اتحاف المؤمنين بحكم الاحتفال بمولد خاتم النبيين
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
المقـدمـة:
إن الحمـــد للــه نحمــده ونستعينــه ، ونستغفــره ونتـــوب إليـه ، ونعوذ بالله مــن شــرور أنفسنا وسيئــات أعمالنــا ، مــن يهدي الله فهــو المتهـدي ومــن يضلل فلا هادي لـــــه ، وأشهــد أن لا إلــــــه إلا الله ، وحــده لاشريك لــه ، القائل في كتابه الكريم : { وأن هــذا صــراطي مـستقيما فاتبعــوه ولا تتبعـوا السبل ، فتفرق بكم عن سبيــله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } الأنعــام : 153 / ، وأشهــد أن محمدا عبده ورســــــوله ، بلغ الرسالــة ، وأدى الأمــانة ونصــح الأمــة ، وحــذرها من البدع والتشبــه بالكفــار فقال : << إياكم ومحدثات الأمــور ، فإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بــدعة وكل بدعــة ضــلالة ... } 1 / وقال :<< لتتبعن سنن مــن كان قبلكم شبرا بشبـر وذراعا بــذراع حتى لو دخــلوا جحــر ضب لدخلتمــوه . قالـوا يا رسول الله ، اليهود والنصـارى قال: فمــن >> 2 / وصلى الله عليه وعلى آلــه وأصحــابه ، ومن اهتــدى بهديه واقتفى أثـره إلى يوم الدين .
إن مســـألـــة الأعياد ، والاحتفالات البـــدعية ، مــن أشــد وأخطـــر ما تساهــل فيه المسلمـــون ، بعــد القــرون الفاضلـة ، فقد ســارع كثيــر منهم إلى التشبه بالأمــم الأخـرى ، في أعيادها ، واحتفالاتهــا .
--------------------
1 ـ حديث صحيــح رواه بهذا اللفظ وأتم منه وأطول ابن ماجة ( ح 46 ) ورواه بألفاظ متقاربة كل من أبي داود ( 4607 ) وأحمد ( 4 / 126 ـ 127 ) والترمذي ( 2678 ) والحاكم ( 1 / 95 ـ 97 ) .
2 ـ هذا الحديث من الأحاديث الصحيحـة المستفيضة في الصحاح والسنن والمسانيد وقد أخرجاه في الصحيحين من طرق وألفاظ متعددة .
الصفحة [2]
فأحــدث بعضهــــــم بـــدعة الاحتفــال بالمــــولد النبوي والاحتفال بليلــة الإســـراء والمعراج والنصف من شعبان ، ورأس العام ، وهــذه الأعياد الوطنيــة والقوميــة ، التي تزداد يوما بعد يوم بين المسلمين ، وغيرها ، من الأغــلال والآصـار ، التي ابتليت بها الأمــة الإســلامية وما أنزل الله بها من سلطــــان .
ولقد هالني ما رأيت وقرأت مــن المنكــرات ، وقول الزور والبهتان على الله ، والانــتكاسات التي كانت سببا في هذا الانحطــاط الذي تعيشه الأمة ، والذل والهوان ، حتى أصبح البون شـاسعا ، والمسافـة بعيدة جــدا بين ما أراده الإســلام للمسلمين أن يكونـوا عليه ، وما أرادوه هــم لأنفسهـــــم ،بسبب الابتداع في الدين ، لذا أجريت القلـــم لأبين بعض الحقائق التي غشنا فيها بعض الأغــرار الأغمار من المتعالميــن وقلبوا وجـه الحــق فيها ، ومن أهمهــــا وأخطرها هذه المســألــة : << بدعـة المولــد النبوي >> التي تكلم فيها الكثير في هــذه الأيام وكتب فيها الكثير ممـن يهرفون بما لا يعرفون ، ويقولون ما لا يعلمــون ، وفي مقـدمتهــم صاحب القول الجلي في بيان حكم الإحتفـال بمولــد النبي صلى الله عليه وسلم . الذي نشــر مقالـه في جــريدة عالم السياســة ، العدد ( 92 ) .
لقد حز في نفسي كثيرا أن يصــدر مثل هذا الخلــط ، والخبط في فهم النصوص وتحريفها من طالب علم ينتسب إلى العلوم الشرعية –زعم - وللأسف الشــديد ، وهذا من أكبر الدوافع التي حفزتني أن أكتب في الموضوع وأجليــه ، على قلة البضاعة وضعف الهمة ، والله أســال الإعــانة فيما توفيت من الإبانة ، إنه بالإجابة جــدير وهو على كل شيء قدير ، كما أسألــه سبحانه أن ينفع به كاتبه وقارئه وأن يجعله ذخرا لي يوم الورود على الحوض يوم يقول النبي صلى الله عليه وسلم : << ألا سحقا لمن بدل ألا سحقا لمن بدل>> وفي رواية: <<لمن أحدث >> (1 ) .
--------------------
1 ـ رواه البخاري (13 / ص 3/ فتح الباري ) .
الصفحة [3]
تمهيــــد :
لقد بين لنا الشارع أنه لم يشـرّع للمسلمين إلا عيدين هما: عيد الأضحى ، وعيد الفطر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ الأعياد ســواء كانت أعيادا جـديدة ، أو أعيادا قديمة تُحيى ، كما بين لنا أن مسـألة الأعياد من المسـائل الشرعية التعبدية ، التي لا يجـوز الابتـداع فيها ، ولا الزيادة ، ولا النقـص في المشروع في حدود الاستطاعة، وعليه فلا يجـوز إحـداث أعياد غير ما شرعه الله ورسوله.
وقد بين علماؤنا قديما وحديثا أن كل اجتماع عام يحدثه الناس ، ويعتادونه في زمان معين أو مكان معين ، أو هما معا ، فإنه عيد ، كما أن كل أثر من الآثار القديمة أو الجديدة يحييه النّاس ويرتادونه ، فإنه يكون عيدا ، وذلك كآثار الجاهلية ، وأوثانها . فقد كان للنّاس فبل الإســلام أعياد ، زمانية ومكانية كثيرة ، وكلها حرمها الإســلام ، وأماتـها ، وشرع للمسلميــن عيدين فقــط . فقد دلت السنة على ذلك بوضوح وصراحة ، كما دل عليه فعل المسلمين في صــدر الإســلام أتباع السلف الصالح، وإجماعهــم ، وما أثر عنهم من النهي عن ذلك والتحذير منه أكثر من أن يحصى .فإذا عرفنا ذلك ، وعرفنا أن ما شاع بين المسلميــن من أعياد واحتفالات لم يكن يفعلـــه الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل نهى عنه ، ولم يكن الصحابة ولا التابعون خلال القرون الفاضلة ، يفعلون ذلك ، بل كانـوا ينهون ويحذرون من الوقــوع فيه ، فهذا يكفي للحكم على هــذه الأعياد والاحتفالات المحدثة ، بأنهـا دسيســة من دسائس المبطلين ، وغفلــة وجهل من أكثر المسلمين ، مهما بررها النّاس ورضوهــا ، والتمســوا لها الفتاوى والتأويلات التي لا تستنــد إلى كتاب الله وسنة رسولــه ، فأي عيد ، أو احتفال ليس له في كتاب الله وسنة رسولــه صلى الله عليه وسلم أصل ، ولم يعهد في عصر الصحابة ، والقرون الفاضلــة ، فإنما قام على الباطل ، وما بني على باطل فهو باطل ، والخير كل الخير في إتباع من سلف ، والشر كل الشـر في إتباع من خلف ، ويقال لمن فعلــه أو أحلــه بعد ذلك: هاتـوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولن يجــدوا إلا قول من سبقوهم:{{ إنا وجـدنا آباءنا على أمـة،وإنا على آثارهــم مهتـدون }}[ الزخـرف : 22 ] .
وإن أقوى حجـة يستنـد إليهـا المتشبثــون بهذه الأعياد والاحتفالات المبتــدعة ، قولهــم بأن ذلك ـ خاصة الاحتفال بالمولد النبوي ـ مما تعارف عليه المسلمــون ، وعمله ورضيه بعض العلماء والملوك المسلميــن ، وكذلك تمسكـوا ببعض الأحاديث والآثار منها ما هو ضعيف ، ومنها ما هو موضوع وقليل منها ثابت صحيح ، ولكن بعدما لوو رؤوسهــا نحو ما يوافـق أهواءهـم ، ليدلسـوا بها على الأمــة ويزينــوا بها باطلهــم .
وبالرغم من أن عصرنا هذا، من أسوأ عصور المسلمين ، وأكثرها انحرافا بسبب هؤلاء الأئمة المضلين الذين تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته منهم ، إلا أننا نجـد طائفة من أهل العلم والعدل لا تزال تصدع بالحق ـ بحمد الله ـ وتحذر المسلميـن من الوقوع في البدع، والشركيات، وإقتداء بهم وجريا على منهاجهم لعلي أحشر في زمرتهم،أخذت قلمي لأكشف القناع عن دعاواهم الواهية وحججهـم المحرفة الباطلة ،ولكن بعد أن أعرف بمعنى الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيدا وموسما وشعيرة تعبدية وبعدها أعرف بالعيد، وأبين الأعياد التي شرعها الله لنا ، وأذكر شيئا من الآثار التي فيها النهي عن التشبه بالكفار في أعيادهم، ثم أنقل بعض كلام الذين ألفـوا في هذه المسألة أو تكلموا فيها في هذه الأيام، وبعدها أخص صاحب القول الجلي بالرد والمناقشة العلمية البعيدة عن سوء الأدب لأن السلفيين مؤدبون ، والتحريف والتطفيف وتغليظ القول إلا ما لا بد منه عملا بقوله تعالى:{{ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم }} [النساء:148 ] وقد ظلم صاحبنا أهل العلم واتهمهم بالجهل ، وسأنقل بعض كلامهــم رحمهم الله ليظهر للقارئ من الجهول من العدول ؟ في آخــر الرد ثم أختم بحثي بخلاصة أذكر فيها النتيجة التي توصلت إليها من خلال دراستي لهذا الموضوع ،ومسك الختـام أذكر نبذة قصيرة عن سـيرة صاحب المولد العطرة ، كنسبه ، وأسمائه، وصفاته الخِلقية والخـُلقية و...الخ ، وذلك معنى الإيمان بشهادة أنّ محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أجعل فهرسا مفصلا للمراجع والمصادر التي استقيت منها، وآخر لمحتويات البحث والله أسأل التوفيق والسداد .
الصفحة [4]
تعريف كلمة الاحتفال بالمولد النبوي: كلمة احتفال تعطى في اللغـة معنى الاهتمام والكثرة والاجتماع، يقال : فلان لم يحفل أو لم يحتفل بكذا ، أي لم يبال ولم يهتم به ، ويقال العروس تكتحل وتحتفل ، أي تتزين وتحتشد للزينــة ، ويقال شاة حافل أي كثيرة اللبن ، والجمع حًـفل ، وبقرة محفلة ، أي جمع لبنها في ضرعها ولم يحلب أياما لترويج بيعها ، والمحفل مجتمع النّاس(1 ) .
والاهتمام الفردي أو الجماعي بأمـر من الأمــور من طبيعة البشـر ، يدفع إليه جلب خير أو دفـع شـر ، والمحتفل به قد يكون أمرا واقعا حاضرا أو ماضيا ، أو منتظر وقوعـه ، فمن الاحتفال بالواقـع الحاضر ، الفرح بالمولــود عند ولادته أو ختانه ، وبالزواج عند العقد والتمليك أو الزفاف .
ومن الاحتفال بالماضي، تذكر أحداث وقعت في أماكن أو أوقات محددة، تستعيدها الذاكرة لتجدد فرحها وسرورها ، أو لتأخـذ العبرة والموعظـة منها.
وكلمة المولد :جمع مواليد، وموالد وهو: اليوم الذي يزداد فيــه المولود (2 ).وأن كلمة مولد مدلولها لا يختلف بين إقليم إسلامي وآخــر، إلا أنها لا تطرد بنفس اللفظ في كل البلاد الإسلامية،إذ أهل بلاد المغرب الأقصى (مراكش) يسمونها بالمواسم فيقال:موسم مولاي إدريس مثلا،وأهل المغرب الأوسط ( الجزائر ) يسمونها بالزِرد جمع زردة، فيقال زردة ( سيدي بالحملاوي ) مثلا، وأهـل مصر والشرق الأوسـط عامة يسمونها الموالد ، فيقولون مولد السيدة زينب ، ومولد السيد البدوي مثلا ، وسماها أهل المغرب بالمواسم لأنهم يفعلونها موسميا أي في العام مـرة ، وسماها أهل الجــزائر بالزردة باعتبار ما يقع فيها من ازدراد الأطعمة التي تطبخ على الذبائح التي تذبح للولي ، أو عليه بحسب نيات ومقاصد المتقربين .
--------------------
1 ـ لسان العرب لأبن منظـور (ج 2 / 932 ) .
2 ـ ترتيب القاموس (ج 4 / 755 ).
الصفحة [5]
وسماها من سماها بالحضرة إما لحضور روح النبي والولي فيها ، ولو بالعناية والبركة ، أو لحضور المحتفلين لها وقيامهم عليها .
هـذا بالنسبة إلى مجرد التسمية أما بالنسبة إلى ما يجري فيها من أعمال فإنها تختلف كيفا وكما بحسب وعي أهل الإقليــم ، وفقرهم ، وغناهم ، والقاسم المشترك بينهم فيها ما يلي :
1 ـ ذبـح النـذور والقرابين لمن يقام له الموسم ، أو الزردة ، أو المولد ، أو الحضرة والتقرب له بذلك وهذا نوع من الشرك ..
2 ـ اختلاط الرجـال الأجانب والنســاء الأجنبيات بعضهم ببعض ( بمعنى غير المحارم ) .
3 ـ الشطــح والرقص ، والتغبير ، وضرب الدفوف والطبول والتزمير بالمزامير المختلفة .
4 ـ إقامة الأسـواق للبيع والشـراء ، وخاصـة الأمـور التي يقام بها المولد أو الموسم أو الزردة .
5 ـ دعـاء الولي أو السيـد والاستغاثة به ، وطلب الشفاعة والولد والشفاء منه ، وهذا شرك والعياذ بالله .
6 ـ قد يحصل فيها من الفجــور وشرب الخمـور ، ولكن لا يطرد هـذا في كل البلاد ، ولا في كل الموالـد .
7 ـ مساعدة الحكام والملوك على إقامة هــذه المواسم بنوع من التسهيلات ، بالترخيص لها والإنفاق عليها ، وتعطيل العمل ودفع أجور العمال لذلك اليوم (1 ).
هــذا هو المولـد في عرف النّاس اليوم ، ومنــذ ابتداعــه على عهـد الملك المظفـر في بداية القرن السابع الهجري ، أوفي أواخر القرن السادس ، أما حكمـه في الشريعة الإسلامية فسأذكره في خلاصة البحـث.
والنبــوي: إضافــة إلى المكان أو اليوم الذي ولــد فيه صاحب النبــوة . والاحتفال بهذا اليوم في كل عام ، يجعلــه عيدا ، فما هو العيد ؟
--------------------
1 ـ الإنصاف فيما قيل في المولـد مـن الغــلو والإجحاف ( 39 ـ 41 ).
الصفحة [6]
تعريف العيـد : هو كل يوم فيه جمـع ، واشتقاقه من عاد يعود ، كأنهـم عادوا إليه ، وقيل: اشتقاقه من العادة لأنهم اعتادوه ، والجمع أعياد ، وعيّد المسلمون : شهدوا عيدهم (1) .
والعيد : اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد عائد ، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع ، أو الشهر ، ونحو ذلك ( 2 ) .
قال ابن القيم رحمه الله : العيد : ما يعتاد مجيئه وقصده ، من زمان ، ومكان . مأخوذ من المعودة والاعتياد < 3 > فإذا كان اسما للمكان ، فهو المكان الذي يقصد فيه الاجتماع والإنتياب بالعبادة وبغيرها ، كما أن المسجد الحرام ، ومنى ، ومزدلفة ، وعرفة ، والمشاعر ، جعلها الله تعالى عيدا للحنفاء ، ومثابة للناس ، كما جعل أيام العيد منها عيدا .وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية ، فلما جاء الإســلام أبطلها ، وعوض الحنفاء منها عيد الفطــر ، وعيد النحــر ، كما عوضهم عن أعياد المشركين المكانية بدار الكعبة ، والمشاعـر( 4 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فالعيد : يجمع أمورا : منها يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة ومنها: اجتماع فيه.ومنها أعمال تتبع ذلك: من العبادات والعادات،وقد يختص العيد بمكان بعينه ، وقد يكون مطلقا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا.
-------------------
1 ـ لسـان العرب لأبن منظور (ج 5 / 3159 ) .
2 ـ الدين الخالـص لصديق حسن خان (ج 3 / ص 595 ) .
3 ـ نفس المصدر ، وهو كلام لشيخ الإســلام ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم ( ج 1 / 441 ) أخذه عنه تلميذه ، وعنه صديق حسن خان في كتابه الذكور .
4 ـ نفس المصدر ( ج 1 / 441 ) .
الصفحة [7]
فالزمان : كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة : << إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا >> والاجتماع والأعمال : كقول ابن عباس : << شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم >> والمكان : كقوله صلى الله عليه وسلم : << لا تتخذوا قبري عيدا>> وقد يكون لفظ:العيد اسما لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب كقول النبي صلى الله عليه وسلم : << دعهما يا أبا بكـر فإن لكل قوم عيدا وإن هـذا عيدنا>> ( 1 ) . ونستخلص من هــذا : أن كلمة أعياد تطلق على ما يعود ويتكـرر ، ويغلب أن تكون على مستوى الجماعة أيا كانت هـذه الجماعة ، أسرة أو أهل قرية أو إقليم أو دولـة .
والمناسبات التي تقام لها هذه الأعياد قد تكون ماضية تتجــدد ، وقد تكون واقعة متجـددة بنفسها يحتفل بها كلما وقعت ،فالأولى كذكرى تأسيس دولة أو وقـوع معركة ، والثانية كالمهرجانات التي توزع فيها الهدايا على النوابغ في ميدان العلم ،أو الإنتاج المثمر المتميز في أي ميدان آخــر .
وهذه المناسبات التي يحتفل بها قد تكون دنيوية محضة ، وقد تكون دينية أو عليها مسحـة دينية ، والإســلام بالنسبة لما هو دنيوي لا يمنع منه إلا ما كانت النية فيه غير طيبة ، وما كانت مظاهره خارجـة عن حــدود الشــرع ، مما ينتج عن النيــة السيئة ، أما ما هو ديني فقد يكون منصوصا على الاحتفال به ، وقد يكون غير منصوص عليه ،بل منهي عنه ، فما كان منصوصا فهو مشروع بشرط أن يؤدى على الوجــه الذي شرع ، ولا يخرج عن حـدود الدين العامة ، أما ما لم يكن منصوصا عليه فللنّـاس قيه موقفان ، فموقف جمهــور علماء السلــف قديما وحديثا المنـع لأنـه بدعــة ، وذهب بعــض فقهــاء الخــلف إلى الجــواز لعــدم النص على منعـه ،وهذا ليس بشيء ، ولا يعد علما ، وقد عرفت أن القول بالتنصيص على كل مسألــة يجعلنا ندخــل كثيرا من البدع في الدين لأن الشارع لم ينص عليها بعينها ، والله سبحانه وتعالى لم يفرط في شيء من أمــور الدين مما يحتاج إليه عباده.
--------------------
1 ـ نفس المصدر السابق ( ج 1 / 441 -442 )والحديث رواه البخاري في صحيحـه .
الصفحة [8]
قال سبحانه :{{ا فرطنا في الكتاب من شيء}}وكلمة << شيء >> نكرة والنكرة في سياق النفي، أو النهي، أو الاستثناء تعم كل شيء، صغيرا كان أو كبيرا، قال سبحانه وتعالى : {{ تبيانا لكل شيء }}.
الأعياد التي شرعها الله لهذه الأمة عوضا عن أعياد الجاهلية :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : << قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما . فقال : ( ما هذان اليومان ؟) قالــوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما : يوم الأضحى ويوم الفطــر ) >> (1 ) ،وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة : عيدا في غير موضع ،ونهى عن إفراده بالصوم . لما فيه من معنى العيد ، ففي سنـن ابن ماجـة ومسند أحمد من حديث أبي لبابة بن المنذر قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : <<... وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ، ويوم الفطـر ... >> (2 ) .
النهي عن التشبه بالكفار أو مشاركتهـم في أعيادهم :
فوجه الدلالــة من الحديث الأول : أن العيدين الجاهليين لم يقرهما رسول الله ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة ، بل قال : <<إن الله أبدلكم بهما خيرا منهما >>.الإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه،إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه ،ولهذا لا تستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما ، كقوله سبحانه:{{ أفـتـتـخذونه وذريــتـه أولياء من دوني وهم لكم عدو بئـس لـلـظـالمين بدلا }}[ الكهف :50 ] وقوله تعالى :{{ ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب}} [النساء : 2 ].
-----------------
1ـ رواه أبو داود في سننه ( ح /1134 ) . ورواه أحمد ، والنسائي من طريق موسى بن إسماعيل، وهذا إسناد على شرط مسلم. قاله أبن تيمية:اقـتضاء الصراط المستقيم (ج ا / 432).
2 ـ أخرجـه ابن ماجـة ( ح / 1084 ) وأحمد في المسند (ج 3 / 430 ) وإسناده حسن.
الصفحة [9]
فقول النبي صلى الله عليه وسلم : << إن الله أبدلكم بهما خيرا منهما >> يقتضي ترك الجمع بينهما لاسيما وقوله : << خيرا منهما >> يقتضي الاعتياض بما شرع لنا ، عما كان في الجاهلية . وأيضا فقوله : >> إن الله قد أبدلكـم << لمّــا ســألـهـم عـن الـيـومـيـن فـأجـابوه : >> بأنهما يومان كانـوا يلعبون فيهما في الجاهلية << دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضا بيومي الإســلام ، إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسبا ، إذ أصل شرع اليومين الإسلاميين كانوا يعلمونه ، ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية ( 1 ) .
ووجـه الدليل من الحديث الثاني : أن الله أضل عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحــد ، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة ، فجعل الله ثلاثة أعياد الجمعة والسبت والأحـد ، ثم جعل كل واحد منها مختصا بما جعل فيه له ، ولا يشركه فيه غيره ، فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت ، أو عيدهم يوم الأحـد ، خالفنا هذا الحديث ، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي ، فكذلك في العيد الحولي ( 2 ). فكذلك يقال في الأعياد المكانية لقولـه عليه الصلاة والسلام :>> فهل كان بها عيد من أعيادهم ؟<< وقد جعل الله لكل من هؤلاء شرعة ومنهجا فقال سبحانه : ) لكل جعلنا منكم شرعــة ومنهاجا { المائدة : 48 / .
وقال عليه الصــــلاة والسلام:>> إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا << وهذا الاختصاص يقتضي النهي عن مشاركتهم ومشابهتهم في أعيادهم .
--------------------
1 ـ اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيـم ( ج 1 / 433 ـ 434 ).
2 ـ نفس المصدر .
يتبع إن شاء الله ...
تعليق