، وقال سبحانه في سورة الحج: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[37]، وقال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[38]... والآيات في هذا المعنى كثيرة.
والخلاصة: أن الواجب على كل مكلف من الجن والإنس أن يخص الله بالعبادة، وأن يؤمن إيمانا قاطعا بأنه الخلاق الرزاق، لا خالق إلا الله، ولا رب سواه، وأنه سبحانه المستحق للعبادة لا يستحقها أحد سواه، وهو المستحق لأن يعبد بالدعاء، والخوف والرجاء، والصلاة والصوم، والذبح والنذر وغيرها، كل لله وحده لا شريك له؛ قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[39]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود بحق إلا الله كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}[40] يعني: فاعلم أنه لا معبود بحق إلا الله فهو المستحق أن يعبد.
ومن عبد الأصنام، أو أصحاب القبور، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الملائكة، أو الأنبياء، فقد أشرك بالله، وقد نقض قول لا إله إلا الله وخالفها، وقد خالف قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وخالف قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}؛ فصار من جملة المشركين عباد القبور، والأصنام، والأشجار، والأحجار، الذين يستغيثون بأصحاب القبور، ويتبركون بقبورهم، ويدعونهم، أو يطوفون بقبورهم يرجون نفعهم وثوابهم، أو يستغيثون بهم، أو يطلبون منهم الولد أو المدد أو ما أشبه ذلك مما يفعله عباد القبور، وعباد الأصنام أو يستغيثون بالنجوم، أو بالجن، أو بالملائكة، أو بالأنبياء، أو بغيرهم من المخلوقات، كل هذا نقض لقول: لا إله إلا الله، وشرك بالله ينافي التوحيد ويضاده، ومخالف لقول الله جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[41]، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[42]، ولقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[43]، وقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[44]، وقوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[45].
فلا بد من توحيد الله والإخلاص له في صلاتك، وصومك، وسائر عباداتك، وفي ذبحك، ونذرك، وخوفك، ورجائك، لا بد في كل ذلك من ترك الإشراك بالله والحذر منه مع الإيمان بالله ربك، وأنه خالقك لا خالق غيره ولا رب سواه، مع الإيمان بأسمائه وصفاته، وأنه سبحانه ذو الصفات العلى والأسماء الحسنى، لا شبيه له ولا كفو له ولا ند له، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[46]، وقال تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}[47]، والمراد أشباه ونظراء، وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[48]، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[49]، وعليه أيضا أن يؤمن بأن كل إنسان مكلف يجب أن يؤمن بأن الله سبحانه هو خالقه، وموجده، وأنه خالق كل شيء ومالكه، وأنه هو المستحق أن يعبده، وأنه هو الإله الحق، وهو المعبود بالحق، ولا يكون المرء مؤمناً إيماناً كاملاً إلا إذا اعتقد أنه سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأن أسماءه كلها حسنى وصفاته كلها عُلى وأنه لا شبيه له، ولا مثل له، ولا كفؤ له كما قال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[50] يعني لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا شريك له، وقال تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[51]، والمعنى لا تجعلوا له أشباها ونظراء تدعونهم معه.
وقال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}؛ فهو يسمع أقوال عباده، ويسمع دعاءهم ويراهم، ومع ذلك لا شبيه له في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في سمعه وبصره، ولا في جميع صفاته، فهو الكامل في كل شيء، وخلقه لهم النقص. أما الكمال فهو له سبحانه وتعالى في كل الأمور.
فعليك بتدبر القرآن حتى تعرف هذا المعنى، تدبر القرآن من أوله إلى آخره، من الفاتحة وهي أعظم سورة في القرآن وأفضل سورة فيه إلى آخر ما في المصحف {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[52] والمعوذتين.
تدبر القرآن واقرأه بتدبر وتعقل، ورغبة في العمل والفائدة، لا تقرأه بقلب غافل، اقرأه بقلب حاضر بتفهم وبتعقل، واسأل عما أشكل عليك، اسأل أهل العلم عما أشكل عليك مع أن أكثره بحمد الله واضح للعامة والخاصة ممن يعرف اللغة العربية مثل قوله جل وعلا: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[53]، وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[54]، وقوله سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[55]، وقوله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[56]، وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[57]، وقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[58]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[59]، وقوله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[60]؛ فكلها آيات واضحات بين الله سبحانه وتعالى فيها ما حرم على عباده، وما أحل لهم، وما آمرهم به، وما نهاهم عنه.
وهكذا حرم الله الظلم فقال تعالى: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[61]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}[62]؛ فعليك يا عبد الله أن لا تظلم الناس، لا في أنفسهم ولا في أعراضهم ولا في أموالهم. احذر الظلم فعاقبته وخيمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله))[63]؛ فاحذر لا تعتد على الفقير أو تخونه أو تخون غير الفقير، اتق الظلم في المعاملات وفي كل شيء، لا تظلم عمالا إذا كنت صاحب شركة، أو عندك عمال في بيتك أعطهم حقوقهم، وأوف لهم بالشروط، فشروطهم أعطهم إياها سواء كنت مدير شركة، أو صاحب عمال في بيتك، أو في مزرعتك فاتق الله فيهم لا تستضعفهم فتخونهم، وهكذا في جميع شئونك لا تكن خائنا ولا غشاشا في بيعك وشرائك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا))[64]، ويقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[65]، ويقول سبحانه في وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[66]، ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[67].
فإذا كنت وكيلاً لإنسان في مزرعة أو شركة أو غير ذلك فلا تخنه، انصح وأد الواجب ولا تأخذ من حقه شيئاً إلا بإذنه، وهكذا في جميع الأشياء كالوكيل في البيع أو الشراء يجب عليه أن ينصح في ذلك، في الإجارة انصح ولا تخن في أي شيء، في بيع ثمار النخل، في أي شيء انصح، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[68].
وإذا كان عليك دين فاتق الله في أداء الدين لا تقل: إنني لا أستطيع وأنت تكذب، اتق الله وأد الدين لمستحقه فأنت مأمور بذلك، مأمور أن تؤدي الحقوق، وأن توفي بالعقود يقول الله جل وعلا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}[69]، زكاة نفوسهم وزكاة أموالهم، {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[70] أي يحفظون الفروج من الزنا، واللواط وسائر المعاصي، {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[71] يرعون الأمانات والعهود حتى يؤدوها كما شرع الله.
وهكذا الكلام السري هو من الأمانات، فلا تتكلم به ولا تفش السر، ومن قال افعل كذا وكذا ولا تخبر به أحدا، فإن ذلك يكون سرا بينك وبينه فلا تخنه، ولا تخن أمانة السر التي ليس فيها ضرر على أحد، ومن أوصاك على عياله، أو أوصاك على مزرعته فأد الحق، وراقب الله في ذلك، فإن الله سبحانه رقيب عليك. وإذا اقترضت من إنسان حاجات فأد حقه إليه ولا تخنه في ذلك، واتق الله وأعطه جميع الحاجات التي أخذتها منه، أو ثمنها إن كنت أخذتها بالشراء، ولا تجحد ما عندك له إذا كان قد نسيه، بل أعطه إياه، وقل: إن هذا لك عندي ثمن كذا وثمن كذا.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}[72]؛ فالصلاة أعظم الواجبات وأهم الفرائض بعد التوحيد، وهي عمود الإسلام، وهي أعظم ركن، وأعظم فريضة بعد الشهادتين، فاتق الله فيها وحافظ عليها في الجماعة؛ لقول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}[73]، ولقوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[74]، ولقوله سبحانه: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[75]، ولقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}[76]، ولقوله سبحانه عن المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى}[77]، فلا ترض لنفسك بمشابهتهم، ولا تكن مثلهم متثاقلاً عن الصلوات كأنك تجر إليها جراً، لكن كن نشيطاً قوياً مسارعاً إليها في صلاة الفجر وغيرها، فلا تقدم النوم على صلاة الفجر ولا على غيرها بل كن صابراً مسارعاً ومراقباً الله في جميع الأوقات، وهكذا زوجتك، وهكذا أولادك كن قويا في هذا الأمر مع الزوجة، ومع الأولاد ومع الخدم، وأنت أولهم، كن مسارعاً وكن قدوة في الخير إذا سمعت النداء فبادر إلى الصلاة في الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، كما أمرك الله سبحانه بذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}[78]، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر خصها الله بالذكر لعظم شأنها، ويقول سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[79] وإقامتها: أداؤها كما أمر الله.
وإيتاء الزكاة: هو أداؤها لمستحقيها كما أمر الله، فالأموال التي عندك أد زكاتها كما أوجب الله، لا تبخل، وجاهد نفسك في إخراج الزكاة حتى تؤديها إلى أهلها، من هذا المال الذي عندك من نقود أو غنم، أو إبل، أو بقر، أو غير ذلك من أموال الزكاة، وعروض التجارة كالملابس، والأواني، والسيارات إلى غير ذلك مما يعد للبيع، فعليك أن تؤدي عن كل مال زكوي كلما حال عليه الحول في المائة من الدراهم والدنانير وغيرها من العمل اثنان ونصف وهما ربع العشر، وفي الألف خمسة وعشرون، وفي مائة ألف ألفان وخمسمائة، وهكذا في غنمك إذا كانت سائمة ترعى جميع الحول أو أكثره في الأربعين إلى مائة وعشرين واحدة، وهي جذع من الضأن أو ثني من المعز، وفي المائة وإحدى وعشرين إلى مائتين اثنتان، وفي المائتين وواحدة ثلاث شياه، ثم تستقر الفريضة في كل مائة شاة؛ ففي أربعمائة من الغنم أربع شياه، وفي الخمسمائة خمس شياه وهكذا.
وأما زكاة الإبل فقد فصلها النبي صلى الله عليه وسلم فجعل في الخمس من الإبل التي ترعى جميع الحول أو غالبه شاة واحدة، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة من الإبل ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه إلى خمس وعشرين، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض- أنثى قد تم لها سنة- فإن لم توجد لدى صاحب المال أجزأ عنها ابن لبون- ذكر قد تم له سنتان- إلى خمس وثلاثين، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون- أنثى قد تم لها سنتان- إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة- قد تم لها ثلاث سنين- إلى ستين، فإذا بلغت واحدة وستين ففيها جذعة- قد تم لها أربع سنين- إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى إحدى وتسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى مائة وعشرين، فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.
وهكذا في البقر إذا كانت سائمة ترعى جميع الحول أو أغلبه ففي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة قد تم لكل منهما سنة، وفي الأربعين مسنة قد تم لها سنتان، وفي الستين تبيعان أو تبيعتان، وفي السبعين تبيع ومسنة، وفي الثمانين مسنتان، وفي التسعين ثلاثة أتباع أو ثلاث تبيعات، وفي المائة تبيعان أو تبيعتان ومسنة، وفي المائة والعشرين ثلاث مسنات أو أربعة أتباع، ثم تستقر الفريضة ففي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة.
أما الحبوب والثمار التي تكال وتدخر ففيها نصف العشر إذا كانت تسقى بمؤونة كالسواني والمكائن، أما إذا كانت تسقى بالمطر أو الأنهار ونحو ذلك ففيها العشر إذا بلغت خمسة أوسق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فيما سقت السماء والعيون العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر))[80] أخرجه البخاري في الصحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة))[81] متفق على صحته.
أما صيام رمضان فهو الركن الرابع من أركان الإسلام يجب أن تتقي الله فيه، فإذا جاء رمضان عليك أن تصوم مع الناس كما أمر الله، وتحفظ صومك عن اللغو وعن الغيبة والنميمة وسائر المعاصي، ولا تجرح صومك بشيء منها، بل الواجب أن تصون صيامك عن كل المعاصي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))[82] أخرجه البخاري في صحيحه.
وعليك بالكسب الحلال، تحر الحلال من مكسب طيب واحذر الحرام، وصم صوما صحيحا، فإذا صمت فلتصم جوارحك عن كل ما حرم الله، هكذا الصوم الكامل أن يصوم المرء عن الطعام والشراب، وأن يصوم عن كل ما حرم الله.
وهكذا في حجك، لا ترفث ولا تفسق، فإذا حججت فصن حجك عن جميع المعاصي، احذر ذلك في جميع الأحوال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه))[83] متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[84] متفق على صحته.
والحج المبرور هو الذي ليس فيه رفث
-المصدر : موقع سماحة الشيخ العلامة الامام عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتى عام المملكة العربية السعودية و رئيس هيئة كبار العلماء سابقا رحمه الله
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن كتاب الله فيه الهدى والنور، وهو حبله المتين وصراطه المستقيم، وهو ذكره الحكيم، من تمسك به نجا، ومن حاد عنه هلك، يقول الله عز وجل في هذا الكتاب العظيم: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[1].
هذا كتاب الله يهدي للتي هي أقوم، يعني: للطريقة التي هي أقوم، والمسلك الذي هو أقوم الذي هو خير الطرق وأقومها وأهداها فهو يهدي إليه، يعني: يرشد إليه ويدل عليه، ويدعو إليه، وهو توحيد الله وطاعته، وترك معصيته، والوقوف عند حدوده، هذا هو الطريق الأقوم، وهو المسلك الذي به النجاة، أنزله الله جل وعلا تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. كما قال سبحانه في سورة النحل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[2]، فهو تبيان لكل شيء، وهدى إلى طريق السعادة ورحمة وبشرى، يقول جل وعلا: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}[3] هدى لقلوبهم للحق، وشفاء لقلوبهم من أمراض الشرك والمعاصي والبدع والانحرافات عن الحق، وشفاء للأبدان من كثير من الأمراض.
وهو بشرى للإنس والجن، لكنه سبحانه ذكر المؤمنين لأنهم هم الذين اهتدوا به وانتفعوا به، وإلا فهو شفاء للجميع كما قال جل وعلا: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}؛ فالقرآن شفاء ودواء للقلوب من جميع الأدواء المتنوعة؛ أدواء الشرك والمعاصي والبدع والمخالفات، وهو شفاء لأمراض الأبدان أيضا، وأمراض المجتمعات. شفاء لأمراض المجتمع، وأمراض البدن لمن صلحت نيته وأراد الله شفاءه، ويقول جل وعلا: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[4]؛ فهو كتاب يخرج الله به الناس من الظلمات -من ظلمات الشرك، والمعاصي، والبدع، والفرقة والاختلاف- إلى نور الحق والهدى والاجتماع على الخير، والتعاون على البر والتقوى، وهذا هو صراط الله المستقيم وهو توحيد الله، وأداء فرائضه، وترك محارمه، والتواصي بحقه والحذر من معاصيه، ومن مخالفة أمره. هذا هو صراط الله المستقيم، وهذا هو النور والهدى، وهذا هو الطريق الأقوم.
وقال سبحانه في سورة الأنبياء: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}[5]، وقال سبحانه في سورة يس: {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ}[6]، والمقصود أن الله جل وعلا جعل كتابه ذكراً، وجعله نذارة، وجعله شفاء، وجعله هدى، فالواجب على جميع المكلفين من الجن والإنس أن يهتدوا به، وأن يستقيموا عليه، وأن يحذروا مخالفته. قال جل وعلا: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}[7]، وقال سبحانه: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[8]، وقال جل وعلا: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[9]، وسئلت عائشة - رضي الله عنها - فقيل لها: (يا أم المؤمنين ماذا كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان خلقه القرآن).
قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[10]، والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يتدبر القرآن، ويكثر من تلاوته، ويعمل بما فيه، فكان خلقه القرآن تلاوة وتدبراً، وعملاً بأوامره، وتركاً لنواهيه، وترغيباً في طاعة الله ورسوله، ودعوة إلى الخير، ونصيحة لله ولعباده. إلى غير ذلك من وجوه الخير.
وقال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}[11]، فالقرآن هو أحسن القصص، وهو خلق النبي صلى الله عليه وسلم .
ونصيحتي لجميع المسلمين رجالاً ونساء، جناً وإنساً، عرباً وعجماً، علماء ومتعلمين، نصيحتي للجميع أن يعتنوا بالقرآن الكريم، وأن يكثروا من تلاوته بالتدبر والتعقل بالليل والنهار، ولا سيما في الأوقات المناسبة التي فيها القلوب حاضرة للتدبر والتعقل، والذي لا يحفظه يقرؤه من المصحف، والذي لا يحفظ إلا البعض يقرأ ما تيسر منه، قال تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[12]، وإذا كان يعرف الحروف يتهجى ويقرأ من المصحف حتى يتعلم زيادة، والذي لا يعلم يتعلم من أمه، أو أبيه، أو ولده، أو زوجته إن كانت أعلم منه، والتي لا تعرف يعلمها أبوها، أو أخوها، أو زوجها، أو أختها، أو غيرهم. وهكذا يتواصى الناس، ويتعاونون. الزوج يعين زوجته، والزوجة تعين زوجها، والأب يعين ولده، والولد يعين أباه، والأخ يعين أخاه، والخال والخالة، وهكذا الكل يتعاونون، ويتواصون بهذا الكتاب العظيم تدبراً، وتعقلاً، وعملاً، لقول الله عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[13]، وقوله سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[14].
ولما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع: ((إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله))[15]، هكذا يوصيهم عليه الصلاة والسلام بكتاب الله، ويخبرهم أنهم لن يضلوا إذا اعتصموا به، وفي اللفظ الآخر: ((كتاب الله وسنتي))[16]، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم من كتاب الله، لأن الله سبحانه يقول: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}[17]، فكتاب الله يأمر بطاعة الله وطاعة رسوله، قال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[18]، ويقول جل وعلا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا}[19]، ويقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[20]؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بالقرآن، فوصيته بالقرآن وصية بالسنة وهي أقواله وأفعاله وتقريراته كما تقدم.
ويروى عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تكون فتن))، فقيل له: يا رسول الله فما المخرج منها؟ قال: ((كتاب الله فيه نبأ ما كان قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم. . . ))[21] الحديث، فهو المخرج من جميع الفتن، وهو الدال على سبيل النجاة، وهو المرشد إلى أسباب السعادة، والمحذر من أسباب الهلاك، وهو الداعي إلى جمع الكلمة، وهو المحذر من الفرقة والاختلاف، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[22]، ويقول جل وعلا في هذا الكتاب العظيم: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[23]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا}[24]، فهو يدعو إلى الاجتماع على الحق، والتواصي بالحق، كما قال سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خَسِرَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[25]، وهذه السورة العظيمة القصيرة قد جمعت الخير كله، ما أبقت شيئا من الخير إلا ذكرته، ولا شيئا من الشر إلا وحذرت منه.
وهؤلاء المستثنون فيها هم الرابحون؛ من الجن والإنس من الذكور والإناث، من العرب والعجم، من التجار والفقراء، من الأمراء وغيرهم، هم الرابحون وهم الناجون من الخسران، وهم الذين اتصفوا بأربع صفات: وهي الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. وهؤلاء هم السالمون من الخسران ومن عداهم خاسر على حسب ما فاته من هذه الصفات الأربع.
فمن آمن بالله ورسوله وصدق الله في أخباره، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، وآمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الآخرة والجنة والنار والحساب والجزاء وغير ذلك، وآمن بأن الله سبحانه هو المستحق للعبادة، وأنه واحد لا شريك له، وأن العبادة حقه، وأنه لا تجوز العبادة لغيره، وصدق بهذا كما أخبر الله في كتابه العظيم حيث قال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[26]، وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ}[27]، وقال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[28]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}[29]، وقال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[30]، وقال سبحانه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}[31]، وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}[32]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[33]؛ فهذا هو أصل الدين وأساس الملة أن تؤمن بأن الله هو الخالق والرازق وأنه هو المعبود بالحق، وأنه سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى لا شبيه له، ولا كفو له، ولا شريك له في العبادة، ولا في الملك والتدبير.
كما قال سبحانه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}[34]، وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[35]، وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[36]، وقال سبحانه في سورة الحج: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}[37]، وقال سبحانه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[38]... والآيات في هذا المعنى كثيرة.
والخلاصة: أن الواجب على كل مكلف من الجن والإنس أن يخص الله بالعبادة، وأن يؤمن إيمانا قاطعا بأنه الخلاق الرزاق، لا خالق إلا الله، ولا رب سواه، وأنه سبحانه المستحق للعبادة لا يستحقها أحد سواه، وهو المستحق لأن يعبد بالدعاء، والخوف والرجاء، والصلاة والصوم، والذبح والنذر وغيرها، كل لله وحده لا شريك له؛ قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[39]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود بحق إلا الله كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ}[40] يعني: فاعلم أنه لا معبود بحق إلا الله فهو المستحق أن يعبد.
ومن عبد الأصنام، أو أصحاب القبور، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الملائكة، أو الأنبياء، فقد أشرك بالله، وقد نقض قول لا إله إلا الله وخالفها، وقد خالف قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، وخالف قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}؛ فصار من جملة المشركين عباد القبور، والأصنام، والأشجار، والأحجار، الذين يستغيثون بأصحاب القبور، ويتبركون بقبورهم، ويدعونهم، أو يطوفون بقبورهم يرجون نفعهم وثوابهم، أو يستغيثون بهم، أو يطلبون منهم الولد أو المدد أو ما أشبه ذلك مما يفعله عباد القبور، وعباد الأصنام أو يستغيثون بالنجوم، أو بالجن، أو بالملائكة، أو بالأنبياء، أو بغيرهم من المخلوقات، كل هذا نقض لقول: لا إله إلا الله، وشرك بالله ينافي التوحيد ويضاده، ومخالف لقول الله جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[41]، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[42]، ولقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[43]، وقوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[44]، وقوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[45].
فلا بد من توحيد الله والإخلاص له في صلاتك، وصومك، وسائر عباداتك، وفي ذبحك، ونذرك، وخوفك، ورجائك، لا بد في كل ذلك من ترك الإشراك بالله والحذر منه مع الإيمان بالله ربك، وأنه خالقك لا خالق غيره ولا رب سواه، مع الإيمان بأسمائه وصفاته، وأنه سبحانه ذو الصفات العلى والأسماء الحسنى، لا شبيه له ولا كفو له ولا ند له، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[46]، وقال تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}[47]، والمراد أشباه ونظراء، وقال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[48]، وقال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[49]، وعليه أيضا أن يؤمن بأن كل إنسان مكلف يجب أن يؤمن بأن الله سبحانه هو خالقه، وموجده، وأنه خالق كل شيء ومالكه، وأنه هو المستحق أن يعبده، وأنه هو الإله الحق، وهو المعبود بالحق، ولا يكون المرء مؤمناً إيماناً كاملاً إلا إذا اعتقد أنه سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأن أسماءه كلها حسنى وصفاته كلها عُلى وأنه لا شبيه له، ولا مثل له، ولا كفؤ له كما قال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}[50] يعني لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا شريك له، وقال تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[51]، والمعنى لا تجعلوا له أشباها ونظراء تدعونهم معه.
وقال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}؛ فهو يسمع أقوال عباده، ويسمع دعاءهم ويراهم، ومع ذلك لا شبيه له في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في سمعه وبصره، ولا في جميع صفاته، فهو الكامل في كل شيء، وخلقه لهم النقص. أما الكمال فهو له سبحانه وتعالى في كل الأمور.
فعليك بتدبر القرآن حتى تعرف هذا المعنى، تدبر القرآن من أوله إلى آخره، من الفاتحة وهي أعظم سورة في القرآن وأفضل سورة فيه إلى آخر ما في المصحف {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[52] والمعوذتين.
تدبر القرآن واقرأه بتدبر وتعقل، ورغبة في العمل والفائدة، لا تقرأه بقلب غافل، اقرأه بقلب حاضر بتفهم وبتعقل، واسأل عما أشكل عليك، اسأل أهل العلم عما أشكل عليك مع أن أكثره بحمد الله واضح للعامة والخاصة ممن يعرف اللغة العربية مثل قوله جل وعلا: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}[53]، وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[54]، وقوله سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[55]، وقوله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[56]، وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[57]، وقوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[58]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[59]، وقوله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[60]؛ فكلها آيات واضحات بين الله سبحانه وتعالى فيها ما حرم على عباده، وما أحل لهم، وما آمرهم به، وما نهاهم عنه.
وهكذا حرم الله الظلم فقال تعالى: {وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}[61]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا}[62]؛ فعليك يا عبد الله أن لا تظلم الناس، لا في أنفسهم ولا في أعراضهم ولا في أموالهم. احذر الظلم فعاقبته وخيمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله))[63]؛ فاحذر لا تعتد على الفقير أو تخونه أو تخون غير الفقير، اتق الظلم في المعاملات وفي كل شيء، لا تظلم عمالا إذا كنت صاحب شركة، أو عندك عمال في بيتك أعطهم حقوقهم، وأوف لهم بالشروط، فشروطهم أعطهم إياها سواء كنت مدير شركة، أو صاحب عمال في بيتك، أو في مزرعتك فاتق الله فيهم لا تستضعفهم فتخونهم، وهكذا في جميع شئونك لا تكن خائنا ولا غشاشا في بيعك وشرائك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا))[64]، ويقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[65]، ويقول سبحانه في وصف المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[66]، ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[67].
فإذا كنت وكيلاً لإنسان في مزرعة أو شركة أو غير ذلك فلا تخنه، انصح وأد الواجب ولا تأخذ من حقه شيئاً إلا بإذنه، وهكذا في جميع الأشياء كالوكيل في البيع أو الشراء يجب عليه أن ينصح في ذلك، في الإجارة انصح ولا تخن في أي شيء، في بيع ثمار النخل، في أي شيء انصح، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[68].
وإذا كان عليك دين فاتق الله في أداء الدين لا تقل: إنني لا أستطيع وأنت تكذب، اتق الله وأد الدين لمستحقه فأنت مأمور بذلك، مأمور أن تؤدي الحقوق، وأن توفي بالعقود يقول الله جل وعلا: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}[69]، زكاة نفوسهم وزكاة أموالهم، {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[70] أي يحفظون الفروج من الزنا، واللواط وسائر المعاصي، {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[71] يرعون الأمانات والعهود حتى يؤدوها كما شرع الله.
وهكذا الكلام السري هو من الأمانات، فلا تتكلم به ولا تفش السر، ومن قال افعل كذا وكذا ولا تخبر به أحدا، فإن ذلك يكون سرا بينك وبينه فلا تخنه، ولا تخن أمانة السر التي ليس فيها ضرر على أحد، ومن أوصاك على عياله، أو أوصاك على مزرعته فأد الحق، وراقب الله في ذلك، فإن الله سبحانه رقيب عليك. وإذا اقترضت من إنسان حاجات فأد حقه إليه ولا تخنه في ذلك، واتق الله وأعطه جميع الحاجات التي أخذتها منه، أو ثمنها إن كنت أخذتها بالشراء، ولا تجحد ما عندك له إذا كان قد نسيه، بل أعطه إياه، وقل: إن هذا لك عندي ثمن كذا وثمن كذا.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}[72]؛ فالصلاة أعظم الواجبات وأهم الفرائض بعد التوحيد، وهي عمود الإسلام، وهي أعظم ركن، وأعظم فريضة بعد الشهادتين، فاتق الله فيها وحافظ عليها في الجماعة؛ لقول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}[73]، ولقوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[74]، ولقوله سبحانه: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[75]، ولقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}[76]، ولقوله سبحانه عن المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى}[77]، فلا ترض لنفسك بمشابهتهم، ولا تكن مثلهم متثاقلاً عن الصلوات كأنك تجر إليها جراً، لكن كن نشيطاً قوياً مسارعاً إليها في صلاة الفجر وغيرها، فلا تقدم النوم على صلاة الفجر ولا على غيرها بل كن صابراً مسارعاً ومراقباً الله في جميع الأوقات، وهكذا زوجتك، وهكذا أولادك كن قويا في هذا الأمر مع الزوجة، ومع الأولاد ومع الخدم، وأنت أولهم، كن مسارعاً وكن قدوة في الخير إذا سمعت النداء فبادر إلى الصلاة في الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، كما أمرك الله سبحانه بذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول الله سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}[78]، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر خصها الله بالذكر لعظم شأنها، ويقول سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ}[79] وإقامتها: أداؤها كما أمر الله.
وإيتاء الزكاة: هو أداؤها لمستحقيها كما أمر الله، فالأموال التي عندك أد زكاتها كما أوجب الله، لا تبخل، وجاهد نفسك في إخراج الزكاة حتى تؤديها إلى أهلها، من هذا المال الذي عندك من نقود أو غنم، أو إبل، أو بقر، أو غير ذلك من أموال الزكاة، وعروض التجارة كالملابس، والأواني، والسيارات إلى غير ذلك مما يعد للبيع، فعليك أن تؤدي عن كل مال زكوي كلما حال عليه الحول في المائة من الدراهم والدنانير وغيرها من العمل اثنان ونصف وهما ربع العشر، وفي الألف خمسة وعشرون، وفي مائة ألف ألفان وخمسمائة، وهكذا في غنمك إذا كانت سائمة ترعى جميع الحول أو أكثره في الأربعين إلى مائة وعشرين واحدة، وهي جذع من الضأن أو ثني من المعز، وفي المائة وإحدى وعشرين إلى مائتين اثنتان، وفي المائتين وواحدة ثلاث شياه، ثم تستقر الفريضة في كل مائة شاة؛ ففي أربعمائة من الغنم أربع شياه، وفي الخمسمائة خمس شياه وهكذا.
وأما زكاة الإبل فقد فصلها النبي صلى الله عليه وسلم فجعل في الخمس من الإبل التي ترعى جميع الحول أو غالبه شاة واحدة، وفي العشر شاتان، وفي خمس عشرة من الإبل ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه إلى خمس وعشرين، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض- أنثى قد تم لها سنة- فإن لم توجد لدى صاحب المال أجزأ عنها ابن لبون- ذكر قد تم له سنتان- إلى خمس وثلاثين، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون- أنثى قد تم لها سنتان- إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة- قد تم لها ثلاث سنين- إلى ستين، فإذا بلغت واحدة وستين ففيها جذعة- قد تم لها أربع سنين- إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى إحدى وتسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى مائة وعشرين، فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.
وهكذا في البقر إذا كانت سائمة ترعى جميع الحول أو أغلبه ففي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة قد تم لكل منهما سنة، وفي الأربعين مسنة قد تم لها سنتان، وفي الستين تبيعان أو تبيعتان، وفي السبعين تبيع ومسنة، وفي الثمانين مسنتان، وفي التسعين ثلاثة أتباع أو ثلاث تبيعات، وفي المائة تبيعان أو تبيعتان ومسنة، وفي المائة والعشرين ثلاث مسنات أو أربعة أتباع، ثم تستقر الفريضة ففي كل ثلاثين تبيع أو تبيعة وفي كل أربعين مسنة.
أما الحبوب والثمار التي تكال وتدخر ففيها نصف العشر إذا كانت تسقى بمؤونة كالسواني والمكائن، أما إذا كانت تسقى بالمطر أو الأنهار ونحو ذلك ففيها العشر إذا بلغت خمسة أوسق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فيما سقت السماء والعيون العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر))[80] أخرجه البخاري في الصحيح، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة))[81] متفق على صحته.
أما صيام رمضان فهو الركن الرابع من أركان الإسلام يجب أن تتقي الله فيه، فإذا جاء رمضان عليك أن تصوم مع الناس كما أمر الله، وتحفظ صومك عن اللغو وعن الغيبة والنميمة وسائر المعاصي، ولا تجرح صومك بشيء منها، بل الواجب أن تصون صيامك عن كل المعاصي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))[82] أخرجه البخاري في صحيحه.
وعليك بالكسب الحلال، تحر الحلال من مكسب طيب واحذر الحرام، وصم صوما صحيحا، فإذا صمت فلتصم جوارحك عن كل ما حرم الله، هكذا الصوم الكامل أن يصوم المرء عن الطعام والشراب، وأن يصوم عن كل ما حرم الله.
وهكذا في حجك، لا ترفث ولا تفسق، فإذا حججت فصن حجك عن جميع المعاصي، احذر ذلك في جميع الأحوال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه))[83] متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))[84] متفق على صحته.
والحج المبرور هو الذي ليس فيه رفث
-المصدر : موقع سماحة الشيخ العلامة الامام عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتى عام المملكة العربية السعودية و رئيس هيئة كبار العلماء سابقا رحمه الله