أهمِّيةُ الرَّدِّ علَى المخالفِ، وبيانُ جُمْلَةٍ مِنْ ثَمَارهِ/ الحلقة الثانية
بسم الله الرحمن الرَّحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام علىنبيِّنا محمَّدٍ وآله وصحبه أجمعين، أمَّا بعدُ:
فقد سبقَ أنْ كتبتُ منذُ زمنٍ مقالاً بعنوان (أهميَّةالرَّدِّ على المخالفِ وبيانُ جملةٍ من ثماره)، وذكرتُ في ذلكم المقال ما يتعلَّقبشطرِ العنوان الأول، أعني (أهمية الرَّدِّ على المخالف)، ووعدتُ بأنني سأُتبعه بمايتعلَّق بذكر جملةٍ من ثمرات الرَّدِّ على المخالف؛ فهذا إيفاءٌ بالوعدِ المذكور،والله أسأل التَّوفيق والسَّداد في القول والعمل، إنَّه سميعٌ مجيب.
وهنا ألفتُ إلى أمرٍ؛ وهو أنَّني في أثناء كتابتيلـ(الثمرات)، بدا لي أنْ أتطرَّق إلى بيانِ نقاطٍ عدَّة لها علاقة بالموضوعوالمقال، وللحاجة إليها فيما يبدو لي- ولعله لغيري أيضاً-، وهذه النِّقاطُ هيكالتالي:
النقطة الأولى: المرادُ بالمخالف هنا؟
وهنا ألفتُ إلى أمرٍ؛ وهو أنَّني في أثناء كتابتيلـ(الثمرات)، بدا لي أنْ أتطرَّق إلى بيانِ نقاطٍ عدَّة لها علاقة بالموضوعوالمقال، وللحاجة إليها فيما يبدو لي- ولعله لغيري أيضاً-، وهذه النِّقاطُ هيكالتالي:
النقطة الأولى: المرادُ بالمخالف هنا؟
النقطةالثانية: التفرقة بين العالم المخطئ والأتباع.
النقطة الثالثة: واجبنا تجاهغلط وخطأ العالم السُّنِّي.
النقطة الرابعة: ذكر بعض الأمور التي ينبغيتوفُّرها فيمن يتولى الرد على المخالف.
النقطة الخامسة: ذكرُ جملة من ثمارالرد على المخالف.
وطريقتي في عرض هذه النقاط: أنني أعنون للنقطة، معبيانٍ مُختصر لها، مُدلِّلاً عليها بأقوالِ سلفنا وأئمتنا رضي الله عنهم، تَقريباًللمَعْلومة وإيضاحاً لها.
وليعلم الجميعُ:أنَّ ما أقومُ به، وما يقومُ به غيريمن أهل العلم وطلابه الجادين، إنَّما هو جمع و ترتيب و بيان و تقريب كلام أئمتناالمبثوث في كتبهم، والمنقول عنهم في كتب من بعدهم من علماء أهل السنة، فأسأل اللهالعظيم رب العرش الكريم أن ينفعني بما أبذله لوجهه الكريم يوم العرض عليه يوم لاينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
تنبيهٌ:
وطريقتي في عرض هذه النقاط: أنني أعنون للنقطة، معبيانٍ مُختصر لها، مُدلِّلاً عليها بأقوالِ سلفنا وأئمتنا رضي الله عنهم، تَقريباًللمَعْلومة وإيضاحاً لها.
وليعلم الجميعُ:أنَّ ما أقومُ به، وما يقومُ به غيريمن أهل العلم وطلابه الجادين، إنَّما هو جمع و ترتيب و بيان و تقريب كلام أئمتناالمبثوث في كتبهم، والمنقول عنهم في كتب من بعدهم من علماء أهل السنة، فأسأل اللهالعظيم رب العرش الكريم أن ينفعني بما أبذله لوجهه الكريم يوم العرض عليه يوم لاينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
تنبيهٌ:
نظراً لطول الموضوع وتعدد نقاطه، فإنيآثرتُ أنْ أورده على حلقاتٍ؛ ليتمكَّن الإخوة من الاطِّلاع عليه والتأمل فيه، واللهوالموفِّق.
النُّقطةُ الأُوْلَى: أَنَّ الْمُرَادَبـ(الْمُخَالِف) هُنا ، هُو: مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ، مُبْتَدِعَاً كَانَ أمْسُنِّيَّاً مُخْطِئاً!!
النُّقطةُ الأُوْلَى: أَنَّ الْمُرَادَبـ(الْمُخَالِف) هُنا ، هُو: مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ، مُبْتَدِعَاً كَانَ أمْسُنِّيَّاً مُخْطِئاً!!
فَالْمُبْتَدِعُ يُردُّ عَليهِ وَ تُدْحَضُبدْعتهُ، وَ يُظْهَر الْحَقّ، نَصِيْحَةً لله وَرَسُولهِ وَلِكتَابهِ وَلعَامَّةِالْمُسْلمين.
أمَّا السُّنِّي الْمُخْطئُ الَّذي ظَهَرَ وذَاعَخَطَؤهُ، فَنَردُّ غَلَطهُ وَ لَهُ عَلْيَنَا ابْتِداءً- تَفَضُّلاً وَ إحْسَاناًلاَ وُجُوبَاً- حَقّ النَّصيْحَة وَ التَّذكير سِرَّاً قَبْلَ نَشْرِ الرَّدِّعليه؛ فَإِنْ رَجَعَ وبيَّنَ فَذَلكَ هُو الْمُرَادُ، وإنْ لَمْ يَنْتَصحْ مِنْغَيْرِ عِنَادٍ وَاسْتِكبارٍ؛ نُشِرَ الرَّدُّ، ولاَ إِشْكَالَ فِي هَذا؛ لأنَّالْحقَّ أَحب إليْنا وَ أَعزّ، وهُو عَلَى الكفَايَةِ، صِيَانَةً للحقِّ ونُصْحاًلعامَّة الأُمَّةِ، كمَا قرَّره أئمَّة الْحَقِّ.
قَالَ الإمَامُ البربهاريُّ في (شرح السُّنَّة) رقم( 9/69):" واعْلَم أنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الطَّريقِ عَلَى وَجْهَين:
أمَّا السُّنِّي الْمُخْطئُ الَّذي ظَهَرَ وذَاعَخَطَؤهُ، فَنَردُّ غَلَطهُ وَ لَهُ عَلْيَنَا ابْتِداءً- تَفَضُّلاً وَ إحْسَاناًلاَ وُجُوبَاً- حَقّ النَّصيْحَة وَ التَّذكير سِرَّاً قَبْلَ نَشْرِ الرَّدِّعليه؛ فَإِنْ رَجَعَ وبيَّنَ فَذَلكَ هُو الْمُرَادُ، وإنْ لَمْ يَنْتَصحْ مِنْغَيْرِ عِنَادٍ وَاسْتِكبارٍ؛ نُشِرَ الرَّدُّ، ولاَ إِشْكَالَ فِي هَذا؛ لأنَّالْحقَّ أَحب إليْنا وَ أَعزّ، وهُو عَلَى الكفَايَةِ، صِيَانَةً للحقِّ ونُصْحاًلعامَّة الأُمَّةِ، كمَا قرَّره أئمَّة الْحَقِّ.
قَالَ الإمَامُ البربهاريُّ في (شرح السُّنَّة) رقم( 9/69):" واعْلَم أنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الطَّريقِ عَلَى وَجْهَين:
أمَّاأَحَدُهُمَا: فَرَجَلٌ قَدْ زَلَّ عَنِ الطَّريقِ، وَهُو لاَ يُريْدُ إلاَّالْخَير، فَلا يُقْتَدى بِزَلَّتِهِ، فَإنَّه هَالِكٌ.
وآخَر عَاندَالْحَقَّ وخَالَفَ مَنْ كانَ قَبْلَهُ مِنَ الْمُتَّقِيْنَ؛ فَهُو ضَالٌ مُضِلٌ،شَيْطَانٌ مَريدٌ فِي هَذهِ الأُمَّة، حَقيقٌ علَى مَنْ يَعْرِفْهُ أنْ يُحَذِّرَالنَّاسَ مِنْهُ، وَيُبَيِّنَ للنَّاسِ قِصَّتَهُ، لِئَلاَّ يَقَعَ أَحَدٌ فِيبِدْعَتهِ؛ فَيَهْلَك".
وَ يُنْظَرُ: (مقدّمة صحيح مسلم)(1/29) و(الإبانةالصُّغرى)(ص 34 و(مَجموع الفتاوى)(2/357) وغيرها كثيرٌ.
ومِمَّا سَبَقَ يَتَقرَّر أنْ لاَ تَلاَزُمَ بينالرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ وَالتَّبديع، فَقَدْ يكُونُ الْمَرْدُود عَليهمُبْتَدِعَاً وقَدْ لاَ يَكُونُ،بِمَعنى:
ومِمَّا سَبَقَ يَتَقرَّر أنْ لاَ تَلاَزُمَ بينالرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ وَالتَّبديع، فَقَدْ يكُونُ الْمَرْدُود عَليهمُبْتَدِعَاً وقَدْ لاَ يَكُونُ،بِمَعنى:
أنَّ الرَّدَّ علَى الْمُخَالِفِلا يَعْني بِالضَّرورة تَبْدِيعَ الْمُخَالِفِ، إلاَّ إنْ عَقَدَ ألويَةَ الوَلاَءِوَ البراء عَلَى مُخالفَتهِ، فَيُبَدَّع علَى ذَلِكَ؛ لِعَقْدِهِ الوَلاَءَ وَالبَرَاء عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ عَقْده عليهِ- ينظر)(الْمَجموع)(20/164)
أوْ خَالفَ الكتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمُسْتَفِيْضَةأوْ مَا أَجْمَعَ عليهِ سَلَفُ الأُمَّةِ خِلاَفَاً لاَ يُعْذرُ فيهِ، فَهَذَايُعَامَلُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ أهْل البِدَعِ، كمَا قَالَهُ شَيخُ الإسلام )الْمَجْمُوع)(24/172)- و للمسألةِ تَفْصِيلاتٌ أُخْرَىَ لعلَّ الله يُيَسِّرُبَيَانَها وتَفْصِيْلهَا.
"ومِنَ الأَمْثِلَةِ عَلَى عَدَمِ التَّلازم بَيْنَالرَّدِّ والتَّبْديعِ ؛ أنَّ عَدَداً مِنْ عُلمَاءِ أهْلِ السُّنَّة ردَّبَعْضُهمْ عَلَى بَعْضٍ، ولَمْ يُبدِّعْ أَحَدهم الآخر، بلْ حَفِظَ كلٌّ منْهُماللآخر مكانَتهُ وَاحْتِرامهُ، مَع رَدِّهِ لِغَلطهِ، ولَمْ يَعْقِدْ أحدهمَا علَىقَوله وَلاءً وَ بَراءً، بَلْ مِنْهُم لَمَّا ظَهَرَ لَه غَلطهُ رَجَعَ عَنْ قَولهِإلَى قَولِ مُخَالِفِهِ، وَهَذا لا يَعِيْبهُ بَلْ يَرْفعهُ؛ لِرُجُوعهِ إلَىالْحَقِّ وبُعْدِهِ عَن الْمُعَانَدةِ وَالْمُكَابَرَةِ!
فَمَثَلاً:
خَالَفَ العَلاَّمة عبدُالعزيز بن بَاز شَيْخهُ العلاَّمة مُحمّد بنإبراهيم آل الشَّيخِ في (مسألة طَلاقِ الثَّلاث بِلَفْظٍ واحد)، وَردَّ أيضَاً علَىالعلاَّمة الألباني في مسائل منْها (وضع اليدين على الصَّدر بعد الرَّفع منالرُّكوع) و غيرها منَ المسائل، وَردَّ العلاَّمة الألباني علَى العلاَّمةعبدالعزيز بن باز وغيره في الْمَسْأَلةِ الْمُشَارِ إليْهَا وفِي غَيرها، وردَّالعلاَّمة بديع الدّين السِّندي على العلاَّمة الألباني في المسألة السَّابقة،وردَّ عليه الألباني، وردَّ العلاَّمة حُمود التُّويجري على العلاَّمة ابن عُثيمين،في مَسْأَلَةِ تَتعلَّقُ بِصِفَةِ الْمَعيَّة، و رَجعَ العَلاَّمَةُ ابن عُثيمينعنْ قولهِ إلى قَول التّويجري، وردَّ العلاَّمة التويجري على الألبانِي فِي مَسائلفي صفة الصَّلاَة وغَيرهَا، وردَّ عليه العلاَّمة الألباني، وبَيْنَهما وِدٌّواحترامٌ، بَل إنَّ التويجري استضافَ الألباني في بَيتهِ لَمَّا زَارَالرِّياض!!
وَهَكَذا فِي رُدُودٍ كثِيرةٍ مَشْهُورةٍ مَنْثُورةٍ بَيْنَعُلمَاء أهْلِ السُّنَّة، ولَمْ يُبدِّع أَحدهم الآخر، ولَمْيَمْنَع ذَلكَ منردِّه ِعلَى مَنْ يَراهُ خَالفَ الصَّوابَ، ونَشْرِ الرَّدِّ عليهِ، وَ لَمْيَعْقِد أَحدهُما وَلاءً وبراءً على قَولهِ، بلْ إنَّ الإمَام الألباني مَع أنَّهيَرى (بدعيَّة وضع اليدين على الصَّدر بعد الرَّفع منَ الرُّكُوع) يَرَى أنَّه لَوصلَّى خَلْفَ مَنْ يَقُولُ بِسُنِِّيَّة الوَضْعِ بَعد الرَّفع لتَابَعَهُ فِيذَلكَ لِعُمُوم الْحَديثِ (إنَّمَا جُعِلَ الإمِامُ ليُؤْتَمَّ بهِ..)، فهَذادَليلٌ علَى عَدَمِ عَقْدهِ الوَلاَء وَالبَراءَ عَلَى قَولهِ!!
الثَّانية: التَّفرقةُ بين العَالِمِ الْمُخْطئ وَالأَتْبَاع.
وذلكَ: أنَّ بَعضَ مَنْ يُخطئُ مِنْ أَهل العِلمِ والسُّنَّةلاَ يَتَعمَّدُ الْخَطَأ أو الْمُخَالفَة لِلْحقِّ، بلْ يَبْذُلُ وسْعَه للوصولِإليه، لكنْ لاَ يُوفَّق لإصابَةِ الْحَقِّ.
وتَرَى مَنْ يُعَظِّمه مِنْأتْباعهِ يَتَّبعهُ فِي خَطَأهِ عِنَادَاً وَ اسْتِكباراً، ويَعْقِدُ وَلاءً وَبَرَاءً عَلَى خَطَأ شَيْخهِ!! دَلِيْلهُ فِي ذَلك: أنَّ فُلاَناً قَدْ قَالَبهِ!
فالعالَمُ الْمُخْطئُ يُعْذَرُ ولا يَأْثَمُ، بِخِلاَفِ مَن اتَّبعهُعِنَاداً واستكباراً فَلا يُعْذَر وَيَأْثَمُ.
وَ فِي أَمْثَالِ هَؤلاَء يُقرِّرُ الإمَامُ ابْنُرَجَبٍ الْحَنْبليّ كَلاماً فِي غَايَةٍ مِنَ النَّفَاسَة وَالْمَتَانَةِ حَيثُقَالَ فِي (جَامع العُلُوم والْحِكَمِ)(2/ ص267-268-ط الرِّسالة):" وهَا هُنَاأَمرٌ خفيٌ يَنْبغي التَّفطُّن لَه؛ وَهُو:
أنَّ كَثِيْراً منْ أئمَّة الدِّين قَدْ يَقُولُقَولاً مَرْجُوحاً، ويكونُ مُجْتَهِداً فيه، مَأْجُوراً عَلى اجْتِهَادهِ،مَوضُوعاً عنْهُ خَطؤهُ فيْه، وَلاَ يَكُونُ الْمُنْتَصِرُ لِمَقَالتِهِ تِلْكَبِمَنْزِلتهِ فِي هَذه الدَّرجة؛ لأنَّه قَدْ لا يَنْتَصرُ لِهَذا القَول إلاَّلِكَونِ مَتْبُوعه قَدْ قَالَهُ، بِحَيثُ إنَّه لَو قَالَهُ غَيْرُه مِنْ أئمَّةِالدِّين لَمَا قَبِلَهُ، ولا انْتَصرَ له، ولا وَالَى مَنْ وَافقه، ولا عَادى منْخالفه، وَهُو مَع هَذا يَظَنُّ أنَّهُ إنَّما انْتَصَرَ لِلْحقِّ بِمنْزلةمَتْبوعه، وليس كذلكَ، فَإنَّ مَتْبُوعه إنَّمَا كاَنَ قَصدهُ الانْتِصَارلِلْحقِّ، وَإنْ أخْطَأَ فِي اجْتِهَادهِ، وَأمَّا هَذَا التَّابعُ، فَقَدْ شَابَانْتصارَه لِمَا يظنُّه الْحقّ إرَادَة عُلوِّ مَتْبُوعهِِ، وَ ظُهُورِ كَلمتِهِ، وأَنْ لا يُنْسَبَ إلَى الْخَطَأ، وهَذهِ دَسِيْسةٌ تَقْدَحُ فِي قَصْدِالانْتِصَارِ لِلْحَقِّ، فَافْهم هَذَا، فَإنَّه فَهْمٌ عَظِيمٌ، واللهُ يَهْدِيمَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ".
وينظر: (مِنْهَاج السُّنَّةالنَّبويَّة)(4/543-544) و(مجموع الفتاوى)(11/ 14-16)
قالَ شَيخُ الإسْلاَم ابن تَيمية كمَا في )المجموع)(35/69-70) وَسَائِرُ أَهْل السُّنَّة والْجَمَاعة وأئمَّة الدِّين لايَعْتَقدونَ عِصْمَةَ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلاَ القَرابَة ولا السَّابقين ولاغَيرهم، بلْ يَجُوزُ عنْدَهم وُقُوع الذُّنُوب منْهم، واللهُ يَغْفرُ لَهمبالتَّوبة، ويرفعُ بِهَا دَرجاتهم، ويغفرُ لَهم بِحسناتٍ ماحيَةٍ، أو بِغير ذَلك منالأسْبابِ..- ثم ذكر بعض الآيات في الباب...إلى أن قال- فأمَّا الصِّديقونوالشُّهداء والصَّالُحون فَليسوا بِمَعْصُومينَ، وهَذا في الذُّنُوبالْمُحَقَّقَةِ.
أنَّ كَثِيْراً منْ أئمَّة الدِّين قَدْ يَقُولُقَولاً مَرْجُوحاً، ويكونُ مُجْتَهِداً فيه، مَأْجُوراً عَلى اجْتِهَادهِ،مَوضُوعاً عنْهُ خَطؤهُ فيْه، وَلاَ يَكُونُ الْمُنْتَصِرُ لِمَقَالتِهِ تِلْكَبِمَنْزِلتهِ فِي هَذه الدَّرجة؛ لأنَّه قَدْ لا يَنْتَصرُ لِهَذا القَول إلاَّلِكَونِ مَتْبُوعه قَدْ قَالَهُ، بِحَيثُ إنَّه لَو قَالَهُ غَيْرُه مِنْ أئمَّةِالدِّين لَمَا قَبِلَهُ، ولا انْتَصرَ له، ولا وَالَى مَنْ وَافقه، ولا عَادى منْخالفه، وَهُو مَع هَذا يَظَنُّ أنَّهُ إنَّما انْتَصَرَ لِلْحقِّ بِمنْزلةمَتْبوعه، وليس كذلكَ، فَإنَّ مَتْبُوعه إنَّمَا كاَنَ قَصدهُ الانْتِصَارلِلْحقِّ، وَإنْ أخْطَأَ فِي اجْتِهَادهِ، وَأمَّا هَذَا التَّابعُ، فَقَدْ شَابَانْتصارَه لِمَا يظنُّه الْحقّ إرَادَة عُلوِّ مَتْبُوعهِِ، وَ ظُهُورِ كَلمتِهِ، وأَنْ لا يُنْسَبَ إلَى الْخَطَأ، وهَذهِ دَسِيْسةٌ تَقْدَحُ فِي قَصْدِالانْتِصَارِ لِلْحَقِّ، فَافْهم هَذَا، فَإنَّه فَهْمٌ عَظِيمٌ، واللهُ يَهْدِيمَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ".
وينظر: (مِنْهَاج السُّنَّةالنَّبويَّة)(4/543-544) و(مجموع الفتاوى)(11/ 14-16)
قالَ شَيخُ الإسْلاَم ابن تَيمية كمَا في )المجموع)(35/69-70) وَسَائِرُ أَهْل السُّنَّة والْجَمَاعة وأئمَّة الدِّين لايَعْتَقدونَ عِصْمَةَ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلاَ القَرابَة ولا السَّابقين ولاغَيرهم، بلْ يَجُوزُ عنْدَهم وُقُوع الذُّنُوب منْهم، واللهُ يَغْفرُ لَهمبالتَّوبة، ويرفعُ بِهَا دَرجاتهم، ويغفرُ لَهم بِحسناتٍ ماحيَةٍ، أو بِغير ذَلك منالأسْبابِ..- ثم ذكر بعض الآيات في الباب...إلى أن قال- فأمَّا الصِّديقونوالشُّهداء والصَّالُحون فَليسوا بِمَعْصُومينَ، وهَذا في الذُّنُوبالْمُحَقَّقَةِ.
وأمَّا ما اجْتَهدوا فيه: فتارةً يُصيبون، وتارةًيُخْطِئون.
فإذَا اجْتَهَدوا فأصَابوا فَلَهُمْ أَجْرَان، وإذَا اجْتَهدوا وأَخْطَئُوا فَلَهُم أجرٌ على اجْتِهَادهم، وخَطَؤُهم مَغْفُورٌلَهم.
وأَهْلُ الضَّلالَ يَجْعلونَ الْخَطَأ وَالإثْمَ مُتَلازِمَيْنِ،فَتارةً يَغْلُونَ فيهمْ؛ فَيَقولونَ:
إنهم معصومون.
وتارةً يَجْفُونعَنْهم؛ فَيقولونَ:
إنَّهم بَاغُون بالْخَطَأ.
وأهلُ العِلْمِوَالإيْمَانِ: لاَ يعْصمونَ، وَلاَ يُؤثِّمونَ ".
وقالَ الإمامُ مُحمَّدُ الأمين الشَّنيقطيُّ في (أضواءالبيان)(538 -7/533،537):" اعْلَمْ أنَّ الْمُقَلِّدينَ اغْتَرُّوا بِقَضيَّتينظنُّوهُما صَادِقَتَيْن، وَهُما بَعِيْدَتَانِ عَن الصِّدقِ..."، ثُمَّ ذَكرَالأُوْلَى- وسَتَردُ في مَحلِّها بِحولِ الله، ثُمَّ قَالَ-:" وأمَّا القضيَّةُالثَّانية؛ فَهِيَ: ظَنُّ الْمُقَلّدين أنَّ لَهُم مِثْل مَا لِلإمَامِ مِنَالعُذرِ في الْخَطأِ.
وإيْضَاحه : أنَّهم يَظنُّون أنَّ الإمامَ لَوأَخْطَأَ فِي بَعْضِ الأَحْكَام، وقلَّدوهُ فِي ذَلِكَ الْخَطَأ؛ يَكُونُ لَهُممِنَ العُذْر فِي الْخَطَأ وَالأَجْر مِثْل مَا لذلك الإمَام الَّذي قلَّدوهُ؛لأنَّهُم مُتَّبعونَ لَه، فَيَجْري عليهمْ مَا جَرَى عليهِ.
وهذَا ظَنٌّ كَاذبٌ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ ؛ لأنَّالإمَامَ الَّذي قَلَّدُوهُ بَذَل جهْدهُ في تَعلُّم كِتَاب الله وسُنَّة رَسولهِوأَقْوَال الصَّحَابة وفتَاويهم، فَقَدْ شَمَّر، ومَا قَصَّرَ فِيْمَا يَلْزَمُمِنْ تَعلُّم الوَحي والعَمَل بهِ، وَطَاعة الله علَى ضَوء الوَحْي الْمُنْزَلِ،ومَنْ كَان هَذا شأنُهُ؛ فَهُو جَديرٌ بالعُذْرِ فِي خَطئهِ وَالأجر عَلَىاجْتِهَادهِ.
وأمَّا مُقَلِّدوهُ؛ فَقَدْ تَرَكُوا النَّظَر فِيكتَاب الله وسُنَّة رَسولهِ، وَأَعْرَضُوا عَنْ تَعَلُّمها إعْرَاضاً كليَّاً، معَيُسْرهِ وَسُهُولتهِ، وَنَزَّلوا أقوالَ الرِّجَال الَّذين يُخْطِئونَوَيُصِيْبُونَ مَنْزَلةَ الوَحي الْمُنْزَلِ مِنَ اللهِ، فَأَيْنَ هَؤلاءِ مِنَالأئمَّةِ الَّذينَ قَلَّدُوهُم؟! .
وقالَ الإمامُ مُحمَّدُ الأمين الشَّنيقطيُّ في (أضواءالبيان)(538 -7/533،537):" اعْلَمْ أنَّ الْمُقَلِّدينَ اغْتَرُّوا بِقَضيَّتينظنُّوهُما صَادِقَتَيْن، وَهُما بَعِيْدَتَانِ عَن الصِّدقِ..."، ثُمَّ ذَكرَالأُوْلَى- وسَتَردُ في مَحلِّها بِحولِ الله، ثُمَّ قَالَ-:" وأمَّا القضيَّةُالثَّانية؛ فَهِيَ: ظَنُّ الْمُقَلّدين أنَّ لَهُم مِثْل مَا لِلإمَامِ مِنَالعُذرِ في الْخَطأِ.
وإيْضَاحه : أنَّهم يَظنُّون أنَّ الإمامَ لَوأَخْطَأَ فِي بَعْضِ الأَحْكَام، وقلَّدوهُ فِي ذَلِكَ الْخَطَأ؛ يَكُونُ لَهُممِنَ العُذْر فِي الْخَطَأ وَالأَجْر مِثْل مَا لذلك الإمَام الَّذي قلَّدوهُ؛لأنَّهُم مُتَّبعونَ لَه، فَيَجْري عليهمْ مَا جَرَى عليهِ.
وهذَا ظَنٌّ كَاذبٌ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ ؛ لأنَّالإمَامَ الَّذي قَلَّدُوهُ بَذَل جهْدهُ في تَعلُّم كِتَاب الله وسُنَّة رَسولهِوأَقْوَال الصَّحَابة وفتَاويهم، فَقَدْ شَمَّر، ومَا قَصَّرَ فِيْمَا يَلْزَمُمِنْ تَعلُّم الوَحي والعَمَل بهِ، وَطَاعة الله علَى ضَوء الوَحْي الْمُنْزَلِ،ومَنْ كَان هَذا شأنُهُ؛ فَهُو جَديرٌ بالعُذْرِ فِي خَطئهِ وَالأجر عَلَىاجْتِهَادهِ.
وأمَّا مُقَلِّدوهُ؛ فَقَدْ تَرَكُوا النَّظَر فِيكتَاب الله وسُنَّة رَسولهِ، وَأَعْرَضُوا عَنْ تَعَلُّمها إعْرَاضاً كليَّاً، معَيُسْرهِ وَسُهُولتهِ، وَنَزَّلوا أقوالَ الرِّجَال الَّذين يُخْطِئونَوَيُصِيْبُونَ مَنْزَلةَ الوَحي الْمُنْزَلِ مِنَ اللهِ، فَأَيْنَ هَؤلاءِ مِنَالأئمَّةِ الَّذينَ قَلَّدُوهُم؟! .
يُتبعُ بحول الله تعالى.
وكتبه
عبد الله بن عبد الرحيم البخاري