جهاد الحجة والبيان
مقدم على
جهاد اليد والسنان
ابن تيمية♦ابن القيم♦عبد اللطيف آل الشيخ♦ابن سعدي
◘أفضل الجهاد ما كان أعظم نفعاً للناس
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى:
قوام الدين بالعلم والجهاد، ولهذا كان الجهاد نوعين: جهاد باليد والسنان؛ وهذا المشارك فيه كثير، والثاني: الجهاد بالحُجَّة والبيان؛ وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل، وهو جهاد الأئمة، وهو أفضل الجهادين؛ لعظم منفعته، وشدَّة مؤنته، وكثرة أعدائه، قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾ فهذا جهادٌ لهم بالقرآن وهو أكبرُ الجهادين، وهو جهاد المنافقين أيضاً، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين، بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ومع هذا فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ ومعلومٌ أن جهاد المنافقين بالحجة والقرآن. [مفتاح دار السعادة (1/271)]
◘الجهاد بالعلم جهاد أنبياء الله ورسله وجهاد خواص عباده
وقال - رحمه الله - بعد أن بين أن القلوب تعود إلى قلبين، قلب يعرف الله بأسمائه وصفاته ويثبتها على مراد الله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، وقلب معرض عن معرفتها ومحرف لها ومملوء بالشبه والجدال والمراء والكلام ومع ذلك فهو يُكفر أهل الحديث ويبدعهم ويضللهم ويجعل إثبات صفات الله تجسيماً وتشبيهاً فقال عن هذا القلب الثاني :
فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الإيمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ولهذا أمر به تعالى في السور المكية- حيث لا جهاد باليد- إنذارا وتعذيراً فقال تعالى: ﴿فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾ [الفرقان: 52] وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم مع كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة: 73] فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق. [مقدمة منظومته الكافية الشافية ص/ 19]
◘تبليغ السنة إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحر العدو
وقال - رحمه الله -:
وتبليغ سنته صلى الله عليه وسلم إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن، فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه.
وهم كما قال فيهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في خطبته التي ذكرها ابن وضاح في كتاب "الحوادث والبدع" له، قال: «الحمد لله الذي امتَنَّ على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى؛ كم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وضالٍ تائه قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس! وأقبح أثر الناس عليهم! يقتلونهم في سالف الدهر وإلى يومنا هذا، فما نسيهم ربك: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالتهم. فلا تقصر عنه، فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم الوضيعة»
وقال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – «إن لله عند كل بدعة كيِدَ بها الإسلام وليّاً من أوليائه يذب عنها، وينطق بعلاماتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن، وتوكلوا على الله». [جلاء الأفهام ص492-493]
◘طلب العلم من أعظم الجهاد في سبيل الله لأن به قوام الإسلام
والمقصود أنَّ سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ودعوة الخلق به إلى الله، ولهذا قال معاذٌ رضي الله عنه: «عليكم بطلب العلم؛ فإن تعلُّمَهُ لله خشية، ومدارسته عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد» ولهذا قَرَنَ سبحانه بين الكتاب المنزَّل والحديد الناصر، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ فذكر الكتاب والحديد إذ بهما قوام الدين كما قيل:
فما هو إلا الوحيُ أو حدٌ مرهفٍ ... تُميلُ ظِباهُ اخدعي كُلِّ مائلٍ
فهذا شفاء الدَّاء من كلِّ عاقلٍ ... وهذا دواء الدَّاءِ من كلِّ جاهلٍ
ولما كان كلٌّ من الجهاد بالسيف والحجة يسمى سبيلَ الله، فسَّرَ الصحابة رضي الله عنهم قوله: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ بالأمراء والعلماء؛ فإنهم المجاهدون في سبيل الله؛ هؤلاء بأيديهم، وهؤلاء بألسنتهم، فطلب العلم وتعليمه من أعظم سبيل الله عز و جل.
قال كعب الأحبار: «طالبُ العلمِ كالغادي الرَّائحِ في سبيل اللهِ عزَّ وجلَّ» وجاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: «إذا جاءَ الموتُ طالبَ العلمِ وهو على هذه الحال مات وهو شهيد» وقال سفيان بن عيينة: «من طلبَ العلمَ فقد بايَعَ الله عزَّ و جلَّ» وقال أبو الدرداء: «من رأى الغُدُوَّ والرَّواحَ إلى العلمِ ليس بجهادٍ فقد نقَصَ في عقله ورأيه». [مفتاح دار السعادة ( 1 / 271 )]
◘الرادُّ على أهل البدع مجاهد
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:
الراد على أهل البدع مجاهد حتى كان يحيى بن يحيى يقول : الذب عن السنة أفضل من الجهاد. [نقض المنطق ص (12)]
[فقيل ليحيى : الرجلُ ينفِقُ مالَه ويُتْعِبُ نفسَه ويجاهد، فهذا أفضلُ منه؟!
قال: نعم بكثير!. [ذمّ الكلام ( 111ـ أ )]]
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
وأعداء الدين نوعان: الكفار والمنافقون، وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 73] في آيتين من القرآن، فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعاً تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تُبيّن للناس فسَدَ أمر الكتاب وبُدِّل الدين، كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم يُنكَر على أهله، وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سمّاعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ [التوبة: 27].
فلا بد أيضاً من بيان حال هؤلاء بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم؛ فإن فيهم إيماناً يوجب موالاتهم وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تُفسد الدين، فلابد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم، بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدع من منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وإنها خير وإنها دين، ولو لم تكن كذلك لوجب بيان حالها، ولهذا وجب بيان من يغلط في الحديث والرواية ومن يغلط في الرأي والفتيا ومن يغلط في الزهد والعبادة وإن كان المخطئ المجتهد مغفوراً له خطؤه وهو مأجور على اجتهاده، فبيان القول والعمل الذي دل عليه الكتاب والسنة واجب وإن كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله. [الفتاوى ( 28/231-23)]
وقال رحمه الله:
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة والعبادات المخالفة للكتاب والسنة.
فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين.
حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم ويصلى ويعتكف : أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟
فقال : إذا صام [في الأصل إذا قام والظاهر أنه خطأ ] وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه. وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين. هذا أفضل.
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله.
إذ تطهير سبيل اللَّه ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين .
ولولا من يقيمه اللَّه لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب .
فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءاً. [مجموع الرسائل والمسائل (5/110)]
◘أخذ مدرسة من أهل البدع أفضل من استرجاع مدينة من الكفار
وقال رحمه الله:
وقد أمر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الآمدي، وقال: "أخذها منه أفضل من أخذ عكا"(1) ، مع أن الآمدي لم يكن أحد في وقته أكثر تبحراً في العلوم الكلامية والفلسفية منه. [مجموع الفتاوى (18/52-53)]
______________
(1) قال الشيخ حامد الفقي: في (حاشيته نقض المنطق) ص156: أي: من الإفرنج أيام احتلالهم لبعض بلاد الشام ومصر في المائة السادسة.
◘وقائع جهاد ابن تيمية وحملاته على أعداء السنة
يقول الحافظ الذهبي رحمه الله واصفاً جهاد شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية :
ولقد نصر السنة المحضة، والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات، وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا، وجسر هو عليها، حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياماً لا مزيد عليه، وبدّعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المرَّ الذي أدَّاه إليه اجتهاده، وحدة ذهنه، وسعة دائرته في السنن والأقوال، مع ما اشتهر عنه من الورع، وكمال الفكر، وسرعة الإدراك، والخوف من اللّه، والتعظيم لحرمات اللّه.
فجرى بينه وبينهم حملات حربية، ووقعات شامية ومصرية، وكم من نوبة قد رموه عن قوس واحدة، فينجيه الله، فإنه دائم الابتهال، كثير الاستغاثة، والاستعانة به، قوي التوكل، ثابت الجأش، له أوراد وأذكار يُدْمنها بكيفية وجمعية. وله من الطرف الآخر محبون من العلماء والصلحاء، ومن الجند والأمراء، ومن التجار والكبراء، وسائر العامة تحبه؛ لأنه منتصب لنفعهم ليلاً ونهاراً، بلسانه وقلمه. [الذيل على طبقات الحنابلة 4\394]
◘الجهاد بالعلم من أظهر شعائر السنة وآكدها
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالة له إلى أحد إخوانه يشجعه على الجهاد :
وقد بلغني ما منّ الله به عليك، من جهادك أهل البدع، والإِغلاظ في الإِنكار على الجهمية المعطلة، ومن والاهم؛ وهذا من أجلِّ النعم، وأشرف العطايا، وهو من أوجب الواجبات الدينية.
فإن الجهاد بالعلم والحجة، مقدم على الجهاد باليد والقتال، وهو من أظهر شعائر السنة، وآكدها، وإنما يختص به في كل عصر ومصر: أهل السنة، وعسكر القرآن، وأكابر أهل الدين، والإِيمان، فعليك بالجد والاجتهاد، واعتد به، من أفضل الزاد للمعاد، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [ غافر: 51، 52 ]. [الدرر السنية (3/ 295)]
◘جهاد الحجة أصل وأساس لجهاد السيف
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي:
الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين، وإصلاحهم في عقائدهم، وأخلاقهم، وجميع شؤونهم الدينية والدنيوية، وفي تربيتهم العلمية والعملية، وهذا النوع هو أصل الجهاد وقوامه، وعليه يتأسس النوع الثاني، وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على الإسلام والمسلمين، من الكفار والمنافقين والملحدين، وجميع أعداء الدين ومقاومتهم. [وجوب التعاون بين المسلمين (ص 7-]
◘ الصبر على السنة أفضل من الضرب بالسيوف
قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم:
«المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله». [تاريخ بغداد (12/410)].
◘ الثبات على هذا الجهاد حتى الموت من النصيحة لله ورسوله
ونختم بهذه الأبيات لابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى-، والتي يعاهد فيها الله - عـز وجل - على نصرة دينه، وجهاد أهل الأهواء والبدع، وفضح أمرهم على رؤوس الخلائق، فيقول - رحمه الله - في "الكافية الشافية في للانتصار للفرقة الناجية" :
لأجاهدن عداك ما أبقيتني.... ولأجعلن قتالهم ديـداني
ولأفضحنهم على روس الملا.... ولأفرين أديمهم بلسـاني
ولأكشفن سرائرًا خفيت على.... ضعفاء خلقك منهم ببيان
ولأتبعنهم إلى حيث انتـهوا .... حتى يقـال أبعد عبـادان
ولأرجمنهم بأعـلام الهدى .... رجم المريد بثاقب الشهبان
ولأقعدن لهم مراصد كيدهم .... ولأحضرنهم بكل مكـان
ولأجعلن لحومهم ودماءهم .... في يوم نصرك أعظم القربان
ولأحملن عليـهم بعسـاكر .... ليست تفر إذا التقى الزحفان
بعساكر الوحيين والفطرات والـ .... معقول والمنقول بالإحسان
حتى يبين لمن له عقل من الـ .... أولى بحكم العقل والبرهان
ولأنصحـنّ الله ثم رسـوله .... وكتابه وشـرائع الإيمـان
إن شاء ربي ذا يكون بحـوله .... إن لم يشأ فالأمـر للرحمن
[نونية ابن قيم الجوزية بشرح خليل هراس" (1/429)]
جمعه
www.aborashed.com
مقدم على
جهاد اليد والسنان
ابن تيمية♦ابن القيم♦عبد اللطيف آل الشيخ♦ابن سعدي
◘أفضل الجهاد ما كان أعظم نفعاً للناس
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى:
قوام الدين بالعلم والجهاد، ولهذا كان الجهاد نوعين: جهاد باليد والسنان؛ وهذا المشارك فيه كثير، والثاني: الجهاد بالحُجَّة والبيان؛ وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل، وهو جهاد الأئمة، وهو أفضل الجهادين؛ لعظم منفعته، وشدَّة مؤنته، وكثرة أعدائه، قال تعالى في سورة الفرقان وهي مكية: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾ فهذا جهادٌ لهم بالقرآن وهو أكبرُ الجهادين، وهو جهاد المنافقين أيضاً، فإن المنافقين لم يكونوا يقاتلون المسلمين، بل كانوا معهم في الظاهر، وربما كانوا يقاتلون عدوهم معهم ومع هذا فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ ومعلومٌ أن جهاد المنافقين بالحجة والقرآن. [مفتاح دار السعادة (1/271)]
◘الجهاد بالعلم جهاد أنبياء الله ورسله وجهاد خواص عباده
وقال - رحمه الله - بعد أن بين أن القلوب تعود إلى قلبين، قلب يعرف الله بأسمائه وصفاته ويثبتها على مراد الله عز وجل من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، وقلب معرض عن معرفتها ومحرف لها ومملوء بالشبه والجدال والمراء والكلام ومع ذلك فهو يُكفر أهل الحديث ويبدعهم ويضللهم ويجعل إثبات صفات الله تجسيماً وتشبيهاً فقال عن هذا القلب الثاني :
فما أعظم المصيبة بهذا وأمثاله على الإيمان، وما أشد الجناية به على السنة والقرآن وما أحب جهاده بالقلب واليد واللسان إلى الرحمن، وما أثقل أجر ذلك الجهاد في الميزان، والجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان ولهذا أمر به تعالى في السور المكية- حيث لا جهاد باليد- إنذارا وتعذيراً فقال تعالى: ﴿فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً﴾ [الفرقان: 52] وأمر تعالى بجهاد المنافقين والغلظة عليهم مع كونهم بين أظهر المسلمين في المقام والمسير فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [التوبة: 73] فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبيائه ورسله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق. [مقدمة منظومته الكافية الشافية ص/ 19]
◘تبليغ السنة إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحر العدو
وقال - رحمه الله -:
وتبليغ سنته صلى الله عليه وسلم إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن، فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه.
وهم كما قال فيهم عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في خطبته التي ذكرها ابن وضاح في كتاب "الحوادث والبدع" له، قال: «الحمد لله الذي امتَنَّ على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى؛ كم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وضالٍ تائه قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس! وأقبح أثر الناس عليهم! يقتلونهم في سالف الدهر وإلى يومنا هذا، فما نسيهم ربك: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالتهم. فلا تقصر عنه، فإنهم في منزلة رفيعة وإن أصابتهم الوضيعة»
وقال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – «إن لله عند كل بدعة كيِدَ بها الإسلام وليّاً من أوليائه يذب عنها، وينطق بعلاماتها، فاغتنموا حضور تلك المواطن، وتوكلوا على الله». [جلاء الأفهام ص492-493]
◘طلب العلم من أعظم الجهاد في سبيل الله لأن به قوام الإسلام
والمقصود أنَّ سبيل الله هي الجهاد وطلب العلم ودعوة الخلق به إلى الله، ولهذا قال معاذٌ رضي الله عنه: «عليكم بطلب العلم؛ فإن تعلُّمَهُ لله خشية، ومدارسته عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد» ولهذا قَرَنَ سبحانه بين الكتاب المنزَّل والحديد الناصر، كما قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ فذكر الكتاب والحديد إذ بهما قوام الدين كما قيل:
فما هو إلا الوحيُ أو حدٌ مرهفٍ ... تُميلُ ظِباهُ اخدعي كُلِّ مائلٍ
فهذا شفاء الدَّاء من كلِّ عاقلٍ ... وهذا دواء الدَّاءِ من كلِّ جاهلٍ
ولما كان كلٌّ من الجهاد بالسيف والحجة يسمى سبيلَ الله، فسَّرَ الصحابة رضي الله عنهم قوله: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ بالأمراء والعلماء؛ فإنهم المجاهدون في سبيل الله؛ هؤلاء بأيديهم، وهؤلاء بألسنتهم، فطلب العلم وتعليمه من أعظم سبيل الله عز و جل.
قال كعب الأحبار: «طالبُ العلمِ كالغادي الرَّائحِ في سبيل اللهِ عزَّ وجلَّ» وجاء عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: «إذا جاءَ الموتُ طالبَ العلمِ وهو على هذه الحال مات وهو شهيد» وقال سفيان بن عيينة: «من طلبَ العلمَ فقد بايَعَ الله عزَّ و جلَّ» وقال أبو الدرداء: «من رأى الغُدُوَّ والرَّواحَ إلى العلمِ ليس بجهادٍ فقد نقَصَ في عقله ورأيه». [مفتاح دار السعادة ( 1 / 271 )]
◘الرادُّ على أهل البدع مجاهد
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:
الراد على أهل البدع مجاهد حتى كان يحيى بن يحيى يقول : الذب عن السنة أفضل من الجهاد. [نقض المنطق ص (12)]
[فقيل ليحيى : الرجلُ ينفِقُ مالَه ويُتْعِبُ نفسَه ويجاهد، فهذا أفضلُ منه؟!
قال: نعم بكثير!. [ذمّ الكلام ( 111ـ أ )]]
وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
وأعداء الدين نوعان: الكفار والمنافقون، وقد أمر الله نبيه بجهاد الطائفتين في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 73] في آيتين من القرآن، فإذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعاً تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تُبيّن للناس فسَدَ أمر الكتاب وبُدِّل الدين، كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذي لم يُنكَر على أهله، وإذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سمّاعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة إلى بدع المنافقين كما قال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ [التوبة: 27].
فلا بد أيضاً من بيان حال هؤلاء بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم؛ فإن فيهم إيماناً يوجب موالاتهم وقد دخلوا في بدع من بدع المنافقين التي تُفسد الدين، فلابد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم، بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدع من منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وإنها خير وإنها دين، ولو لم تكن كذلك لوجب بيان حالها، ولهذا وجب بيان من يغلط في الحديث والرواية ومن يغلط في الرأي والفتيا ومن يغلط في الزهد والعبادة وإن كان المخطئ المجتهد مغفوراً له خطؤه وهو مأجور على اجتهاده، فبيان القول والعمل الذي دل عليه الكتاب والسنة واجب وإن كان في ذلك مخالفة لقوله وعمله. [الفتاوى ( 28/231-23)]
وقال رحمه الله:
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة والعبادات المخالفة للكتاب والسنة.
فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين.
حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم ويصلى ويعتكف : أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟
فقال : إذا صام [في الأصل إذا قام والظاهر أنه خطأ ] وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه. وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين. هذا أفضل.
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله.
إذ تطهير سبيل اللَّه ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين .
ولولا من يقيمه اللَّه لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب .
فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءاً. [مجموع الرسائل والمسائل (5/110)]
◘أخذ مدرسة من أهل البدع أفضل من استرجاع مدينة من الكفار
وقال رحمه الله:
وقد أمر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الآمدي، وقال: "أخذها منه أفضل من أخذ عكا"(1) ، مع أن الآمدي لم يكن أحد في وقته أكثر تبحراً في العلوم الكلامية والفلسفية منه. [مجموع الفتاوى (18/52-53)]
______________
(1) قال الشيخ حامد الفقي: في (حاشيته نقض المنطق) ص156: أي: من الإفرنج أيام احتلالهم لبعض بلاد الشام ومصر في المائة السادسة.
◘وقائع جهاد ابن تيمية وحملاته على أعداء السنة
يقول الحافظ الذهبي رحمه الله واصفاً جهاد شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية :
ولقد نصر السنة المحضة، والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات، وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا، وجسر هو عليها، حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياماً لا مزيد عليه، وبدّعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي، بل يقول الحق المرَّ الذي أدَّاه إليه اجتهاده، وحدة ذهنه، وسعة دائرته في السنن والأقوال، مع ما اشتهر عنه من الورع، وكمال الفكر، وسرعة الإدراك، والخوف من اللّه، والتعظيم لحرمات اللّه.
فجرى بينه وبينهم حملات حربية، ووقعات شامية ومصرية، وكم من نوبة قد رموه عن قوس واحدة، فينجيه الله، فإنه دائم الابتهال، كثير الاستغاثة، والاستعانة به، قوي التوكل، ثابت الجأش، له أوراد وأذكار يُدْمنها بكيفية وجمعية. وله من الطرف الآخر محبون من العلماء والصلحاء، ومن الجند والأمراء، ومن التجار والكبراء، وسائر العامة تحبه؛ لأنه منتصب لنفعهم ليلاً ونهاراً، بلسانه وقلمه. [الذيل على طبقات الحنابلة 4\394]
◘الجهاد بالعلم من أظهر شعائر السنة وآكدها
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالة له إلى أحد إخوانه يشجعه على الجهاد :
وقد بلغني ما منّ الله به عليك، من جهادك أهل البدع، والإِغلاظ في الإِنكار على الجهمية المعطلة، ومن والاهم؛ وهذا من أجلِّ النعم، وأشرف العطايا، وهو من أوجب الواجبات الدينية.
فإن الجهاد بالعلم والحجة، مقدم على الجهاد باليد والقتال، وهو من أظهر شعائر السنة، وآكدها، وإنما يختص به في كل عصر ومصر: أهل السنة، وعسكر القرآن، وأكابر أهل الدين، والإِيمان، فعليك بالجد والاجتهاد، واعتد به، من أفضل الزاد للمعاد، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [ غافر: 51، 52 ]. [الدرر السنية (3/ 295)]
◘جهاد الحجة أصل وأساس لجهاد السيف
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي:
الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين، وإصلاحهم في عقائدهم، وأخلاقهم، وجميع شؤونهم الدينية والدنيوية، وفي تربيتهم العلمية والعملية، وهذا النوع هو أصل الجهاد وقوامه، وعليه يتأسس النوع الثاني، وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على الإسلام والمسلمين، من الكفار والمنافقين والملحدين، وجميع أعداء الدين ومقاومتهم. [وجوب التعاون بين المسلمين (ص 7-]
◘ الصبر على السنة أفضل من الضرب بالسيوف
قال أبو عبيد القاسم بن سلاّم:
«المتبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو اليوم عندي أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله». [تاريخ بغداد (12/410)].
◘ الثبات على هذا الجهاد حتى الموت من النصيحة لله ورسوله
ونختم بهذه الأبيات لابن قيم الجوزية - رحمه الله تعالى-، والتي يعاهد فيها الله - عـز وجل - على نصرة دينه، وجهاد أهل الأهواء والبدع، وفضح أمرهم على رؤوس الخلائق، فيقول - رحمه الله - في "الكافية الشافية في للانتصار للفرقة الناجية" :
لأجاهدن عداك ما أبقيتني.... ولأجعلن قتالهم ديـداني
ولأفضحنهم على روس الملا.... ولأفرين أديمهم بلسـاني
ولأكشفن سرائرًا خفيت على.... ضعفاء خلقك منهم ببيان
ولأتبعنهم إلى حيث انتـهوا .... حتى يقـال أبعد عبـادان
ولأرجمنهم بأعـلام الهدى .... رجم المريد بثاقب الشهبان
ولأقعدن لهم مراصد كيدهم .... ولأحضرنهم بكل مكـان
ولأجعلن لحومهم ودماءهم .... في يوم نصرك أعظم القربان
ولأحملن عليـهم بعسـاكر .... ليست تفر إذا التقى الزحفان
بعساكر الوحيين والفطرات والـ .... معقول والمنقول بالإحسان
حتى يبين لمن له عقل من الـ .... أولى بحكم العقل والبرهان
ولأنصحـنّ الله ثم رسـوله .... وكتابه وشـرائع الإيمـان
إن شاء ربي ذا يكون بحـوله .... إن لم يشأ فالأمـر للرحمن
[نونية ابن قيم الجوزية بشرح خليل هراس" (1/429)]
جمعه
www.aborashed.com