مجموعة الرسائل والمسائل النجدية - الجزء الثالث
ص -339- الرسالة الثامنة والستون: [النصيحة إلى كافة المسلمين]
وله أيضا -قدس الله روحه- رسالة إلى كافة المسلمين وخاصتهم من العلماء والأمراء ينصحهم فيها، ويحضهم على القيام بما أمر الله به من لزوم الجماعة والسمع والطاعة، ويذكرهم ما منّ الله عليهم به من الاجتماع على هذا الدين بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، بعد أن كانوا قبل دعوته على غاية من الجهالة والضلالة، فجمعهم الله به على هذا الدين. ثم لما خرج من خلع البيعة، وفارق الجماعة، وشق العصا كتب لهم هذه الرسالة يحذرهم عما وقعوا فيه من الفتنة، وسفك الدماء، ونهب الأموال، ولكن قد سبق القضاء بما هو كائن: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً}1. وهذا نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله على سيد المرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. من عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن إلى من يصل إليه من علماء المسلمين وأمرائهم وعامتهم، جعلنا الله وإياهم ممن عرف النعمة وشكرها، في طاعة من أنعم بها ويسرها. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فالذي أوجب هذا الكتاب: ذكر ما أنعم الله به عليكم من نعمة الإسلام الذي عرفكم به، وهداكم، وتسمون به، فلا يعني باسم المسلمين إلا أنتم، وما أعطاكم الله في هذا الدين من النعم أكثر من أن يحصر، لكن منها نعم، كل واحدة منها حصولها نعمة عظيمة، لأن المعارض لها قوي جدا، أولها: كون الدعوة إلى دين الإسلام ما قام في بيانها والدعوة إليها إلا رجل، فلما
-----------------------------------
1 سورة الأحزاب آية : 38.
ص -340- شرح الله صدره، واستنار قلبه بنور الكتاب والسنة، وتدبر الآيات، وطالع كتب التفسير وأقوال السلف في المعنى والأحاديث الصحيحة فسافر إلى البصرة، ثم إلى الأحساء والحرمين، لعله أن يجد من يساعده على ما عرف من دين الإسلام. فلم يجد أحدا، كلهم قد استحسن العوائد، وما كان عليه غالب الناس في هذه القرون المتأخرة إلى منتصف القرن الثاني عشر، ولا يعرف أن أحدا دعا فيها إلى توحيد العبادة، أو أنكر الشرك المنافي له، بل قد ظنوا جواز ذلك أو استحبابه. وذلك قد عمت به البلوى من عبادة الطواغيت والقبور، والجن، والأشجار والأحجار، في جميع القرى والأمصار والبوادي وغيرهم. فما زالوا كذلك إلى القرن الثاني عشر، فرحم الله كثيرا من هذه الأمة بظهور شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وكان قد عزم، وهو بمكة أن يصل الشام مع الحاج فعاقه عنهم عائق، فقدم المدينة، وأقام بها. ثم إن العليم الحكيم رده إلى نجد رحمة لمن أراد أن يرحمه بمن يؤويه وينصره، وقدم على أبيه وصنوه وأهله ببلد حريملا فناداهم بالدعوة إلى التوحيد، ونفي الشرك والبراءة منه ومن أهله، وبيّن لهم الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وكلام السلف -رحمهم الله-. فقبل منهم من قبل، وهم الأقلون، وأما الملأ والكبراء الظلمة الفسقة فكرهوا دعوته، فخافهم على نفسه، وأتى العينية وأظهر الدعوة بها، وقبل منه كثير منهم حتى رئيسهم عثمان بن أحمد بن معمر. ثم إن أهل الأحساء، وهم خاصة العلماء أنكروا دعوته، وكتبوا شبهات تنبئ عن جهلهم وضلالهم، وأغروا به شيخ بني خالد؛ فكتب لابن معمر أن يقتل هذا الشيخ أو يطرده فما تحمل مخالفته، فنفاه من بلده إلى الدرعية. فتلقاه محمد بن سعود -رحمه الله- بالقبول، وبايعه على أن يمنعه مما يمنع منه أهله وولده
ص -341- وهذه أيضا نعمة عظيمة، وكون الله أتاح له من ينصره ويؤويه، والذي أقوى من ابن سعود، وأكثر لم يحصل منه ذلك، وصبر محمد على عدوه الأدنى والأقصى أهل نجد، والملوك من كل جهة. وبادأهم دهام بن دواس؛ فهجم إلى الدرعية على غرة من أهلها، وقتل أولاد محمد فيصلا وسعودا؛ فما زاد محمد إلا قوة وصلابة في دينه -رحمه الله- على ضعف منه، وقلة في العدد والعدد وكثرة من عدوهم، وذلك من نعمة الله وآياته علينا وعليكم. فرحم الله هذا الشيخ الذي أقامه الله مقام رسله وأنبيائه في الدعوة إلى دينه، ورحم الله من آواه ونصره، فلله الحمد على ذلك. وفيما جرى من ابن سعود شبه لما جرى من الأنصار في بيعة العقبة. ثم إن أهل نجد وبني خالد وأهل العراق والأشراف والبوادي وغيرهم تجردوا لعداوة هذا الشيخ، ومن آواه ونصره، وأقبلوا على حربهم بحدهم وحديدهم، وكثرة جنودهم، وكيدهم؛ فأبطل الله كيد كل من عاداهم، وكل من رام من هؤلاء الملوك وأعوانهم أن يطفئ هذا النور، أطفأ الله ناره، وجعلها رمادا، وجعل كثيرا من أموالهم فيئا للمسلمين، وهذه عبرة عظيمة ونعمة جسيمة. ثم إن الله بفضله وإحسانه أظهر هذا الدين في نجد، وأذل من عاداه، فعمت النعمة أهل نجد ومن والاهم شرقا وغربا، وحفظ الله عليكم نعمة الإسلام التي رضيها -سبحانه- لعباده دينا، فلم يقدر أحد أن يغيرها بقوته وقدرته. فاشكروا ربكم الذي حفظ عليكم دينكم، ورد لكم الكرة على من خرج عنه؛ وذلك بالإقبال على التوحيد تعلما وتعليما، والأمر بما يحبه الله من طاعته، والنهي عما نهى الله عنه من المعاصي. وفي كلام بعض العلماء ما يبين حال أكثر هذه الأمة قبل هذه الدعوة من الشرك العظيم؛ فمن ذلك قول عالم صنعاء الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني -رحمه الله- عن شيخ
ص -342- الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-:
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما (مشاهد) ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا به معنى سواع ومثل يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة أهلت لغير الله ظهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبل ومستلم الأركان منهم باليد
[وجوب التواصي بحفظ نعم الله]
ثم إن الله -تعالى- لما جمعكم على إمام ترضونه، وقد حصل لكم من الأمن والراحة والعافية وكف أيدي الظلمة عنكم ما لا يخفى، ثم لما تبين من خلع الطاعة، وفارق الجماعة، وسعى في الخروج إلى ما لا يحبه الله ولا يرضاه من الفتنة في الدين، وشق عصا المسلمين، أوقع الله بهم، وبمن جمع بأسه، وقتل أشرار من معه، وأظهر الله جماعة المسلمين وإمامهم على كل من أفسد ممن قتل في هذه الفتن ونهب، وصاروا أذلة، وحفظ الله عليكم الجماعة. فالواجب علينا وعليكم التواصي بهذه النعم العظيمة، والتنافس في هذا الدين الذي منَّ الله به عليكم؛ وهو الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، ورضيه لعباده كما قال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ}1، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}2.واحذروا نسيان ربكم بالإعراض
-----------------------------------
1 سورة المائدة آية : 3.
2 سورة الحشر آية : 18.
ص -343- عما افترضه عليكم، وأقبلوا على توحيده وطاعته، واطلبوا بذلك الجنة والنجاة من النار، والحق على العلماء والأمراء أعظم لأن العامة يتبعونهم، ويتقربون إليهم بما يحبون، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره. فكونوا أئمة في هذا الدين الذي هو معنى لا إله إلا الله؛ وقد بين الله معناها في آيات كثيرة من كتابه، فإنها دالة على نفي الشرك، والبراءة منه وممن فعله، وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وذلك في آي كثيرة؛ فمن ذلك قوله -تعالى-: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}1، فقوله: {أَقِمْ وَجْهَكَ}فيه الإخلاص، و: {حَنِيفاً}فيه ترك الشرك، وقوله: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}2 فيه البراءة منهم ومن دينهم، قال -تعالى-: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}3.والآيات في معنى لا إله إلا الله أكثر من أن تحصر كقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}4. والمراد فتح الباب لكم في معنى التوحيد الذي فيه الفلاح والنجاة، وصلاح الدنيا والآخرة؛ فلا تنسوا ربكم بالإعراض عن الهدى فينسيكم أنفسكم، ومن عقوبة الإعراض عمى البصيرة في الدنيا والآخرة، ولا باقي معكم إلا دينكم لمن منّ الله عليه بحفظه، والإقبال عليه، والعمل به، ولتفهموا أن الدنيا ما للإنسان منها إلا ما كان لله، وغير ذلك زائل. هذا ما نوصيكم به وندلكم عليه عامة، والعلماء والأمراء خاصة، فيجب عليهم أن يكونوا صدرا في هذا الدين بالرغبة فيه والترغيب، وأن يكونوا سندا وعونا لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأن يتفقدوا أهل بلدهم في صلاتهم وتعليم دينهم، وكفهم عن السفاهة، وما يحرم عليهم، لأن الله سائلهم عنهم، وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
-----------------------------------
1 سورة يونس آية : 105.
2 سورة يونس آية : 105.
3 سورة الزمر آية : 2.
4 سورة يوسف آية : 40.
ص -339- الرسالة الثامنة والستون: [النصيحة إلى كافة المسلمين]
وله أيضا -قدس الله روحه- رسالة إلى كافة المسلمين وخاصتهم من العلماء والأمراء ينصحهم فيها، ويحضهم على القيام بما أمر الله به من لزوم الجماعة والسمع والطاعة، ويذكرهم ما منّ الله عليهم به من الاجتماع على هذا الدين بدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، بعد أن كانوا قبل دعوته على غاية من الجهالة والضلالة، فجمعهم الله به على هذا الدين. ثم لما خرج من خلع البيعة، وفارق الجماعة، وشق العصا كتب لهم هذه الرسالة يحذرهم عما وقعوا فيه من الفتنة، وسفك الدماء، ونهب الأموال، ولكن قد سبق القضاء بما هو كائن: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً}1. وهذا نص الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله على سيد المرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. من عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن إلى من يصل إليه من علماء المسلمين وأمرائهم وعامتهم، جعلنا الله وإياهم ممن عرف النعمة وشكرها، في طاعة من أنعم بها ويسرها. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فالذي أوجب هذا الكتاب: ذكر ما أنعم الله به عليكم من نعمة الإسلام الذي عرفكم به، وهداكم، وتسمون به، فلا يعني باسم المسلمين إلا أنتم، وما أعطاكم الله في هذا الدين من النعم أكثر من أن يحصر، لكن منها نعم، كل واحدة منها حصولها نعمة عظيمة، لأن المعارض لها قوي جدا، أولها: كون الدعوة إلى دين الإسلام ما قام في بيانها والدعوة إليها إلا رجل، فلما
-----------------------------------
1 سورة الأحزاب آية : 38.
ص -340- شرح الله صدره، واستنار قلبه بنور الكتاب والسنة، وتدبر الآيات، وطالع كتب التفسير وأقوال السلف في المعنى والأحاديث الصحيحة فسافر إلى البصرة، ثم إلى الأحساء والحرمين، لعله أن يجد من يساعده على ما عرف من دين الإسلام. فلم يجد أحدا، كلهم قد استحسن العوائد، وما كان عليه غالب الناس في هذه القرون المتأخرة إلى منتصف القرن الثاني عشر، ولا يعرف أن أحدا دعا فيها إلى توحيد العبادة، أو أنكر الشرك المنافي له، بل قد ظنوا جواز ذلك أو استحبابه. وذلك قد عمت به البلوى من عبادة الطواغيت والقبور، والجن، والأشجار والأحجار، في جميع القرى والأمصار والبوادي وغيرهم. فما زالوا كذلك إلى القرن الثاني عشر، فرحم الله كثيرا من هذه الأمة بظهور شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وكان قد عزم، وهو بمكة أن يصل الشام مع الحاج فعاقه عنهم عائق، فقدم المدينة، وأقام بها. ثم إن العليم الحكيم رده إلى نجد رحمة لمن أراد أن يرحمه بمن يؤويه وينصره، وقدم على أبيه وصنوه وأهله ببلد حريملا فناداهم بالدعوة إلى التوحيد، ونفي الشرك والبراءة منه ومن أهله، وبيّن لهم الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وكلام السلف -رحمهم الله-. فقبل منهم من قبل، وهم الأقلون، وأما الملأ والكبراء الظلمة الفسقة فكرهوا دعوته، فخافهم على نفسه، وأتى العينية وأظهر الدعوة بها، وقبل منه كثير منهم حتى رئيسهم عثمان بن أحمد بن معمر. ثم إن أهل الأحساء، وهم خاصة العلماء أنكروا دعوته، وكتبوا شبهات تنبئ عن جهلهم وضلالهم، وأغروا به شيخ بني خالد؛ فكتب لابن معمر أن يقتل هذا الشيخ أو يطرده فما تحمل مخالفته، فنفاه من بلده إلى الدرعية. فتلقاه محمد بن سعود -رحمه الله- بالقبول، وبايعه على أن يمنعه مما يمنع منه أهله وولده
ص -341- وهذه أيضا نعمة عظيمة، وكون الله أتاح له من ينصره ويؤويه، والذي أقوى من ابن سعود، وأكثر لم يحصل منه ذلك، وصبر محمد على عدوه الأدنى والأقصى أهل نجد، والملوك من كل جهة. وبادأهم دهام بن دواس؛ فهجم إلى الدرعية على غرة من أهلها، وقتل أولاد محمد فيصلا وسعودا؛ فما زاد محمد إلا قوة وصلابة في دينه -رحمه الله- على ضعف منه، وقلة في العدد والعدد وكثرة من عدوهم، وذلك من نعمة الله وآياته علينا وعليكم. فرحم الله هذا الشيخ الذي أقامه الله مقام رسله وأنبيائه في الدعوة إلى دينه، ورحم الله من آواه ونصره، فلله الحمد على ذلك. وفيما جرى من ابن سعود شبه لما جرى من الأنصار في بيعة العقبة. ثم إن أهل نجد وبني خالد وأهل العراق والأشراف والبوادي وغيرهم تجردوا لعداوة هذا الشيخ، ومن آواه ونصره، وأقبلوا على حربهم بحدهم وحديدهم، وكثرة جنودهم، وكيدهم؛ فأبطل الله كيد كل من عاداهم، وكل من رام من هؤلاء الملوك وأعوانهم أن يطفئ هذا النور، أطفأ الله ناره، وجعلها رمادا، وجعل كثيرا من أموالهم فيئا للمسلمين، وهذه عبرة عظيمة ونعمة جسيمة. ثم إن الله بفضله وإحسانه أظهر هذا الدين في نجد، وأذل من عاداه، فعمت النعمة أهل نجد ومن والاهم شرقا وغربا، وحفظ الله عليكم نعمة الإسلام التي رضيها -سبحانه- لعباده دينا، فلم يقدر أحد أن يغيرها بقوته وقدرته. فاشكروا ربكم الذي حفظ عليكم دينكم، ورد لكم الكرة على من خرج عنه؛ وذلك بالإقبال على التوحيد تعلما وتعليما، والأمر بما يحبه الله من طاعته، والنهي عما نهى الله عنه من المعاصي. وفي كلام بعض العلماء ما يبين حال أكثر هذه الأمة قبل هذه الدعوة من الشرك العظيم؛ فمن ذلك قول عالم صنعاء الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني -رحمه الله- عن شيخ
ص -342- الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-:
وقد جاءت الأخبار عنه بأنه يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي
وينشر جهرا ما طوى كل جاهل ومبتدع منه فوافق ما عندي
ويعمر أركان الشريعة هادما (مشاهد) ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا به معنى سواع ومثل يغوث وود بئس ذلك من ود
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة أهلت لغير الله ظهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبل ومستلم الأركان منهم باليد
[وجوب التواصي بحفظ نعم الله]
ثم إن الله -تعالى- لما جمعكم على إمام ترضونه، وقد حصل لكم من الأمن والراحة والعافية وكف أيدي الظلمة عنكم ما لا يخفى، ثم لما تبين من خلع الطاعة، وفارق الجماعة، وسعى في الخروج إلى ما لا يحبه الله ولا يرضاه من الفتنة في الدين، وشق عصا المسلمين، أوقع الله بهم، وبمن جمع بأسه، وقتل أشرار من معه، وأظهر الله جماعة المسلمين وإمامهم على كل من أفسد ممن قتل في هذه الفتن ونهب، وصاروا أذلة، وحفظ الله عليكم الجماعة. فالواجب علينا وعليكم التواصي بهذه النعم العظيمة، والتنافس في هذا الدين الذي منَّ الله به عليكم؛ وهو الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، ورضيه لعباده كما قال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ}1، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}2.واحذروا نسيان ربكم بالإعراض
-----------------------------------
1 سورة المائدة آية : 3.
2 سورة الحشر آية : 18.
ص -343- عما افترضه عليكم، وأقبلوا على توحيده وطاعته، واطلبوا بذلك الجنة والنجاة من النار، والحق على العلماء والأمراء أعظم لأن العامة يتبعونهم، ويتقربون إليهم بما يحبون، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره. فكونوا أئمة في هذا الدين الذي هو معنى لا إله إلا الله؛ وقد بين الله معناها في آيات كثيرة من كتابه، فإنها دالة على نفي الشرك، والبراءة منه وممن فعله، وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، وذلك في آي كثيرة؛ فمن ذلك قوله -تعالى-: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}1، فقوله: {أَقِمْ وَجْهَكَ}فيه الإخلاص، و: {حَنِيفاً}فيه ترك الشرك، وقوله: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}2 فيه البراءة منهم ومن دينهم، قال -تعالى-: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}3.والآيات في معنى لا إله إلا الله أكثر من أن تحصر كقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ}4. والمراد فتح الباب لكم في معنى التوحيد الذي فيه الفلاح والنجاة، وصلاح الدنيا والآخرة؛ فلا تنسوا ربكم بالإعراض عن الهدى فينسيكم أنفسكم، ومن عقوبة الإعراض عمى البصيرة في الدنيا والآخرة، ولا باقي معكم إلا دينكم لمن منّ الله عليه بحفظه، والإقبال عليه، والعمل به، ولتفهموا أن الدنيا ما للإنسان منها إلا ما كان لله، وغير ذلك زائل. هذا ما نوصيكم به وندلكم عليه عامة، والعلماء والأمراء خاصة، فيجب عليهم أن يكونوا صدرا في هذا الدين بالرغبة فيه والترغيب، وأن يكونوا سندا وعونا لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأن يتفقدوا أهل بلدهم في صلاتهم وتعليم دينهم، وكفهم عن السفاهة، وما يحرم عليهم، لأن الله سائلهم عنهم، وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
-----------------------------------
1 سورة يونس آية : 105.
2 سورة يونس آية : 105.
3 سورة الزمر آية : 2.
4 سورة يوسف آية : 40.