بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
((العبد المطلق ))
وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثر على غيره , بل غرضه تتبع رضاة الله تعالى أين كانت . فمدار تعبده عليها . فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية , كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها , واشتغل بها حتى يلوح له منزلة أخرى . فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره : فإن رأيت العلماء رأيته معهم , وإن رأيت العباد رأيته معهم , وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم , وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم , وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم , وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رايته معهم .
فهذا هو العبد المطلق , الذي لم تملكه الرسوم , ولم تقيده القيود , ولم يكن عمله على مراد نفسه , وما فيه لذاتها وراحتها من العبادات . بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه .
فهذا هو المتحقق بإياك نعبد وإياك نستعين حقا , القائم بها صدقا . ملبسه ما تهيأ , ومأكله ما تيسر , واشتغاله بما أمر به في كل وقت بوقته , وجلسه حيث انتهى ووجده خاليا , لاتملكه إشارة , ولا يتعبده قيد , ولا يستولي عليه رسم , حر مجرد , دائر مع الأمر حيث دار , يدين بدين الأمر أنى توجهت ركائبه , ويدور معه حيث استقلت مضاربه يانس به كل محق , ويستوحش منه كل مبطل , كالغيث حيث وقع نفع , وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعه حتى شوكها . وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله , والغضب إذا أنتهكت محارم الله .
فهو لله وبالله ومع الله , قد صحب الله بلا خلق , وصحب الناس بلا نفس . بل إذا كان مع الله عزل الخلائق من البين وتخلى عنهم , وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها
(( فواها له ))!!!. ما أغربه بين الناس , وما أشد وحشته منهم , وما أعظم انسه بالله وفرحه به . وطمأنينته وسكونه إليه !! والله المستعان وعليه التكلان . أنتهى كلامه رحمه الله .
بدائع التفسير ص 52
دار ابن الجوزي
((العبد المطلق ))
وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثر على غيره , بل غرضه تتبع رضاة الله تعالى أين كانت . فمدار تعبده عليها . فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية , كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها , واشتغل بها حتى يلوح له منزلة أخرى . فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره : فإن رأيت العلماء رأيته معهم , وإن رأيت العباد رأيته معهم , وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم , وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم , وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم , وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رايته معهم .
فهذا هو العبد المطلق , الذي لم تملكه الرسوم , ولم تقيده القيود , ولم يكن عمله على مراد نفسه , وما فيه لذاتها وراحتها من العبادات . بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه .
فهذا هو المتحقق بإياك نعبد وإياك نستعين حقا , القائم بها صدقا . ملبسه ما تهيأ , ومأكله ما تيسر , واشتغاله بما أمر به في كل وقت بوقته , وجلسه حيث انتهى ووجده خاليا , لاتملكه إشارة , ولا يتعبده قيد , ولا يستولي عليه رسم , حر مجرد , دائر مع الأمر حيث دار , يدين بدين الأمر أنى توجهت ركائبه , ويدور معه حيث استقلت مضاربه يانس به كل محق , ويستوحش منه كل مبطل , كالغيث حيث وقع نفع , وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعه حتى شوكها . وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله , والغضب إذا أنتهكت محارم الله .
فهو لله وبالله ومع الله , قد صحب الله بلا خلق , وصحب الناس بلا نفس . بل إذا كان مع الله عزل الخلائق من البين وتخلى عنهم , وإذا كان مع خلقه عزل نفسه من الوسط وتخلى عنها
(( فواها له ))!!!. ما أغربه بين الناس , وما أشد وحشته منهم , وما أعظم انسه بالله وفرحه به . وطمأنينته وسكونه إليه !! والله المستعان وعليه التكلان . أنتهى كلامه رحمه الله .
بدائع التفسير ص 52
دار ابن الجوزي