إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

وصية الله لعباده ووصايا لقمان الحكيم لابنه [ الوصية الأولى ] مهم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وصية الله لعباده ووصايا لقمان الحكيم لابنه [ الوصية الأولى ] مهم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا :
    أما بعد :
    هذه وصية الله لعباده أُتبعها بوصايا لقمان لابنه وهو يعظه ، وقد أخبرنا الله بها لما فيها من حكمٍ عظيمة ، أتاها الله تعالى لهذا العبد الصالح، وامتنّ بها عليه وأنزل فيها قرآنا يتلى في الصلوات ، والمحاريب ، ويُذّكر بها في الدروس والمواعظ ،والمحافل والمساجد إلى يوم القيامة ، وما ذكرها الله تعالى في كتابه إلا لتكون نبراسا يحتذى به ، ومنهاجا للحياة الإيمانية السعيدة المطمئنة ، والله عز وجل لايرفع من شأن شيء إلا بقدر قيمته ، كيف لا وقد قال سبحانه في ذلك : {{ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}} (269) سورة البقرة.
    فقد أَتى اللهُ لقمانَ الحكمة ، وبها أُوتي الخيرَ الكثير ، قال تعالى :{{ ولقد ءَاتينا لُقمانَ الحِكمةَ أَنِ اشكُر لله ، ومن يشكر فإنّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ الله غنّى حميد}}فهل شكر لقمانُ اللهَ على هذه النعمة العظيمة ؟
    والجواب نعم قد فعل ، وها هو يصرف هذه النعمة ويضعها موضعها الصحيح الذي كانت من أجله ، في وصايا وقواعد ليس لابنه فحسب بل لأجيال وأجيال إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وهل استفادت تلك الأجيال المتعاقبة منها ؟؟
    للأسف الشديد لم يستفد منها إلا القليل الذين استفادوا من نعمة الإيمان فشكروا الله تعالى على تلك النعمة وقد بينه تعالى بقوله :{{ يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون }}{{وما أكثر النّاس ولو حصرت بمؤمنين }}{{ وقليل من عبادي الشكور }}ومن هنا جاءت وصية الله سبحانه وتعالى للأولين والآخرين بقوله : {{ .. وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (131) سورة النساء.فوصية الله تعالى بالتقوى ، وهي كلمة جامعة لخيري الدنيا والآخرة ، فمن أخذ بهذه الوصية العظيمة الجامعة[[ تقوى الله ]] وشكر الله تعالى عليها،حصل له من العلم والحكمة الخير الكثير ، قال تعالى : {{ واتقوا الله ويعلمكم الله }}.
    قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في هذه الآية من تفسيره [ج1/224] أن تقوى الله وسيلة إلى حصول العلم ، وأوضح من هذا قوله تعالى :{{ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا }} أي علما تفرقون به بين الحقائق ، والحق والباطل .
    والوصية في اللسان العربي : هي الأمر ، فقوله تعالى :{{ ووصينا الإنسان }}أي أمرناه ،والوصية أيضا بمعنى الوصل ،لأنه وصل ما كان له في حياته بما بعد موته ، أفاده شيخي عليالهندي في رالته اللطيفة : المذكرات الجلية بتصرف سير .
    وشرعا قال : تطلق على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات .فتح الباري [ج5/ 355].
    والوصية هي الإرشاد بالحكمة إلى الحكمة ،وبالخير إلى الخير والبر ، واتقاء الشر والضر ، والتربية على الفضائل ،والترفع عن الرذائل ، وقد تكون دينية أو دنيوية ، كما تكون في الحياة أو عند حضور الأجل ، فالآباء يوصون أبنائهم ويربونهم على الأخلاق الفاضلة ، في حياتهم وعند حضور آجالهم ، والعلماء والمربون الربانيون يوصون طلابهم بالعلم وآداب الطلب والتحصيل كذلك ،على منهاج النبوة ، وأصدق ما وصى به موصٍ ونصح به ناصحٌ ما كانت وصيته ونصيحته عند حضور أجله ..
    والوصية أنواع :
    1 - وصية الميراث : وحكمها معلوم في الشرع ، وقد حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة" رواه البخاري ومسلم .
    2 - وصية النصح وإرادة الخير للوصي : وهي ظاهرة عامة خصوصا عند دنو الأجل ؛ وقد كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة : "الصلاة وما ملكت أيمانكم"صحيح الجامع [3767] وقوله :" استوصوا بالنساء خيرا .." متفق عليه وأورد أصحاب الحديث والسير وصايا بعض الأنبياء وغيرهم تختلف باختلاف المواقف والظروف، وفي بعضها نصح للأهل والولد أو لسائر الناس.

    - وصية الاستخلاف : قال تعالى {{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}} (132) سورة البقرة }.وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بعد موته ،كما أوصى أبو بكر إلى عمر وأوصى عمر أن تكون في الستة الذين توسم فيهم الأفضلية والكفاءة رضي الله عن الصحابة أجمعين
    فما هي وصايا لقمان :
    الوصية الأولى : {{وإذا قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لاتشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم }} لقمان :[13] .
    في هذا الوصية من الفوائد :
    1 - مشروعية وصية الوالد لابنه بما ينعفه ويصحح معتقده ..ويؤخذ منها مشروعية وصية الشيخ المعلم لتلميذه بذلك ، فإن المعلم بمنزلة الأب ،وإن حاجة الطالب إلى أبوة العلم أشد من حاجته إلى أبوة النسب ، فكيف إذا اجتمعت هاتين الخصلتين في الوالد فكان هو المربي وهو الشيخ وهو المعلم ، فبعدها لاتسأل ...
    2 – مخاطبة المُوصي لوصيه بألطف العبارة ، وأرق الألفاظ لتكون ادعى للقبول وأجدى نفعا ..
    3 – البداءة بالأهم فالمهم ، وأهم شيء يوصي به الأب المربي والشيخ المعلم ولده هو العلم بالله تعالى ، وإفراده بالعبادة ، إذ عليها النجاة والخسران يوم القيامة .
    4 – التحذير من الشرك بالله تعالى بجميع أنواعه بتَعَلُمه ، ليس لذاته وإنما لتوقيه حتى لا يقع فيه ، لأنه إذا وقع فيه وقع في أعظم الظلم .
    5 – تشير الوصية أن الشرك من أعظم الظلم فوجب الحذر منه ، واجتنابه والتحذير منه .
    6 – في الآية بيان لفهم الصحابة الذين فهموا الظلم على غير وجهه ، فلما نزل قول الله تعالى : {{ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون }} شق ذلك عليهم ، وقالوا أينا لم يظلم نفسه ؟ ففهموا أن الظلم عام ، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : << ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه : يا بني لا تشرك بالله ، إن الشرك لظلم عظيم >>.
    7 – على المُتربي والوَصي أن يبحث عن رفع المشقة عن نفسه ، وأن يسأل عن ذلك أهل الاختصاص ، حتى يرتاح باله وتطمئن نفسه {{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }}وذلك ما فعله الصحابة لما أشكل عليهم .
    8 – ينبغي على الوالد المربي والشيخ المعلم أن يبين اللبس والإشكال الذي يحصل لولده ووصيه ، برد المتشابه إلى المحكم ،وقد بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
    9 – بيان أن من حقق التوحيد جاء آمنا يوم القيامة حتى لو كان عنده بعض الظلم ، فقول الصحابة رضوان الله عليهم أينا لم يظلم نفسه ؟ ورد النبي عليهم بأنه ليس ذلك الظلم
    الذي فهموه ، وإنما هو الشرك ، أما غيره من الظلم حتى لو حصل من العبد فهو آمن يوم القيامة مادام لم يشرك بالله شيئا ، وبيان ذلك الآية المذكورة آنفا، وجاء في الحديث القدسي قال الله تعالى :<< قال الله تبارك وتعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة >>صحيح الترمذي للألباني[ح 3540 ] وفي السلسلة الصحيحة [127 ].
    وهذا لا يعني إطلاقا أنه لايضر مع الإيمان ذنب ، فلو كان الأمر كذلك ماجاء في باقي الوصايا بالنهي عن تلك المعاصي الكبيرة التي تخدش في إيمان العبد ولا تبطله ـ وتطهير العبد من ذنوبه التي أصابها بدخوله النار لاينافي عدم الأمن لأن هذا تكفير وتطهير حتى يناسب دار الكرامة الطاهرة ..

    يتبع إن شاء الله .. مع باقي الوصايا ..


    وصلى اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

  • #2
    وصية الله لعباده ووصايا لقمان الحكيم لابنه [ الوصية الثانية ] مهم

    بسم الله الرحمن الرحيم


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .

    الوصية الثانية : البر بالوالدين والإحسان إليهما في المعروف وبالمعروف .
    قال تعالى : {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (14) سورة لقمان.
    هذه الوصية الثانية من وصايا العبد الصالح لقمان لابنه وهو يعظه ، وقد ثمنها الله تعالى في كتابه ، وجعلها تتلى إلى يوم القيامة ، وما ذلك إلا لعظم شأنها حتى تبقى ركنا قائما في قاموس وصايا التعامل في البناء التربوي العائلي ، يوصي بها الأباء الأبناء جيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فإن تقدير الوالدين وتوقيرهما والبر بهما مستقر في الفطر تحكمه العاطفة الغريزية التي أودعها الله في نفس الأولاد للأباء، وإن كانت عاطفة الأباء وحبهم للأبناء أكثر بكثير، ولا يعرف هذا الحب وتلك العاطفة الجامحة عند الأباء لأبنائهم إلا من رزقه الله الأولاد ورأى فلذة كبده تذب أمامه على الأرض فكل مولود يجد في نفسه ذلك لوالديه ، ولكن يمكن أن تنحرف به الفطرة بسب عوامل خارجية ، وتسلط الشيطان على بني آدم ، ولا يستيقظ إلا إذا أصبح هو والدا له أولاد، فلا يعرف قيمة الوالدين إلا من رزق بنعمة الأولاد.
    وإن لقمان الحكيم ، ذاق طعم هذه العاطفة والمحبة الأبوية ، وعرف قدرها فأراد أن يتركها وصية في عقبه لولده ، وهكذا لولده من بعده ..وهكذا قبلها الله تعالى وأكدها وأنزلها في كتابه ، كيف لا تكون بهذه المكانة من الأهمية وقد قرنها سبحانه بإفراده بتوحيده في عبادته .
    قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية : .. ثم قرن وصيته إياه بعبادة الله وحده بالبر بالوالدين لعظم حقهما ، فالأم حملت ولدها بمشقة والأب تكفل بالانفاق ، فاستحقا من الولد الشكر .{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.
    وجعل الله ذلك الشكر من أحب الأعمال إليه فعن أبي عمرو الشيباني قال : حدثنا صاحب هذه الدار – وأومأ بيده إلى دار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: {{سألت النبي صلى الله عليه وسلم :أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟قال: << الصلاة على وقتها>> قلت : ثم أي؟ قال :<< ثم بر الوالدين >> ..}} متفق عليه .
    وقد بين الله تعالى تلك الوصية المبهمة :{{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ }}وبقوله تعالى : {{ {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا }} (15) سورة الأحقاف.
    قال البغوي رحمه في تفسيره :أي برا بهما وعطفا عليهما ، معناه ووصينا الانسان أن يفعل بوالديه ما يحَسن .
    وقد أمر الله تعالى بهذه الإحسان فقال :{{ {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} (23) سورة الإسراء }} الاسراء .
    قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة : أي أحسنوا إليهما ، بجميع وجوه الإحسان ، القولي والفعلي ، لأنهما سبب وجود العبد ،ولهما من المحبة للولد ، والإحسان إليه ، والقرب ، ما يقضي تأكد الحق ووجوب البر .[ج3/ 103]
    قلت : بل يفعل بهما ولهما الأحسن ، ولايقدم عليهما ما يستحسنه لنفسه لأن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :<< ثم بر الوالدين >> مفهومه الإتساع في الإحسان إليهما وصلتهما وأداء حقوقهما ، وهذا معنى البر فإنها كلمة كبيرة واسعة المعنى . كإتساع رضا الله فإنه يشمل الرضا بجميع الأعمال الصالحة ، ومن أعظمها بر الوالدين ، لذلكم قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :<< رضا الرب في رضا الوالدين ، وسخط الرب في سخط الوالدين >> حديث حسن موقوف ، وصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم انظر له السلسلة الصحيحة [ح515].
    ومن تمام رضا الرب عن العبد شكره لله تعالى وللوالدين ، اشكر العظيم على هذه النعمة العظيمة أن الله جعله في رعاية والديه من حين الحمل والوهن المصاحب له، إلى وقت الولادة مع الكره الذي تجده الأم ، إلى فصاله وفصامه في عامين ، إلى الرعاية به وحبه والعطف والحنان عليه حتى اشتد عضده وأصبح عضوا صالحا في المجتمع ،وذلك في قوله سبحانه :{{ {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (15) سورة الأحقاف }}.المقصود بالكره في الآية هو المشقة التي تجدها الأم في الحمل ، وليس الكره بمعنى البغض والنفر من الشيء، فإن المرأة مجبولة على حب الحمل والإنجاب، ولو كان فيه من الوهن والمشقة ما فيه ، وإذا أردت أن تعرف ذلك فاسأل بعض من لم يرزقهم الله الأولاد كيف لفهم وولعهم على فقدان تلك النعمة .
    واعلموا - جعلني الله وإياكم من أوعية العلم – أن الله كما أمر بالبر بهما بكل أنواعه ، نهى عن العقوق لهما بكل أشكاله وصوره ،فرتب النهي بدءا بأصغر ما يؤذيهما ويسوء إليهما، ليدل على تحريم ما زاد عليه فقال :{{ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا}} فإذا كان العقوق حاصل بأدنى المراتب التي هي :{{ فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ}} كما في هذه الجملة من الآية وأنه من أكبر الكبائر كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور فكيف بما زاد على ذلك ؟؟؟ ممن يرفع يديه ليضربهما أو يسبهما، أو يرميهما في دور العجزة، أو يهملهما أو يحرمهما دنيا كانا سببا في تنعمه بها ، اللهم عفوك ، اللهم عفوك .
    وقد أوجب الله هذه الوصية وأمربها ، إلا في حالة واحدة وهي : أن يأمراك بمعصيته تعالى ، فحينئذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ومع عدم طاعتهما في المعصية ، وجب الإحسان إليهما في غيرها من المباحات ، ومصاحبتهما بالمعروف ، وهذا من عظمة هذا الدين وتعظيمه لحقوق الوالدين اللذين كانا سببا في وجود الولد .
    فقال سبحانه وهو يوصي بذلك : {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} ( سورة العنكبوت.
    قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية : أي إن حرصا عليك كل الحرص أن تتبعهما على دينهما ، فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنع ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا أي محسنا إليهما ، واتبع سبيل المؤمنين .
    قلت : أي، إن أمراك بمعصية ، من تخل عن واجب أو تمذهب بمذاهب ، سواء كان مذهب كفري أو حزبي مبتدع كأن يأمراك بأن تتشيع أو أن تسلك سبيل الخوارج والتكفيرين ، والقدرية المجوس والمرجئة المميعين ، ومذهب العلومة والعلمانين ، والاشتراكية والرأس ماليين ، وغيرها مما يسمى بالثقافات الحضارية التقدمية التي تحارب الإسلام وتسعى إلى هدم قواعده ،أو أمراك بمعصية كمنعك من الصلاة ، أو الذهاب إلى المسجد ، أو تعلم المعلوم من الدين بالضرورة ، أو يلزماك بحضور وإقامة حفلات الزفاف المليئة بالمنكرات ، أو يجبراك على الدراسة والعمل في الاختلاط ، أو التبرج والسفور ، لأن بعض الأباء يعد ذلك تقدما ، ويعد الحجاب الشرعي تأخرا ورجعية ، فلا تتبعهما وصاحبهما في الدنيا بالمعروف المتعارف عليه شرعا أو عرفا مما لا يخالف شرع الله قال تعالى : {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (15) سورة لقمان ، وقوله سبحانه : {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } يعني مصاحبتهما في جميع أمور دنياك مما ليس فيه مخالفة ،وعلى امتداد دنياك أي حياتك .
    ومن الإحسان إليهما في ذلك مناقشتهما بالتي هي أحسن للتي هي أقوم ، والصبر على ذلك وعدم التنازل عن شيء من دينك مما هو من الواجبات ، على خلاف المندوبات إذا كان ذلك يؤلف بينك وبينهما فلا حرج حنئذ ، على أن لا يستمر ذلك طويلا ويصبح عادة لهما يجدانه بابا للنتقيص من دينك شيئا فشيئا ،واسمع لهذه المناقشة والمحاورة الأدبية الرائعة :{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (41)إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ
    الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا(44)يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} (45) سورة مريم } وفي آخرها قال له : {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} (47) سورة مريم، فانظروا -رحكم الله وإيانا - كم من مرة يكرر هذه اللفظة الرقيقة اللطيفة يستلطف بها شعور والده فيلين لها ويسمع لما وراءها : { يَا أَبَتِ} أي أدب هذا وأي تلطف ذلكم في إقرار التوحيد وإفراد الله بالعبادة، ودعوة الوالد إلى ذلك وهو المشرك .
    ويتكرر هذا الخلق الرفيع مع يوسف ،وأبيه وهو أدب الأنبياء ودأبهم عليه، فاسمع يا رعاك الله {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ، وبنفس اللطف والحنان والرقة يبادله أبوه الخطاب فيقول : { قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(4- 5) سورة يوسف. يالها من كلمة لطيفة رائعة ترفع من معنوات الابن وهو يسمعها من واليه ،فتنزل على قلبه كقطرات الندى لتبلله بحنان وعطف الأبوة ، فيطرب لها ويسعد بها ،فما أحوجنا لمثل هذه الآداب الرائعة مع أبائنا في النسب وآبائنا في العلم ،وأبناءنا كذلك .
    واعلم أن كل ما ثبت للوالدين من الوصية بهما والإحسان إليهما فهو ثابت للعالم والمعلم لأنه في مرتبة أحد الوالدين ، قال تعالى : {{{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ...} (59) سورة النساء}}فأولوا الأمر منا هم العلماء والأمراء، فطاعتهم واجبة ، وحق المعلم على المتعلم لا يقل عن حق الوالدين على ولدهما لأن الحاجة إليه أعظم من حاجته لوالديه .
    والآن نأتي إلى تلخيص الفوائد المستقاة من هذه الوصية العظيمة .
    1- وصية الإنسان بوالديه ، مهما كان جنسه ، ودينه ، فهو مأمور بهذه الوصية ، فلا فرق بين مسلم وكافر إذ لفظ الإنسان يشمل جميع أنواع بني آدم ، وفي هذا إشارة إلى أن جميع الإنسانية مخاطبة بأصول وفروع الشريعة الإسلامية .
    2 – الوصية بالإحسان للوالدين والبر بهما ، والصبر عليهما في جميع الأحوال وفي كل حين لأنه مهما أحسنت إليهما فلا يمكن أن تكافأهما على الوجه المرضي إلا أن تجد أحدهما عبدا فتشتريه وتعتقه فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : << لايجزي ولد والده ، إلا أن يجده مملوكا،فيشتريه فيعتقه >>رواه مسلم ك العتق [ح 25- 26] والبخاري في الأدب المفرد[ح 8].
    قال السندي في شرحه سنن ابن ماجة :[ج2/ 388]: وفي الحديث أن العبد كالهالك ، فكأنه بالإعتاق أخرجه من الهلاك إلى الحياة ، فصار فعله ذلك مما يعدل فعل الأب حيث كان سببا للوجود وإخراجه من العدم إليه .
    3 – النهي عن طاعتهما إذا أمرا بشرك أو كفر أو معصية ، وأنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وإنما الطاعة في المعروف ،وهذه قاعدة عامة وليست خاصة بالوالدين لأن قوله تعالى :{ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ } تفيد عدمُ طاعةِ وإتباعِ من لم يُنب ويرجع إلى الله .
    4- الشكر للوالدين باعتبار أنهما كانا سببا في وجوده ، والشكر لله تعالى على تلك النعمة ، وهي أنه جعل للعبد والدين كان سببا في وجوده ورعايته إلى أن أصبح إنسانا سويا مكلفا فطُلب بالشكر تكليفا وليس تشريفا .

    5- مصاحبتهما في الدنيا بالمعروف وللمعروف ، مالم يجاهداك لتشرك بالله أو تعصيه ، وقوله تعالى :{.. فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا..} يفيد أن ذلك في جميع دنياك فلا تحرمهما شيئا منها ، وطول عمرك أيضا فلا تقصر في حقهما في وقت دون آخر . فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء :<< ... وأطع والديك وإن أمراك أن تخرج من دنياك ، فاخرج لهما ..>> ابن ماجه [ح 4034] وصحيح الأدب المفرد [14] .
    6- عظم حق الوالدين ، وأن الله قرنه بحقه من إفراده بالتوحيد والعبادة ..
    7- عظم جرم عقوق الوالدين فكما قرن طاعتهما بطاعته وتوحيده ، قرن معصيتهما بمعصيته والشرك به ، فعقوق الوالدين كبيرة وعظيمة من العظائم لمقارنتها بالشرك ، كما أن الإحسان إليهما وطعاتهما في الله من أعظم أعمال البر ، كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود .
    8- عدم الأخذ بهذه الوصية من البر بهما يوقع العبد في أكبر كبائر الذنوب ، وهو العقوق .قال عليه الصلاة والسلام :<< ألا أنبئكم بأكبر الكبائر [ ثلاثا ] قالوا : بلى : قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين ..>> .متفق عليه .
    9- العقوق يحصل بأصغر أمر نهى الله عنه ، وهو لفظة [ أف ] ويتعاظم كلما ازداد حجم المخالفة التي يكون بها العقوق ، قال بعض السلف لو كان هناك ما هو أصغر من هذه اللفظة [أف ] لنهى الله عنه تقديرا وتعظيما لحق الوالدين على الولد .
    10- الوصية بالأبناء فهم نعمة يجب المحافظة عليها ، وعدم الإضرار بها ، فلا يكون العباد والدا يعطى حقوقه ، حتى يكون ولدا يعطى حقوقه من الرعاية والربية الصالحة .وصلي اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد .
    يتبع إن شاء الله ...

    تعليق

    يعمل...
    X