السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد ،،
إخوتي وأحبتي في الله يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إنَّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت " هذا الحديث فيه بيانٌ لأهمية الحياء من الله - سبحانه وتعالى - والحياء من الله جل وعلا يتمثل في عدم مبارزته بالمعاصي وفي عدم التهاون في الطاعات .
هذه حقيقة الحياء من الله ولذلك فإنَّ حقيقة الحياء هي أن تستحي من الله جل وعلا وذلك بأن تفعل ما أوجب الله عليك وأن تجتنب كل ما نهاك الله عنه ، تتَّبع الأوامر وتمتثل الأوامر وتجتنب الزواجر والنواهي وتكون دائماً مراقباً لربك في السرّاء والضرّاء ، والمَنشط والمكره ، والعسر واليسر ، فهذه حقيقة الحياء من الله - سبحانه وتعالى - ولذلك فإن الذي لا يستحي من الله يفعل كل ما يخطر بباله أو توسوس به نفسه أو يمليه عليه قرينه وشيطانه ، إذا لم يكن حيياً من الله جل وعلا فإنه لا يُبالي بما يفعل ولا بما يترك ، ينهمك في المعاصي ويقصِّر في الطاعات ويلعب عليه الشيطان ويسوِّل له ويسوِّف له ، إلى أن يفارق هذه الدنيا وهو على غير هُدى والعياذ بالله .
أما المسلم الحق فهو الذي إذا وسوس له الشيطان وراودته نفسه الأمارة بالسّوء على فعل أمرٍ منكر تذكّر أنَّ الله - عز وجل - الذي يراك حين تقوم وتقلّبك في الساجدين مُطّلع على حركاتك وسكناتك وبالتالي سيجازيك عليها إن خيراً فخيرا وإن شراً فشرا ،
ولهذا فإنّ أعلى مراتب الدين هو الإحسان : الإحسان : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، تؤدي العبادة أداء من يعلم أن الله لا تخفى عليه خافية ، تؤديها مبتغياً بها وجه الله - سبحانه وتعالى - ، تؤديها وأنت تقصد وجه الله (( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة )) ومن يعبد الله كأنه يراه يحقق أعلى درجات ومراتب الدين ألا وهي الإحسان لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر مراتب الدين في حديث مجيء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرره فيما يجيب ، فسأله عن الإسلام فقال :" أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت . قال صدقت . ثم سأله عن الإيمان : قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى . قال صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان : قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
وجعل هذا خاتمة هذه المراتب لأنها أعلى درجات الدين وأعلى مراتب الدين وهي الإحسان .
وقد قسَّم الله المؤمنين في سورة فاطر على هذا المنوال فقال جل وعلا (( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ))
فحقيقة الإحسان يا عبد الله أن تراقب الله في السرِّ والعلن ومراقبة الله تبارك وتعالى تقتضي منك أن تحاسب نفسك في الكلام وفي الفكر وفي العقيدة وفي غُدوِّك ورواحك وفي جميع شؤونك ، تحاسبها ما دمت في دار الحساب كما يقول عمر رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا لليوم الذي تعرضون فيه على الله - سبحانه وتعالى - إذ أنَّ اليوم عملٌ ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل .
فانتبه يا عبد الله " يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "
فهلاّ انتبهت لهذا أخي عبد الله ؟؟
أم أنه جاءك المسوِّف الذي يريد أن يجعلك تخرج من هذه الدنيا بِخُفَّيّ حُنَيْن ولم تقدم لآخرتك شيئا ، أنظر تأمل الآية (( إنا أنذرناكم عذاباً قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا )) عندما يقول للحيوانات بعد أن يقتص لبعضها من بعض ثم يقول لها كوني ترابا ، يحزن ذلك المقصر في جنب الله فيقول : يا ليتني كنت ترابا ، قبل أن تجب عليَّ الأعمال .
لذلك فإن مراقبة الله جل وعلا أهمُّ عملٍ وأهم أمرٍ ينبغي للمسلم أن يتنبَّه له ثم إن مراقبتك لله سوف تجني ثمارها عاجلاً أم آجلاً بل ربما إحتجت إليها في مقامك العاجل فما بالك بالآجل وهو الأجل العظيم عند الله - سبحانه وتعالى -
فقد روى عبد الله ابن عمر في الصحيحين أنَّه قال : " إنطلق ثلاثة نفر فيمن كان قبلكم - فآواهم المبيت إلى غار فلما دخلوه إنطلقت صخرة فسدَّت عليهم باب ذلك الغار ، إنحدرت صخرة فسدت عليهم باب الغار ،
فماذا يفعلون والحال هذه ؟؟
يستغيثون بفلان وعلاّن ؟؟
يلجئون إلى الموتى في قبورهم ؟؟
هاه يا عبد الله ؟؟
يقولون : سيدي فلان أغثني يا سيدي فلان ؟؟!!
يمدّون أيديهم إلى الموتى في قبورهم أو إلى الأحياء ؟؟!! كل ذلك لا يجدي نفعاً ، حتى لو كان الذي مُدت إليه اليد نبياً من الأنبياء أو ملكاً من الملائكة فإنهم لا ينفعون عند الله - عز وجل - بهذه الطريقة (( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ))(( ما من شفيع عنده إلا بإذنه ))
فانتبه ! ماذا يفعل هؤلاء ؟؟
لكنهم رجال صالحون، ما كانوا متعلقين بفلان ولا علان ، قال بعضهم لبعض : أدعوا الله بصالح أعمالكم ،
ما قالوا : مدد يا فلان ولا شلِلَّه يا فلان ولا أغثني يا فلان !! لأنهم يعلمون أنه لا ملجأ من الله إلا إليه .
فقام الأول وتذكر وقال : اللهم إنه كان لي والدان كبيران شيخان - يعني أبوه وأمه - ولا أقدِّم عليهما أحدا من مالٍ أو ولد ، فتأخرت ذات ليلة أتتبَّع الشجر والكلأ - يعني لدوابه ومواشيه - فجئت لأغبِقهما والغَبوق : هو شرب اللبن ليلاً ، والصَّبوح : شرب اللبن صباحاً - قال : فجئت لأغبقهما أي ليسقيهما اللبن فوجدتهما قد ناما - وجد أمه وأباه قد ناما ،
يقول الرجل : فوقفت بالإناء على رأسيهما والصبية يتضاغَون تحتي - يبكون ، يريدون الحليب لكنه لا يريد أن يقدم أحداً على والديه ،
ليس مثل بعضنا الآن يترك والديه من أجل خاطر امرأته ، أو يرميهما في دار الرعاية من أجل خاطر امرأته حتى لا تغضب عليه المدا م !! كما يسمونها ، حتى اللغة غيَّروها !! لا يعرفون اللغة العربية ،
طول الحج ما نسمع إلا جئت أنا والمدام ، سويت أنا والمدام ، فعلت أنا والمدام ، ذهبت أنا والمدام !! طيب يا أخي لماذا هذه اللغة الفرنسية ؟؟ مدري أي لغة أخرى ؟؟
ينبغي للمسلم أن لا يلجأ إلى هذه اللغات إلا عند الحاجة والضرورة عندما لا يجد بديلاً عنها أما تأتي تقول : المدام و ميسيز ومدري إيش ومستر وكلام فارغ لتظهر للناس أنك تعرف اللغة كي يقولوا أوووووووووه فلان ما شاء الله !! ليتك حفظت بدلاً من هذا كتاب الله - عز وجل - أو آياتٍ من كتاب الله ، أنا لا أحرِّم تعلم اللغة ، لا ، هذا من العلم المطلوب لكن أقصد أن لا نتحدث به من غير حاجة - فانظر إلى موقف الرجل أولاده يبكون طول الليل وهو واقف بالإناء حتى يفيق أبواه !! الله أكبر ، سبحان الله !! .
حدثني أحدهم أن ولده كان يقول له : يا بوي إذا جاء زملائي لا تجلس هنا حتى لا يروك وأنت رجل مسن ورجل قرف !!
يعني ما يريد الخنافس والجعول - هم خنافس وجعول تجدهم ، تعرفون الجعول ؟؟ جمع جعل .
إنَّ طيب الورد مؤذٍ للجعل .
فتجد هذا خنفس وهذا خُنفس وهذا خنفس ولا يريد أن يرى هؤلاء الخنافس أباه ذا اللحية الطويلة والشيبة والمستقيم على طاعة الله حتى لا يضحكوا عليه !! يقولك إيش تبغى بهذا العاجز هذا القرف ذا !!
فانظر إلى أي حالٍ وصل الأمر !!
ولكن كما تدين تدان ، ما تفعله في آبائك سوف يفعله بك أبناؤك غداً . إن رميتهم سوف يرمونك ، إن أدخلتهم دار الرعاية سوف يدخلونك دار الرعاية ، هذا إن سلمت من ضربهم ومن عقوقهم الذي هو أكبر .
يقول الرجل : فوقفت على رأسَيهما والصبية يتضاغون تحتي حتى أفاقا عند الصباح فشربا . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه ، فانفرج قليل من الصخرة لكنه لا يتسع لخروجهم ، أنظر نتيجة الإخلاص ، نتيجة الإخلاص لله - عز وجل -
ثم قام الآخر وقال : يا رب إنه كانت لي إبنة عم وكنت أحبها كأكثر ما يحب الرجال النساء ، فراودتها عن نفسها فامتنعت ثم إنها ألمَّت بها فاقة - يعني أصابتها حاجة وأعوزت - فجاءت إليَّ تطلب العون والمساعدة فقلت حتى تُخلي بيني وبين نفسك ففعلت وأعطيتها مئة وعشرين ديناراً أو درهماً ،
يقول الرجل : فلما جلست منها مجلس الرجل من امرأته وفي رواية صحيحة فلما قعدت بين رجليها - أنظر خوف الله - عز وجل - ماذا يفعل بأصحابه ؟؟ أنظر ، أنظر !! من يراهم ؟؟ هاه ؟؟ الله وحده ، لا يراهم إلا الله ، قالت هذه المؤمنة : إتقَّ الله ، إتقَ الله ولا تفضَّ هذا الخاتم إلا بحقه ، سبحان الله !! حقه يعني الزواج ، يقول : فقمت . قام خوفاً من الله ، هنا أن تعبد الله كأنك تراه ، يقول : فقمت وتركت لها الدنانير وخليتها . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه ، طبعاً هو تركها خوفاً من الله ، لم يتركها لأنه رآى فلاناً أقبل عليه !! وإنما عندما ذكَّرته بالله تذكر (( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا إذا هم مبصرون )) ثم انفرجت الصخرة لكن ما زالت لا تتسع لهم .
ثم قام الثالث - والحديث في الصحيحين كما سمعنا - فقال اللهم إنه كان لي أُجَراء - يعني عمال يعملون عنده - فأعطيت كل واحد منهم حقه إلا واحداً منهم ذهب ولم يرجع ليأخذ حقه ، يقول : فثمَّرت له ماله ، نمَّيته له حتى أصبح له وادٍ من الإبل ووادٍ من البقر ووادٍ من الذهب والفضة ومن الرقيق يقول : فجاءني ذات يومٍ وقال : أي عبد الله أعطني حقي - أجره الذي قبل سنين - يقول : فقلت هذا الذي ترى أمامك كله حقك . فقال : أتهزئ بي ؟؟!
قال : لا والله ما هزئت بك ولكنه حقك ثمَّرته لك ، يقول : فاستاقه ولم يترك منه شيئا ، نسي من الفرح أن يعطي حتى هذا الرجل الذي ثمَّر له ماله .
يقول : اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ، هذه الأمانة ، وهذا من التوسل بالأعمال الصالحة التي أخلص فيها العبد لربه ،
توسل الأول : ببر والديه وهو عمل صالح ، وتوسل الثاني بعفته وتركه المعصية وهو عمل صالح ، وتوسل الثالث بأمانته وصدقه وهو عمل صالح ، فأنجاهم الله - عز وجل -
وهكذا
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ، ولا يذهب العرف بين الله والناس .
فانظر كيف فرَّج الله عنهم بسبب هذا العمل الجليل الذي قاموا به ،
فعلينا أن نسلك هذه السبل وأن نراقب الله - عز وجل - ما دُمنا في دار المراقبة قبل أن نعجز عن ذلك فإن هذا هو طريق الخلاص وطريق النجاة وطريق النجاح وطريق الفوز لمن أراد الفوز ، فَقَمِنٌ بنا أن ننظر مثل هذه الأحوال حتى نقلد أهلها ونتشبه بهم ، فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ، إنَّ التشبه بالكرام فلاحُ . بخلاف الذين يتشبهون بالكفار أو بالمبتدعة فإنهم في شر حالٍ و " من تشبه بقومٍ فهو منهم "
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقني وإياكم لما فيه رضاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قامت بتفريغ المادة الصوتية الاخت ام عبد الرحمان وعبد الله جزاها الله خيرا
رابط المادة الصوتية http://www.alsoheemy.net/play.php?catsmktba=1879
الحياء من الله
( الحياء من الله ) محاضرة لفضيلة الشيخ صالح السحيمي حفظه اللهإن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد ،،
إخوتي وأحبتي في الله يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" إنَّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت " هذا الحديث فيه بيانٌ لأهمية الحياء من الله - سبحانه وتعالى - والحياء من الله جل وعلا يتمثل في عدم مبارزته بالمعاصي وفي عدم التهاون في الطاعات .
هذه حقيقة الحياء من الله ولذلك فإنَّ حقيقة الحياء هي أن تستحي من الله جل وعلا وذلك بأن تفعل ما أوجب الله عليك وأن تجتنب كل ما نهاك الله عنه ، تتَّبع الأوامر وتمتثل الأوامر وتجتنب الزواجر والنواهي وتكون دائماً مراقباً لربك في السرّاء والضرّاء ، والمَنشط والمكره ، والعسر واليسر ، فهذه حقيقة الحياء من الله - سبحانه وتعالى - ولذلك فإن الذي لا يستحي من الله يفعل كل ما يخطر بباله أو توسوس به نفسه أو يمليه عليه قرينه وشيطانه ، إذا لم يكن حيياً من الله جل وعلا فإنه لا يُبالي بما يفعل ولا بما يترك ، ينهمك في المعاصي ويقصِّر في الطاعات ويلعب عليه الشيطان ويسوِّل له ويسوِّف له ، إلى أن يفارق هذه الدنيا وهو على غير هُدى والعياذ بالله .
أما المسلم الحق فهو الذي إذا وسوس له الشيطان وراودته نفسه الأمارة بالسّوء على فعل أمرٍ منكر تذكّر أنَّ الله - عز وجل - الذي يراك حين تقوم وتقلّبك في الساجدين مُطّلع على حركاتك وسكناتك وبالتالي سيجازيك عليها إن خيراً فخيرا وإن شراً فشرا ،
ولهذا فإنّ أعلى مراتب الدين هو الإحسان : الإحسان : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، تؤدي العبادة أداء من يعلم أن الله لا تخفى عليه خافية ، تؤديها مبتغياً بها وجه الله - سبحانه وتعالى - ، تؤديها وأنت تقصد وجه الله (( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة )) ومن يعبد الله كأنه يراه يحقق أعلى درجات ومراتب الدين ألا وهي الإحسان لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر مراتب الدين في حديث مجيء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرره فيما يجيب ، فسأله عن الإسلام فقال :" أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت . قال صدقت . ثم سأله عن الإيمان : قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى . قال صدقت . قال : فأخبرني عن الإحسان : قال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".
وجعل هذا خاتمة هذه المراتب لأنها أعلى درجات الدين وأعلى مراتب الدين وهي الإحسان .
وقد قسَّم الله المؤمنين في سورة فاطر على هذا المنوال فقال جل وعلا (( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ))
فحقيقة الإحسان يا عبد الله أن تراقب الله في السرِّ والعلن ومراقبة الله تبارك وتعالى تقتضي منك أن تحاسب نفسك في الكلام وفي الفكر وفي العقيدة وفي غُدوِّك ورواحك وفي جميع شؤونك ، تحاسبها ما دمت في دار الحساب كما يقول عمر رضي الله عنه : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا لليوم الذي تعرضون فيه على الله - سبحانه وتعالى - إذ أنَّ اليوم عملٌ ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل .
فانتبه يا عبد الله " يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "
فهلاّ انتبهت لهذا أخي عبد الله ؟؟
أم أنه جاءك المسوِّف الذي يريد أن يجعلك تخرج من هذه الدنيا بِخُفَّيّ حُنَيْن ولم تقدم لآخرتك شيئا ، أنظر تأمل الآية (( إنا أنذرناكم عذاباً قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا )) عندما يقول للحيوانات بعد أن يقتص لبعضها من بعض ثم يقول لها كوني ترابا ، يحزن ذلك المقصر في جنب الله فيقول : يا ليتني كنت ترابا ، قبل أن تجب عليَّ الأعمال .
لذلك فإن مراقبة الله جل وعلا أهمُّ عملٍ وأهم أمرٍ ينبغي للمسلم أن يتنبَّه له ثم إن مراقبتك لله سوف تجني ثمارها عاجلاً أم آجلاً بل ربما إحتجت إليها في مقامك العاجل فما بالك بالآجل وهو الأجل العظيم عند الله - سبحانه وتعالى -
فقد روى عبد الله ابن عمر في الصحيحين أنَّه قال : " إنطلق ثلاثة نفر فيمن كان قبلكم - فآواهم المبيت إلى غار فلما دخلوه إنطلقت صخرة فسدَّت عليهم باب ذلك الغار ، إنحدرت صخرة فسدت عليهم باب الغار ،
فماذا يفعلون والحال هذه ؟؟
يستغيثون بفلان وعلاّن ؟؟
يلجئون إلى الموتى في قبورهم ؟؟
هاه يا عبد الله ؟؟
يقولون : سيدي فلان أغثني يا سيدي فلان ؟؟!!
يمدّون أيديهم إلى الموتى في قبورهم أو إلى الأحياء ؟؟!! كل ذلك لا يجدي نفعاً ، حتى لو كان الذي مُدت إليه اليد نبياً من الأنبياء أو ملكاً من الملائكة فإنهم لا ينفعون عند الله - عز وجل - بهذه الطريقة (( وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ))(( ما من شفيع عنده إلا بإذنه ))
فانتبه ! ماذا يفعل هؤلاء ؟؟
لكنهم رجال صالحون، ما كانوا متعلقين بفلان ولا علان ، قال بعضهم لبعض : أدعوا الله بصالح أعمالكم ،
ما قالوا : مدد يا فلان ولا شلِلَّه يا فلان ولا أغثني يا فلان !! لأنهم يعلمون أنه لا ملجأ من الله إلا إليه .
فقام الأول وتذكر وقال : اللهم إنه كان لي والدان كبيران شيخان - يعني أبوه وأمه - ولا أقدِّم عليهما أحدا من مالٍ أو ولد ، فتأخرت ذات ليلة أتتبَّع الشجر والكلأ - يعني لدوابه ومواشيه - فجئت لأغبِقهما والغَبوق : هو شرب اللبن ليلاً ، والصَّبوح : شرب اللبن صباحاً - قال : فجئت لأغبقهما أي ليسقيهما اللبن فوجدتهما قد ناما - وجد أمه وأباه قد ناما ،
يقول الرجل : فوقفت بالإناء على رأسيهما والصبية يتضاغَون تحتي - يبكون ، يريدون الحليب لكنه لا يريد أن يقدم أحداً على والديه ،
ليس مثل بعضنا الآن يترك والديه من أجل خاطر امرأته ، أو يرميهما في دار الرعاية من أجل خاطر امرأته حتى لا تغضب عليه المدا م !! كما يسمونها ، حتى اللغة غيَّروها !! لا يعرفون اللغة العربية ،
طول الحج ما نسمع إلا جئت أنا والمدام ، سويت أنا والمدام ، فعلت أنا والمدام ، ذهبت أنا والمدام !! طيب يا أخي لماذا هذه اللغة الفرنسية ؟؟ مدري أي لغة أخرى ؟؟
ينبغي للمسلم أن لا يلجأ إلى هذه اللغات إلا عند الحاجة والضرورة عندما لا يجد بديلاً عنها أما تأتي تقول : المدام و ميسيز ومدري إيش ومستر وكلام فارغ لتظهر للناس أنك تعرف اللغة كي يقولوا أوووووووووه فلان ما شاء الله !! ليتك حفظت بدلاً من هذا كتاب الله - عز وجل - أو آياتٍ من كتاب الله ، أنا لا أحرِّم تعلم اللغة ، لا ، هذا من العلم المطلوب لكن أقصد أن لا نتحدث به من غير حاجة - فانظر إلى موقف الرجل أولاده يبكون طول الليل وهو واقف بالإناء حتى يفيق أبواه !! الله أكبر ، سبحان الله !! .
حدثني أحدهم أن ولده كان يقول له : يا بوي إذا جاء زملائي لا تجلس هنا حتى لا يروك وأنت رجل مسن ورجل قرف !!
يعني ما يريد الخنافس والجعول - هم خنافس وجعول تجدهم ، تعرفون الجعول ؟؟ جمع جعل .
إنَّ طيب الورد مؤذٍ للجعل .
فتجد هذا خنفس وهذا خُنفس وهذا خنفس ولا يريد أن يرى هؤلاء الخنافس أباه ذا اللحية الطويلة والشيبة والمستقيم على طاعة الله حتى لا يضحكوا عليه !! يقولك إيش تبغى بهذا العاجز هذا القرف ذا !!
فانظر إلى أي حالٍ وصل الأمر !!
ولكن كما تدين تدان ، ما تفعله في آبائك سوف يفعله بك أبناؤك غداً . إن رميتهم سوف يرمونك ، إن أدخلتهم دار الرعاية سوف يدخلونك دار الرعاية ، هذا إن سلمت من ضربهم ومن عقوقهم الذي هو أكبر .
يقول الرجل : فوقفت على رأسَيهما والصبية يتضاغون تحتي حتى أفاقا عند الصباح فشربا . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه ، فانفرج قليل من الصخرة لكنه لا يتسع لخروجهم ، أنظر نتيجة الإخلاص ، نتيجة الإخلاص لله - عز وجل -
ثم قام الآخر وقال : يا رب إنه كانت لي إبنة عم وكنت أحبها كأكثر ما يحب الرجال النساء ، فراودتها عن نفسها فامتنعت ثم إنها ألمَّت بها فاقة - يعني أصابتها حاجة وأعوزت - فجاءت إليَّ تطلب العون والمساعدة فقلت حتى تُخلي بيني وبين نفسك ففعلت وأعطيتها مئة وعشرين ديناراً أو درهماً ،
يقول الرجل : فلما جلست منها مجلس الرجل من امرأته وفي رواية صحيحة فلما قعدت بين رجليها - أنظر خوف الله - عز وجل - ماذا يفعل بأصحابه ؟؟ أنظر ، أنظر !! من يراهم ؟؟ هاه ؟؟ الله وحده ، لا يراهم إلا الله ، قالت هذه المؤمنة : إتقَّ الله ، إتقَ الله ولا تفضَّ هذا الخاتم إلا بحقه ، سبحان الله !! حقه يعني الزواج ، يقول : فقمت . قام خوفاً من الله ، هنا أن تعبد الله كأنك تراه ، يقول : فقمت وتركت لها الدنانير وخليتها . اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه ، طبعاً هو تركها خوفاً من الله ، لم يتركها لأنه رآى فلاناً أقبل عليه !! وإنما عندما ذكَّرته بالله تذكر (( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا إذا هم مبصرون )) ثم انفرجت الصخرة لكن ما زالت لا تتسع لهم .
ثم قام الثالث - والحديث في الصحيحين كما سمعنا - فقال اللهم إنه كان لي أُجَراء - يعني عمال يعملون عنده - فأعطيت كل واحد منهم حقه إلا واحداً منهم ذهب ولم يرجع ليأخذ حقه ، يقول : فثمَّرت له ماله ، نمَّيته له حتى أصبح له وادٍ من الإبل ووادٍ من البقر ووادٍ من الذهب والفضة ومن الرقيق يقول : فجاءني ذات يومٍ وقال : أي عبد الله أعطني حقي - أجره الذي قبل سنين - يقول : فقلت هذا الذي ترى أمامك كله حقك . فقال : أتهزئ بي ؟؟!
قال : لا والله ما هزئت بك ولكنه حقك ثمَّرته لك ، يقول : فاستاقه ولم يترك منه شيئا ، نسي من الفرح أن يعطي حتى هذا الرجل الذي ثمَّر له ماله .
يقول : اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ، هذه الأمانة ، وهذا من التوسل بالأعمال الصالحة التي أخلص فيها العبد لربه ،
توسل الأول : ببر والديه وهو عمل صالح ، وتوسل الثاني بعفته وتركه المعصية وهو عمل صالح ، وتوسل الثالث بأمانته وصدقه وهو عمل صالح ، فأنجاهم الله - عز وجل -
وهكذا
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ، ولا يذهب العرف بين الله والناس .
فانظر كيف فرَّج الله عنهم بسبب هذا العمل الجليل الذي قاموا به ،
فعلينا أن نسلك هذه السبل وأن نراقب الله - عز وجل - ما دُمنا في دار المراقبة قبل أن نعجز عن ذلك فإن هذا هو طريق الخلاص وطريق النجاة وطريق النجاح وطريق الفوز لمن أراد الفوز ، فَقَمِنٌ بنا أن ننظر مثل هذه الأحوال حتى نقلد أهلها ونتشبه بهم ، فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ، إنَّ التشبه بالكرام فلاحُ . بخلاف الذين يتشبهون بالكفار أو بالمبتدعة فإنهم في شر حالٍ و " من تشبه بقومٍ فهو منهم "
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقني وإياكم لما فيه رضاه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
قامت بتفريغ المادة الصوتية الاخت ام عبد الرحمان وعبد الله جزاها الله خيرا
رابط المادة الصوتية http://www.alsoheemy.net/play.php?catsmktba=1879
تعليق