كيف تكون مفتاحا للخير لفضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تكون مفتاحا للخير
لفضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرورأنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد
معالي مدير الجامعة الإسلامية ، أيها المشايخ الأفاضل أصحاب السعادة ، أصحاب الفضيلة ، أيها الجمع الكريم السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته ، وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكتب لنا جميعا في لقاءنا هذا وأوقاتنا كلها كل خير يحبه ويرضاه جل وعلا ، وأن يفتح لنا من أبواب بره وموائد فضله وجزيل منّه وواسع عطائه فوق ما نؤمّن وأعظم مما نرجو والعطية على قدر المعطي وهو جل وعلا واسع الفضل عظيم المنّ جزيل العطاء ، عطاءه كلام ومنعه كلام فنسأله جل وعلا أن يوسع علينا من فضله وأن يكرمنا بجزيل منّه ووافرعطائه سبحانه وتعالى .
أيها الإخوة الكرام موضوع هذه المحاضرة موضوع شيّق وموضوع نافع لنا جميعا ، وحديثي أيها الإخوة عن هذا الموضوع ، وإن كنت من أكثركم تقصيرا إلا أنه باب مذاكرة وتذكيرلنفسي المقصّرة ولإخواني جميعا . في هذا الموضوع الذي تمس حاجاتنا جميعا إلى المذاكرة فيه ، والوقوف عند بعض مضامينه ؛ وأسأل الله عز وجل أن يلهمني فيما أقول الصواب ،وأن لا يكلني إلى نفسي فعلمي قليل وفهمي قاصر وأسأله جل وعلا أن يجعل ما أقوله وما نسمعه حجة لنا لا علينا إنه تبارك وتعالى سميع مجيب .
أيها الإخوة الأكارم روى ابن ماجه في سننه ، وابن أبي عاصم في السنة وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إن من الناس ناس مفاتيح للخيرمغاليق للشر، وإن من الناس ناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفتاح الخيرعلى يديه وويل لمن جعل الله مفتاح الشر على يديه " وهذا الحديث العظيم له نظائر كثيرة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد على معناه وتقررمدلوله ومضمونه منهاعلى سبيل المثال ما خرجه الترمذي رحمه الله في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال مرّالنبي صلى الله عليه وسلم على نفر جلوس فقال :" ألا أنبؤكم بخيركم من شرّكم فسكت القوم فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فقالوا بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا فقال صلى الله عليه وسلم :" خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره " ونظير أيضا هذا الحديث حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" مثل الجليس الصالح ومثل الجليس السوء .." وهو حديث مشهور يأتي ذكره في موضعه من هذه المحاضرة . معاشر الإخوة الكرام ، إن كل مسلم حريص على سعادة نفسه ، وفلاحها وفوزها في الدنيا والآخرة عندما يسمع هذا الحديث العظيم أعني حديث أنس وكذلك أشباهه من الأحاديث الدالة على مضمونه لا شك أن قلبه يتحرك شوقا وطمعا وتهتز نفسه رغبة في أن يكون من مفاتيح الخير وأن لا يكون مفتاحا للشر لا شك أن هذا المطلب لدى كل مسلم ، ما من مسلم إلا ويحب لنفسه أن يكون مفتاحا للخير ، وأن لا يكون مفتاحا للشريحب لنفسه أن يكون من أهل طوبى لا أن يكون من أهل الويل ، وهوالعقاب الشديد والنكال الأليم الذي أعده الله تبارك وتعالى لمفاتيح الشر مغاليق الخير، والنفس أيها الإخوة عندما تتوق لهذا الأمر وتطمع فيه لابد من مجاهدتها لتحقيق الأسباب وإيتيان بمقاصده وغاياته حتى يكون العبد مفتاحا للخير مغلاقا للشر فعلا ، وواقعا ،وعملا ،وتطبيقا ولا يكفي في ذلك مجرد التمني أو مجرد التحلي بل لابد من فهم لحقيقة الأمر وقيام به على التمام والكمال مع طلب العون في ذلك واللّجوء الكامل في تحقيق ذلك إلى الله سبحانه وتعالى . ثم أيها الإخوة نأتي إلى الشروع في المقصود ألا وهو كيف تكون مفتاحا للخير؟ الحديث عن هذا السؤال الكبير العظيم المهم الذي نحتاج إليه جميعا يكون في نقاط عديدة لعلها تجمع أطرافه أو مهماته وربما نبدأ ببعض الأمور لكن ما سأسيرإليه من نقاط عديدة في هذا الباب هي أبرز ما يكون في هذا الموضوع العظيم ألا وهو كيف تكون مفتاحا للخير وسأعرضها في نقاط مرتبة واحدة تلو الأخرى .
الأولى : أيها الإخوة أن نعلم وكلنا نعلم ذلك أن الفتّاح هو الله سبحانه وتعالى وهو جلّ وعلاّ خير الفاتحين والفتّاح اسم من اسمائه جلّ وعلا ويجب على كل مسلم آمن بالله عز وجل وآمن بأسمائه الحسنى ومنها اسمه تبارك وتعالى الفتّاح أن يحسن التقرب إلى الله تبارك وتعالى والتعبد له بأسمائه عملا بقوله (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) ودعائه تبارك وتعالى بأسمائه الذي أمرنا به يتناول دعاء العبادة ودعاء المسألة ، يتناول دعاء العبادة بفهم الإسم ومعرفة مضمونه واثبات الصفة التي دل عليها الاسم ومن ثم تحقيق التعبد والتقرب إلى الله تبارك وتعالى لما يوجبه ويقتضيه الإيمان بالاسم ، واسم الله تبارك وتعالى الفتّاح هذا الإسم العظيم قد ورد في القرآن العظيم في موضعين الأول قول الله سبحانه وتعالى في ذكر دعاء شعيب عليه السلام : (( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )) والموضع الثاني في قوله تبارك وتعالى (( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو خير الفاتحين )) واسمه جلّ وعلا الفتاح يدل على ثبوت صفة الفتح له جلّ وعلا وهذه الصفة العظيمة تتناول معالم ذكرها أهل العلم هي مدلول هذا الاسم ألا وهي تبارك وتعالى فتحه بين عباده بشرعه وفتحه جلّ وعلا بين عباده بجزاءه وفتحه تبارك وتعالى بين عباده بأحكامه القدرية قال تعالى :(( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم )) فهو تبارك وتعالى الفتّاح ولهذا الخطوة الأولى في هذا الباب أن يلجأ من أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير إلى الفتّاح سبحانه وإلى خير الفاتحين جلّ وعلا متوسلا إليه متدللا بين يديه طامعا في نواله جلّ وعلا صادقا معه سبحانه والله عز وجل لا يخيب عبدا ناداه ولا يرد مؤمنا أمل فيما عنده ورجاه جل وعلا فهذه الخطوة الأولى الفتح كله من الله جل وعلا فتحه عليك بالعلم النافع فتحه عليك بالعمل الصالح فتحه عليك بالأخلاق الفاضلة كما قال بعض السلف قال : إن هذه الأخلاق وهائب وإن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبده وهبه إياها والله عز وجل قسم بين العباد الأخلاق ، والأرزاق والأعمال والأعمار وكل شيء منه جلّ وعلا ولهذا يكون الأمر الأول في هذا الباب اللّجوء الكامل إلى الله عز وجل لا يمكن أن تنال علما أو تكسب فهما أو تحقق خلقا أو تقوم بعبادة أو غير ذلك من الأمور إلا إذا فتح الله لك . وكم هو جميل هنا كلمة قالها مطرّز ابن عبد الله ابن الشخير من العلماء التابعين رحمه الله تعالى قال كلمة عجيبة قال : لو أخرج قلبي وجُعل في يساري وجيء بالخيرات كلها وجُعلت في يميني لم أستطع أن أجعل شيئا من هذه الخيرات في قلبي إلا أن يكون الله الذي يضعها . فالأمر بيد الله تبارك وتعالى من قبل ومن بعد ولهذا أحيانا يسمع الإنسان مواعظ ،وأشياء نافعة جدا له في دينه ودنياه ويسمع من أبواب الخير وأبواب البر وأبواب الفلاح ولكن نفسه تجنح وتجمح ويقل منه العمل والعطاء والتوفيق بيد الله لا حول ولا قوة إلا به جلّ وعلا .
النقطة الثانية أيها الإخوة : أن نعلم أن أعظم مفاتيح الخير وأجلّها على الإطلاق توحيد الله جلّ وعلا وإخلاص الدين له سبحانه وتعالى والتوحيد هو مفتاح كل خير وهو مفتاح الجنة وقد جاء في حديث راوه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" مفتاح الجنة لا إله إلا الله " وهذا الحديث في سنده مقال لكن معناه حق صحيح لا ريب فيه وله شواهد كثيرة ودلائل عديدة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا أطيل بذكرها لكن من أوضحها ما خرجه البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما من عبد يتوضأ فيبلغ الوضوء أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " فالتوحيد مفتاح الجنة ومن لم يأتي بهذا المفتاح الذي هو التوحيد لا يدخل الجنة ولهذا قال الله سبحانه وتعالى عن الكفار : (( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط )) الجنة لا يمكن دخولها إلا بالتوحيد وقد قال عليه الصلاة والسلام :" لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة " ، ولا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وهي مفتاح الجنة كما تقدم لكن هذا المفتاح لا يتحقق عمله ولا يتحقق دخول العبد الجنة به إلا إذا حقق شروط هذه الكلمة ولهذا ذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه الصحيح عن وهب بن منبه وهو من العلماء التابعين أنه سئل ، قيل له أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح . مشيرا بذلك إلى شروط لا إله إلا الله التي لا ينتفع بلا إله إلا الله إلا إذا حققت وأتي بها كما جاءت في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهي شروط سبعة ذكرها أهل العلم وبسطوا أدلتها في كتب التوحيد لا أطيل بشرحها لكنها : العلم بمعناها نفيا وإثباتا المنافي للجهل ، واليقين المنافي للشك والريب ، والصدق المنافي للكذب ، والإخلاص المنافي للشرك والرياء ، والمحبة المنافية للبغض والكره ، والإنقياد المنفي للترك ، والقبول المنافي للرد علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وإنقياد وقبول لها والشيخ العلامة حافظ الحكمي رحمه الله في منظومته المستطابة سلم الوصول جمع هذه الشروط في أبيات جميلة وشرحها شرحا وافيا قال رحمه الله : وبشروط سبعة قد قيدت وفي نصوص الوحي حقا وردت فإنه لا ينتفع قائلها بالنطق إلا حيث يستكملها العلم واليقين والقبول والإنقياد فادري ما أقول والصدق والإخلاص والمحبة وفقك الله لما أحبه . فإذا هذه الكلمة العظيمة كلمة التوحيد التي هي مفتاح الجنة يجب على من أراد أن يكون مفتاحا للخير على نفسه وعلى الآخرين أن يحقق التوحيد لله .وأن يحقق الإخلاص لله جل وعلا وأن يكون مبتغيا في عمله وطاعاته وقرباته كلها وجه الله عزّوجل يتقرب إلى الله بعبادته ويتقرب إلى الله عزّوجل بالإحسان إلى الناس وطيب المعاملة لهم :(( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا )) يعمل الأعمال ويأتي بها لا يريد بها إلا نيل ثواب الله عزّ وجل وطلب موعوده العظيم الذي أعده الله تبارك وتعالى لعباده المخلصين هذا الأمر الثاني من الأمور .
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تكون مفتاحا للخير
لفضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر حفظه الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرورأنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد
معالي مدير الجامعة الإسلامية ، أيها المشايخ الأفاضل أصحاب السعادة ، أصحاب الفضيلة ، أيها الجمع الكريم السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته ، وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يكتب لنا جميعا في لقاءنا هذا وأوقاتنا كلها كل خير يحبه ويرضاه جل وعلا ، وأن يفتح لنا من أبواب بره وموائد فضله وجزيل منّه وواسع عطائه فوق ما نؤمّن وأعظم مما نرجو والعطية على قدر المعطي وهو جل وعلا واسع الفضل عظيم المنّ جزيل العطاء ، عطاءه كلام ومنعه كلام فنسأله جل وعلا أن يوسع علينا من فضله وأن يكرمنا بجزيل منّه ووافرعطائه سبحانه وتعالى .
أيها الإخوة الكرام موضوع هذه المحاضرة موضوع شيّق وموضوع نافع لنا جميعا ، وحديثي أيها الإخوة عن هذا الموضوع ، وإن كنت من أكثركم تقصيرا إلا أنه باب مذاكرة وتذكيرلنفسي المقصّرة ولإخواني جميعا . في هذا الموضوع الذي تمس حاجاتنا جميعا إلى المذاكرة فيه ، والوقوف عند بعض مضامينه ؛ وأسأل الله عز وجل أن يلهمني فيما أقول الصواب ،وأن لا يكلني إلى نفسي فعلمي قليل وفهمي قاصر وأسأله جل وعلا أن يجعل ما أقوله وما نسمعه حجة لنا لا علينا إنه تبارك وتعالى سميع مجيب .
أيها الإخوة الأكارم روى ابن ماجه في سننه ، وابن أبي عاصم في السنة وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" إن من الناس ناس مفاتيح للخيرمغاليق للشر، وإن من الناس ناس مفاتيح للشر مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفتاح الخيرعلى يديه وويل لمن جعل الله مفتاح الشر على يديه " وهذا الحديث العظيم له نظائر كثيرة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم تؤكد على معناه وتقررمدلوله ومضمونه منهاعلى سبيل المثال ما خرجه الترمذي رحمه الله في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال مرّالنبي صلى الله عليه وسلم على نفر جلوس فقال :" ألا أنبؤكم بخيركم من شرّكم فسكت القوم فأعادها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فقالوا بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا فقال صلى الله عليه وسلم :" خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره " ونظير أيضا هذا الحديث حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" مثل الجليس الصالح ومثل الجليس السوء .." وهو حديث مشهور يأتي ذكره في موضعه من هذه المحاضرة . معاشر الإخوة الكرام ، إن كل مسلم حريص على سعادة نفسه ، وفلاحها وفوزها في الدنيا والآخرة عندما يسمع هذا الحديث العظيم أعني حديث أنس وكذلك أشباهه من الأحاديث الدالة على مضمونه لا شك أن قلبه يتحرك شوقا وطمعا وتهتز نفسه رغبة في أن يكون من مفاتيح الخير وأن لا يكون مفتاحا للشر لا شك أن هذا المطلب لدى كل مسلم ، ما من مسلم إلا ويحب لنفسه أن يكون مفتاحا للخير ، وأن لا يكون مفتاحا للشريحب لنفسه أن يكون من أهل طوبى لا أن يكون من أهل الويل ، وهوالعقاب الشديد والنكال الأليم الذي أعده الله تبارك وتعالى لمفاتيح الشر مغاليق الخير، والنفس أيها الإخوة عندما تتوق لهذا الأمر وتطمع فيه لابد من مجاهدتها لتحقيق الأسباب وإيتيان بمقاصده وغاياته حتى يكون العبد مفتاحا للخير مغلاقا للشر فعلا ، وواقعا ،وعملا ،وتطبيقا ولا يكفي في ذلك مجرد التمني أو مجرد التحلي بل لابد من فهم لحقيقة الأمر وقيام به على التمام والكمال مع طلب العون في ذلك واللّجوء الكامل في تحقيق ذلك إلى الله سبحانه وتعالى . ثم أيها الإخوة نأتي إلى الشروع في المقصود ألا وهو كيف تكون مفتاحا للخير؟ الحديث عن هذا السؤال الكبير العظيم المهم الذي نحتاج إليه جميعا يكون في نقاط عديدة لعلها تجمع أطرافه أو مهماته وربما نبدأ ببعض الأمور لكن ما سأسيرإليه من نقاط عديدة في هذا الباب هي أبرز ما يكون في هذا الموضوع العظيم ألا وهو كيف تكون مفتاحا للخير وسأعرضها في نقاط مرتبة واحدة تلو الأخرى .
الأولى : أيها الإخوة أن نعلم وكلنا نعلم ذلك أن الفتّاح هو الله سبحانه وتعالى وهو جلّ وعلاّ خير الفاتحين والفتّاح اسم من اسمائه جلّ وعلا ويجب على كل مسلم آمن بالله عز وجل وآمن بأسمائه الحسنى ومنها اسمه تبارك وتعالى الفتّاح أن يحسن التقرب إلى الله تبارك وتعالى والتعبد له بأسمائه عملا بقوله (( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها )) ودعائه تبارك وتعالى بأسمائه الذي أمرنا به يتناول دعاء العبادة ودعاء المسألة ، يتناول دعاء العبادة بفهم الإسم ومعرفة مضمونه واثبات الصفة التي دل عليها الاسم ومن ثم تحقيق التعبد والتقرب إلى الله تبارك وتعالى لما يوجبه ويقتضيه الإيمان بالاسم ، واسم الله تبارك وتعالى الفتّاح هذا الإسم العظيم قد ورد في القرآن العظيم في موضعين الأول قول الله سبحانه وتعالى في ذكر دعاء شعيب عليه السلام : (( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين )) والموضع الثاني في قوله تبارك وتعالى (( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو خير الفاتحين )) واسمه جلّ وعلا الفتاح يدل على ثبوت صفة الفتح له جلّ وعلا وهذه الصفة العظيمة تتناول معالم ذكرها أهل العلم هي مدلول هذا الاسم ألا وهي تبارك وتعالى فتحه بين عباده بشرعه وفتحه جلّ وعلا بين عباده بجزاءه وفتحه تبارك وتعالى بين عباده بأحكامه القدرية قال تعالى :(( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم )) فهو تبارك وتعالى الفتّاح ولهذا الخطوة الأولى في هذا الباب أن يلجأ من أراد لنفسه أن يكون مفتاحا للخير إلى الفتّاح سبحانه وإلى خير الفاتحين جلّ وعلا متوسلا إليه متدللا بين يديه طامعا في نواله جلّ وعلا صادقا معه سبحانه والله عز وجل لا يخيب عبدا ناداه ولا يرد مؤمنا أمل فيما عنده ورجاه جل وعلا فهذه الخطوة الأولى الفتح كله من الله جل وعلا فتحه عليك بالعلم النافع فتحه عليك بالعمل الصالح فتحه عليك بالأخلاق الفاضلة كما قال بعض السلف قال : إن هذه الأخلاق وهائب وإن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبده وهبه إياها والله عز وجل قسم بين العباد الأخلاق ، والأرزاق والأعمال والأعمار وكل شيء منه جلّ وعلا ولهذا يكون الأمر الأول في هذا الباب اللّجوء الكامل إلى الله عز وجل لا يمكن أن تنال علما أو تكسب فهما أو تحقق خلقا أو تقوم بعبادة أو غير ذلك من الأمور إلا إذا فتح الله لك . وكم هو جميل هنا كلمة قالها مطرّز ابن عبد الله ابن الشخير من العلماء التابعين رحمه الله تعالى قال كلمة عجيبة قال : لو أخرج قلبي وجُعل في يساري وجيء بالخيرات كلها وجُعلت في يميني لم أستطع أن أجعل شيئا من هذه الخيرات في قلبي إلا أن يكون الله الذي يضعها . فالأمر بيد الله تبارك وتعالى من قبل ومن بعد ولهذا أحيانا يسمع الإنسان مواعظ ،وأشياء نافعة جدا له في دينه ودنياه ويسمع من أبواب الخير وأبواب البر وأبواب الفلاح ولكن نفسه تجنح وتجمح ويقل منه العمل والعطاء والتوفيق بيد الله لا حول ولا قوة إلا به جلّ وعلا .
النقطة الثانية أيها الإخوة : أن نعلم أن أعظم مفاتيح الخير وأجلّها على الإطلاق توحيد الله جلّ وعلا وإخلاص الدين له سبحانه وتعالى والتوحيد هو مفتاح كل خير وهو مفتاح الجنة وقد جاء في حديث راوه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" مفتاح الجنة لا إله إلا الله " وهذا الحديث في سنده مقال لكن معناه حق صحيح لا ريب فيه وله شواهد كثيرة ودلائل عديدة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا أطيل بذكرها لكن من أوضحها ما خرجه البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" ما من عبد يتوضأ فيبلغ الوضوء أو فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء " فالتوحيد مفتاح الجنة ومن لم يأتي بهذا المفتاح الذي هو التوحيد لا يدخل الجنة ولهذا قال الله سبحانه وتعالى عن الكفار : (( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط )) الجنة لا يمكن دخولها إلا بالتوحيد وقد قال عليه الصلاة والسلام :" لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة " ، ولا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وهي مفتاح الجنة كما تقدم لكن هذا المفتاح لا يتحقق عمله ولا يتحقق دخول العبد الجنة به إلا إذا حقق شروط هذه الكلمة ولهذا ذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه الصحيح عن وهب بن منبه وهو من العلماء التابعين أنه سئل ، قيل له أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح . مشيرا بذلك إلى شروط لا إله إلا الله التي لا ينتفع بلا إله إلا الله إلا إذا حققت وأتي بها كما جاءت في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهي شروط سبعة ذكرها أهل العلم وبسطوا أدلتها في كتب التوحيد لا أطيل بشرحها لكنها : العلم بمعناها نفيا وإثباتا المنافي للجهل ، واليقين المنافي للشك والريب ، والصدق المنافي للكذب ، والإخلاص المنافي للشرك والرياء ، والمحبة المنافية للبغض والكره ، والإنقياد المنفي للترك ، والقبول المنافي للرد علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وإنقياد وقبول لها والشيخ العلامة حافظ الحكمي رحمه الله في منظومته المستطابة سلم الوصول جمع هذه الشروط في أبيات جميلة وشرحها شرحا وافيا قال رحمه الله : وبشروط سبعة قد قيدت وفي نصوص الوحي حقا وردت فإنه لا ينتفع قائلها بالنطق إلا حيث يستكملها العلم واليقين والقبول والإنقياد فادري ما أقول والصدق والإخلاص والمحبة وفقك الله لما أحبه . فإذا هذه الكلمة العظيمة كلمة التوحيد التي هي مفتاح الجنة يجب على من أراد أن يكون مفتاحا للخير على نفسه وعلى الآخرين أن يحقق التوحيد لله .وأن يحقق الإخلاص لله جل وعلا وأن يكون مبتغيا في عمله وطاعاته وقرباته كلها وجه الله عزّوجل يتقرب إلى الله بعبادته ويتقرب إلى الله عزّوجل بالإحسان إلى الناس وطيب المعاملة لهم :(( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا )) يعمل الأعمال ويأتي بها لا يريد بها إلا نيل ثواب الله عزّ وجل وطلب موعوده العظيم الذي أعده الله تبارك وتعالى لعباده المخلصين هذا الأمر الثاني من الأمور .
تعليق