عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إذا أدرك أحدكم ( أول ) سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته
و إذا أدرك ( أول ) سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " .
و إذا أدرك ( أول ) سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " .
صحيح . الصحيحة 66
-----------------------
-----------------------
و من ذلك يتبين أن الحديث يعطينا فوائد هامة :
الأولى : إبطال قول بعض المذاهب أن من طلعت عليه الشمس و هو في الركعة الثانية من صلاة الفجر بطلت صلاته ! و كذلك قالوا فيمن غربت عليه الشمس و هو في آخر ركعة من صلاة العصر ! و هذا مذهب ظاهر البطلان لمعارضته لنص الحديث كما صرح بذلك الإمام النووي و غيره .
و لا يجوز معارضة الحديث بأحاديث النهي عن الصلاة في وقت الشروق و الغروب لأنها عامة و هذا خاص , والخاص يقضي على العام كما هو مقرر في علم الأصول .
و إن من عجائب التعصب للمذهب ضد الحديث أن يستدل البعض به لمذهبه في مسألة , و يخالفه في هذه المسألة التي نتكلم فيها ! و أن يستشكله آخر من أجلها ! فإلى الله المشتكى مما جره التعصب على أهله من المخالفات للسنة الصحيحة !
الفائدة الثانية : الرد على من يقول : إن الإدراك يحصل بمجرد إدراك أي جزء من أجزاء الصلاة و لو بتكبيرة الإحرام و هذا خلاف ظاهر للحديث , و قد حكاه في " منار السبيل " قولا للشافعي , و إنما هو وجه في مذهبه كما في " المجموع " للنووي ( 3 / 63 ) و هو مذهب الحنابلة مع أنهم نقلوا عن الإمام أحمد أنه قال : لا تدرك الصلاة إلا بركعة . فهو أسعد الناس بالحديث . و الله أعلم .
قال عبد الله بن أحمد في مسائله ( ص 46 ) : " سألت أبي عن رجل يصلي الغداة , فلما صلى ركعة قام في الثانية طلعت الشمس ، قال : يتم الصلاة , هي جائزة . قلت لأبي : فمن زعم أن ذلك لا يجزئه ? فقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : من أدرك من صلاة الغداة ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك " .
الفائدة الثالثة : و اعلم أن الحديث إنما هو في المتعمد تأخير الصلاة إلى هذا الوقت الضيق , فهو على هذا آثم بالتأخير , و إن أدرك الصلاة, لقوله صلى الله عليه وسلم " تلك صلاة المنافق , يجلس يرقب الشمس , حتى إذا كانت بين قرني الشيطان , قام فنقرها أربعا , لا يذكر الله فيها إلا قليلا " . رواه مسلم ( 2 / 110 ) و غيره من حديث أنس رضي الله عنه . و أما غير المتعمد , و ليس هو إلا النائم و الساهي , فله حكم آخر , و هو أنه يصليها متى تذكرها و لو عند طلوع الشمس و غروبها , لقوله صلى الله عليه وسلم " من نسي صلاة ( أو نام عنها ) فليصلها إذا ذكرها , لا كفارة لها إلا ذلك , فإن الله تعالى يقول : ( أقم الصلاة لذكري ) " . أخرجه مسلم أيضا ( 2 / 142 ) عنه , و كذا البخاري .
الفائدة الرابعة : و معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " فليتم صلاته " , أي لأنه أدركها في وقتها , و صلاها صحيحة , و بذلك برئت ذمته . و أنه إذا لم يدرك الركعة فلا يتمها . لأنها ليست صحيحة , بسبب خروج وقتها , فليست مبرئة للذمة .
و لا يخفى أن مثله و أولى منه من لم يدرك من صلاته شيئا قبل خروج الوقت , أنه لا صلاة له , و لا هي مبرئة لذمته . أي أنه إذا كان الذي لم يدرك الركعة لا يؤمر بإتمام الصلاة , فالذي لم يدركها إطلاقا أولى أن لا يؤمر بها , و ليس ذلك إلا من باب الزجر و الردع له عن إضاعة الصلاة , فلم يجعل الشارع الحكيم لمثله كفارة كي لا يعود إلى إضاعتها مرة أخرى , متعللا بأنه يمكنه أن يقضيها بعد وقتها , كلا , فلا قضاء للمتعمد كما أفاده هذا الحديث الشريف و حديث أنس السابق : " لا كفارة لها إلا ذلك " .
و من ذلك يتبين لكل من أوتي شيئا من العلم و الفقه في الدين أن قول بعض المتأخرين " و إذا كان النائم و الناسى للصلاة - و هما معذوران - يقضيانها بعد خروج وقتها , كان المتعمد لتركها أولى " , أنه قياس خاطئ بل لعله من أفسد قياس على وجه الأرض , لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه , و هو فاسد بداهة , إذ كيف يصح قياس غير المعذور على المعذور و المتعمد على الساهي .
و من لم يجعل الله له كفارة , على من جعل الله له كفارة !! و ما سبب ذلك إلا من الغفلة عن المعنى المراد من هذا الحديث الشريف , و قد وفقنا الله تعالى لبيانه , و الحمد لله تعالى على توفيقه .
و للعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بحث هام مفصل في هذه المسألة , أظن أنه لم يسبق إلى مثله في الإفادة و التحقيق , و أرى من تمام هذا البحث أن أنقل منه فصلين أحدهما في إبطال هذا القياس . و الآخر في الرد على من استدل بهذا الحديث على نقيض ما بينا .
قال رحمه الله تعالى بعد أن ذكر القول المتقدم : " فجوابه من وجوه :
أحدها المعارضة بما هو أصح منه أو مثله , و هو أن يقال : لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور - المطيع لله و رسوله الذي لم يكن منه تفريط في فعل ما أمر به و قبوله منه - صحته و قبوله من متعد لحدود الله , مضيع لأمره , تارك لحقه عمدا و عدوانا . فقياس هذا على هذا في صحة العبادة , و قبولها منه , و براءة الذمة بها من أفسد القياس " .
الوجه الثاني : أن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها , بل في نفس وقتها الذي وقته الله له , فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ و يذكر , كما قال صلى الله عليه وسلم : " من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها " رواه البيهقي و الدارقطني .
فالوقت وقتان : وقت اختيار , و وقت عذر , فوقت المعذور بنوم أو سهو , هو وقت ذكره و استيقاظه , فهذا لم يصل الصلاة إلا في وقتها , فكيف يقاس عليه من صلاها في غير وقتها عمدا و عدوانا ?!
الثالث : أن الشريعة قد فرقت في مواردها و مصادرها بين العامد و الناسي , و بين المعذور و غيره , و هذا مما لا خفاء به . فإلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز .
الرابع : أنا لم نسقطها عن العامد المفرط و نأمر بها المعذور , حتى يكون ما ذكرتم حجة علينا , بل ألزمنا بها المفرط المتعدي على وجه لا سبيل له إلى استدراكها تغليظا عليه , و جوزنا للمعذور غير المفرط .
( فصل ) :
و أما استدلالكم بقوله صلى الله عليه وسلم : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك " فما أصحه من حديث . و ما أراه على مقتضى قولكم ! فإنكم تقولون : هو مدرك للعصر , و لو لم يدرك من وقتها شيئا البتة .
بمعنى أنه مدرك لفعلها صحيحة منه , مبرئة لذمته , فلو كانت تصح بعد خروج وقتها و تقبل منه , لم يتعلق إدراكها بركعة , و معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن من أدرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إثم بل هو آثم بتعمد ذلك اتفاقا .
فإنه أمر أن يوقع جميعها في وقتها , فعلم أن هذا الادراك لا يرفع الإثم , بل هو مدرك آثم , فلو كانت تصح بعد الغروب , لم يكن فرق بين أن يدرك ركعة من الوقت , أو لا يدرك منها شيئا .
فإن قلتم : إذا أخرها إلى بعد الغروب كان أعظم إثما .
قيل لكم : النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين إدراك الركعة و عدمها في كثرة الإثم و خفته , و إنما فرق بينهما في الإدراك و عدمه . و لا ريب أن المفوت لمجموعها في الوقت أعظم من المفوت لأكثرها , و المفوت لأكثرها فيه , أعظم من المفوت لركعة منها .
فنحن نسألكم و نقول : ما هذا الإدراك الحاصل بركعة ? أهذا إدراك يرفع الإثم ? فهذا لا يقوله أحد ! أو إدراك يقتضي الصحة , فلا فرق فيه بين أن يفوتها بالكلية أو يفوتها إلا ركعة منها " .
______________
منقول بتصرف من كتاب / نظم الفرائد مما في سلسلتي الألباني من فوائد
تأليف / عبد اللطيف بن محمد بن أحمد بن أبي ربيع
ج1/ص293-299
تعليق